النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    714

    افتراضي السعودية الجديدة والعلاّك الكبير

    السعودية الجديدة والعلاّك الكبير
    من قلم : نضال نعيسة

    ليس من العادة في المنهج النقدي العلمي النيل من أحد بشكل شخصي على الإطلاق، ووفق منهجنا النقدي الذي يتركز عموماً على نقد الظواهر الاجتماعية التي لا علاقة للأفراد به، وهي- أي الظواهر- بالمطلق نتاج حركة وسياق تاريخي وتطور مجتمعي وموروث ثقافي، وإن كان الأفراد ضحيتها اليوم،ويعانون منها، فليسوا هم، بالتأكيد، من أنتجها. والسعودية، وغيرها من بلدان الشرق الأوسط الكسيح، مصابة جماعياً بداء السلف الصالح الفتاك التي لم تجد منه حتى الآن لا دواء ولا براء. ولست هنا في معرض التعرض السعودية مطلقاً، كلا وحاشا، فهذا البلد، كما غيره، وبعيداً عن نزعات الأخوة والدين والدم والولاءات العنصرية والفاشية الأخرى التي لا نقيم لها وزناً ولا اعتبار، هو موضع احترام تقدير، ولكن شاءت أقدار هذا البلد، وغيره أيضاً، أن يكون أحد العلاكين الكبار هو وغيره، أيضاً وأيضاً، من الكثيرين، يتعيشون على جعالاتها وفتاتها، وممن أصبحوا في خدمة أشياخ النفط طويلي العمر ويحفل بهم المشهد الثقافي الرهيب حيث ترى لوحات سوريالية حية يعجز عن تصويرها سلفادور دالي وبقية السورياليين.

    إذن لنكن متفقين أن العيب ليس في السعودية كدولة في منظومة شرق أوسطية موروثة مستبدة ورثة، يعني مثلها مثل غيرها، ولكن العيب بالداء الفكري اللعين الذي أصاب هذه المجتمعات وأقعدها تماماً عن اللحاق بالركب الحضاري. ولكن يحاول هذا العلاك أبو "حنك" كبير في أحدث مقال له عن السعودية أن يجملها ويصورها كما لو أنها أصبحت سويسرا الشرق، فهذا ما لا يقبل به أغبى الأغبياء والمغفلين، وهذا، أيضاً، ما لا يتجرأ، ويخجل السعوديون أنفسهم، وليس العلاكون منهم، من النطق، والزعم والجهر به. ومن سوء حظ السعودية وشقيقاتها الخليجيات أن تصاب بلوثة أولك الحمقى العلاكين من المدلسين الذين لا يعيشون إلا على النفاق والتدليس ومسح الجوخ والتزوير، ولتزداد مصائبها وكوارثها واحدة أخرى وتخسر بذلك فرصها في الانعتاق والتطوير.

    واحتوى المقال على كثير من الادعاءات التي لا سند واقعياً لها، ولا تدعمها أية حقائق وأرقام ووقائع، ومما حفل به، مثلاً، مقال التدجيل للعلاك الكبير قوله: "في السعودية الجديدة، نلاحظ أن المسؤول القيادي اقترب أكثر فأكثر من نبض الشارع، ومن قلب الناس، ومن عقولهم. ولا يعتمد على ما يقال له، ويُنقل إليه، ولكنه يقرأ جُلَّ ما يُكتب ويسمع معظم ما يُذاع، ويشاهد بنفسه أهم ما يجري على أرض الواقع. لقد دخل إلى تلافيف عقول الناس، وقرأ بماذا يفكرون، وبماذا يحلمون". ( انتهى).
    فإذا كان القيادي السعودي، كما يساجل العلاك العتريس في مقاله المعنون بـ"السعودي الجديد في السعودية الجديدة"، يدخل إلى تلافيف مخ السعوديين،( ولا أدري هنا إذا كانت المبادئ الأخلاقية والإنسانية العامة تسمح لأي كان أن يدخل أحد إلى تلافيف عقول الآخرين إلا إذا كان من عتاة الجواسيس وبما تسمح وتجود به قيم الجاسوسية والمخابراتية وانتهاك خصوصية الآخرين)، المهم ألا يعرف هذا القيادي، لو سلمنا جدلاً بقدرته على دخول أمخاخ الناس، والقاصي والداني يعلم، وهنا لا حاجة في الحقيقة لدخوله، بأن المرأة السعودية مضطهدة جداً وتعتبر السعودية أكثر البلدان تعسفاً بحق المرأة ونكراناً لحقوقها ومسحاً لآدميتها. ولعل الحكم الجائر والكاراكوزي بالجلد الذي صدر بحق فتاة القطيف المغتصبة يشكل أكبر دليل على ذلك، وتعاني من نظرة دونية وتمنع حتى اليوم من قيادة السيارات، ومن حق الانتخاب والترشيح والولاية، وأكبر نسبة عنوسة في العالم نتيجة لذلك هي في السعودية حيث يوجد ثلاثة ملايين عانس من مجموع النساء هناك، وينظر الفقهاء والمؤسسة السياسية والفقهية البدوية لولاية المرأة على أنها من الكبائر التي لا يتجرأ "السعودي الجديد" حسب تعبير العلاك الكبير، أن يفكر مجرد التفكير بها؟
    وهل يعلم نفس القيادي حجم المعاناة والقهر الذي يعانيه المواطن السعودي من قطعان جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك الجماعات التي يرعاها ويغذيها القيادي نفسه وتحظى بحمايته، ومدى تدخلهم بشؤون الناس وتوافه حياتهم الشخصية وحثهم على الصلاة بالهراوات ومكافحة أي شكل من أشكال الانعتاق الفكري الذي هو حق من حقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد واللاعتقاد التي تنتهك ملايين المرات كل يوم في "السعودية الجديدة". ولو كان هذا القيادي السعودي في السعودية الجديدة قريباً فعلاً من مشاعر الناس وأحاسيسهم هل كان يعلم مدى الألم والاشمئزاز والصدمة والقرف والغصة الذي تتركه حفلات قطع الرأس وبتر الأعضاء من خلاف وجلد الناس والتنكيل والتشنيع بشاربي الخمر ومدمني المخدرات، والتي تتم بعد كل صلاة وتضرع إلى الله، في نفس الإنسان داخل السعودية وخارجها وما لها من أثر على صورة "السعودية الجديدة"؟ وهل يستمع العلاك الكبير لخطب أئمة الإرهاب والتكفير من المبشرين بثقافة الموت في السعودية الجديدة وإلى خطباء المساجد ودعواتهم المستمرة والعلنية على الكفار والصليبيين حفدة القردة والخنازير والأقليات المسلمة الأخرى بالموت، ومنعهم من دخول مكة والمدينة حتى اليوم في إجراء يعتبر "ألترا" نازي وفاشي وعنصري ولا يمارسه أي بلد من بلدان العالم حتى اليوم؟ وهل له أن يقارن هذا التصرف مع ما يقدمه هؤلاء الكفار والصليبيون واليهود أنفسهم للمسلمين من تسهيلات وتسامح لممارسة معتقداتهم وشعائرهم وطقوسهم الدينية بكل حرية في دار الكفر التي صارت ملاذاً للمسلمين من بطش أولياء الأمر في عالم البدو المستبد؟ وإذا كان ذلك القيادي السعودي قريباً، فعلاً، كما ينافق علاكنا الكبير، من هموم وقلوب الناس فهل يستشعر مدى الغضاضة والألم والشعور بالقهر الذي يعتري الملايين من غير المسلمين في السعودية الجديدة الذين لا يحق لهم ممارسة شعائرهم الدينية أو تشييد معابد وكنائس خاصة بهم ولاسيما أن "النهضة" في "السعودية الجديدة"، على حد زعم العلاك الكبير، قامت على جهد وعرق ودم وكدح هؤلاء المستعبدين المحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية ويعيشون بدون أية ضمانات دستورية ولا قانونية ولا حقوقية في "السعودية الجديدة"، فهل هذا في عرف الله والدين الحنيف الذي يؤمن به، وصار العلاك الكبير من أشد المدافعين عنه ؟

    وهل للعلاك الكبير أن يدلنا على نوعية الكتب الموجودة في معارض الكتب في الرياض وجدة، التي يتغزل بها،أم يسمح لنا بأن نتجرأ ونطربه ونهمس بإذنه بأهم العناوين والفهارس الموجودة فيها عن سفاحي البدو الكبار في التاريخ وقتلة الشعوب وكبار الجلادين من الغزاة إلى فقهاء القتل والظلام وقطع الرؤوس والتكفير إلى كتب التنجيم والعلاج بالقرآن والطب النبوي البديل وفوائد بول البعير وقراءة الأحلام وفتاوى عجيبة وغريبة لا تخطر على بال البلهاء والمجانين والموتورين؟ وهل يعلم العلاك الكبير بأن السعودية الرسمية الجديدة لم تنف حتى اليوم فتوى ابن باز الشهيرة عن "لا كروية الأرض"، وأن الطلاب في المدارس الرسمية يقرؤون كل النظريات العلمية بتعقيب هذا والله أعلم، أو بإذن الله، أي لا مكان لتحكيم العقل والعلم والمنطق في السعودية الجديدة، ومن أغرب الطرف التي أشرفت على تدرسيها، ذات مرة في السعودية الجديدة نفسها التي دخلتها غير آمن ذات يوم، والقائلة بأن الخطين المتوازيين لا يلتقيان إلا بإذن الله؟؟؟ وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم؟؟


    وتستمر السعودية الجديدة، دوناً عن سائر أنظمة الحكم في العالم والخلق قاطبة ، وحتى اليوم، كنظام وراثي عائلي أبوي مقيد حصرياً، ليس بعائلة آل سعود، كلا وحاشا لله، بل بورثة مؤسس السعودية الجديدة المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. والنظام قائم بجوهره على تحالف إيديولوجي وثيق مع الوهابية التي تعتبر أشد المذاهب دموية وتزمتاً وانغلاقاً وسلفية عبر التاريخ. ولا مكان في السعودية الجديدة للانتخاب أو لتداول السلطات دستورياً، وحتى مجلس الشورى بحد ذاته قائم بمعظمه على التعيين ولا يحظى بالدخول إليه إلا كل "طويل عمر" ومتملق موال، أباً عن جد، لآل البيت السعودي، ولا مكان في القاموس السياسي السعودي لأي شيء اسمه معارضة. ولن نتحامل ونتكلم عن وضع "السعودي الجديد" في "المنطقة الشرقية"، وما أدراك ما المنطقة الشرقية، وكيف يعاملون بمنتهى الإقصاء والإنكار والازدراء وعدم التمتع بأبسط الحقوق الآدمية؟ والسعودية الجديدة هي الدولة الوحيدة التي تشتق اسمها من اسم العائلة المالكة والحاكمة وترسم سيفاً على علمها، رمز الموت والبتر وقطع الرأس وإراقة الدم والنزعة العدوانية تجاه الآخرين. ولا أدري هل يعلم القياديون في السعودية، على حد تعبير العلاك الكبير، بحقيقة مشاعر الناس القبليين والعشائريين في شبه الجزيرة العربية، حين يـُكـَنـّوْن وتطلق عليهم قسراً وزوراً وبهتاناً كنية ولقب عشيرة وقبيلة واسم عائلة آل سعود من غير قبيلتهم الأصلية؟ وهل يدرك علاكنا الكبير معنى أن تقول للعنزي أو الشمري أو التميمي أو الطائي أو الغامدي أو الدوسري أو القحطاني ...إلخ أنت سعودي؟ وهل يعلم العلاك الكبير مدى الألم والإحباط والاستفزاز الذي يعتصر قلب القبلي والبدوي وما ينال ذلك من شرفه وكرامته وعرضه حين ينسب لغير آبائه وأجداده الحقيقيين وما للنسب من أهمية عند البدوي والقبلي والذي لا يعيره القيادي السعودي أي اهتمام على الإطلاق في هذه الحال ولا حاجة به هنا للدخول إلى قلبه وعقله؟

    ولا أدري عن أية سعودية جديدة يتحدث، وعن أي زمن غائر وبيئة غابرة يغري ويزبد هذا العتريس، والذاكرة تقول لنا بأن الحقبة السعودية الحديثة جداً قد أفرزت كل هذا التهافت والتساقط والانهيارات الكبرى وشيوخ القتل والتكفير وخمسة عشر انتحارياً وتفجيرياً قاموا بنسف مبنى التجارة العالمي، وعشرات الآلاف من الشيشانيين والأفغان والباكستانيين والصوماليين والسودانيين والمصريين والسيافين والإرهابيين العرب، وما تزال هذه البيئة تفرز كل يوم تكفيريين وتفجيريين جدد. ولعلم العلاك الكبير فإن أي تغيير حقيقي وجديد هو في العقل، وإذا كان لا يبنى إلا على قاعدة تغيير البنية المعرفية السائدة ونسف الموروث البالي البائد التقليدي في أي مجتمع وإحلال بنية معرفية جديدة تتلاءم وقيم العصر ومفاهيمه وتستوعب التغيرات القائمة هو نوع من العبث والتجديف الذي لا طائل منه والسائر عكس المنطق والتيار، وهذا ليس هراء، ولا علاكاً، أو كلاماً فارغاً درج بعض العلاكين على ترديده والتعتيم عليه إرضاء لأشياخ النفط وطويلي العمر من أولياء نعمتهم ومصدر تكسبهم، بل لب الموضوع الذي يتوجب على هذا العلاك الكبير وزملائه من مثقفي البداوة والرمال الصفراء أن يعوه وأن حكم التاريخ لا يرحمهم مهما تمادوا في غيهم وسرحوا في أوهامهم وأعجبوا بما تجود به عليهم قريحاتهم وهلوساتهم. وأن الحركات القرعاء الغوغائية والإعلامية والمسرحية التي تجري هنا وهناك والإمبراطوريات الإعلامية التي يديرونها في الصحارى النفطية لا تنطلي إلا على أمثاله من العلاكين المتعيشين. وإلى اليوم ما تزال وبكل أسف كل البنى المعرفية والكتلة الثقافية الهامدة الموروثة من ألف وأربعمائة عام تتحكم بكل شاردة وواردة في هذا المجتمعات المنكوبة، وليست السعودية الجديدة استثناء منها، وإذا كانت بعض الأبراج التجارية، والديكورات الخلبية الخادعة، والشوارع الحديثة والأنيقة والمجمعات التجارية والسيارات الفارهة والأبنية البرجية السكنية التي بنيت بفكر وجهد الصليبيين والهندوس والبوذيين تخدع بعض المرتزقة العلاكين وتجار الكلمة من مارينز الثقافة البدوية وسلالاتها، فإنها بالتأكيد ليست مؤشرات نهضة فكرية وانقلاب مجتمعي جذري حداثوي، وهي غير قادرة، تالياً، على خداع سوى العلاكين المبهورين بأشياخ النفط وثقافة الهجن والبعير.


    فعلى من تقرأ مزاميرك، وتغني مواويلك أيها العلاك الكبير؟ هل في كلامك ذاك سوى نوع من "اللت" والجعجعة الفارغة والقول العجين ، والعلاك الكثير، وليس أي نوع من العلاك بل من ذاك النوع السطحي الممجوج لكنه، وحقاً يقال، خبيث وخطير.


    http://www.soitalsa lam.net/news. php?readmore= 880

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    714

    افتراضي

    السعودية: اين ستذهب اموال الطفرة النفطية الثانية؟
    الدكتورة مضاوي الرشيد
    (صحيفة القدس العربي)

    تميز عام 2007 عن بقية الأعوام السابقة بكونه شهد الإعلان عن أكبر ميزانية نفطية عرفتها السعودية في تاريخها. ويمكن اعتبار هذا العام تتويجا للطفرة النفطية الثانية بعد الأولي في السبعينيات من القرن المنصرم عندما استفاقت السعودية علي موارد هائلة استغل بعضها في مشاريع تنموية والبعض الآخر تم تبذيره بطريقة عشوائية أدت إلي كارثة اقتصادية في منتصف الثمانينيات واستمرت حتي حرب الولايات المتحدة علي العراق عام 2003.

    ومنذ تلك الحرب بدأت أسعار النفط ترتفع بشكل ملحوظ إلي أن وصلت هذه الأسعار إلي ما يقارب 100 دولار للبرميل في 2007. وبهذا تم الإعلان عن إيرادات العام الحالي والتي تقدر بـ 621 مليار ريال سعودي للفترة القادمة.

    أمام هذه الإيرادات الضخمة تقف السعودية علي مفترق طرق. إما أن تستغل هذه الإيرادات بطريقة عقلانية مفيدة أو تبذرها السلطة السياسية كما فعلت خلال الفترة النفطية الأولي فتتراكم الديون ويزداد عدد القصور والمدن الصناعية ومشاريع التنمية الشكلية دون أن تتمكن الدولة من استيعاب المتطلبات الحقيقية لترسيخ تنمية طويلة الأمد تحد من الاعتماد علي الخبرات الأجنبية وتستوعب الأعداد المتزايدة من الذين يدخلون سوق العمل دون أن يجدوا وظائف حقيقية أو يكتسبوا مهارات تمكنهم من منافسة العمالة الوافدة وتضعهم في موقع منافسة حقيقية مع المؤهلات الخارجية.

    قد يصدم من يعتقد أن سلطة سياسية كالسلطة السعودية قد تشعر بالأمان نتيجة السيولة النقدية وتتجه إلي تفعيل إصلاحات سياسية حقيقية تتوافق مع طموحات شرائح كبيرة في المجتمع كانت قد طالبت في السابق بانفتاح سياسي يضمن استيعاب التحولات الاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال العقود السابقة وأفرزت تيارات سياسية جديدة ومطالب إصلاحية محددة تنبثق عن مبدأ المشاركة السياسية الحقيقية المتمثلة بمجالس شعبية منتخبة تمثل هذه الشرائح وتحد من السلطة المطلقة والقمع المستشري والتفرد بالقرار. ولكن مع الأسف أتي عام النفط بأسلوب الغطرسة المعهود وتكريس مبدأ الزبونية المعتمد في هذه الدولة النفطية. تزامن عام النفط مع المزيد من القمع وليس الانفتاح والذي حددته السلطة بمفهوم الانفتاح الاقتصادي المحدود والذي يعتمد علي تصدير الفائض النفطي إلي الخارج من أجل استثماره في مراكز آمنة ومربحة ومن ثم جلب الاستثمار الخارجي إلي المملكة ورؤوس الأموال العالمية تحت مظلة التجارة العالمية المعولمة.

    في عام النفط طوت السلطة السعودية ملف الإصلاح السياسي إلي أجل غير مسمي واتجهت في الاتجاه المعاكس تماما عندما اعتقدت أن أموال النفط الجديدة ستكون درعا يحميها من مطالب الإصلاح السياسي المرجو. جاء سوق الأسهم المروج له إعلاميا ليمتص أموال المستثمرين الصغار ومن ثم يغرقهم في تذبذباته وتقلباته المتتالية ومن بعدها تبين للجميع أن هناك زبائن معروفين مقربين من السلطة هم وحدهم المحرك الأول والأخير للاقتصاد والتجارة.

    استطاعت السلطة السياسية أن تسبغ علي نفسها صفة الانفتاح الإعلامي والذي أعطي الضوء الأخضر ليخترق المجتمع وينشر عاهاته علي الملأ وعندها تراكمت صورة بشعة عن مجتمع تكثر فيه الآفات الاجتماعية والمشاكل النفسية والجريمة وتعاطي المخدرات وتجاوزات المسؤولين الصغار والفساد الإداري والمالي والمحسوبية والواسطة ما يجعله ينافس أكثر المجتمعات تمزقا وقلقا. وقفت السلطة تتفرج علي جدل يحتدم علي صفحات الجرائد دون أن تكون طرفا فيه أو عاملا مهما في تأجيجه. وإن زج أحدهم بالسلطة في موضوعات حرجة واعتبرها شريكا حيويا في المشاكل اليومية نجده يساق إلي سجون المملكة أو يفصل من عمله أو تكسر أقلامه بسرعة فائقة.

    بقيت مشكلات الفساد الكبير وصفقات الأسلحة المخزية بعيدة عن أقلام الانفتاح الإعلامي أو النقاش المحلي والذي يدور في جدل عقيم بين طرفين تسعد السلطة بتصادمها اليومي علي شاشات إعلامها الفضائي والمحلي. برز تيار أصحاب الفضيلة يدافع عن امتيازاته وفي المقابل حصر معركته مع ما يعرف بأصحاب الرذيلة. احتدمت المعركة بين الطرفين ووقفت السلطة تتفرج علي صراع ملتهب أخذ من موضوعات محددة مادته وسلاحه من قيادة سيارة إلي حوادث اصطدام قاطرات تنقل المعلمات إلي مدارس نائية ومن ثم تتحول إلي ركام علي أميال من الطرق الخطرة. ومن ثم جاء القضاء وأحكامه لتشهد السعودية حالة تدويل حقيقية لقضايا محلية صرفة. فما إن تصدر الأحكام حتي تتدخل السلطة السياسية وتلغيها فيكون تدخلها كفيلا لتتويجها في موقع العدالة وهي بذلك تضمن صورتها ككابح لجماح قوي اجتماعية متخلفة وحام للمجتمع من مزايدات أصحاب الفضيلة.

    وتنسي السلطة نفسها أنها هي التي تدفع بأصحاب الفضيلة ليسقطوا أحكاما متعسفة بحق مجموعات قد تجتمع لتطالب بتغيير سياسي أو إصلاح حقيقي فتسجن وتتغطرس في أحكامها علي من تصنفهم بمثيري الفوضي والفتن وتتذرع السلطة نفسها بمصطلحات الحرب علي الإرهاب لتحشر ناشطين سياسيين في سجون انفرادية ومن ثم تلتفت إلي مدونين لجأوا إلي العوالم الافتراضية ليدونوا خواطر نقدية وآراء جريئة فتقتنصهم الواحد تلو الآخر وكل هذا تحت شعار الانفتاح الإعلامي المحدد مسبقا علي أنه هجوم من طرف علي آخر دون زج السلطة في المعادلة المعروفة.

    آثرت السلطة أن تتجاوز المجتمع ومتطلباته تحت غطرسة عام النفط والتفتت إلي الخارج وهو الأهم في المعادلة من مجتمع محلي كامل تجرد من حقه في التجمع والمطالبة بحقوقه. عام 2007 هو عام الدبلوماسية السعودية الهادفة إلي استجداء الرأي العالمي الغربي بالتحديد والتوسل إليه ليقبل بالمعادلة السعودية والتي حتي هذه اللحظة قد فشلت في تحويل الاقتصاد إلي قوة سياسية. انشغلت السعودية بملف إيران النووي وحرب بوش علي إيران وفي كلا الحالتين نجد أن السعودية هي الخاسرة الأولي. تخيف إيران النووية السعودية وآبار النفط في المنطقة الشرقية ولكن في المقابل نجد أن حربا علي إيران ستكون أكثر جدية وفتكا من مشروع نووي إيراني لم يكتمل بعد.

    فبينما برزت إيران كقوة إقليمية تخلفت السعودية عن تبوؤ هذا المنصب في منطقة الخليج واضطرت أن تتعامل مع إيران بحيطة وحذر خاصة في القمة الثامنة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي. وشدت الرحال إلي مؤتمرات أخري منها أنابوليس المولود الميت لتثبت للغرب أنها شريك في السلام. فشل المؤتمر كما فشلت المؤتمرات السابقة وبقيت السعودية الممثلة في ذلك اللقاء كرقم آخر يضاف علي لائحة الحضور وزبون مهيأ لأي مشروع أمريكي ـ إسرائيلي جديد. في هذا الصراع القديم المتجدد تدخل السعودية مكبلة بالضعف وليس قوة النفط فينتج عن ذلك صورة باهتة في إطار شعارات خلابة.

    في خضم أحداث عام النفط قررت السلطة ترتيب بيتها وليس بيوت جيران استغلوا الفراغ العربي الحاصل اليوم علي الساحة فبرزوا بقوة يفرضون قرارهم من العراق إلي فلسطين ويملون مصالحهم علي الجميع. تنبهت السلطة إلي واقع الديموغرافية في البيت السعودي وبشرت شعبها بأن ملوك الحقبة القادمة سينتخبون علي أسس ديمقراطية سرية من قبل هيئة الخمسة والثلاثين أميرا. كرست الهيئة قانون الغطرسة وتجاوزت حتي شعارات الكتاب والسنة التي تدعيه فلا مفتي ممثلا في هذه الهيئة ولا قوي أخري بل خرجت الهيئة بمفهوم جديد لما يسمي بأهل الحل والعقد تحدد في أولاد المؤسس ومن تمنعه حالته الصحية من الحضور سيجد في ابنه خير ممثل وبهذا جاء عام النفط ليتوج وضعا جديدا يدور حول كون الدولة السعودية ليس دولة واحدة وإنما دويلات داخل دولة تتقاسم رئاستها أجنحة كثيرة تتوزع علي وزارات معدودة ومناطق متفرقة.

    وبينما تطمح بعض الشرائح الاجتماعية إلي تغيير حقيقي يمكنها من المشاركة في صنع القرار نجد السلطة مشغولة بترتيب بيتها وتقاسم الأدوار بين أعضائها.
    إنها غطرسة عام النفط وحلقات الزبونية المستشرية والمستأثرة بالبلاد.

    http://www.soitalsa lam.net/news. php?readmore= 862

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني