النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    7,103

    افتراضي ابو طالب المفترى عليه

    أبو طالب المُفتَرى عليه!
    لعبد المطلب جد النبي محمد (ص) أولاد من أمهات شتى , وله ولدان من أم واحدة, الاول هو عبد الله وهو أبو النبي محمد (ص), والثاني هو أبو طالب. يموت عبد الله قبل ولادة النبي فيكفل النبي جده عبد المطلب, ثم لايلبث أن يموت عبد المطلب وكذلك تموت أم النبي فيكفله عمه أبو طالب, ولذلك كانت قبيلة قريش أحياناً تسمي النبي وهو صغير يتيم أبا طالب. كان أبو طالب رحيماً بأبن أخيه الوحيد وشمله برعاية واهتمام كبيرين, فهو يتيم الاب والام معاً, حتى أنه فضله على أولاده وهم طالب, جعفر , عقيل , علي, وفتاة أسمها أم هاني.
    أدرك أبو طالب عهد الرسالة وكان من أشد المدافعين عن ابن أخيه النبي محمد في وجه أعداء دعوة الاسلام, ووقف في وجه شيوخ قريش يذب عن النبي ويتولاه بالحماية والرعاية. كان ابنه علي بن أبي طالب هو أول من آمن برسالة النبي من الناس ولما يتجاوز العاشرة من عمره , و يذكر علي في خطبة له أنه أسلم ومعه زوجة النبي خديجة ولما يعرف الناس بعد دين الاسلام , , حيث يقول في خطبته( ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ) (عن نهج البلاغة , الخطبة القاصعة) .
    ولما علم أبو طالب أن ابنه علي على دين جديد سأله قائلا: : ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟
    قال : يا أبت ! آمنت بالله وبرسوله ، وصلّيت معه
    فقال ( أبو طالب ) : أما إنه لا يدعونا إلا إلى الخير .. فالزمه . ( الكامل في التاريخ لابن الاثير , الجزء الثاني ، ص38 ), وتبين لنا روايات التاريخ على اختلاف مصادرها أن أباطالب وأبوه عبد المطلب كانا يعرفان أن لمحمد بن عبد الله شأنا عظيما , فأبو طالب كان مع النبي عندما سافرا للشام وألتقيا بالراهب بحيرا الذي بشر أبا طالب بنبوة ابن أخيه. وأذن سؤال أبوطالب لابنه علياً أنما كان تأكيدأ لمعرفة يعرفها مسبقاً وهي نبوة محمد ولهذا يقول له : أما أنه لايدعونا إلا إلى الخير.
    ثم يدخل الدين الجديد ابن ابو طالب الاخر وهو جعفر ويصبح جعفر قائدا وأميرا على المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة من بطش قريش.
    لأبي طالب ديوان شعر أشهر من أن نكتب مصادره ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة , وكذلك روى جمع من المؤرخين أشعار أبا طالب في كتابتاتهم. ومن شعره الذي يخاطب به النجاشي ملك الحبشة, وكان قد قاله عند هجرة المسلمين الاولى الى بلاد الحبشة ,وفي تلك الهجرة كان ابنه جعفر بن أبي طالب أمام المسلمين المهاجرين وأميرهم . يقول أبو طالب في قصيدته:
    تعلم مليك الحبش أن محمدا
    نبي كموسى والمسيح بن مريم
    أتى بهدى مثل الذي أتيا به
    فكل بأمر الله يهدي ويعصم
    وإنكم تتلونه في كتابكم
    بصدق حديث لا حديث المبرجم
    وإنك ما تأتيك منا عصابة
    بفضلك إلا عاودوا بالتكرم
    (ديوان أبو طالب, ايمان أبو طالب للمفيد, مستدرك الحاكم الجزء الثاني)
    وله قصيدة ثانية يذكر ابنه الحبيب جعفر في غربته بالحبشة, ويذكر عمرو بن العاص أمير وفد مشركي قريش الى النجاشي, نذكر منها مطلعها.
    الا ليت شعر كيف في النأي جعفر
    وعمرو وأعداء النبي الأقارب (ديوان أبو طالب)
    وله قصيدة يفاخر بولديه علي وجعفر قالها عندما رأي النبي (ص) يصلي وعلي يصلي وراءه, فقال لابنه الاخر جعفر : يابني صل جناح بن عمك. فصلى جعفر بجانب علي وتذكر بعض الروايات أن تلك كانت أول صلاة جماعة يصليها المسلمون .
    يقول ابو طالب :
    إن عليا وجعفرا ثقتي
    عند ملم الخطوب والكرب
    والله لا أخذل النبي ولا
    يخذله من بني ذو حسب( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, ايمان أبو طالب للمفيد)( ذكر رواية صلاة علي وجعفر خلف النبي وقول أبو طالب صل جناح بن عمك المؤرخ ابن الاثير أيضا
    في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة الجزء الاول , الصفحة542)
    وعندما طالبت قريش من أبي طالب ردع النبي عن دعوته أو تسليم النبي لقريش للقضاء على الدين الجديد, يقول أبو طالب في قصيدة منها:
    وظلم نبي جاء يدعو الى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
    فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
    ( أبو طالب للأميني, وعن شرح النهج لابن أبي الحديد الجزء الثالث)

    لقد كانت أشعار أباطالب تعبر عن واقع الدعوة الاسلامية ومعاناة المسلمين من بطش قريش وآذاهم , فيقول في قصيدة له مواسياً حمزة عندما أعلن أسلامه في وجه قريش:
    فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
    نبي أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمزة كافرا
    فقد سرني إذ قلت " لبيك " مؤمنا * فكن لرسول الله في الدين ناصرا
    وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل : ما كان أحمد ساحرا
    ومن قصيدة لأبي طالب يظهر فيها تفانيه وحبه للنبي محمد (ص) ويحث على مقاتلة قريش عندما أرادت اغتيال النبي والقضاء على الدين الجديد.
    ألا من لهم آجز الليل مقتم * طواني وأخرى النجم لما تقحم
    ترجون أن نسخو بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم
    كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
    وتقطع أرحام وتنسى خليلة * خليلا ويغشى محرم بعد محرم
    وينهض قوم في الحديد إليكم * يذودون عن أحسابهم كل مجرم
    على ما أتى من بغيكم وضلالكم * وعصيانكم في كل أمر ومظلم
    بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم
    فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
    ( ديوان أبو طالب, أيمان أبو طالب للعلامة المفيد, ذكر الابيات كذلك حسين الشاكري في كتابه شيخ البطحاء)
    قامت قبيلة قريش بمقاطعة عشيرة النبي وهم بنو هاشم وحصرتهم في أحد شعاب مكة كي يتنازل النبي عن دعوته للدين الجديد, وأصاب المسلمين عذاب شديد في سبيل الدين , وفي عام الحصار ذلك يموت أبو طالب وكذلك تموت خديجة بنت خويلد زوجة النبي , فيسمي النبي ذلك العام بعام الحزن حزنا على عمه .
    ويروي ابن كثير تلك المقاطعة فيقول
    (ثم إن المشركين اشتدّوا على المسلمين كأشدّ ما كانوا ، حتى بلغ المسلمين الجهد واشتدّ عليهم البلاء ، وجمعت قريش في مَكْرها أن يقتلوا رسول الله علانية ، فلما رأى أبو طالب عمل القوم ، جمع بني المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول الله شِعبهم ، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله وأجمعوا على ذلك، اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يُجالسوهم ، ولا يُبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم ، حتى يُسلمـوا رسـول الله للقتل)( البداية والنهاية لابن كثير, الجزء الثالث صفحة 84)
    وقال أبو طالب يرد على قريش عندما ارادت أخذ النبي لقتله :

    ولله لن يصلوا أليك بجمعهم حتى أٌغيب في التراب دفينا
    ودعوتني وزعمت أنك ناصحٌ ولقد صدقتَ وكنت ثمَّ أمينا
    وعرضت دينا قد علمتُ بأنه من خير أديان البرية دينا
    ( ديوان أبو طالب, وكذلك نقلا عن تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني, باب حصار قريش لرسول الله وخبر الصحيفة)
    وهكذا أبى المسلمون أن يسلموا النبي لقريش واختاروا العذاب في الحصار على ذلك , ثم يموت أبو طالب في ذلك الحصار فداءً للنبي, فيالها من تضحية.
    ويقول أبو طالب في قصيدة له وهو في الشعب تحت حصار قريش:
    ألا أبلغا عني على ذات بينها * لويا وخصا من لوي بني كعب
    ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتب
    وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
    وأن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
    ( أبو طالب للعلامة للأميني, وعن شرح النهج لابن أبي الحديد الجزء الثالث)
    قوله ( وأن الذي رقشتم في كتابكم) يعني فيه بوثيقة قريش التي وقعها زعماء قريش وفيها اتفقوا على مقاطعة بني هاشم في كل نواحي الحياة من زواج ونصرة ومساعدة ومواساة, وقصة الوثيقة مذكورة في مصادر التاريخ. ومن المفيد أن نذكر قول المؤرخ ابن الاثير ذاكراً أمر الصحيفة:
    (فلما فعلت قريش ذلك ، انحازت بنو هاشم وبنو المُطّلب إلى أبي طالب ، فدخلوا معه في شِعبه واجتمعوا ، وخرج من بني هاشم أبو لهب بن عبدالمطلب إلى قريش
    فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً ، حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم شيء إلا سِرا)( الكامل في التاريخ لابن الاثير, الجزء الثاني ص 60)
    نعم خرج أبو لهب عم النبي الكافر وانحاز الى قريش لأنه كان مشركاً , لكن أبو طالب المؤمن بقى في الشعب محاصرا حاله حال المسلمين من بني هاشم .
    (((((((((((((((((((((((((((
    هذه الاشعار والمواقف يبدو فيها جلياً أن أباطالب كان مؤمناً بالرسالة الجديدة , فهو يسمي ابن أخيه نبياً , ويقرنه مع أنبياء الله موسى وعيسى, ويقف في وجه قبيلة قريش في حربها للنبي الى أن يموت محاصراً في الشعب فداءً لابن اخيه , كما يحث ولديه ويشجعهما على نصرة ابن عمهما النبي محمد (ص). لم تكن هناك عقبة في أيمان أبوطالب بالرسالة الجديدة, فهو مؤمن أصلاً بالتوحيد قبل الاسلام ,وحاله كان كحال الموحدين من أهل قريش, ويعود ذلك الى ديانة أبيه عبد المطلب. فتذكر المصادر أن عبد المطلب وهو جد النبي محمد(ص) كان موحداً يؤمن بالله . يذكر المؤرخ ابن الاثير وكذلك المؤرخ المسعودي عام الفيل وهو العام الذي غزا فيه الملك الحبشي أبرهة مدينة مكة, وفي ذلك العام كان أن أخذ جيش ابرهة الحبشي مواشي وإبل لعبد المطلب فذهب عبد المطلب الى أبرهة بشجاعة وطلب منه رد مواشيه ! فتعجب أبرهة من ذلك فقال له : ما بالك تسأل عن مواشيك ولا تهتم بالكعبة التي تقدسها ! أجابه عبد المطلب : ( أنا رب الابل وللبيت ربٌ يحميه) . وهو جواب ينم عن أيمان بالخالق, ثم يأتي أبو عبد المطلب الى الكعبة ويأخذ بحلقة باب الكعبة ويدعو قائلاً
    يارب لا أرجو لهم سواكا ..........يارب فامنع عنهم حماكا
    أن عدو البيت قد عاداكا............أمنعهم أن يخربوا فناكا
    ( بتصرف عن كتاب شيخ البطحاء لحسين الشاكري, ونقله عن الكامل في التاريخ لابن الاثير الجزء الاول , صفحة 261, ومروج الذهب للمسعودي الجزء الثاني, الصفحة 168)
    كان عبد المطلب يحرم الزنا و يمنع زواج المحارم و لم يستقسم بالازلام و حرم ما يذبح الناس على النصب , كما حرم الخمر على نفسه , يقري الضيف ويفي بالنذور, موحدا بالله حتى كانت قريش تسمي عبد المطلب بأبراهيم الثاني , فهو كالنبي ابراهيم في اخلاقه .( بتصرف عن تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني صفحة 9) فلا عجب أن يكون ابنه أبوطالب على نهج ابيه في الاستقامة والايمان
    المتتبع لسيرة أبي طالب في كتب التاريخ يجد ماذكرنا صحيحاً , ولكن على الرغم من ذلك نجد جمع من المفكرين والفقهاء لايقبلون بأيمان أبي طالب, ويقولون أنه مات كافرا! وفي عهدنا الحاضر لازالت كتب التاريخ الدراسية في مناهج مدارس المسلمين على اختلاف مراحلها تقول أن أبا طالب مات كافراً لم يؤمن بدين محمد, واختار الموت وثنياً يعبد الاوثان! لنتأمل صدق هذه الادعاء ولنرى ماهي أسباب ودوافع الذين يريدون أبا طالب كافراً , رغماً عن الشواهد والروايات التي ترينا أنه كان صادق الايمان. فهل حقاً مات أبو طالب كافراً لايؤمن بمحمد ولايؤمن برسالته؟
    قبل الخوض في مصادر هذه الدعوة من الضروري أن نتذكر بأن أبا طالب هو أبو علي, وعلي له أعداء حاربوه وتمنوا قتله, ولما قُتل علي لم يتورع أولئك الاعداء على تشويه صورة علي في أذهان الناس ووضعوا أحاديث نبوية ملفقة مزورة تُحط من قدر علي . كان أحد أولئك الاعداء هو معاوية بن أبي سفيان مؤسس دولة بني أمية الذي حارب عليا بن أبي طالب في معركة صفين, وفي عهد دولة بني أمية كُتب بعضُ من تاريخ الاسلام, أما احاديث النبي وتوصياته فقد كٌتبت لأول مرة في في عهد الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز أي بعد وفاة النبي بثمانين عاماً, وكتابة الاحاديث بعد ثمانين سنة من سماعها يدل على أحتمال وضع أحاديث ومحو أخرى حسب حاجة الدولة الحاكمة, فليس من البعيد أن تقوم دولة بني أمية المعادية لعلي بن أبي طالب والمعادية لبنوه بتشويه شخصية الامام علي ومن أحدى التشهويات تلك أظهار أبو علي وهو أبو طالب بمظهر الكافر المشرك الذي مات كافراً في عهد ابن أخيه النبي محمد. لنذكر بعضاً من مصادر التاريخ التي تثبت دعوانا هذه, وسنسردها فيما يلي كما هي وللقارئ الحكم والتحليل.
    سب علي بن أبي طالب على منابر دولة بني أمية
    عين معاوية صاحبه المغيرة بن شعبة واليا على الكوفة سنة 41 هجرية وقال له: ... ولست تاركا إيصاءك بخصلة لا تترك، شتم علي بن أبي طالب وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له! ( تاريخ الطبري الجزء الرابع, تاريخ بن الاثير الجزء الثالث الصفحة 102 )
    و كان حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة علي بن أبي طالب، إذا سمعوا المغيرة بن شعبة وغيره من أصحاب معاوية وهم يلعنون عليا على المنبر، يقومون فيردون اللعن عليهم، ويتكلمون في ذلك( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 230).
    كان معاوية يقتنت في صلاته ويُسمع الناس دعاءه ضد علي , يقول ابن الاثير في معاوية: فكان إذا قنت سب عليا وابن عباس والحسن والحسين والأشتر .( الكامل في التاريخ لابن الأثير, الجزء الثاني الصفحة 684) وهكذا يجعل معاوية من صلاة هذا الدين ألعوبة سياسية يخدع بها أهل الشام حديثي العهد بالدين, ويريهم أن سب علي بن أبي طالب سنة من سنن هذا الدين ! فيا للعجب ألا يدري معاوية أنه في تشهد الصلاة يصلي على محمد وآل محمد رغما عن أنفه, وهل علي والحسن والحسين الا آل محمد, فما هذا التناقض واللعب على عقول الناس, ولكن هذا التحريف سرى في عقول الناس في الشام وهم حديثي عهد بالدين, فنشأت أجيال تحسب أن عليا بن أبي طالب من اعداء الدين وبطبيعة الحال من كان عدواً للدين يكون أبوه أبوطالب عدواً للدين أيضا.
    بقيت عادة سب علي بن أبي طالب على منابر بني أمية لسنين طويلة ونشأت عليها أجيال لاتعرف سوى سب علي والبراءة منه, حتى كان عهد عمر بن عبد العزيز فألغى هذا الفعلة الشنيعة بحق أمير المؤمنين.
    قال ابن سعد : " كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبدالعزيز يشتمون عليا رحمه الله فلما ولي عمر أمسك عن ذلك(الطبقات الكبرى لابن سعد الجزء الرابع, الصفحة 67 )
    وذكر مثل ذلك الجاحظ حيث يقول ( ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم ان ابا تراب-( أبا تراب هو لقب لعلي بن أبي طالب)- ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما ).وكتب بذلك الى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر، وصار ذلك سنة في ايام بني أمية، الى ان قام عمر بن عبد العزيز فأزاله.
    و ذكر البلاذري عن عمر بن عبد العزيز قوله: نشأت على بغض علي لا اعرف غيره، وكان ابي يخطب فإذا ذكر عليا ونال منه تلجلج، فقلت: يا أبه انك تمضي في خطبتك فإذا اتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا، قال: أفطنت لذلك؟ قلت: نعم ! قال :يا بني ان الذين من حولنا لونعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا (أنساب الاشراف للبلاذري , الجزء الثامن, الصفحة 198).
    قال المغيرة بن شعبة لصعصعة : (واياك أن يبلغني عنك: أنك تظهر شيئاً من فضل علي ، فانا اعلم بذلك منك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخدنا باظهار عيبه للناس. ( يعني أظهار عيوب علي بن ابي طالب للناس) (الكامل في التاريخ لابن الاثير 3: 430 ، وتاريخ الطبري الجزء الرابع).
    ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة عندما قال قوم من بني أمية لمعاوية ( أنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن سب هذا الرجل ( يعنون عليا بن ابي طالب) , فقال معاوية لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً) ( شرح النهج الجزء الرابع , صفحة 57) . أن معاوية يريد أن تنشأ أجيال تبغض عليا بن ابي طالب واستعمل كافة السبل في عصره في نشر ذلك , ومن يريد حط قدر أي شخصية يحصل على نتائج اسرع أذا ماهو حط من عائلته وحط من قيمة أبيه, وهذا مافعلته دولة بني أمية فسب علي بن أبي طالب وبنيه على المنابر يكون افضل بجعل أبيه أبا طالب كافرا. والرواية الاتية تعضد رواية بن أبي الحديد أعلاه وتؤيدها .
    عن المغيرة أنه طلب من معاوية ترك إيذاء بني هاشم-(بنو هاشم هم عشيرة النبي محمد)- لأنها أبقى لذكره , فقال معاوية : هيهات , هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم-(يقصد به الخليفة الاول ابوبكر)- فعدل وفعل ما فعل , فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره, إلا أن يقول قائل : ابوبكر. ثم ملك أخو عدي-(يعني به الخليفة الثاني عمر)-, فأجتهد وشمر عشر سنين, فما عدا أن هلك ذكره , إلا أن يقول قائل : عمر. وإنَّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات, أشهد أنَّ محمّداً رسول الله , فأي عمل يبقى؟ وأيَّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا والله ألا دفناً دفنأ. ( ذكر الرواية العلامة الاميني في كتابه معاوية, وكذلك ذًكرت في صحيح مسلم بشرح النوويّ 1: 81، المسترشد، للطبريّ: 174). الرواية ترينا بغض معاوية للنبي محمد علانية فهو يسميه (أبو كبشة) وهو تسمية كفار قريش للرسول أيام دعوته استهزاءً به. هنا معاوية يسترجع ذلك اللقب الجاهلي للنبي, ويتمنى أن يمحي أسم النبي محمد من آذان الصلاة ويكمل قائلا: لا والله ألا دفناً دفناً. فهو يسعى بكل السبل ألى دفن تراث النبي ودفن دينه ولما كان علي بن أبي طالب أقرب الناس للرسول وأول الناس أسلاماً, فأن معاوية حاربه ولم يشفي حقده وغله ألا بتشريع لعن علي بن أبي طالب على منابر بني أمية حتى يمحي ذكره من ذاكرة الناس. وفي عصرنا الراهن شاهد أكثرنا ممن نشأ تحت تسلط الانظمة الطاغوتية ما تفعله الانظمة من تغيير الحقائق ولبس الحق بالباطل, وعمليات غسل الأدمغة بالترغيب وبالترهيب وأرعاب الناس وبواسطة وسائل ألاعلام المتطورة. في عصر معاوية كانت أقوى وسيلة أعلام هي منابر الجوامع وخطب الوعاظ للناس, فأستغلها أستغلال ناجح في ترويج أحقيته بالخلافة وبالحط من شخصية الامام علي بن أبي طالب.
    ومن المفيد أن نذكر أن الخليفة العباسي المأمون أراد رد الكيل لمعاوية بعد عهود عديدة من الزمن, فقرر أن يسب معاوية على المنابر حتى يصحح للأجيال تلك الفعلة الشنيعة, لكنه عدل عن ذلك ربما خوفاً من تصحيح عقيدة الناس في علي فربما ظن هو ألاخر أن رد الاعتبار لعلي بن أبي طالب بعد تلك السنين الطويلة قد يؤدي الى زوال ملكه هو الاخر, وكانت نظرية كفر أباطالب ملائمة أيضا للعباسيين, فمن مصلحة المأمون العباسي جعل أباطالب كافراً في أعين الناس, حتى يستأثر العباسيون بشرف قرابة النبي وشرف الاسلام لأن العباس جدهم الاكبر هو عم النبي أيضاً, لذا كان من الافضل لهم عدم الافصاح عن نشر أيمان أباطالب لانهم بذلك يصيرون مع الطالبيين في نزاع على شرف قرابة النبي , فالعباس وأبواطالب كلاهما عم الرسول محمد وابو طالب هو اخ وشقيق لابي النبي محمد, فجعله في خانة الكفر يجعل الشرف كله لبني العباس, وهكذا صار لابي طالب عدواً اخر وهم بنو العباس أيضا الذين استفادوا من نظرية كون أبي طالب كافراً , فتعمقت في عقول الاجيال النظرية التي ترجح أن أبا طالب مات كافراُ . ذكر المؤرخ المسعودي نية الخليفة المأمون في سب معاوية ومن أراد الفائدة فعليه بكتاب مروج الذهب للمسعودي في جزءه الثالث. أن ذكر المؤرخ المسعودي لقصة المأمون ورغبته في سب معاوية دليل من أدلة كثيرة في حقيقة سب علي على منابر بني أمية , فنية المأمون في سب معاوية دليل تاريخي على أن معاوية كان قد أمر بسب علي بن أبي طالب على منابر دولته, وللحط من شأن علي بن أبي طالب كانت نظرية كفر أبا طالب ملائمة تماماً للأمويين في تحريف حقائق التاريخ, وملائمة كذلك للطموح العباسي في نيل الشرعية بشرف قرابة النبي. فصار أبوطالب كافراُ ومات مشركاً وثنياً رغماً عن كل المواقف التي وقفها مع النبي, ورغماً عن وضوح وجلاء أيمانه في ديوانه الشعري المعروف.
    وهذه رسالة للخليفة العباسي أبوجعفر الى الثائر محمد بن عبد الله العلوي يقول فيها ....( وابتلي أبوك بالقتال والحرب؛ وكانت بنو أمية تلعنه كما تلعن الكفرة في الصلاة المكتوبة،..)( الطبري الجزء 12 , خبر سنة خمس واربعين ومائة) . وقوله ( وابتلي أبوك) يعني بها عليا بن أبي طالب فهو من أجداد الثائر محمد المعاصر للخليفة العباسي ابو جعفر. وهو دليل آخر على سب ولعن الامام علي من قبل حكام بني أمية.
    (((((((((((((((((((((((((((((((((



    القسم الثاني من المقال في الصفحة الاتية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    7,103

    افتراضي

    اذا رجعنا الى أحداث ما بعد وفاة النبي من أحداث لرأينا أن الصراع على السلطة بعد رحيل النبي كان صراعا قبلياً ! ففي يوم السقيفة أراد الانصار-(* وهم أهل يثرب)- نصب خليفة من عندهم, وليس كذلك بل تفرق الانصار الى طائفتين وهما قبيلة الاوس وقبيلة الخزرج وخرج سعد بن عبادة ممثلا أحداهما وصار سعد بن معاذ ممثلا الاخرى, أما رجال قريش فتحججوا بأنهم أولى من محمد من الانصار كونهم قومه وعشيرته , فقد قال عمر بن الخطاب القرشي : نحن عشيرة محمد .( راجع أحداث السقيفة في كتب التاريخ) وبذلك تفوقت قريش على الانصار بقرابتها للنبي محمد وحاز الحزب القرشى على خلافة النبي محمد فصارت الخلافة من نصيب أبو بكر بمباركة عمر بن الخطاب و أبو عبيدة الجراح . وعند سماع علي بن أبي طالب بما حدث وحينها كان مشغولا بتجهيز النبي ودفنه قال : تحججوا بالشجرة وتركوا الثمرة. ويعني بذلك أن قريش حازت على الخلافة بحجة القرابة للنبي ولكنها (قريش) تركت الثمرة وهم أهل النبي الادنون من ال أبي طالب. نعم كان من صالح الذين زيفوا التاريخ أن يظهروا أن أبا طالب عم النبي مات وثنياً كافراً, وبذلك لن ينال أقرب الناس للنبي وهو علي بن أبي طالب شرف الخلافة وكيف ينالها وأبوه كافر وثني, فلا تمييز له عن الاخرين , وبذلك يتجرد علي من ميزة مهمة وهي أن أبيه أباطالب الذي وقف مدافعاً عن النبي الى اخر يوم في حياته, لم يكن سوى كافر مشرك! ومن المعلوم أن والدي عمر بن الخطاب ماتا مشركين وكذلك والدي الخليفة الثالث عثمان لم يدخلا الاسلام وبذلك تساوي علي بن أبي طالب مع القوم فجعلوا أبوه كافراً مثل ابائهم. ولمنع التباس الموضوع على القارئ نذكر أن نظرية كفر أبوطالب وجدت في العهد الاموي واستفاد المؤرخون ومبيضو صفحات التاريخ من تلك النظرية ليضيفوها الى سجل علي بن أبي طالب وليرفعوا من شأن الخلفاء الثلاثة الاوائل فوق علي بن أبي طالب. وهذا تماما ما سعى اليه الامويون في عهدهم فاختلقوا نظرية كفر أبو طالب وعمقوها وأضافوها لسب علي بن أبي طالب على منابرهم.
    والدليل على أن ألامويين هم من أصل هذه الفكرة هو أن نظرية كفر أبوطالب لم تتبلور ألا بعد عهد معاوية فالرسائل التي كانت بين علي بن ابي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان ما قبل وأثناء معركة صفين تٌرينا أن الناس في ذلك العهد كانوا يعرفون أن أباطالب مات مؤمنا مسلما , ومن تلك الرسائل رسالة علي بن أبي طالب لمعاوية في نهج البلاغة وفيها يفخر علي على معاوية بأصله وبعشيرته فيقول :
    (.... ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ! ولا المحق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل . ولبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم !) ( نهج البلاغة الجزء الثالث , شرح محمد عبده)
    أن الرسالة فيها ذم لأبي سفيان ورفعة لأبي طالب ولكن معاوية لايستطيع أن يرد بكلمة للنيل من أبي طالب, أليس هذا دليلاً على أيمان أبو طالب, فلو كان كافراً لما استطاع علي أن يفخر به ولذكر معاوية خصلة الكفر في أبي طالب لو كان حقا كافراً ,ولكنه لم يفعل.
    رويداً بعد ذلك وأثناء سٌنة سب علي بن ابي طالب على منابر بني أمية, ظهر حديث الضحضاح, فما هو حديث الضحضاح هذا؟
    (عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي (ص)، وقد ذكر عنده عمه، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه
    وفي نص آخر: أن العباس قال للنبي: ما أغنيت عن عمك؟!، فوالله، كان يحوطك ويغضب لك
    قال النبي : هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ( ذكره بخاري في كتابه صحيح البخاري وكذلك ذَكر الحديث في صحيح مسلم)
    الضحضاح في اللغة يعني بُركة من الماء صغيرة ضحلة مستوى ماءها يصل الى الكعبين , وأُستعير التعبير للنار بدلا من الماء.
    وهكذا تم وضع أباطالب في جهنم وفقا لهذا الحديث. ونقول تُرى لماذا لم يرد معاوية على رسائل علي ومنها التي ذكرنا اعلاه بأن يقول له : أتعيرني بأبي سفيان وتقارنه مع أبيك أبي طالب, وأبيك في جهنم ومات كافراً في عهد النبي ؟ لكن لم يرد شيئا من هذا وهو دليل على وضع الحديث بعد قيام الدولة الاموية.
    لنتأمل مداخلات هذا الحديث العجيب :
    في الحالتين العذاب لايُطاق , الاولى في الدرك الاسفل من النار أما الثانية وهي في الضحضاح فان المُعذَّبْ يغلي دماغه ! ولاندري ماهو الفرق بين الحالتين؟
    أن قول النبي في هذا الحديث (.... ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) يعني أنه بفضل النبوة ومقامها عند الله أستطاع النبي أن يخرج عمه من أسفل جهنم الى عذاب أخف وهو أن يغلي منه دماغه! ياللعجب أذا كان النبي يملك تلك الصلاحية فماله لم يخرجه تماما من النار وينهي عذابه؟ ألم يقل النبي يوما كما يروي لنا بخاري في كتابه (صحيح البخاري, في باب كتاب الادب وفضل من يعول يتيما) يقول النبي محمد (ص): : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا كهاتين ، وقال بإصبعيه السبّابة والوسطى . أي أشار بإصبعيه المضمومتين. ويعني بذلك أنه وكافل اليتيم معاً في جنة الخلد. وأبو طالب كفل النبي اليتيم , حتى كانت قريش تسمي النبي بيتيم أبا طالب كما مر بنا, أفلا يرد النبي جميل عمه ويخرجه من النار تماماً؟ ووفق حديث اليتيم هذا يصبح أبوطالب كافل لليتيم في جنة الخلد, فإما نقبل بحديث الضحضاح لنلغي حديث اليتيم أو بالعكس أما قبولنا بكلاهما فهو مستحيل.
    لقد اراد الذين وضعوا حديث الضحضاح ضرب عصفورين بحجر, الاول أن يبقى ابوطالب في جهنم ودماغه يغلي , والثاني لاظهار عجز النبي وضعفه في الشفاعة. وليس عجباً فمعاوية الذي يطلق على محمد كنية الجاهلية التي كانت قريش تسميه بها, سهل عليه أن يحط من قدر النبي, ويترك عم النبي سجيناً في ضحضاح النار الى الابد!
    لقد رُدَّ حديث الضحضاح نقلاً, أي ان المحققين استطاعوا أن يظهروا كذب الحديث من رواته ومن أراد الاستفادة والتفصيل فعليه بكتاب أيمان أبو طالب وسيرته للعلامة الاميني. ذكر العلامة الاميني ايات كثيرة من القران تثبت أن العذاب لايخفف عن الكافر, فكيف نوفق بين تلك الايات وحديث الضحضاح الذي فيه يخفف العذاب على أبي طالب وينال أهون عذاب وهو غليان الدماغ. يقول العلامة الاميني أن مخالفة الايات للحديث يبين لنا بطلان وتهافت الحديث وهذه بعضاً من الايات الكريمة التي استدل بها على تهافت الحديث أذا ماقورن بايات القران الكريم.
    (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور) فاطر3
    ((واذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون) النحل: 58.
    (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) البقرة: 162، آل عمران88
    (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ں قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال) غافر: 49، 50
    (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) البقرة86
    نرى من خلال الايات أعلاه أن الشفاعة لاتشمل الذين حق عليهم العذاب, كما أن الايات تبين أن العذاب لايخفف فكيف يصبح الكافر من عذاب الى عذاب أقل, وهل هناك عذاب أهون من عذاب اذا كان العذاب عذاب الحريق وفيه يغلي الدماغ غلياً ؟
    يتحفنا كتاب بخاري بحديث نبوي اخر وفيه ينال أبوطالب وسام أمويٌ يؤهله لدخول جهنم يقول الحديث:
    عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، قال رسول الله لأبي طالب : يا عم ! قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله, فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبدالمطلب! فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملّة عبدالمطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله.
    ( صحيح البخاري كتاب الجنـائز باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله).
    يردًّ هذا الحديث آيات القران التي تبين لنا أن التوبة غير مقبولة والانسان في نفسه الاخير حيث تقول الاية
    ( وليست التوبـة للذين يعملون السيئـات حتى إذا حَضَـرَ أحدهـم الموت قـال إني تُبت الآن ) النساء/18
    وكذلك في قصة فرعون حيث تقول الاية ( حتى إذا أدْركه الغَرَق قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) يونس/90 . ومن المتفق عليه أن فرعون مات كافرا مخلدا في النار , فلم تسعفه التوبة وهو في ساعته الاخيرة يجاهد الغرق فمات كافرا على الرغم من قوله أني امنت أنه لا اله الا الله ....وهو مفهوم يبينه القران للناس فليس للمحتضر أو للذي على وشك الموت من توبة ولن يجديه مايقول فقد فاتت الفرص وانقطع الامل.
    اذن كيف يطلب النبي من عمه التوبة وهو على فراش الموت يحتضر ؟ ألا يعلم النبي أن الانسان في ساعة أحتضاره لن تنفعه التوبة . وهذا الدليل يبين لنا بطلان حديث بخاري هذا الذي يرويه سعيد بن المسيب . ولسعيد بن المسيب راوي الحديث مواقف تبين بغضه وحسده لال بيت النبي يمكن الاطلاع عليها وقد فصلها العلامة الاميني في بداية الجزء الثامن من كتابه الخالد (الغدير), وهي نقطة أخرى تُرينا بطلان الحديث من مواقف راويه . ونقول أن رد الحديث بمقارنته بايات القران يكفينا فالايات الكريمة تٌرينا بطلانه, وهذه من معجزات الكتاب التي تفضح دعاوى المتقولين والمدلسين.
    لم يكتف المحرفون بأحاديث النبي فقط, بل سلطوا اقلامهم والسنتهم على ايات القران وفسروها وفقا لاهوائهم ووفقا لغايات الحكام , وعلى سبيل المثال يفسر بعضهم الاية الاتية من سورة براءة بأنها أنزلت في أبي طالب حيث تقول الاية
    { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يَستغفروا للمُشركين ولو كـانوا أُولي قُربى من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم } براءة 113.
    يبين العلامة الاميني ويثبت أن الاية نزلت في المدينة (يثرب) بعد موت أبي طالب بثمان سنين, ومعناها أن استغفار النبي لعمه خلال السنين الثمانية كان هراء ومضيعة للوقت , وهكذا يكشف القران باطل اخر وضعه المدلسون في حق أبو طالب. ومن المعلوم أن مولاة الكفار والمشركين ممنوعة على المسلمين فكيف يحق الاستغفار لهم. وأذا كان أبو طالب مات مشركا كافراً فكيف يضيع النبي وقته بالاستغفار له؟
    وفاة أبو طالب
    أخرج ابن سعد في طبقاته 1: 105عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال: (أخبرت رسول الله (ص) بموت أبي طالب فبكى ثمقال: إذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه.)( كتاب الغدير للعلامة الاميني الجزء السابع, والمصدر طبقات الصحابة لابن سعد ).
    (وفي لفظ الواقدي: فبكى بكاءشديداً ثم قال: إذهب فاغسله.. الخ. وأخرجه ابن عساكر كما في أسنى المطالب/21والبيهقي في دلائل النبوة. وذكره سبط ابن الجوزي في التذكره/6 وابن أبي الحديد فيشرحه 3-314 والحلبي في السيرة 1-373 والسيد زيني دحلان في السيرة هامش الحلبية 1-90والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسنى المطالب/35 وقال: أخرجه أيضاًأبوداود وابن الجاوود وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي(ص)المشئ في جنازته اتقاء منشر سفهاء قريش، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ.
    وقد روى الخطيب البغدادي فيتاريخه:13/196 عن ابن عباس ترحم النبي صلى الله عليه وآله واستغفاره لابي طالب بعدموته، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام:1/235، وروت مصادرنا أحاديث كثيرة في ذلك كمافي مناقب آل أبي طالب, وبحار الانوار)( عن كتاب الغدير للعلامة الاميني)
    ونقول تأمل قول النبي عندما يقول ( غفر الله ورحمه) ! أليس هذا دليل على أيمان أبو طالب. ولو كان أبو طالب مشركا فلماذا يجهزه بالتكفين والغسل أصغر أولاده وهو علي المسلم؟ اليس هذا دليل اخر على أسلام أبو طالب!

    فاطمة بنت أسد زوجة أبو طالب
    من المعلوم أن الاسلام فرَّق بين الزوجين فأذا كان الزوج مسلماً والزوجة مشركة فأن الزواج يفرقهما وبالعكس أيضاً, وترينا روايات التاريخ أن زوجة أبو طالب وهي فاطمة بنت أسد توفيت مسلمة في عهد النبي, وتولى النبي وعلي دفنها كما تروي الروايات التاريخية ( تاريخ اليعقوبي , الجزء الثاني), وبقيت مع زوجها أبوطالب حتى مماته, فلو كان أبو طالب مشرك لفارقته و لكن لم هذا لم يحدث.
    يقول علي بن الحسين في جده الاكبر أبو طالب عندما سأله أحد الناس عن أيمان أبي طالب- ونذكر القارئ أن عليا بن الحسين عاصر يزيد بن معاوية أي عندما نشأت نظرية كفر أبو طالب وتشبعت بها عقول الناس -لذلك يأتي من يسأله عن تلك المسألة. فيقول علي بن الحسين : (وا عجبا ! إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت ابي طالب حتى مات )( راجع الرواية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد) .وهذا دليل ساطع اخر على أيمان أبو طالب. قد يقول قائل ان تفريق الزوجين في الشرع صار بعد موت أبو طالب, فقد مات أبو طالب كافراً وبعده نزلت أحكام التفريق بين المرء وزوجه, وهو رد جدلي لامعنى له, لأن سائل هذا السؤال يجاهد لاثبات كفر أبو طالب رغما عن كل الادلة والشواهد, حاله حال من لايرى الشمس لعماه. ولاندري لماذا لايتقصى السائل هذا عن باقي الصحابة ويتحرى عن درجة أيمانهم كذلك بدلا من تشبثه بنظرية كفر ابو طالب وفقاً لمنهج بني أمية في التحريف. لنأخذ مثلا أبا سفيان شيخ بني أمية ونتحرى عن أيمانه ! لقد صرح أبو سفيان في أكثر من موضع بأنه كافر لايؤمن بالاخرة وهاك شيئا عنه نسوقه باختصار من مصادر عدة:
    يروي ابن الاثير كاتباً: (ولما انهزم الناس تكلم رجالٌ من أهل مكة بما في أنفسهم من الضَّغَن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، والأزلام معه في كنانته)( الكامل في التاريخ لابن الاثير الجزء الثاني باب هوازن. وكذلك رواها الطبري). أنه بعد أسلامه لم يزل يستقسم بالازلام ويتمنى خسارة المسلمين للحرب. أما في معركة اليرموك التي ذهب أليها أبو سفيان باعتباره مسلما ولكنه كان يشجع خسارة المسلمين أيضا ويتمنى انتصار الروم الذين يسميهم بنو الاصفر , لنقرأ الرواية كما هي

    قال عبد الله بن الزبير: كنتُ مع أبي باليرموك وأنا صبي لا أقاتل فلما اقتتل الناسُ نظرتُ إلى ناسٍ على تل . لا يقاتلون ، فركبت وذهبت إليهم ، وإذا أبو سفيان بن حرب ، ومشيخة من قريش من مًهَاجِرَة الفتح فرأوني حَدَثاً فلم يتقوني . قال : فجعلوا والله إذا مالت المسلمون ، وركبتهم الروم يقولون : " إيه بني الأصفر " ، فإذا مالت الروم ، وركبتهم المسلمون قال : " ويح بنىِ الأصفر " فلما هزم الله الروم أخبرتُ أبي ، فضحك فقال : قاتلهم الله أبو إلاضغنا، لنحن خيرٌ لهم من الروم( الكامل في التاريخ لابن الاثير المجلد الثاني , باب ذكر موقعة اليرموك)
    هذا هو أبو سفيان الذي يقول عند تولي عثمان الخلافة : يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة، فما من جنة ولانار (تاريخ الطبري , حوادث سنة 284هجرية) . ثم لايتورع أن يضع قدمه فوق قبر حمزة ليقول: ( يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتعلبون به ( عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد) . وحمزة هو عم النبي الذي استشهد في معركة أحد ,وكان قائد جيش كفار قريش في معركة أحد أبو سفيان صخر بن حرب, وقُتل حمزة في المعركة بتحريض من هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.
    رغما عن هذه الشواهد في كفر أبوسفيان وهي نتف قليلة ذكرناها للاختصار ومراجع التاريخ تزدحم بغيرها من مواقفه , نقول رغما عن كل هذه النتف يعتبر أبو سفيان من المؤمنين الطيبين , الا ترى أيها القارئ السبب وراء ذلك , والا يدلنا هذا على نفوذ بني أمية في وضعهم لاحاديث وروايات نسبوها للنبي ترفع من مقام أبو سفيان وتحط من مقام أبو طالب .

    دور السياسة والحكم في نظرية كفر أبو طالب
    تبين لنا أن الامويين هم أول من روج دعاية تكفير أبوطالب وسارت على ذلك الاجيال, كان الغاية هي تشويه ذكر الامام علي بن أبي طالب صراحة كما رأينا ومن على منابر بني أمية . ثم أشتهرت الكذبة في زمن دول ناصبت العداء لعلي بن ابي طالب ولبنيه وحاربت الطالبيين في كل مكان, وللعباسيين دور في ذلك أيضا. ( راجع مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني لترى العجب من الملاحقات والمطاردات والقتل والاغتيالات للطالبيين, حيث يذكر المؤلف أكثر من مائتين قتيل من ال أبي طالب قٌتلوا في القرون الثلاثة الاولى للهجرة بيد الدول الحاكمة, الاموية والعباسية) .
    في زمننا المعاصر بقيت تلك النظرية عالقة في الكتب ورب سائل يسأل: اليس الاولى تحقيق كتب التاريخ وتمحيصها ؟ ونقول ان تحقيق كتب التاريخ وتحميصها سيساهم في هدم صرح ضخم من الاكاذيب والادعاءات كنسيج يشد بعضه بعضا, ومنها اكذوبة كفر أبوطالب. أن هدم ذلك الصرح لن يرضي الانظمة الحاكمة التي لازالت متسلطة على الشعوب , فالانظمة المعاصرة التي تحكم بلاد العرب والمسلمين تحاول أبقاء ذلك الصرح الكبير من أكاذيب التاريخ ,فبوجوده يمكن للحاكم أن يبسط نفوذه وتخنع له الشعوب كما خنعت لغيره على مدى التاريخ. أن نظرية كفر أبوطالب قد تبدو للقارئ ليست بتلك الاهمية,فلا ضير في رأي الكثير أيمان أبو طالب أو كفره. لكن المسألة تبدو مهمة أذا عرفنا أن أيمان أبو طالب ماهو الا كأزالة حجر واحد من ذلك البناء الكاذب من التاريخ ليولد فراغا لايلبث أن يكبر لينهار البناء كله بعد ذلك, ثم تصحو الشعوب على تلك الاكاذيب وبعدها تسقط الانظمة الغاشمة الحاكمة. لذلك تتشبث الانظمة العربية الحاكمة ومؤسساتها الدينية في الحفاظ على ذلك النسيج والدفاع عنه.
    ومن المفيد أن نذكر أن كتاباً صدر في المملكة العربية السعودية للكاتب الدكتور عبد الله الخنيزي في الستينات من قرننا الماضي, يثبت فيه الرجل بالحجج والادلة التاريخية أيمان أبو طالب, وبدلا من شكره على جهده ذلك فأن المحكمة العليا في المملكة قامت بأصدار حكم بالموت عليه , ثم خفف الحكم عليه وابدل بالتعزير وقيل أنه أجبر على كتابة تعهد بتوبته ! ياللعجب, توبة من كتابة في تحقيق كذبة شربتها أجيال, لم يفعل الرجل شيئا سوى بحثاً في تاريخ, لكن كما قلنا أن أزالة حجر من ذلك البناء سيترك فراغا يلحقه أنهيار في البناء كله.
    القبول بأيمان أبوطالب سيكشف الكذابين والافاكين في التاريخ , وستظهر قصة السقيفة والبيعة بعد رحيل النبي بمظهر آخر, وكذلك نشأة دولة بني أمية وقيامها وستظهر حقائق خافية عن كثير من الناس. أما كتب الحديث مثل كتاب صحيح بخاري فأنها ستصبح غير مقدسة و تحمل الخطأ والصواب, وستظهر عيوبها وأحاديثها الموضوعة التي خدمت السلطات,وستتجرد عن تلك العصمة التي سُمّيَت بها !
    وختاما للذين يؤمنون بالقران واياته , لايسعنا الا ذكر الاية التي تقول
    { لَتَجِدَنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } المائدة / 82
    تبين الاية حقيقة فاصلة وهي أن المشركين واليهود هم أشد الناس عدواة للمؤمنين, واذا كان أبوطالب مشركا فكيف نصر الدين ووقف في وجه قريش المشركة يذب عن النبي ودينه؟ أليس الصحيح أن يكون هو الاخر عدوا للذين آمنوا, ولكنه لم يكن كذلك! نترك الجواب للمؤمنين الذي يقولون أن أباطالب مات مشركا , فاما أن يقولوا أن الاية خطأ أو يقولوا بأيمان أبي طالب ولاثالث للحالتين, والسلام.
    المصادر
    1-تاريخ اليعقوبي , لاحمد بن أبي يعقوب المعروف بابن واضح الاخباري.
    2- الكامل في التاريخ, لابن الاثير
    3- تاريخ الرسل والملوك, للطبري
    4- أنساب الاشراف, للبلاذري
    5-مروج الذهب , للمسعودي
    6- شرح نهج البلاغة , ابن أبي الحديد.وكذلك نهج البلاغة, شرح محمد عبده
    7- الغدير, للعلامة عبد الحسين الاميني
    8-معاوية بن أبي سفيان, للعلامة الاميني
    9-ابو طالب, للعلامة الاميني
    10- ايمان ابوطالب,للشيخ المفيد
    11- ظلامة ابو طالب, للسيد جعفر مرتضى العاملي
    12- أبو طالب مؤمن قريش, لحسين الشاكري

المواضيع المتشابهه

  1. من روائع المرحوم الوائلي في الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام
    بواسطة المراقب في المنتدى واحة الصوتيات والافلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-10-2005, 22:14
  2. إستمع لواقعة إستشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
    بواسطة المراقب في المنتدى واحة الصوتيات والافلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-10-2005, 09:11
  3. من القصائد الرائعة للإمام علي بن ابي طالب عليه السلام
    بواسطة دستورنا الاسلام في المنتدى واحة الملتقى الادبي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-07-2005, 18:39
  4. القصيدة الزينبية .. المنسوبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ...
    بواسطة هبة الله في المنتدى واحة الملتقى الادبي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-01-2005, 12:32
  5. صدام حسين رجل الدولة المفترى عليه
    بواسطة تركماني في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-11-2004, 08:09

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني