لم يفلت الأمر بعد من المالكي
د. سليم الحسني
Saturday, 28 July 2007
طرفان يتحركان بإتجاهين متعاكسين، الأول يسعى الى اسقاط المالكي، والثاني يسعى لإبقائه في الحكم، والغلبة للأذكى.


لا أحد يجرؤ على القول أنه يريد إسقاط الحكومة، ففي الجو السياسي العراقي تكون عادة الشعارات العائمة سيدة الخطاب، لكن المعنى ينكشف بوضوح، وهذا ما تواجهه حكومة المالكي بعبارات إلغاء التهميش والإيفاء بالالتزامات والتعهدات وغير ذلك من كلمات كبيرة، تشير في حقيقة الأمر الى رغبة قوية لإسقاط حكومته.


عامل قوة يتمتع به المالكي، فهو حين يحاصر في زاوية حرجة، يتحدث علناً كاشفاً المستور، وقد فعل ذلك عدة مرات، كان أولها بعد تشكيل حكومته بما يقرب من أربعة أشهر حين أعلن أنه محاصر وحمل القيادة الاميركية سبب هذا الحصار.


وقد ظهر المالكي علناً ليقول أنه لا يملك صلاحية تحريك فوج عسكري من القوات العراقية، وأن الملف الأمني كله بيد القيادة العسكرية الأميركية.


ويومذاك بدا المالكي وكأنه يريد أن يخوض مواجهة مع السفير الأميركي القوي زلماي خليل زاد، لدرجة أنه قال لبوش عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إن مطلبي هو أن تختاروا سفيراً جديداً.


وفي تلك الفترة سربت بعض الصحف الأميركية معلومات خاصة مفادها أن من الضروري عدم إثارة المالكي، لأنه سيخرج الى وسائل الإعلام ويتحدث صراحة، وقد رفع بعض المسؤولين في البيت الأبيض توصية خاصة تقول لا تجعلوا المالكي يتحدث عن مشاكله، إنه صاحب نبرة قوية.


وقد أقدم المالكي على مواجهة علنية مع أطراف ونواب عراقيين قبل تسلمه رئاسة الوزراء وبعدها، فذات مرة هاجم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في إجتماع المجلس السياسي بأنه يضع العراقيل أمام العملية السياسية، وأن التصريحات غير المسؤولة تساهم في زيادة العنف بالعراق.


ثم تحدث عن مؤامرة تدبر ضد الحكومة ووجه أصابع الإتهام الى القائمة العراقية.


وواجه القائد الأميركي بتريوس في قضية تسليح العشائر، وأعلن معارضته بأن ذلك يساهم في خلق مليشيات جديدة، وكانت مشادات كلامية تدور بين الرجلين، حتى قال بتريوس إننا لم نتبادل اللكمات بعد.


لكن المالكي الذي يفاجئ الأخرين بتصريحات مباشرة، يتصرف في حالات أخرى، بطريقة توحي بالضعف، وهذا ما يشجع بعض الأطراف على التحرك ضده، فمثلا لم يكن المالكي مضطراً لأن ينساق في مشروع (3+1) الذي اظهره وكأنه يحاول إرضاء الآخرين للخروج من مأزق خفي يعاني منه.


لقد فهمت بعض الأطراف ومنها جبهة التوافق أن رئيس الوزراء يمر في ظرف حرج، وأنه يريد إنقاذ حكومته بالإتكاء على التحالف الكردستاني مقابل التنازل عن قسم من صلاحياته. كما أن التحالف الرباعي الذي تحمس له حزب الدعوة، حفز خصوم المالكي على التحرك العاجل ضده، وهذا ما حدث.


كان المالكي يوشك أن يخرج من أزمة كبيرة، وأن يعيد ترميم حكومته، لكنه صب جهده على مشروع غير مضمون النتائج، رغم حاجته الماسة لعامل الوقت.


المبادرة لم تفلت من يد المالكي، إنه يستطيع أن يفعل الكثير، وأن يصنع أسباب القوة لحكومته، فحل اللحظات الأخيرة هو ما يميز رجل الدولة.






آخر تحديث ( Saturday, 28 July 2007 )



خليفة المالكي المالكي نفسه
د. سليم الحسني
Sunday, 29 July 2007
هذا العنوان ورد ضمن مقالة نشرتها صحيفة أميركية قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر ، كان المقال يتحدث عن قدرة المالكي على مواجهة الأزمات.


وفي تلك الأيام كشف المالكي عن مؤامرة تحاك ضد حكومته، واتهم أطرافاً سياسية بأنها تحاول الإلتفاف على العملية الديمقراطية في العراق. كان موقفاً صريحاً بدا فيه المالكي على استعداد للمواجهة وكشف الحقائق.


لقد مر المالكي بأكثر من أزمة، بل أن السنة والنصف الماضية من عمر حكومته كانت كلها أزمات متفجرة، من شأنها أن تطيح بالحكومة، لكنه كان يسعى الى تجاوزها، وقد نجح بالفعل.


غير أن الأيام الأخيرة كانت الأزمة كبيرة نتيجة فراغ كبير في الوزارة، وتخلخل في البرلمان، ويبدو أن جبهة التوافق قرأت المشهد السياسي فوجدت أن المالكي يواجه عدة حروب في وقت واحد، وتصورت أن الرجل أرهقته المشاكل فهو على استعداد للتنازل، فأعلنت موقفها المتشدد الذي كان تهديداً أكثر مما هو محاولة تحقيق مكاسب.


لقد عانت جبهة التوافق من مشكلتين كبيرتين، وزير متهم بالقتل، ورئيس برلمان يراد إقالته، وقد فشلت قيادة الجبهة في حل أي واحدة من هاتين المشكلتين رغم تحركاتها العربية والدعم الذي حصلت عليه في هذا المجال.


فقد رفض رئيس الوزراء نوري المالكي التدخل في قضية الوزير أسعد الهاشمي، متمسكاً بحيادية الحكومة وعدم خرقها لإستقلالية القضاء.


كما رفض الإئتلاف العراقي التراجع عن إتفاقه مع جبهة التوافق بعودة مؤقتة للمشهداني، على أن يقدم إستقالته بعد عدة جلسات، وهو ما تراجعت عنه التوافق بعد أول إجتماع ترأس فيه المشهداني البرلمان.


وقد وقعت جبهة التوافق في تصور خاطئ حين توقعت أن إعلان عودتها الى البرلمان سيسقط مشكلتي وزيرها المتهم، ورئيس البرلمان المطلوب إستبداله، ففوجئت ببقاء الحال على ما هو عليه، وكان ذلك صدمة لحساباتها.


حصلت جبهة التوافق على معلومة مفادها أن رئيس الوزراء سيوافق على أي شرط وسيخضع لأي ضغط قبل عطلة البرلمان لكي يخرج من الأزمات المتفجرة عن يمينه وشماله، فأرادت أن تمارس المزيد من الضغط عليه، وقد دفع الجبهة بهذا الاتجاه نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي دخل في تراشق كلامي حاد مع المالكي في آخر إجتماع ضمهما الأسبوع الماضي، فكان أن أعلنت الجبهة عن موقفها بالانسحاب عبر تصريحات وبيان تهديد أستهجنته الأطراف السياسية.


أغلب الظن أن جبهة التوافق أصيبت بالدهشة وهي ترى أن المالكي يرفض هذه الطريقة المكشوفة، بل أن الحكومة اصدرت بياناً شديداً ردت فيه على إتهامات التوافق، وكان ذلك بمثابة رفض صريح لموقف التوافق.


معلومة خاطئة وقراءة ناقصة أدخلت التوافق في زاوية حرجة، بحيث بدت في المشهد السياسي العراقي ككتلة تسعى الى اصطناع الأزمات.