في فجر ليلة اليوم الثالث من شهر تموز عام 1982 وعند السحور حيث كان الشهر الهجري ( لشهر رمضان المُبارك ) رن جرس الباب طويلاً وبأستمرار ، هرعتُ الى الباب مُسرعاً وجميع الأطفال وبقية العائله يغطون بنوم عميق فوق سطح الدار ولما فتحت الباب وجدتُ شلة من ما يُسمى ( الجيش الشعبي ) وهي مُدججه بالسلاح ويأمروني فوراً وبدون أي تأخير أن نحضر جميع العائله بكامل أفرادها الى قاطع ما يُسمى الجيش الشعبي وأن نسلم جميع هويات العائله مع مفاتيح الدار دون أن نعرف السبب ولقد كُنا نعرف مكائد البعثيين وجرائمهم ، كان لبُكاء الأطفال وذهولهم عندما أيقضناهم من النوم في تلك الساعه من الفجر يثير الحزن في قلوبنا .
أفراد الجيش الشعبي بسلاحهم المشهور وأوامرهم القاسيه الجائره يحيطون بنا ويأمرونا بأوامر وحشيه رهيبه لا تراعي هلع الأطفال وخوفهم ولا صُراخ النساء ولا توسلات الرجال كبار السن ( لأنهم ذو قلوب قاسية حاقدة على الأنسان والأنسانيه ) .
كان ذلك المنظر وتلك الحاله لو شاهدها قُساة الفراعنه وطواغيتهم لبكوا لها أو خجلوا منها على الأقل ولكنهم البعثيون الصداميون الذين رضعوا وبعنايه فائقه وبشتى وسائل الأرضاع المُقيته من كافة الألبان الخبيثه كي تُنتج إنتاجاً جيداً من الكلاب والخنازير التي تصلح لما يُطلب منها تنفيذه ، وعلى الفور دون مُناقشه حول الدوافع والأسباب أنهم وبلا شك أحذية لبسها متى شاء هُبل صنمهم وربهم الذي لا يعبدون ولا يُطيعون سواه وهذه حقيقة يعرفها كُل عراقي شريف .
اُخذتُ وعائلتي من البيت في ذلك اليوم بعد أن جردونا من هوياتنا ومفاتيح البيت وألقوا بنا جميعاً في سيارة لاندكروز الواحد فوق الآخر بعد أن كبلوا أيدينا وعصبوا عيوننا ساروا بنا مُتجهين نحو القاطع الشعبي ( بالقرب من مرقد الأمام السيد محمد بن علي الهادي عليهم السلام ) وهناك كان المنظر المأساوي الذي تتفطر منه قلوب الشرفاء الأحرار وتستحي لبشاعته حتى الذئاب وجدنا المئات ( عشرات من العوائل من أهالي بـــلــد ) من الطفل الرضيع وحتى الشيخ الطاعن في السن وحتى نساء حوامل وبكاء الأطفال يملأ المكان مع صراخ النسوة كيف لا وكأن القيامه قد قامت وهم وسط حلقة من البعثيين ورجال الأمن وقد شهروا سلاحهم بوحوه المحجوزين وسط هذا المكان الموحش الرهيب .
بدأوا يقذفوننا بشتى أنواع السب وبألفاظ تُعطي للسامع الشريف نوع هوايتهم وإصولهم ! !
يتهموننا بأنواع التُهم بالمجوسية تارة وبالخيانه تارة اُخرى وبالخُمينيه ، وهم يعلمون بقرارة نفوسهم المريضه إن هذه العوائل بمجموعها عوائل أحرار أبرياء لم يكُن لها طموح سوى أن يسود العدل ويعلو الحق لكن الحقد الأسود والحسد الأعمى والقلوب المريضه التي لها جذور في الخسه والأجرام أباً عن جد . وما أن طل صباح ذلك اليوم الثامن من تموز حتى إكتمل عدد العوائل المطلوبه لهم وقد بلغت ( مائة وأربعة عشر عائلة )
(مئة وأربعة عشر عائلة ) حتى أمر جلاوزة النظام جلاوزة البعث الجميع وتحت تهديد السلاح التوجه الى الحافلات والصعود فيها وكانت مُهيأة وحاضرة لهذا الغرض ( وقد سجلنا مُلاحظات مُخزيه لتصرفات بعض بعثيو بــلــد نستحي من ذكرها ) كأن التاريخ يُعيدُ مأساة السبايا بعد مقتل الحُسين عليه السلام في واقعة الطف ، صعدنا الحافلات مُكرهين مذهولين لا ندري الى أين وماذا يُراد بنا ! ! تحركت السيارات بطابورها الطويل ( بدون إفطار طبعاًَ ) مُتجهة في طريقها الى بغداد ، كان بكاء الأطفال وعويل النساء لا ينقطع ( وهن يتركن بيوتهن للمجهول ) الجوع والعطش في شهر تموز بلغ أشدهُ في هذا الصيف ولا أحد يرُق قلبه بقطرة ماء أو شربة حليب لطفل رضيع , رِكب السبايا يقطع الشارع العام المؤدي الى بغداد ندخُل العاصمة ، الناس في الشوارع ذاك قاصد بيته وذاك يحمل لعبة طفل هدية لولده الرضيع ونحنُ الى أين لا نعلم نحو العذاب سائرون ! !
دخلنا أزقة بناية مديرية الأمن العامة -- أوقفت السيارات هناك أمام بناية تحتوي على كراج للسيارات أرض مُغطاة بالدهن والأوساخ وسقفهُ من الجينكو ، أُمرنا بعدم النزول من السيارات لحين صدور الأوامر ! !
رأينا ونحنُ لا زلنا داخل الحافلات ضابط أمن بــلــد آنذاك ( الرائد الحاقد حسن من أهالي شهربان ) يهمس في إذن ضابط الأمن العام الذي إستقبلنا مع ثلة كبيرة من ضباط وأفراد الأمن وعرفنا أنه لقنهُ بدورس لأتخاذ أقسى الأجراءات ضدنا ( فنحن أعداء الثورة والقائد والحزب ) وفعلاً أمرنا بالنزول من الحافلات ( الرجال فقط ) والتوجه نحو باب أحد الكراجات صفوفاً وعند الباب إستقبلونا رجال الأمن ذلك الأستقبال الذي لا يُليق أن يصدر إلا منهُم وهم العبيد الأذلاء مسلوبي الأراده ، إستقبلونا بالضرب على رؤسنا وأجسادنا ( بالمكاوير )والكيبلات الغليضة مصحوبة بما حملته أصولهم وحليبهم وعقيدتهم من كلمات بذيئة وألفاظ هم أهلها وبيئتها الخصوصية والتي لا تُليق إلا بهم ،
دخلنا الكراج على الطريقة البعثية ، سالت الدماء من أجسادنا نتيجة الضرب وقد سقط بعض المرضى من كبار السن وبعض الصائمين على الأرض وهم في حالة ألم وإغماء لم يكتفوا بذلك ، فبعد دخولنا باحة الكراج وبعد إستراحة قليلة دخل علينا ضابط برتبة كبيرة طويل القامة -- أصفر الوجه -- غليظ الشارب -- عيونه تقدح شراً كوحش متمرس وبيده يحمل عصا غليضة ومعه جماعة من الأفراد هم أيضاً شاحبي الوجوه .
أمرونا أن ننهض وقوفاً بقولهم ( كما تقفون في الصلاة ) وقد فعلنا ذلك وأمرونا أن نهرول داخل باحة الكراج وإنهالت علينا السياط ضرباً أين ما وقع وبدون رحمة وقد سقط العديد منا من جديد متدحرجين لما تحويه باحة الكراج من ( دهون ) . لم يكتفي ذلك الضابط بكل هذه الأجراءات الأجرامية بل أخذ ينتقي بعض الشباب ويأمر الواحد منهم ان يقف على رجل واحدة ثم يبدأ برفسه برجله وضربه ضرباً مُبرحاً حتي يُسقطه على الأرض مغشياً عليه والضباط يضحكون ، هكذا فعل مع الكثير أستمر وضعنا المأساوي ونحن تحت وطأة التعذيب والأرهاب النفسي أسبوعاً بالتمام والكمال تحملنا من الأذى ما تجزع عن حمله الجبال

في الجزء القادم العذاب في الصحراء