حوار مع جيلبرت اشقر اجراه ستيفان شالوم

س: اظهرت استطلاعات الرأي ان السكان في العراق ينتظرون انسحاب الولايات المتحدة في شغف، الا ان القيادة العراقية المنتخبة على ما يبدو ترفض بقوة مثل هذه النداءات. ماذا يحدث في رأيك؟

اشقر: اعتقد ان شيئا ما يحدث هنا ويجب توضيحه فيما يخص الاستطلاعات. ما يبدو انه امر لا خلاف عليه هو ان هناك اغلبية ساحقة من العراقيين يطالبون بجدول زمني لانسحاب القوات الامريكية. من الطبيعي، ان قلة تتمنى اخلاء قوات التحالف لجنودها من البلاد فورا وسريعا بطريقة قطعية، قل مثلا في خلال ايام، في غياب اتفاق بين القوى العراقية الكبرى. ويرجع ذلك، في الظروف الحاضرة، افساح الطريق امام حرب اهلية شاملة في البلاد. ولكن، في نفس الوقت، اغلبية العراقيين يرون ان وجود هذه القوات الاجنبية في حد ذاته يغذي تردي الاوضاع يوما بعد يوم: فهذه القوات اشعلت نمو التمرد منذ وقت طويل، وهي الان تشعل وقود الحرب الاهلية نفسها. الاقتتال الطائفي تم تغذيته فعليا بشكل دائم بواسطة وجود القوات الامريكية وبواسطة السلوك السياسي لسلطات الاحتلال. وهذا هو السبب وراء الناس الذين يريدون اخراج تلك القوات والسبب وارء اقتناعهم ان هذا الانسحاب هو شرط ضروري اساسي لاستعادة السلام في البلاد – اذا كان هذا ممكنا على الاطلاق. وضع حد زمني لانسحاب قوات التحالف، جدول زمني، سوف يخلق شروطا افضل – هذا ما يعتقده كثير من الناس – لاسراع العملية السياسية: سوف يسمح للعراقيين ان يصلوا الى نوع من انواع الاتفاق السياسي وان يجدوا طرقا لعودة استقرار الاحوال ويعرقل ديناميكيات الحرب الطائفية المستمرة في الاشتعال.

يشترك فعليا الجزء الغالب من المؤسسة في الولايات المتحدة مع هذا الرأي، حتى. عندما يقول اعضاء من المؤسسة: "يجب ان نضع الاهداف، يجب ان نحذر حكومة المالكي من انه لو يتم تحقيق هذا او ذاك، سوف نسحب قواتنا"، هذا فعليا اقرار بحقيقة ان مجرد فكرة رحيل القوات المتحالفة من العراق سوف تشكل ضغطا قويا على العراقيين حتى يتوصلون الى مثل هذه التسوية. ولكن هذا بالدقة ما كان الناس في حركة مناهضة الحرب يقولونه منذ وقت طويل، ان الانسحاب الامريكي وقوات التحالف هو واحد من الشروط الضرورية لاي محاولة جادةن للخروج من تلك الحالة الكابوسية القائمة الان بالعراق. الانسحاب طبعا هو واحد من الشروط الرئيسية، بالطبع، وليس خطوة كافية في حد ذاتها. لا يقول احد انه لو انسحبت القوات او لو تحدد جدول زمني، سوف تحدث المعجزة ولسوف ينصلح حال كل شيء في العراق. ولكن، هناك امرا ما واحدا جليا، على اقل القليل، وهو ان وجود هذه القوات يعمل على تدهور الاحوال هناك.

وبشكل متناقض ظاهريا، توفر القوات فعليا غطاءا لقوى طائفية متنوعة حتى تشن هجماتها الطائفية، لأنهم يعرفون ان وجود قوات التحالف يمنع، لدرجة ما، عمليات ثأر عراقية جماعية ويمنحهم ببعض الحصانة في وجه بعض خصومهم الطائفيين. نحن الان في هذه الحالة. وحتى اعود لسؤالك، جدول زمني لانسحاب قوات الولايات المتحدة وقوات التحالف هو ما تريده الاغلبية الساحقة من العراقيين وهو ما كانت تطالب به قوى عراقية متنوعة تناهض الاحتلال لفترة طويلة ماضية حتى الان. هذا ما تطالب به الشيعة الصدرية وتحارب من اجله سياسيا، ومن الجانب السني، هذا ما كانت تطالب به ايضا جمعية علماء المسلمين منذ وقت طويل.

س: كيف تحكم على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي؟ هل اختلافاته مع واشنطن تظهر على المسرح بعناية لتمنحه دعما شعبيا او هل تشير هذه الاختلافات الى انشاق متميز في المصالح؟

اشقر: تظهر على المسرح؟ انا لا اعتقد ان هناك اي شيء "يتم اخراجه على المسرح" هنا لأن المالكي ليس بالضبط من نوع الممثل الذي قد تخاطر معه بأي اداء مسرحي، خصوصا لو ان الممثل المصاحب له في الدور هو جورج دابليو بوش! لا، اعتقد ان هناك انشقاق متميز للمصالح التي يضاربون عليها. انهم يتشاركون في نفس الاهداف او، حتى نطرحها بشكل ادق، يؤمن المالكي بأنه يشترك مع الادارة الامريكية في بعض الاهداف. انه يعتقد ان واشنطن تشاركه في خطته لبناء قوات عراقية رسمية وتسمح للعراقيين تدريجيا بالسيطرة على الاوضاع في بلادهم. قد كان هذا هدفا صرحت به ادارة بوش لمدة طويلة وحكومة المالكي بكل وضوح تشتري هذا الغرض المعلن من الاحتلال، رغم انه ليس دون بعض درجات من الريبة والشك. (انهم يشتكون مثلا من ان الجسم الاكبر من القوات المسلحة العراقية ليست بعد تحت سيطرتهم وان تلك القوات ليست مجهزة بالسلاح المطلوب). ولكن وراء ذلك، هناك عديد من الانشقاقات بينهم: المالكي هو عضو في الائتلاف الشيعي في العراق والضغط المستمر لادارة بوش من اجل مزيد من التنازلات للجانب السني، او للبعثيين السابقين، لا تسير على هواهم. وبنفس الطريقة، عندما تمارس ادارة بوش ضغطا على المالكي لتوجيه ضربة تحطم فيها ميليشيا الصدر، فهذا ايضا لا يروق لرئيس الوزراء الذي يضع الصدر في حسبانه كحليف لحزبه حزب الدعوة من داخل الائتلاف الشيعي. يجب الا ننسى كيف اختير نوري المالكي لمنصبه هذا، بعد اقتتال سياسي عنيف داخل الائتلاف الشيعي مما وضع حزبه ضد المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي دعم مرشحه الخاص، عادل عبد المهدي. الاقتتال كان فعليا بين ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة وعادل عبد المهدي من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية. الجعفري كان مدعوما من قبل الصدر وعارضته واشنطن بقوة. كحل وسط – لحفظ ماء وجه كل من الصدر وواشنطن – اعطي المنصب للمالكي، الذي كان قيادة صف ثان للجعفري. لذا ما زال المالكي يعتمد على انصار الصدر ويحتاج الى دعمهم، اذا لم يتم ازاحته واستبداله بعادل عبد المهدي.

ميدان اخر يبرز فيه بوضوح الاختلاف بين ادارة بوش وما يمثله المالكي هو، طبعا، قضية علاقة العراق بالمحيط الاقليمي المجاور له – وقبل كل شيء المسلك نحو ايران. يمثل المالكي قوات الائتلاف الشديدة القرب من ايران. وفقط من الطبيعي انهم لا يشاركون الاراء التي تسود في ادارة بوش، والتي بها تعتبر ايران وسوريا كاشرار اقليميين، والاعداء الرئيسيين، والمصدر الاكبر للمشاكل. لذلك توجد اختلافات واضحة بين المالكي وما يمثله، من ناحية، وبين واشنطن من الناحية الاخرى. وهذا فعليا هو سبب سماعك شكاوى كثيرة جدا من المالكي ونداءات للاطاحة به، في واشنطن وداخل المؤسسة. بنفس الطريقة، كان لديك شكاوى قوية من سلفه، الجعفري، الذي ادى بالولايات المتحدة الى الحرب الشديدة الخشنة ضد التجديد له عند انقضاء فترة ولايته، بعد انتخابات ديسمبر 2005 انفتح الطريق لتشكيل حكومة جديدة.

بكل تأكيد، هناك درجة من الصدام بين المالكي والاحتلال الامريكي، وفي هذا المجال، طبعا، هناك اختلاف واضح بين الصدام الذي ينخرط فهي المالكي وبين العداوة مع الاحتلال التي يمارسها حلفاءه في التيار الصدري. ولكن رغم هذا الصدام، لا يوجد انشقاق كامل في المصالح المالكي ليس مجرد "العوبة" كما يصوره البعض. سوف يكون ذلك تبسيط مخل جدا لتشخيص مثل هذه الاوضاع المركبة والمعقدة.

س: ادارة بوش تدفع بشدة نحو قيام الجمعية الوطنية العراقية باصدار قانون جديد للنفط. تبدو تقارير الصحف كما لو كانت تشير الى ان القانون سوف يكون متساهلا ومجاملا جدا لشركات النفط الاجنبية. هل تحضر الهيئة التشريعية العراقية لبيع الاقتصاد الى الكوربوريشن المتعدد الجنسيات؟

اشقر: "بيع الاقتصاد الى الكوربوريشن المتعدد الجنسيات" هو ايضا تعبير مبالغ فيه. ما زال علينا الانتظار لما سوف تبدو عليه المسودة النهائية للقانون التي سوف تقدم للبرلمان من اجل الموافقة عليه. حقا، كانت هناك بعض الاشارات في الصحف حول النسخ المتعددة للمسودة، ولكن لم يدع اي تقرير انه يعرف بشكل اكيد ماذا سوف تكون عليه صياغة الوثيقة النهائية. شيء واحد يبدو اكيدا: مهما كان القانون الذي سوف يمررونه فإنه سوف يفتح الطريق امام اتفاقيات مع شركات اجنبية. وذلك لسبب بسيط وواضح، مع ذلك: وهو ان العراق بنفسه لا يمتلك التكنولوجيا والمال في الحاضر اللازم لاصلاح وحتى بدرجة اقل لتطوير منشآته البترولية وانتاجه البترولي. القضية الحقيقية هو نوع الشروط والتنازلات التي سوف تتوفر للشركات الاجنبية. علينا ان ننتظر لنرى اذا ما كان سوف يدور نقاش وجدال سليم حول هذه القضية في المجلس التشريعي. وهكذا فكل هذه الامور هي سؤال مفتوح، وطبعا، هناك قوى تحارب ضد منح صلاحيات بأي تنازلات كبيرة لشركات النفط الاجنبية على حساب مصالح العراق. فدرالية نقابات عمال النفط (سابقا النقابة العامة للعاملين في النفط) تشن حملة بعد اخرى ضد اي خصخصة متخفية لانتاج البترول ومن اجل استمرار وتوسيع المكاسب التي يتمتعون بها في الوقت الحاضر، خصوصا مشاركة ممثلي العمال في ادارة الصناعة. سوف نرى ماذا سوف يحدث عندما تصل المسودة النهائية للبرلمان. ثم بعد ذلك، سوف نرى كيف سوف ينفذ هذا القانون، مهما كان هذا القانون – مثلا، مع اي شركات اجنبية وبأي شروط. ولانه عندئذ سوف يكون هناك مع ذلك هامشا واسعا للاختيار: هل سوف تستطيع واشنطن فرض شركاتها هي، ام سوف تحاول الحكومة العراقية تنويع شركاءها في قطاع البترول، بمن فيهم الروس والصينيين – ولما لا؟ -- الايرانيين؟ هذا ايضا ما سوف ننتظر لنراه.

س: تقرير اخير للبنتاجون قال ان ميليشيا مقتدى الصدر هي اكثر من خطر يهدد الجيش الامريكي وان خطرها اكثر من خطر المتمردين هناك والنيوزويك اطلقت على الصدر لقب "الرجل الاكثر خطورة في العراق". ما الذي تخرج به من هذه الاقوال؟

اشقر: انها بالتحديد اقوال صحيحة. هي اقوال صحيحة لسبب واضح وحيد. ليس لأن مقتدى الصدر وقواته ينزلون اذى بقوات الاحتلال اكثر من مثلا بعض جماعات "التمرد" السنية، كما يسمون انفسهم. ليست تلك هي المشلكة، رغم ان هناك عمليات عسكرية تقوم بها قوات الصدر بشكل مستمر ضد الاحتلال. القضية الحقيقية ليست عسكرية الطابع بشكل صرف، ولكنها مزيج من الاعتبارات العسكرية والسياسية. الصدر هو عدو رهيب للاحتلال لأنه يحظى بشعبية كبيرة جدا. انه القوة الوحيدة التي تتخذ موقفا راديكاليا مناهضا للاحتلال وتتمتع بدعم شعبي واسع ولديها القدرة على تنظيم هذا الدعم – بل والاكثر انه دعم من مجتمع الاغلبية، 60% من الشعب العراقي، الشيعة العرب. اضف الى تلك الحقيقة ان مقتدى الصدر دخل في تحالف مع ايران والذي زاد كثيرا جدا من الخطر الذي يمثله في عيون واشنطن. هذا هو السبب الذي يجعل المؤسسة الامريكية تراه بشكل اجماعي على انه "الرجل الاخطر في العراق". وهو بالتحديد هذا الرجل فعلا. وهذا هو السبب الذي سيجعلهم يحاولون بأي وسيلة التخلص منه. الصدر يعرف جيدا وتماما انه هدف اول. انه يحاول ان يحمي نفسه، عارفا انهم لو وجدوا طريقة لاغتياله، لن يترددوا لحظة. ميليشيات الصدر، جيش المهدي، هي ايضا هدف كبير. احد الاهداف الكبرى فيما يسمى "الاستراتيجية الجديدة" لادارة بوش بالنسبة للعراق هي محاولة انشاء انقسام داخل الائتلاف الشيعي وخلق ائتلاف قوى تتضمن الاكراد وبعض القوى العربية السنية وتلك القوى الشيعية العربية المرحبة بالتعاون مع الاحتلال. انهم يرغبون في عزل الصدر حتى يفتحون الطريق الى تحطيم ميليشياته. ما الذي يبقى لدينا لنراه هو هل سوف يوافق اعضاء اخرون من الائتلاف الشيعي على هذا المخطط. حتى الوقت الحاضر، لا يبدو عليهم انهم يحاولون بتر الصدريين. من المحتمل ان السبب الرئيسي وراء ذلك هو ايرن، التي تمتلك نفوذا قويا على تلك القوى، خصوصا المجلس الاعلى للثورة الاسلامية. طهران حصيفة؛ انها تمارس ضغطا قويا من اجل احباط السيناريو الذي تحاول واشنطن تنفيذه. ايران تبذل جهودا مكثفة لاستمرار وحدة الائتلاف الشيعي ومنع اي صدام بين القوى الشيعية، او اي حالة يجد الصدريون فيها انفسهم معزولين في مواجهة الاحتلال.

س: كيف لك ان تقيم مقتدى الصدر؟

اشقر: اول كل شيء، مقتدى الصدر، بالطبع، اصولي شيعي مسلم وهو كذلك بشكل كبير جدا – فقط الق نظرة على "النظام الاخلاقي" الذي يفرضه اتباعه على المناطق التي يسيطرون عليها. ومع ذلك، ليست تلك هي صفته الوحيدة الكبيرة لأن هناك اصناف عديدة اخرى من الاصولية الاسلامية في العراق و، على سبيل المثال، كل الفرق الكبرى في الائتلاف العراقي الموحد الشيعي هم ايضا قوى اصولية اسلامية. في الحقيقة، السمة المميزة لتيار مقتدى الصدر هي حقيقة انه توليفة شعبوية من الاصولية الاسلامية. شعبويته تترجم، من ناحية، في معارضة متشددة للاحتلال تعكس طموحات قطاعات عريضة من الجماهير، خصوصا في بغداد حيث تتواجه مباشرة مع قوات الاحتلال، وفي بعض مناطق جنوب العراق. من ناحية اخرى، شعبوية الصدر تعبر عنها حقيقة ان حركته تحاول التحدث بلسان الجماهير في احتجاجهم ضد بؤس ظروف معيشتهم اليائسة. انهم يتحدثون عن وينظمون اعمال ضد نقص الخدمات العامة، وضد كل مثل اوجه القصور هذه، بينما يؤكدون دائما على القاء اللوم على الاحتلال – وليس حكومة المالكي (او الجعفري من قبلها) – بوصف ان قوات الاحتلال تتحمل المسئولية عن هذه الظروف البائسة. انه من خلال رفع شعارات هذه المطالب اضافة الى شعارات راديكالية ضد الاحتلال اصبح تيار الصدر قادرا على بناء، في خلال سنتين، قوة لها وزنها المحسوس. عند بداية الاحتلال، في الاشهر الاولى، كان التيار الصدري مجموعة صغيرة ومال البعض للاعتقاد انه سوف يظل هكذا كما مهملا. ولكن بعد عدة اشهر قليلة، بدا التيار في النمو حتى وجدت تلك الصدامات مع قوات الاحتلال في 2004. كان يعترف توا للتيار الصدري بأنه اصبح خطرا جديا على الاحتلال، واستمر في بناء نفسه بعد تلك الفترة بشكل اساسي من خلال وسائل سياسية، محققا وجودا قويا في البلاد. يعتقد بأن التيار الصدري هو اكثر التيارات الجهادية قوة وسط الشيعة.

الهجوم الطائفي ضد الشيعة في سامراء في فبراير 2006، تقريبا منذ عام، كان نقطة تحول رئيسية في الاوضاع في العراق وساعد كثيرا جدا على ابقاء الانزلاق نحو الحرب الطائفية قائما. جيش المهدي، تلك الميليشيا التي تعلن ولاءها لمقتدى الصدر، او على الاقل قطاعات كبيرة من جيش المهدي، ساهمت في الاعمال الانتقامية الطائفية التي حدثت كرد فعل على هجوم سامراء. في العام المنصرم منذ ذلك الحدث، تورطت قطاعات كبيرة من جيش المهدي بعمق في الحرب الطائفية. في عيون طائفتهم الاجتماعية، يبدو هؤلاء الناس كقوة دفاع تحمى المناطق الشيعية من الاعتداءات التي تقوم بها القوى الطائفية السنية. ولكن في عيون العرب السنة، يبدو جيش المهدي كقوة طائفية شيعية وتوجه له الاتهامات بارتكاب جرائم طائفية واعمال انتقام وقتل جماعي الخ. والاكيد، ان ذلك اثر بشكل عظيم على المصداقية التي كان الصدر يتمتع بها اعوام 2004 و2005 كقوة قومية عربية عراقية غير طائفية معارضة للاحتلال. صورته الان انخفضت الى صورة قوى شيعية طائفية، جناح مسلح للطائفة الشيعية. هذا بالطبع اثر بشكل سيئ على مشروعه السياسي الخاص، الذي كان قد ساهم في بناء زعامته كقائد عراقي عبر الطوائف العراقية كلها.

س: بعض الروايات تقول ان بعض اعضاء جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر لم تعد بعد تحت سيطرته. هل تبدو لك ان تلك هي الحالة؟

اشقر: اعتقد ان ذلك صحيح تماما. جيش المهدي يختلف تماما عن منظمة بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية. منظمة بدر هي منظمة شبه عسكرية نشأت وتدربت في المنفى في ايران، عندما كان صدام حسين لا يزال في السلطة، والتي عادت للعراق بعد الغزو الامريكي. انها منظمة ببناء قيادة قوى، ومركزية على النمط العسكري ونسقها الداخل نسق عسكري، بينما جيش المهدي جيش عشوائي تطور في ظل الاحتلال، تقريبا من الصفر. كما ذكرت، جيش المهدي بنى نفسه بنفسه في البداية عن طريق رفع لواء القتال ضد الاحتلال، قبل ان يتورط في الحرب الطائفية. ولكنه نما في ظل كلا الشروطين السياسيين ونما بشكل مؤثر، دون اي تنظيم مسبق او هيكل قيادة، او اي شيء من هذا القبيل. لقد كان يتطور تقريبا بطريقة عش الغراب طوال السنة الماضية. لذلك من الصعب جدا جدا ان تسيطر عليه. لا يمتلك مقتدى الصدر هيكلا يصلح لممارسة سيطرة حقيقية على مثل هذه القوة الهامة وبالتالي، كنتيجة، هناك قطاعات كاملة من جيش المهدي خارج سيطرته فعليا. انهم يرون في مقتدى الصدر رمزا سياسيا، قيادة سياسية. انهم يحملون اسمه، ولكنهم لا يقعون في اي مستويات هرمية من القيادة تشابه من قريب او بعيد الهيكل العسكري لمنظمة بدر. لذا، نعم، بهذا المعنى، هناك قطاعات، ان لم يكن معظم جيش المهدي، فوق قدرة السيطرة المباشرة لمقتدى الصدر. انه يحتفظ بالنفوذ السياسي، اكيد، ولكنه امر يختلف بالكلية عن السيطرة على قوات مسلحة، خصوصا عندما تكون في اتون المعركة، او نار الثأر، او الانتقام.

س: وهل اية الله علي السيستاني ما زال الشخصية الاكثر نفوذا في البلد؟

اشقر: الاجابة على هذا السؤال قريبة الشبه الى ما كنا نتكلم عنه بالضبط. اي، اذا كان مقتدى الصدر نفسه لا يستطيع بشكل حقيقي السيطرة على "الجيش" الذي يزعم انه جيشه، اذا كيف يستطيع اي شخص ان يتوقع من السيستاني ان يمارس اي سيطرة حقيقية على كامل السكان الشيعة؟ لو كنا نعني نفوذا روحيا وحتى نفوذا سياسيا بالمعنى العريض، فما زال السيستاني صاحب نفوذ قوي ويحظى بالاحترام. ولكن من الواضح ان الاوضاع خرجت من تحت سيطرته الخاصة ايضا عندما بدأت البلاد تغرق في الحرب الطائفية منذ عام، بعد هجوم سامراء. لم تكن هزيمة فقط لمشروع الصدر السياسي ولكنه بمعنى ما هي كانت ايضا هزيمة كبرى للسيستاني الذي كان يلعب دورا رئيسيا ومحوريا هاما حتى ذلك الوقت في منع انفجار الموقف خارج السيطرة وخصوصا في منع عمليات الثأر الجماعي بواسطة الشيعة. لقد اصدر العديد من الفتاوى والتصريحات، ذاهبا الى حد القول انه لو حتى قتل الاف في الهجمات الطائفية، يجب الا ينزلق الشيعة العراقيون الى الانتقام وينجذبون الى منطق الحرب الطائفية، لانهم بذلك يقعون في فخ. ولكن، مهما كان النفوذ الذي يتحكم به، يستطيع السيستاني فقط ان يمارسه من خلال التصريحات والنداءات والسلطة الدينية والروحية. هناك نقطة تصل فيه الاوضاع الى حالة من السوء للدرجة التي يحيد فيها مثل هذا النوع من النفوذ: لا يملك وقتها اي صلاحية وهذا بالضبط ما حدث. هجوم سامراء كان "القشة التي قصمت ظهر البعير" – الحدث المفرد الذي قلب الاوضاع تماما. طبعا، انه مبني على تراكم طويل لاحداث سبقته: العديد والعديد من الهجمات الطائفية ضد الشيعة، العديد والعديد من العمليات الانتحارية، او السيارات الملغومة وكل الانواع التي قتلت المئات بعد المئات من الشيعة ولذلك خلقت استهجانا عميقا جدا بينهم. حتى سامراء، كانوا الشيعة قادرين على السيطرة على انفسهم وذلك على المستوى الجمعي، رغم انه كان، بالتأكيد، كثير من علميات الانتقام تجري من خلال قنوات اخرى متنوعة، احدها كان وزارة الداخلية عندما كانت تحت سيطرة منظمة بدر. ولكن هجوم سامراء جعل هذا التراكم يصل الى نقطة لم تعد فيها اي سيطرة ممكنة، سواء كانت نفوذا روحيا من السيستاني او سيطرة سياسية من مقتدى الصدر على قواته العسكرية.

س: هل عبر العنف الطائفي في العراق نقطة اللاعودة؟ هل لا يمكن تفادي حربا اهلية مفتوحة؟

اشقر: من الصعب ان اخبرك. يستطيع المرء فقط الامل في الا تكون هذه هي الحالة ومن اجل ان تتحقق من ذلك، الامكانية الوحيدة، كما قلت توا، هي وضع جدول زمني لانسحاب قوات التحالف، هذا ما سوف يضطر القوى العراقية الكبرى الى محاولة ايجاد نوع ما من التعايش، نوع ما من العيش معا في انتظار تسوية نهائية في المستقبل. غير ذلك، من الصعب ان يحدث اي تحسن. دعني اكرر ان لا احد يستطيع التنبؤ بشكل آمن هل هناك ما زال مخرج من الوضع دون حدوث انفجار شامل ام لا. الحقيقة المؤسسة الوحيدة هي ان وجود القوات الامريكية لا يساعد على منع اسوأ النتائج، وكلما طال امد بقاءها كلما كان المخرج من الوضع اسوأ في اي الاحوال. فمنذ بدأ الاحتلال، بدأ تدهور مستمر في الاوضاع. وبالتأكيد ليس ما يسمى "بالزيادة المندفعة في القوات" التي اعلنا جورج دابليو بوش توا هي التي سوف تعكس بشكل سحري مسار هذا التيار!

س: من تعتقد سوف تكون له الغلبة في الحرب الاهلية الشاملة؟

اشقر: هذا يعتمد ايضا على العديد العديد من العوامل. انها حالة معقدة جدا. من اجل اعطاء اي نوع من الاجابة على هذا السؤال، عليك محاولة تخمين "اي نوع من الحرب الاهلية، من ضد من؟" لان الامور ليست بهذه البساطة، انها ليست مجرد شيعة في مقابل سنة. عندك عامل الاكراد ايضا. وفي داخل الشيعة اضافة الى في داخل السنة، هناك انقسامات هامة. لو اصبحت هناك حرب شاملة مفتوحة، ن سوف يضرب بالضبط من هو امر من الصعوبة ان اخبرك به. بمعايير المناطق الطائفية/الاثنية، لقد رأيت بشكل طبيعي اكتمال "التطهير" الذي كان جاريا طوال السنتين الماضيتين. وراء هذا "التطهير"، قد تتقلب الحرب من وضع مناورات الى وضع مواقع، تحدث استقرارا بشكل او بآخر لتقسيم البلد. لن يجد الشيعة حافزا كبيرا لمحاولة غزو مناطق السنة العربية، دعك من مناطق الاكراد، ولسوف يقر العرب السنة بحقيقة انه لا فرصة كبيرة امامهم في هزيمة الشيعة الاكبر عددا بكثير منهم والمدعومين بايران. البقعة التي يمكن ان يدور حولها اقتتالا لفترة ممتدة اكثر هي كركوك: عدد السنة العرب والاكراد تقريبا متساو فيها، ولسوف يحاربون بشراسة للاستيلاء عليها، او لاستعادتها، تلك المنطقة المنتجة للبترول، المنطقة الوحيدة المهمة بتروليا التي ترى كلا الطائفتان انها في متناول ايديهما ويمكن لايهما الاحتفاظ بها.

س: اصبح من الجلي ان احتلال الولايات المتحدة للعراق هو كارثة، حتى من وجهة نظر مصلحة النخبة الامريكية. هناك الكثير من التخمين "بماذا لو" الذي يدور الان في محاولة لشرح كيف حصلت تلك الكارثة. هل كان خطأ حل الجيش العراقي والامر بحل البعث؟

اشقر: هل كان خطأ؟ الاجابة تتوقف على بالنسبة لمن! من وجهة نظر المصالح الامبراطورية الامريكية، من زاوية السيطرة الامريكية على العراق، كانت الاختيارات التي اتبعتها ادارة بوش خاطئة على الدوام، حتى منذ قرت ان تغزو البلاد. يستطيع احدهم ان يجادل، من هذه الزاوية، ان القرار بغزو العراق في حد ذاته كان خطأ كبيرا. ومع ذلك يستطيع المرء ان يستمر في قول انه كان من الممكن ان توجد وسائل فعالة وكفء بالنسبة للسيطرة الامبراطورية الامريكية يمكن فرضها على العراق من خلال التدخل العسكري، وسائل من بينها محاولات جادة لعقد صفقة مع اقسام كبرى من جهاز الدولة البعثي العراقي. كان ذلك ممكنا، وقد وضعت خطط له وحتى تم التحضير له، ولكنه استبعد قبل الغزو في وقت وجيز. كانت هناك امكانية فعلا من وجهة نظر المصالح الامبراطورية الامريكية على الاقل لمحاولة ادارة العراق من خلال كتل رئيسية من جهاز البعث، ولكن دون صدام حسين، وان تحصل بهذه الطريقة على اهم مصالحهم – اي، نفوذا قويا في البلاد، السيطرة على انتاج نفطه وصادراته. لذلك، من هذه الزاوية، نعم، تفكيك الجيش العراقي وحل البعث كان خطأ قاتلا. ولكن هل كان هذا خطأ من الناحية الاخلاقية؟ هل كان هذا خطأ من وجهة نظر مصالح العرب الشيعة؟ هذا هو سبب قولي "هل كان خطأ" يعتمد على "بالنسبة لمن"؟ حل البعث – ما عدا ما حدث من تجاوزات فيه – لم يكن خطأ من الناحية الاخلاقية، لأن البعث كان ديكتاتورية على درجة بشعة من الدموية. ما يبقى هو مشكلة الحسابات المعتمدة على اي مصالح انت تضعها في الميزان. عند النظر من زاوية مصالح الشيعة العرب، تفكيك جهاز الدولة العراقية البعثي تماما كان بالتحديد شرطا لا غنى عنه من اجل تحقيق حكم الاغلبية الحقيقية في العراق.

س: هل تعتقد ان انسحاب الولايات المتحدة من العراق سوف يؤدي الى حتى عنف طائفي اسوأ وطأة؟ هل سوف يؤدي الانسحاب الى انتصار البعث والاصوليين الاسلاميين او ايهما؟

اشقر: انتصار الاصوليون الاسلاميون هو امر تستطيع ان تأخذه كأمر مسلم به توا. لم يعد البعثيون يتمتعون بمشاعر جياشة تؤيدهم حتى يستطيعون تحقيق سيطرة على الاوضاع مرة اخرى – من المحتمل حتى لا يستطيعون تحقيق ذلك في المناطق العربية السنية وحدها. مما يستطيع المرء ان يجمعه من المصادر العراقية، يبدو الامر كما لو انه لم يعد جهاز حزب البعث يمتلك اي سيطرة ملموسة، بطريقة مركزية او منظمة. بقايا جهاز البعث، في الجزء الاعظم منه، قد انشطرت الى جماعات متنوعة لا تظهر اي ولاء للبعثية. فعليا، والى حد معين، يبدو ان القاعدة قد حققت قوة في العراق اكبر من اي بقايا الجهاز الذي ظل على ولاء الى البعث "الصدامي". الان، هذا يجعلني اعود الى سؤالك حول الحرب الاهلية المفتوحة. ما سوف تحصل عليه هو انقسام البلد بحكم الامر الواقع: سوف ينقسم البلد الى عدة مناطق مختلفة على اساس، من ناحية، الاختلافات الطائفية او العرقية، ومن الناحية الاخرى، ربما، بناء على القوى السياسية المختلفة. اي، لن تر مناطق عربية سنية منسجمة، ولكن قوى سنية عربية متنوعة تسيطر على اقسام من المنطقة والصدامات بينهم انفسهم، ونفس النسق سوف تراه في مناطق الشيعة. القوتان الكرديتان الرئيسيتان قد حدث بينهما صدامات عنيفة جدا من بضعة سنوات، ومن المرجح جدا ان يحدث هذا الصدام مرات اخرى. هذا على الارجح ما سوف يكون ناتج الحرب الاهلية المفتوحة. سوف تتماثل النتيجة مع نوع الاوضاع التي سادت في بلادي انا، لبنان، بعد 1975، حين لم تنقسم البلاد الى معسكرين كبيرين، ولكنها سقطت تحت سيطرة امراء حرب مختلفين وكيانات اصغر داخل كل معسكر – نسق تكرر فيما بعد في افغانستان. وقد اخترع مصطلح جديد ليصف هذه الحالة: "لبننة". العراق، فعليا، تمر بمخاطر "اللبننة" الكاملة.

س: القت الولايات المتحدة القبض على ايرانيين في العراق واعتقلتهم واتهمت ايران بأنها تتدخل في شئون البلد. وجهت ادارة بوش اتهامات بدخول اجهزة تفجير عالية التقنية استخدمت ضد القوات الامريكية في العراق قادمة من ايران، وان التدريب عليها قام به حزب الله. في رأيك، ماذا سوف تقدم ايران على فعله؟ هل سوف تشتبك الجماعات الشيعية المدعومة من قبل ايران في مواجهات مع القوات الامريكية؟

اشقر: نعم، بكل تأكيد. تشن القوى الشيعية العراقية حرب مقاومة ضد قوات التحالف. لو زرت مواقع الانترنت المكرسة لجيش المهدي او الصدريين، سوف تجد قائمة طويلة من العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال اضافة الى شكوى من حجب وسائل الاعلام لانشطتهم. انهم يشتكون من وسائل الاعلام التي لا تنشر تقارير عن عمليات المقاومة في المناطق الشيعية، ولكنها تنشر تقارير المقاومة السنية فقط. هناك بكل تأكيد عمليات مقاومة في المناطق الشيعية، اساسا من خلال "اجهزة التفجير المتقدمة" واشباهها، اكثر منها عمليات مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال، رغم انك تستطيع ايضا قراءة اخبار عن النوع الاخير من المقاومة. الان، حتى تصدق ان ايران تساعد ذلك بطريقة يصبح امرا معقولا – وليس مستغربا على الاطلاق. سوف يفهم المرء كثيرا جدا لماذا تجد ايران مصلحة في مساندة هذا الامر، بشرط الا تظهر طريقة المساندة بشكل علني مفضوح. تلجأ ايران بشكل مرجح جدا الى ما تسميه الولايات المتحدة "العمل السري"، وهو نوع من الاعمال التي تخصصت فيها الولايات المتحدة جدا، كما تعرف. ماذا سوف تحاول ايران تحقيقه عبر تلك الاعمال؟ من ناحية، طبعا، من مصلحة ايران بشكل محدد ان تظل قوات الولايات المتحدة في ورطتها بالعراق في وقت تحاول الادارة الامريكية حبس ايران في زاوية، وتمارس ضغطا قويا عليها، وتهددها بعمل عسكري ضدها، وهكذا.

من ناحية اخرى، تشتبك ايران في صراع اقليمي مع واشنطن وهناك وجهان لذلك. احدهما دفاعي، حيث وضع واشنطن الان هو وضع هجوم، مستهدفة ايران، وتتحدث عن تغيير نظام حكم وكل البقية. انها ليست طهران التي تحاول تغيير نظام الحكم في واشنطن، ولكن العكس – رغم انك قد تقول ان لطهران مصلحة في الاسراع بالحاق هزيمة سياسية لادارة بوش، ولكن ذلك ليس بالضبط "تغيير نظام حكم"! الوجه الاخر للصراع الايراني الاقليمي، والذي قد يمتد الى ما وراء اتخاذ وضع الدفاع، هو ان لطهران مصلحة في مد نفوذها في المنطقة لتشكيل نوع من منطقة عازلة، او منطقة حماية تتشكل من دول صديقة. ولدى طهران ايضا مصلحة في المجال الاقتصادي؛ لو تذكر، عندما كنت اتحدث عن النفط، قلت ان العراقيين سوف يعقدون ايضا صفقات مع الشركات الايرانية النفطية، لأن ايران تمتلك فرصا في هذا المجال، رغم انها لا تصمد امام ما لدى شركات النفط الغربية. في الاخير هناك عامل ايديولوجي يجب الا نقلل من شأنه: كلاهما ذو بعد اصولي اسلامي، يلقى جاذبية من كل طوائف الاصولية الاسلامية، سواء سنية ام شيعية، وبعد طائفي. بالبعد الطائفي اقصد التضامن الطائفي الشيعي، الذي يمتد الى ما وراء العراق ولبنان الى الشيعة المضطهدين الساكنين في مناطق انتاج النفط في المملكة السعودية، اضافة الى هؤلاء الذين يشكلون الاغلبية المضطهدة في البحرين، والاقليات الشيعية العديدة الاخرى في الشرق الاوسط الاعرض. لو وضعت كل تلك العوامل معا، سوف تحصل على فكرة عن مجموعة الحوافز والدوافع التي تقف خلف تحركات ايران في المنطقة.

س: ماذا ترى في النتائج المرجحة لمقترحات السياسة المتنوعة المطروحة حاليا للتنفيذ:

أ) "طفرة" بوش باضافة 21 الف جندي او اكثر.

ب) توصيات لجنة بيكر هاملتون

د) اقتراح بيتر جالبريث – جو بيدن – ليسلي جلب بتقسيم العراق الى ثلاث بلاد منفصلة

اشقر: الوجه الرئيسي "للطفرة" ليس الواحد وعشرين الف جندي اضافي. لو كان هذا هو الموضوع، فلسوف يكون بالتأكيد امرا مضحكا، لانه عندما يكون لديك توا 130 الف او يزيد من القوات في الموقع، اضافة عشرين الفا والاعتقاد بأنهم سوف يغيرون بشكل نوعي الحالة سوف يكون ذلك هراءا مطلقا. ما يسمى "الطفرة" تلك هي فعليا جزء من مناورة عامة من خلالها تحاول ادارة بوش، كما قلت توا، انشاء تحالف من القوات العراقية تشمل الاكراد وبعض قوى العرب السنة والشيعة، من اجل عزل التمرد السني المتطرف، من ناحية، ومقتدى الصدر، الذي يعتبر العدو الرئيسي، من ناحية اخرى. تحاول ادارة بوش عمل كل ذلك دون ما يمثل اهم عنصر "اصلي" في مقترح بيكر-هاميلتون، وهو السعي نحو بعض الترتيبات الملائمة والاشتباك الاقليمي مع ايران وسوريا من اجل الحصول على مساعدتهم في توفير الاستقرار بالعراق في ظل السيادة الامريكية عليه. هذا بالضبط ما يجعلني اؤمن ان تلك الاستراتيجية، استراتيجية واشنطن الحالية، لا تمتلك اي فرصة واقعية للنجاح. في الجوهر، تسرع ادارة بوش فعليا عملية وصولها الى طريق مسدود. انهم يظهرون انفسهم في صورة المعاند بشكل كامل والغير قادر على استخلاص اي دروس من تجاربهم الخاصة نفسها.

دعني الان اتحول الى توصيات بيكر هاميلتون. تقوم تلك التوصيات على نوع من السيناريو الذي غادرت الولايات المتحدة فيتنام من خلاله. تكون هذا السيناريو، في ظل حكم نيكسون، من انخراط الاتحاد السوفيتي والصين، بعد الاعتراف بعمق الورطة في فيتنام والصعوبة الهائلة التي تواجه الولايات المتحدة هناك، والتي تعقدت بالكامل بتدهور الجبهة الداخلية في الوطن. في مواجهة هذا الوضع، والخصومة، ادارة نيكسون-كيسنجر، باكثر الاساليب "واقعية"، قررت الانخراط في التعامل مع رعاة المقاومة الفيتنامية ومحاولة اللعب باحدهما ضد الاخر. حاول نيكسون وكيسنجر دق الاسفين بشكل اعمق بين الصين والاتحاد السوفيتي، وهو ما كان مناورة استراتيجية سوف يسعى مناصري تقرير بيكر هاميلتون لمحاولة تنفيذها. اي، سوف يودون ان يحاولوا انتزاع سوريا من ايران وعقد صفقات مختلفة مع كل منهما، لاعبين على التناقضات المحتملة بين النظامين. وهذا يجعل الامر اكثر معقولية من من موقف بوش الداعي الى المواجهة الشاملة من وضع الضعف. سوف تكون استراتيجية اكثر عقلانية مع التسليم بكل المعاكسات التي تواجة الولايات المتحدة الان في العراق. ولكن حينئذ، مثل فيتنام، ليست هناك ضمانة بالنجاح بشكل مطلق. ربما يساعد ذلك تخليص الولايات المتحدة لنفسها من ورطتها في العراق، ولكنه لن يضمن اي سيطرة امريكية على المدى الطويل على العراق. هذه الاستراتيجية تقود فقط الى، مثلما حدث في فيتنام عام 1975، الى خسارة كاملة للبلد على المدى القصير او المتوسط.

بالنسبة لمقترحات تقسيم العراق الى ثلاث اجزاءو في الاوضاع الحالية على الاقل مثل هذه المقترحات سوف تجد بالتأكيد رفضا من قطاعات كبرى من العراقيين كمؤامرة امبريالية لتقسيم البلاد، مثل العديد من مشاريع التقسيم العديدة التي استهدفت الشرق الاوسط في تاريخه الحديث. اضافة الى ذلك، المشكلة الاخطر هنا، من وجهة نظر المصالح الامبراطورية الامريكية، هو ان ذلك سوف ينتهي في نهاية المطاف الى خلق دولة شيعية في جنوب العراق. دولة شيعية مثل هذه من الطبيعي ان تسيطر على الجزء الاهم من ثروة العراق البترولية لانها تقع في المناطق الشيعية في جنوب العراق حيث يوجد الجسم الاساسي من احتياطات النفط في العراق. سوف يخلق ذلك مشكلة هائلة محتملة للولايات المتحدة، لأن مثل هذه الدولة الشيعية – بواسطة ديناميكيات السياسة في المنطقة ذاتها، دعك من حقيقة ان القوى الشيعية العراقية الاهم اليوم بينها وبين ايران تقارب شديد – سوف تتحالف بنفسها مع ايران وتقف في صف المعارضة للمملكة السعودية. في ضوء ما ذكرت حول مناطق انتاج النفط التي يسكنها الشيعة في المملكة السعودية، سوف يؤدي ذلك الى سيناريو بالنسبة لمصالح واشنطن هو الاسوأ مما هو موجود الان. ولكن، في المقام الاول وعلى اية حال، محاولة تنفيذ هذه الفكرة لثلاث كيانات منفصلة سوف يتبنى فعليا حربا اهلية شاملة: بدلا من ان تكون نتيجة لمثل هذه الحرب، سوف يكون هذا التقسيم مصدرا لها!

كل تلك الاقتراحات تظهر فقط ان خطط الولايات المتحدة للسيطرة على العراق مفبركة جدا جدا وبشكل خطير في الوقت الحالي. وهذا هو سبب وجود العديد العديد من المقالات التي تلوم ادارة بوش بسبب ورطتها التامة وكونها مسئولة عن ما يبدو توا على انه الهزيمة الضمنية الاهم للمشروع الامبراطوري الامريكي، على الاقل في التاريخ الحديث.

س: ماذا تعتقد ان واشنطن مقدمة عليه في المرحلة التالية؟

اشقر: بالنسبة لهذا السؤال انا لا املك اجابة لانني لا اعتقد ان اعضاء ادارة بوش انفسهم يعرفون ماذا سوف يقدمون عليه تاليا. انهم يحاولون الابحار معتمدين على ما تراه ابصارهم، ويرفضون الاقرار بأن السفينة تغرق.

س: الى اي مدى تؤثر الحركة المناهضة للحرب على وضع السياسات او صناع السياسات؟

اشقر: هذا السؤال، بالنسبة للولايات المتحدة، انت في وضع افضل مني لاجابته، لانك تعيش هناك. ومع ذلك، لو نظرت الى ما وراء الولايات المتحدة على البلاد الاخرى المتورطة في الحرب، لرأينا ان حركة مناهضة الحرب جعلت منها امرا مختلفا. انا افكر باسبانيا وبايطاليا، وبلاد اخرى ادت حركة مناهضة الحرب فيها الى انسحابها من "تحالف الارادة". اكثر من ذلك، الدور الحاسم لقضية حرب العراق على ماء وجه بلير هو امر معروف جيدا. في الولايات المتحدة، طالما كانت ادارة بوش قادرة على الحصول على اغلبية انتخابية، كانت تستطيع بشكل او بآخر ان تجاهل ضغط حركة مناهضة الحرب، خصوصا حيث ان هذه الحركة لم تستطع المحافظة على استمرار مستوى عال من النشاط، الا في فترات قليلة، باساليب مستدامة. ومع ذلك ما زلنا نرى ان الحملة السياسية الممتدة ضد الحرب وفضح ما يحدث هناك في العراق قد ادى الى رفض ادارة بوش والاغلبية الجمهورية في الانتخابات الاخيرة. بذلك، انا لا احاول القول ان الاغلبية البرلمانية اليوم هي اغلبية ضد الحرب – انها ابعد من ان تكون كذلك. ورغم ذلك، لقد استقدموهم الى تلك الاغلبية القائمة حاليا بواسطة رفض سياسات بوش: كلا من سياسته الخارجية كما تتجسد في مغامرته بالعراق و، طبعا، سياسته الداخلية كما يقوم المثل عليها في كارثة اعصار كاترينا. حقيقة ان اليوم لديك مثل هذا الانقسام القوي في المؤسسة حول قضية العراق هو ايضا شاهد على اهمية حركة مناهضة الحرب وضغوطها، والذي يصبح اكثر فعالية عندما تميل الحقائق الى تأكيد مواقفها بطريقة لا خلاف عليها – وهذه هي الحالة مع العراق.

س: ما الذي يجب ان تنادي به حركة مناهضة الحرب الان؟

اشقر: نفس الذي كانت تنادي به، وما كان يجب ان تكون الدعوة اليه من البداية. اي "الخروج الان": في الولايات المتحدة، المطالبة بانهاء التورط الامريكي في العراق. وذلك يعني المطالبة بأن تتخذ الادارة الامريكية قرارا بترك العراق وان تضع جدولا زمنيا لانسحاب القوات الامريكية في فترة لا تتجاوز اشهر قليلة. سوف يلتقي ذلك مع مطلب غالبية الشعب العراقي، اضافة الى رغبات اغلبية السكان في الولايات المتحدة.

شب جيلبرت اشقر في لبنان وهو يقوم بتدريس العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة. اشقر هو مؤلف عدة كتب منها صدام البربريات وكتاب البراد الشرقي (2004) وكتاب حوار مع نعوم شومسكي حول الشرق الاوسط، القوة المروعة، حرره ستيفان شالوم، ويتضمن مناقشات مستفيضة حول الوضع العراقي والسياسة الامريكية هناك.
http://kefaya.org/07znet/070210gashcar.html