التجربة اليابانية في دعم وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة


يعتبر الاقتصاد الياباني ثاني أكبر الاقتصاديات في العالم من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، كما يعتبر نصيب الفرد الياباني من الناتج المحلي الإجمالي الأعلى في العالم .
ولقد مر الاقتصاد الياباني بعدة مراحل منذ الحرب العالمية الثانية حيث تعتبر الفترة بين عامي 1945م ـ 1955م فترة إعادة الأعمار بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية ، في حين أن الفترة الذهبية للاقتصاد الياباني هي الفترة بين عامي 1955م ـ 1970م حيث كان الاقتصاد الياباني ينمو خلالها بمعدل يصل إلى حوالي 10% سنوياً . كما تعتبر الفترة بين عامي 1970م ـ 1975م فترة تأقلم بعد التغير الكبير الذي طرأ على أسعار البترول خلال تلك الفترة ، أما الفترة منذ العام 1975م وحتى الوقت الحاضر فهي فترة النمو المتوازن .

كما هو معلوم فإن اليابان قد بنت نهضتها الصناعية معتمدة بالدرجة الأولى على المشروعات الصغيرة ، حيث أن المشروعات الكبيرة ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل أفقيا ورأسياً وأمامياً وخلفياً مكونه فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة ، وكان لاعتماد اليابان على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل حوالي 99.7% من عدد المشروعات وتشغل حوالي 70% من اليد العاملة ، كقاعدة عريضة للتنمية الاقتصادية أن انخفضت نسبة البطالة وزاد الإنتاج وتحققت مشاركة ومساهمة الأفراد والأقاليم المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي وبمعدلات وتراكم لرأس المال يتناسب مع التنمية التي تشهدها اليابان .
وكانت أول خطوة لتشجيع تنمية وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اليابان هي وضع تعريف واضح ومحدد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ، فقد نص القانون المسمى القانون الأساسي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ( small and medium Enterprise Basic Law )
والذي يعتبر بمثابة دستور للمنشآت الصغيرة ، حيث يشدد هذا القانون على ضرورة القضاء على كافة العقبات التي تواجه المنشآت الصغيرة ومحاولة تذليلها .
وعرف القانون والذي عدل في الثالث من ديسمبر من عام 1999م المشروعات الصغيرة على الشكل التالي :
القطــــــاع
عدد العاملين
رأس المال ( مليون ين )
الصناعة والقطاعات الأخرى
300 عـامل أو أقـل
300 أو أقـل
مبيعات الجملة
100 عـامل أو أقـل
100 أو أقـل
مبيعات التجزئة
50 عـامل أو أقـل
50 أو أقـل
الخدمات
100 عـامل أو أقـل
50 أو أقـل
وقد كانت السياسة ( Policy Concept ) التي اعتمد عليها القانون قبل التعديل تعتمد على محاولة ردم الفجوة في الإنتاجية بين المنشآت الكبيرة والمنشآت الصغيرة -
( Rectify the Gap between large enterprises and SMEs in term of Productivity ) .
بينما أعتمد القانون المعدل على سياسة تطوير وتنمية قاعدة عريضة من المنشآت الصغيرة المستقلة لتحقيق التنمية للاقتصاد الياباني .
( Developing and growing a wide range of independent SMEs for greater economic vitality)
كما نظم القانون الإعفاءات من الضرائب والرسوم ووضع القواعد والنظم التي تقوم الحكومة اليابانية بموجبها بتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وذلك بتوفير الإمكانيات لرفع مستوى التكنولوجيا المستخدمة في هذه المشروعات ومعاونتها على تسويق منتجاتها وتشجيع المشروعات الكبيرة على التكامل معها وتحديث ما لديها من آلات ومعدات وتنظيم العلاقة بين أصحاب المشروعات والعمال .
كما أن المنشآت الصغيرة والموسطة تعمل من خلال أطر مؤسسيه تقدم لها التراخيص وتمدها بالمساعدات الفنية والخبرة الاستشارية والتمويليه وذلك من خلال وكالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة ( Small and Medium Enterprise Agency ) التابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة ( METI ) وهي الجهة المسئولة عن تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اليابان . ومن أهم السياسات المالية والاقتصادية الموجهة لتشجيع وتنمية وتطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اليابان سياسات حماية هذه المنشآت من الإفلاس وسياسات إعفاءها من الضرائب وسياسات التدريب والتمويل .

ولعل من المناسب تسليط الضوء على البرامج والسياسات التي تقدمها الحكومة اليابانية والمتعلقة بالمنشآت الصغيرة :

أولاً : التمويل
تحظى المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اليابان بتعدد مصادر التمويل ويتمثل أهمها فيما يلي:
· البنوك التجارية : التي تقوم بتمويل جزء كبير من القروض اللازمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة .
· هيئات التمويل الحكومية : هناك هيئات حكومية تمنح قروض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ولديها فروع عديدة منتشرة في مناطق مختلفة من اليابان ، وهذه الهيئات هي :

Small Business Finance Corporation
Shoko Chukin Bank
National Life finance Corporation
· نظام ضمان القروض المقدمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتقوم به Credit Guarantee Corporation . والتي تمتلك 52 فرعاً منتشرة في أنحاء متفرقة من اليابان .
ولاشك بأنه من خلال هذا النظام أصبحت عملية تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من مؤسسات التمويل عمليه سهلة وميسرة .

ثانياً : الدعم الفني
أنشئ نظام خاص بالدعم الفني للمنشآت الصغيرة والمتوسطة يقوم من خلاله الأخصائيون بتقديم الخدمات الإرشادية والذي تشرف عليه هيئة تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة اليابانية
( JASMEC ) Japan Small and Medium Enterprise Corporation .
ولعل من أهم خدماتها :
· الرد على استفسارات أصحاب المنشآت الصغيرة .
· دراسة الوضع القائم للمنشآت الصغيرة والتغلب على العقبات التي تواجهها .
· دراسة المواقع المناسبة لإنشاء المنشأة الصغيرة وتقديم الإرشادات الخاصة بذلك .

ثالثاً : التدريب :
أعدت الحكومة اليابانية برامج تدريبية خاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة يقوم بها معهد خاص بالمنشآت الصغيرة يسمى ( Institute for Small Business Management and Technology )
ويقدم المعهد البرامج التالية :
· برنامج تدريب المديرين ، وذلك نظراً لانخفاض مستوى الوعي الإداري لدى المسئولين عن المنشآت الصغيرة .
· برنامج التدريب الفني ، حيث يقوم المعهد بتقديم برامج فنية لرفع مستوى مهارة العامل .

رابعاً : الإدارة :
تهدف البرامج الإدارية إلى إيجاد مناخ صحي لنمو المنشآت الصغيرة عن طريق تحسين مجالات الإدارة بها وتقديم التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال وتقديم خدمات إرشادية تتعلق بالإدارة والتمويل والضرائب وقوانين العمل .

خامساً : التسويق :
يوجد في اليابان هيئات حكومية تعمل على تشجيع المشروعات الصغيرة على غزو الأسواق الدولية بمنتجاتها وذلك بإقامة المعارض الدولية لمنتجات هذه المشروعات ومساعدتها في الحصول على التكنولوجيا المتطورة وإجراء المفاوضات نيابة عنها في اتفاقيات التصدير واستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج . وفي نفس الإطار تنشر الحكومة اليابانية بشكل دوري خططها بشأن مشترياتها من المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، كما يلزم القانون جميع المنظمات الحكومية وشبه الحكومية بإتاحة الفرصة للمنشآت الصغيرة للحصول على العقود الحكومية .

سادساً : الإعفاء من الضرائب :
اتخذت الحكومة اليابانية إجراءات متعددة تتعلق بالإعفاء من الضرائب لتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، لعل من أهمها :
· الإعفاء من ضريبة العمل .
· الإعفاء من ضريبة العقارات .
· تخفيض على ضريبة الدخل .
· تخفيض الضرائب على الأرباح غير الموزعة .
· نظام ضريبي يشجع على الاستثمار في إدخال التكنولوجيا الحديثة في المنشآت الصغيرة .
· نظام ضريبي يشجع إقامة الصناعات الصغيرة في المناطق النائية .

سابعاً : الحماية من الإفلاس :
تعتبر سياسة الحماية من الإفلاس إحدى السياسات الهامة الموجهة لتشجيع وتنمية المنشآت الصغيرة ، حيث تقوم بتطبيق هذه السياسة مجموعة من المؤسسات المالية والتأمينية ، ويمكن للمشروع الصغير الانضمام لهذه الخدمة عن طريق مساهمته بقسط تأميني يدفع شهرياً تقوم بموجبه هيئة تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة اليابانية ( JASMEC) بسداد ديون المشروع الصغير المتعثر قبل المشروعات الصغيرة الأخرى التي يتعامل معها ، حتى لا يكون إفلاس المشروع سبباً في إفلاس مشروعات أخرى .

ثامناً : نظام الشركات التعاونية :
وهي شركات مملوكة بالكامل لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة
( National Federation of Shopping DistrictPromotion Cooperatives )
وتعمل في مجال شراء الخامات ومستلزمات الإنتاج وفي مجال تسويق المنتجات والتوزيع والنقل ونقل التكنولوجيا وفي مجالات أخرى .
دروس مستفادة

تعتبر التجربة اليابانية في تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة واحدة من أغنى التجارب العالمية ، وإن كانت تعتمد بشكل أساسي على الدعم المباشر من الدولة ، حيث يعتبر دور القطاع الخاص في دعم هذا القطاع هامشياً .
من الدروس المستفادة من التجربة اليابانية في التنمية كثيرة ويأتي في مقدمتها أن نهضة اليابان الصناعية قد قامت بشكل أساسي على المشروعات الصغيرة وليس كما يظن البعض أنها قامت على المشروعات الكبيرة والعملاقة .
الاهتمام بالجودة وعمل الاختبارات اللازمة لتحقيق ذلك هو ما يميز المنتج الياباني عن غيره من منتجات الدول الأخرى ، لذا يولي القائمين على المشاريع الصناعية موضوع الجودة جل اهتمامهم وهذا ما ظهر جلياً خلال زيارتنا لمصنع Shimada Electric .
يعتبر التنظيم الخاص بالمصانع المقامة بشكل أجنحة صناعية ( Factory Apartment ) إحدى الطرق الممكن تطبيقها بالمملكة حيث يتم تجهيز مبنى على شكل أجنحة يؤجر على المستثمرين في المشاريع الصغيرة وفق شروط محددة ولمدة إيجاريه محددة .

منقول