[align=justify]عادل القاضي






استطيع أن أترّحم على أيام القومية العربية لا لإيماني بها، لأنها لم تؤمن بنفسها أصلاً، بل لانها استطاعت لفترة أن تحرك الشارع العربي ولو على المستوى العاطفي، لقد تقلصت القومية إلى أضيق درجات القطرية واحتبست داخلها لتقول هذا هو واقعي وهذه هي صورتي، وهذا هو حجمي، هل كان حالماً يضرب في الخيال البعيد، حينما قال أمير الشعراء:




قد قضى اللهُ أن يوحّدنا الجرحُ


وأن نلتقي على أشجانه


كلّما أنّ بالعراق جريحٌ


لمس الشرقُ جنبه في عمانه


نَحنُ في الهمِّ بالديار سواءٌ


كلنا مشفقٌ على أوطانه




اليوم ليس جريحٌ واحدٌ يئن في العراق، العراق كلّه يئن، كلّه جرحى، وأكثره قتلى، فلا ينصب العرب مجلس عزاء ولا يقيوا مأتماً ولا حداداً إلاّ على (قاتل) العراقيين إذا (قتل)!



هكذا احتفلت عائلة المجرم الأردني.. وهكذا فعل بعض العرب بعد مقتل الزرقاوي وهكذا فعل أكثر العرب بعد مقتل سفاح الشعب العراقي (صدام).



هل يلمس أو يتحسس الشرقُ أو نفرٌ منه جنبه كلما أحالت سيارة مفخخة أو حزام ناسف سوقاً شعبية مزدحمة بالعراقيين إلى أشلاء وإلى أشلاء الاشلاء؟!


اليوم لم تعد هناك (غيرة) عربية.. هناك (شماتة) عربية الكلّ ينظر إلى العراق وما يجري على العراقيين وكأن لسان حاله في أحسن الأحوال (الحمدُ لله الذي عافانا مما ابتلاهم به) وأمّا الشامتون فلا يعرفون من اللهجة العراقية سوى ترديد (شايف خير ومستاهلهه)!



لا أقول أن العروبة تخلو من بعض الشرفاء، إذ لو خُليت قلبت، لكنّ الغالبية تتفرج على العراقيين كما يتفرجون على مشاهد الجوع الأفريقي وهم في مطعم فاخر.. أو أمام وجبة شهية.. على الفور ينبري أحدهم يقول: اقلب القناة.. اقلب القناة.. لا نريدُ مشاهد تفسد جلستنا.. أو شهيتنا!



وليت الأمر توقف عند حدود (المشاعر) لقلنا إنّها (الأنانية) العربية التي دجّن الحكام الناس عليها فاستمرؤها بفعل قانون الاستمرارية ولكنها اليوم (مواقف) و(تصريحات) و(استفزازات) والبعض إذا ـ أراد ـ عن طريق السهو والخطأ ـ أن يتابع أخبار العراق فلا يستمع إليها إلاّ من خلال (الجزيرة) وهو لا شك حرّ في اختيار القناة التي يشاهدها، لكنّه لا يكلف نفسه في المقارنة بين ما تقوله قناة التحريض والإثارة والمناكدة للشعب العراقي، وبين ما تقوله الفضائية العراقية ليكون حكماً عدلاً على الأقل يستمع للمدّعي وللمدعّى عليه..



دموع بعض العرب الأعاربة وفرّوها خلال السنوات الأربع الماضية فلم يذرفوها على المقابر الجماعية والقتل الجماعي والتفجيرات بالجملة، ولا على مقتل الأطفال ونـحيب الثكالى، بل سكبوها على مقتل (صدام) لا ليقولوا للعراقيين لم نعد عرباً نلمس جراحكم في جنبنا، بل نشحذ سكاكيتنا لنثخنكم بمزيد من الجراح.. الجسدية.. والنفسية..



(قل موتوا بغيضكم)



و..



(كما تدين.. تُدان)!






مع تحيات محبكم[/align]