التنمـُّـر
GMT 12:30:00 2007 الأحد 25 فبراير
عبد الرحمن مصطفى

عبدالرحمن مصطفى : التنمر.. الاستقواء.. الاستئساد.. كلمات تدور حول معنى واحد، هو سيطرة فرد أو مجموعة على فرد آخر، بهدف ممارسة السلطة والسيادة عليه، وقد يتضمن ذلك إيذاء لفظيا أو جسديا كالإساءة الجنسية، و التمييز العرقي و الديني، بهدف العزل عن المجتمع.

تنتشر تلك الممارسة في أوساط الشباب والمراهقين عن كبار السن، وبعض تلك الممارسات قد تؤثر على حياة الشاب ورؤيته للحياة عندما يتعرض لها في سن صغيرة.. خصوصا ذا ما صاحب ذلك استغلال جنسي أو مالي.

ولا تلقى هذه القضية الاهتمام الكافي في مجتمعاتنا العربية، الأمر الذي يبدو واضحا في عدم وجود بيانات وإحصاءات كافية حول ممارسات التنمر في المجتمعات العربية، وفي حالة وجود مثل هذه الدراسات فلا يتم تحويلها إلى قضية إعلامية محل الاهتمام، في الوقت الذي تمتلئ فيه برامج الإعلام الغربي، ومواقع الانترنت بإحصاءات وحملات تقف ضد ممارسة التنمر والاستقواء على الآخرين.

التنمر يتقدم

حسب نشرة الاتحاد الطبي الأمريكي لعام 2001 نجد في أمريكا وحدها أن واحد من كل عشرة طلاب في المرحلة الثانوية تعرض لمضايقات من زملائه المتنمرين، وأن 30% من المراهقين قد تعرضوا لمضايقات بسبب سلوك التنمر المتفشي في هذه المرحلة العمرية .

ولنا أن نتصور كم الضغط النفسي الذي يتعرض له الشاب مع هذه المضايقات إذا ما طالعنا موقعا كيوتيوب الذي يضم العديد من اللقطات الشخصية التي سجلها الشباب، والتي حمل بعضها مقالب وتحرشات مسجلة على فضاء الانترنت قد يصاحبها تعليقات حادة.

الشاب الذي يتعرض لهذه المضايقات بحيث يكون هدفا للمتنمرين، تطرأ عليه تغييرات في السلوك والممارسة الاجتماعية، حيث يتجه إلى القسوة مع من حوله والابتعاد عن الآخرين وعدم الود إلى جانب القلق والتوتر، ومع الشخصيات التي تحمل حساسية زائدة قد تتطور الأمور إلى الإصابة بالاكتئاب، خصوصا وان أغلب من يتعرض إلى مضايقات أو تحرشات أو سخرية لا يقوم بتبليغ إدارة المدرسة أو المكان الذي يجمعه بالمتنمرين، إلى جانب أن بعض تلك المضايقات قد تتم في الشوارع والساحات، حيث لا سلطة على المتنمرين .
التنمر الالكتروني
لم تقتصر ممارسة التنمر على البيئة الواقعية، بل امتدت إلى فضاء الانترنت والتجمعات الافتراضية، داخل المنتديات وغرف الشات والملتقيات الالكترونية على الشبكة، وقد يتعرض الشاب أو الفتاة لمثل هذه المواقف كأن تأتيه رسالة غامضة حادة المضمون أو تهديد بسرقة بريده الالكتروني.. وأحيانا ما يتعرض لهجوم عبر رسائل ذات مضمون جنسي خصوصا بالنسبة للفتيات الشابات وصغار السن من رواد الانترنت، تلك السلوكيات قد لا تكون حصرا على الشباب، لكنها الأكثر انتشارا بينهم، خصوصا وأنهم يمثلون الفئة الأنشط على الشبكة داخل الملتقيات الالكترونية.

العديد من المواقع وخبراء التعامل مع الانترنت وجهوا عدة نصائح عند التعرض لمثل هذا النوع من أنواع التنمر منها:

- إن وصلت بريدك تهديدات مخالفة للقانون بصورة واضحة، يجب إبلاغ الجهات الأمنية دون تردد.
- لا تقم بحذف رسالة ذات مضمون سيء موجهة لشخصك فقد تحتاج إليها في التعامل مع هذا الموقف فيما بعد.
- لا تقم بالرد على مثل هذا الرسائل أو النداءات الالكترونية.
- في الملتقيات الالكترونية التي لا تضمن السيطرة على أعضاءها بالإمكان استخدام حساب جديد، أما في الملتقيات التي يتواجد فيها مشرفين فيجب تبليغهم فورا عن مخالفات الأعضاء .
- لا تقم بتبادل صور آخرين أو بيانات آخرين دون إذنهم، لأنك قد تشارك في إيذاءهم دون أن تدري.
- إن وصلتك رسالة تهاجم شخصا آخر، أو تمارس تنمرا واستقواء عليه فلا تحولها إلى بريد آخر كي لا تسهم في إنجاح عمل هذا المتنمر .
- دائما لا تتيح معلوماتك الشخصية من كلمات سر، وأرقام الهاتف وبيانات على الانترنت، فهي مادة تجتذب المتنمرين .

في بيئة العمل
أجرت إحدى المؤسسات البريطانية التي تعمل في أبحاث السوق والتوظيف عددا من الأبحاث حول التنمر في مجال العمل وإتاحتها لزوار موقعها على الشبكة، وجاءت نتائج إحدى الدراسات التي أجريت على 31000 موظف، أن أكثر من نصفهم قد تعرض للتنمر أثناء عمله ما بين سخرية وحدة من زملائه أو ضغوط من المدير في العمل، بينما أكد أكثر من ثلثهم أن تلك التجاوزات ما زالت تمارس في حقهم بصورة دائمة منذ عام.

وتشير إحصائية أخرى إلى أن واحدا من كل خمسة عاملين في الولايات المتحدة، وبريطانيا وكندا واستراليا هم ضحايا للتنمر في مكان العمل.
إذا فالتنمر ومضايقاته ليست ظاهرة قاصرة على المراهقين أو طلبة المدارس، بل قد تمتد إلى مرحلة العمل، خصوصا مع الشباب صغير السن الذي يبدأ السلم الوظيفي من بدايته عندما يكون في موقف اضعف .

ولمواجهة مثل هذه الظاهرة والتضييق عليها، يجب أن يتخذ من يتعرض لمثل هذه الضغوط إجراءات فعالة، نستطيع حصر بعضها في النقاط التالية :

- عند التعرض لمثل هذه المواقف يجب في البداية معرفة موقف مكان العمل من مثل هذه التجاوزات في حقك، وما هي الإجراءات المتبعة في مثل هذه المواقف .
- يجب أيضا عدم إظهار الغضب، لان ذلك يحقق هدف هؤلاء المتنمرين من إغضابك وممارسة السلطة عليك، لذا دون ما تتعرض له من مشاكل أولا بأول واكتب تفاصيلها وأنت تحت هذا الضغط، كي تستطيع التعبير عنها فيما بعد.
- إن كان هناك من يتعرض لهذا الضغط مثلك، ضمه إلى صفك، كي تكتسب دعما نفسيا في مواجهة هذا السلوك الشائن.
- عند تقديم شكوى إلى الإدارة حول هذا الخصوص.. أبرز مضار تلك الممارسة على عملك، وتأكد من وجود شهود في صفك.
- لا تتردد في البحث عن دعم من خارج المؤسسة التي تعمل بها ، فهناك العديد من الهيئات الأهلية التي كل هدفها هو تبني مثل تلك القضايا، إلى جانب أن هناك بعض المؤسسات الحكومية التي تتبنى هذه القضايا كمكتب العمل، ومجالس حقوق المرأة في حالة إذا كان التنمر يحمل مضمونا ضد المرأة .
ضد المجتمع

أحيانا ما يعتبر البعض أن التنمر نوعا من السلوك المحبب، والبعض يضفي عليه طابعا طريفا خصوصا عند السخرية من الآخرين، وهنا نقول ما يؤكده علماء النفس واغلب من تناولوا هذا الموضوع، بأن هذا السلوك هو خروج عن المألوف، وهو السلوك غير الطبيعي وهو ضد المجتمع، سواء كان مجتمع مدرسة أو محل عمل، أو حتى في فضاء الانترنت.. علينا أن نضع مثل هذه السلوكيات في سياقها الطبيعي ولا نصورها كأنها سلوكيات محببة، ونكرس الغلظة والتعالي على الآخرين والاستقواء عليهم .

كذلك يعد السكوت هو أحد العوامل المساعدة على نشر مثل هذه الثقافة، لذا فعلى كل من يتعرض لمثل تلك المواقف أن يواجهها المواجهة السليمة، وخصوصا في نطاق الدراسة، وان يتأكد أن تلك المشكلة ليست مشكلته هو وحده.

ويحتاج عالمنا العربي إلى تسليط الأضواء على هذه الظاهرة والاهتمام بها، خصوصا أنها من القضايا غير المتداولة في ظل ممارسة أنواع القهر الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتنا، وهو الأمر الذي يستوجب فتح ملف هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية.