اياد علاوي و دور المخدوع



كتابات - حسن العاشور



في خضم الانتخابات الاخيرة التي تمخضت عن فوز الائتلاف العراقي الموحد بغالبية مقاعد البرلمان العرقي ، وبالتالي وصول رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الى السلطة ، كانت الاستراتيجية الامريكية تقوم على مبدا ابعاد الاسلاميين عن السلطة ، وقد اتجه المسعى الامريكي في هذا الاتجاه عبر ممارسات متنوعة ، شكلت ما يشبه الحملة الانتخابية الداعمة للاتجاه الذي يوصل اياد علاوي الى الحكم ، ولكن بعد ان بانت النتائج ، وجرت الرياح بما لا تشتهي سفن الادارة الامريكية ، اراد الامريكيون ان يلتفوا حول تلك النتائج ، وذلك بالدعوة الى حكومة وحدة وطنية ، وعندما اصطدمت هذه الدعوة بعقبات عدة ، لم يبق امام الامريكيين من خيار سوى الاحتكام الى صوت الشعب ، والتسليم الى ارادته خلال مقطع زمني محدد على اقل تقدير، ريثما تمر العاصفة ، وبعد اخذ ورد جاءت الاقدار بالمالكي الى رئاسة الوزارة ، بعد ان استبعد الجعفري ، وكان المالكي خيار الائتلاف الاخير ، ولم يكن على الاطلاق خيار الامريكيين .

بدا المالكي ، الذي يعد احد قادة حزب الدعوة الاسلامية ، بدأ خطاه بالمصالحة الوطنية ، التي طرحته ، وبقوة كقائد وطني ذي مشروع لا يحسب على حزب او طائفة ، وانما هو مشروع يجمع العراقيون على وطنيته الخالصة ، وان المصالحة الوطنية قد بدت ، ولاول وهلة ، وكانها تنطوي على ما لا يروق لكل الفرقاء السياسيين والشعبيين ، وذلك لان العراق ، وللاسف الشديد ، كان قد اصطف اصطفافات غير سليمة ، بحكم السياسات الخاطئة التي انتهجها بعض الساسة ولكن مصالحة المالكي هذه اصبحت فيما بعد خيارا وطنيا تبناه معظم العراقيين وهذا امر ، اذا ما نظرنا اليه بتجرد ، فانه يعد سبقا وطنيا للمالكي ، جعل رصيدة الوطني يرتفع على كل ما يحاك في بورصة المزايدات .

الخطوة الثانية التي خطاها المالكي في مسعاه الرامي الى تكريس مشروعه الوطني ، هي خطة امن بغداد ، التي اختير لها اسم خطة فرض القانون ، وهذ اسم لا يثير حساسية لدى اي من الفرقاء السياسين ، ولكن مع هذه الخطوة تغيرت بعض معطيات اللعبة السياسية باعتبارها لعبة ( امريكية - عراقية ) يلعبها كل واحد من الطرفين بطريقته الخاصة ، التي يرى فيها ما يخدم اهدافه على افضل وجه ممكن ، فالمالكي يرى ان الارهاب هو العقبة الكاداء التي تعترض مشروعة وان الارهاب يتمثل بالجماعات الخارجة على القانون ، وهذا توصيف يدل في العرف العراقي على تنظيم القاعدة ومن لف لفها من الجماعات التي ترفع السلاح بوجه الحكومة ، وتمارس عمليات القتل والتفجير اليومي ، الذي يهدد البلاد من خلاله الى زعزعة الامن وضرب اسس الاستقرار ، تحقيقا لاهداف مريبة لدى عامة الشعب ، ولكن ذلك التوصيف نفسه ، اي الارهاب يدل في العرف الامريكي على كل الاطراف التي لا تعطي للاحتلال مشروعية ، سواءا ارفعت السلاح في وجه الحكومة التي تريد فرض القانون ام لم ترفعه ، من هنا اصطدمت الارادات وكان لزاما على الامريكيين والعراقيين ان يبحثوا عن مساحلت مشتركة غير تلك المساحات التي انطلقوا منها ليفرضوا القانون ، وعندما تعذر الوصول الى هكذا مساحات لجا الامريكيون الى اسلوبهم في وضع العراقيل امام الحكومة .

من هنا بدات المرحلة الثالثة من العملية ، وكان بطل هذه المرحلة هو اياد علاوي ، الذي بدا ، ومن خلال جولته المكوكية التي قادته الى عدة دول ذات تاثير على الساحة العراقية ، بدأ يسوق نفسه لمرحلة ما بعد المالكي ، وبدون شك انه قام بهذا الدور بمباركة امريكية ، اذ ان الامريكيين يريدون من خلال هذا ان يضغطوا على المالكي من اجل تغيير قناعاته في التوصيف الذي وضعه للارهاب الذي تستهدفه خطة فرض القانون .

لا ادري ان كان اياد علاوي على علم بهذ ام انه المخدوع الذي سيستخدمه الامريكيون كبالون ، ولكن ليس للاختبار ، وانما هو بالون يراد له ان ينفخ لينفجر في وجه المالكي ، واذا ما كان هذا البالون ذا ضرر يسير على المالكي ، فان اضراره على اياد علاوي فادحة ، وذلك لاسباب كثيرة من اهمها :

اولا : سقوط حكومة المالكي في هذا الظرف بالذات ممنوع امريكيا ، ليس حبا بالمالكي ، ولكن حفاظا على المصلحة الامريكية ، وبالتحديد مصلحة الجمهوريين الذين يعولون كثيرا على تحسن الاوضاع في العراق في حملتهم الانتخابية ، التي باتت على الابواب ، اذ لا يمكن تصور الامريكيين بهذا الغباء الذي يجعلهم يضحون بواقع لا يخلو من ايجابيات تصب في حساب استرتيجيتهم ، التي ياتي في مقدمتها الاحتفاظ بادارة البيت الابيض ، مقابل وصول رجل كان يوما ما هو مشروعهم في العراق ، يعيد العملية السياسية الى المربع الاول , و يضع البلاد امام خيارات غير محسوبة النتائج ، قد تنسف كل تطلع الجمهوريين في الاحتفاظ بادارة ذلك البيت المعهود .

ثانيا : ان اياد علاوي ، وهو يلعب هذا الدور ، يقف على النقيض من ارادة الشعب الذي اتعبته الاوضاع الامنية السيئة ، فبدا يقطف بعض ثمار المصالحة وخطة امن بغداد تحسنا , و ان كان طفيفا ، على مستوى الامن ، وان اي تخريب لهذ المسعى الذي تسعاه الحكومة هو تصادم مع ارادة الشعب .

من هنا ارى ان اياد علاوي قد لعب ليس في الوقت الضائع فحسب ، وانما في الوقت القاتل بالنسبة اليه ، لانه الخاسر الوحيد في هذه المباراة التي حسمت خططها من قبل الامريكيين والعراقيين على حد سواء ، فكان دوره الضغط على طرف من اجل مصلحة طرف اخر ، بثمن مدفوع من حسابه الوطني الخاص اذا كان يملك هكذا حساب ، اويقيم له وزنا ، على فرض امتلاكه .

والسؤال الاخير لاياد علاوي ، اليس من الاجدر بك ، وانت المخضرم في السياسة ، الخبير بمنطقها ، اذ ان للسياسة منطق خاص بها ، الاجدر بك ان تحسّن وجهك امام شعبك بدلا من ان يصيّرك الامريكان وجه قباحة .



العراق