[align=justify][align=center]
[align=center]
[/align]
إنتفاضة محرم الدامية
[mark=CCCCCC]ما نشرته روبن رايت في كتابها «الغضب المقدس» عن انتفاضة المنطقة الشرقية[/mark]
[/align]

[align=left]
روبين رايت - 8 / 2 / 2008م - 5:22 م[/align]
لم يقتصر تأثير الحدث على مكة وحدها، فقد أعلن آية الله الخميني من راديو طهران، تعليقاً على الاستيلاء على الحرم، انه "لايمكن استبعاد احتمال ان يكون هذا من صنع الامبريالية الأمريكية المجرمة والصهيونية العالمية" ولم يكن الخميني الوحيد ذا الشك والريبة في الحدث، فقد قامت مظاهرات هائلة معادية لأمريكا في الفلبين وتركيا وبنغلادش والهند والامارات العربية المتحدة والباكستان. وسارت جموع الغوغاء في شوارع الكويت حتى وصلت إلى السور المحيط بمجمع السفارة الأمريكية هناك.وحرقت السفارة الأمريكية في اسلام آباد حتى سويت بالأرض. وهوجمت البعثة الأمريكية في ليبيا ثم اشعلت فيها النيران، احرقها متظاهرون يهتفون بشعارات مؤيدة للخميني. اصيب السعوديون الغاضبون بالهلع مما كان يوشك ان يصبح حادثا دوليا. واصاب واشنطون الفزع حين رأت كيف ان آلاف البشر في العديد من الدول على استعداد للتصديق بكل هذه السهولة لأي شيء سيء يتعلق بالولايات المتحدة بناء على تلميحه واحدة اطلقها الزعيم الايراني.

بدأ في ذلك الوقت وكأن الوضع لن يزيد سوءاً عما كان. لكنه زاد فعلاً. فبينما كان الجنود السعوديون يكافحون من أجل استعادة السيطرة على الحرم الأكبر، اندلعت الاضطرابات وأعمال العنف في الطرف الآخر من البلاد، شارك فيها هذه المرة الأصوليون الشيعة.

الساحل العربي السعودي على الخليج الغني بالنفط في مقاطعة الاحساء عبارة عن خط موحش خفي، اجرد لا لون له، صخري مليء بفوهات البراكين الخامدة، حيث يستحيل على المرء ان يتجنب اطباق عينيه في نصف اغماضة حتى عند الغسق. ويتعزز شعورك بأنك هناك، على حافة الكون حين تقرأ البطاقات الصغيرة التي الصقت على مرايا حمامات الفنادق: "الماء من ذهب، فلا تهدره" ".. الاحساء ارض قاسية تملؤها المرارة يسكنها شعب قاس تملؤه المرارة. كان يبدو ان مجابهة ما كان يعد لها منذ فترة من الزمن. لم يعد السبب الآن هو الموضوع المباشر، والذي اصبح مألوفاً الآن، المتعلق بالاهمال الاجتماعي والاحتقار الديني الذي يشعر به الشيعة. فكما كان الحال في إيران الشاه، كانت التظاهرات الدينية التي ترافق الاحتفال الديني بذكرى عاشوراء، اقدس شعائر الشيعة، قد منعت وحرمت في العربية السعودية، ولنفس الأسباب تقريباً التي حرمها الشاه من أجلها. وهي لطم النفس حتى الادماء، وجلد النفس بالسياط والتي غالباً ما كانت تؤدي إلى الموت. فالقادة الذين كانوا يحاولون تحديث شعوبهم كانوا يرون في هذه التصرفات مظاهر بدائية. كما ان الاحتفالات المحمومة باستشهاد الحسين، والتي تدوم عشرة أيام، غالباً ما تثير مشاعر طائية مزعجة.

إلا انه في هذا العام، أول عام من حكم الخميني على شاطيء الآخر من مياه الخليج، قرر الشيعة السعوديون على الساحل الشرقي، الذين استيقظت فيهم الشجاعة، قرروا ان يتحدوا الحظر المفروض وان يحيوا شعائر عاشوراء العاطفية. بعد اعوام عديدة من تلك الحادثة، مايزال النقاش العقيم يدور حول من بدأ بإثارة المشاكل أولاً. فالمصادر المؤيدة للحكومة تدعي بأن العنف بدأ بعد ان انطلق المتظاهرون إلى الشوارع في مدن المنطقة الشرقية، وهم يرددون شعارات تطالب بأن تدعم العربية السعودية ايران دعماً فعالاً وان توقف بيع النفط للأمريكيين. عندها اضطر البوليس للتدخل. اما المصادر المعادية للحكومة فتدعي بأن السلطات التي فقدت اعصابها هي التي بدأت التدخل باحتفالات عاشوراء، مما اشعر ردة فعل عنيفة.

في كلا الحالين اتسع نطاق الصدامات الأولى بين البوليس والمحتفلين بذكرى عاشوراء وتحول إلى ظاهرة عنف حين بدأ الغوغاء اعمال التحطيم والنهب والتكسير., فحرقوا السيارات، وهاجموا المصارف، ونهبوا المحلات التجارية. قتل مالا يقل عن سبعة عشر شيعياً، واستمرت الاضطرابات ثلاثة أيام، حيث تركزت في بلدة القطيف التي يسكنها غالبية شيعية. لكن قيل ان أربع مناطق اخرى مجاورة خاصة رأس تنورة، مصفاة النفط وميناء التصدير بالغ الحيوية، عانت من الاضطرابات ايضاً. أما آل سعود فقد تحركوا بسرعة هذه المرة، بعد ان رفعت من طريقهم العوائق الدينية التي تحد من تكتيكاتهم. تحركوا بسرعة وعنف شديد ضد الشيعة، فالقوا بثقل الحرس الوطني السني ضد الاقلية الشيعية. جاءت الصدامات اللاحقة دامية، ادت إلى قتل عدد من الناس واصابة آخرين بجراح. ادعت صحيفة لبنانية، كانت أول مصدر صحفي نشر الأخبار عن المشاكل بسبب التعتيم الاخباري على أية اخبار من المملكة ـ ادعت بأن السعوديين دفعوا بعشرين ألف جندي آخر لتطويق وحصار أربعة مدن أخرى على الساحل الشرقي النفطي.

ومع ذلك فقد كذب وزير الداخلية السعودي هذه الأخبار. وبعد اجتماع طاريء لمجلس الوزراء قال وزير الداخلية ان المشكلة الوحيدة هي في الحرم، وان بقية انحاء البلاد "تتمتع بالاستقرار الكامل والأمن المطلق"!!

ان الخطر الأصولي الاسلامي المزدوج، من الشيعة والسنة على حد سواء كان خطراً مدمراً لآل سعود ـ ولاولئك المعتادين على التقلبات السياسية الحساسة في المنطقة من الأمريكيين. فالعربية السعودية حليف استراتيجي رئيسي لأمريكا، وهي ايضاً مصدر حيوي من مصادر النفط. وقد ارسلت امكانية "فقد" العربية السعودية قشعريرة في ابدان العديد من الأمريكيين الذين كانوا يتذكرون الخسارة النفسية فقط التي تحملتها الولايات المتحدة حين تضاعفت اسعار النفط أربعة اضعاف عام 1973م. وكتب المعلق الأمريكي كارل راون Carl Rowan مقالاً عكس الهوس الجديد في دوائر وزارة الخارجية الأمريكية وفي قصور الرياض، كان بعنوان "العربية السعودية: اتكون ايران التالية؟" وكما حدث في ايران فإن التهديد الاصولي الاسلامي لم يكن ينظر اليه في البدء على انه مصدر قلق مهم في العربية السعودية. لكن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق ووزير الطاقة جيمس شلسنجر James Schlesinger اخبر المراسلين فيما بعد بأن حالة القلق وعدم الاستقرار في العربية السعودية هي "اشد خطراً وجدية بكثير مما كنا نميل في السابق إلى الاعتراف به"..

وقعت حادثتا الاستيلاء على الحرم وانتفاضة المنطقة الشرقية في أواخر عام 1979م، وضمن اطار افول نجم الشاه وعودة الخميني إلى ايران قبل تسعة اشهر من ذلك. وكان الدبلوماسيون الأمريكيون في السفارة الأمريكية في طهران قد اخذوا رهائن قبل ستة عشر يوماً من الاستيلاء على الحرم، كانت المقارنات والمصادفات غير الدقيقة ترسل تيار رعب في الفرائص. فرغم ان العلاقات كانت متقلبة مهزوزة بين البهلويين وآل سعود، فقد كانت العائلة المالكة السعودية تعيش حالة رعب هائل من البديل الجديد: أي هؤلاء المتعصبين من رجال الدين الذين يديرون مقاليد اأمول في الدول الرئيسية الأخرى في منطقة الخليج. وكذلك كان حال السعوديين اجمالاً، الذين شحنوا بلايين الدولارات من بنوك العربية السعودية إلى أجواء اكثر هدوءاً.

ومن سخرية القدر ان نقاد الشرق الأوسط كانوا يتنبؤون، على مدى السبعينات كلها، بأن الأزمة التي تواجه المملكة السعودية هي مشكلة التحديث. فالسيناريو الشعبي كان يدعو آل سعود للقبول باصلاحات كبرى، سياسية وثقافية، إذا كان هؤلاء يأملون ان يبقوا في سدة الملك في أواخر القرن العشرين. وانه سيكون عليهم، من أجل ان يبقوا، ان يتخلوا عن بعض التقاليد المألوفة الطريفة والجذابة، ولكنها تقاليد اصبحت طفرة رجعية ومفارقة تاريخية الآن. لقد وفرت ثروة النفط الأموال الطائلة لإرسال الآلاف من الطلبة إلى المدارس والجامعات الأجنبية، حيث تعرضوا هنا "للعالم الحقيقي" متسارع خطوات التغيير. وقد قال البعض ان هذه المجموعة لوحدها ستكون اساس التحديث. وان العائلة الحاكمة ستجبر في نهاية الأمر على القبول بالمشاركة ـ مشاركة الشعب ـ بالحكم الذي يتقاسمه الآن الملك وأربعة آلاف أمير بحكم التقاليد، فيما بينهم ولوحدهم، اللهم باستثناء رجال الدين. ستجبر هذه العائلة على القبول بهذه المشاركة ارضاء للجيل "المحدّث".

وكان مركز المرأة هو افضل مثال يطرحه الغربيون على مدى تأخر ورجعية النظام السعودي. ففي حين تشهد بقية العالم حركة تحرير المرأة "الثورة الجنسية" فإن النساء السعوديات مازلن يختبئن وراء الحجاب الأسود ـ حتى في صور جوازات السفر، وهو ما حير الدول الغربية. وهن يثنين عن العمل، وغالباً ما يفصلن عن الرجال حين يعملن. ومحرم عليهن قيادة السيارات أو الذهاب إلى المطاعم لوحدهن. ومحرم عليهن الذهاب إلى دور السينما والمناسبات الرياضية نهائياً. وماتزال معظم الزيجات تجري بترتيب من الأهل، وتعدد الزوجات هو القانون الساري. بالنسبة للمراقبين من الخارج، شرقيين كانوا أم غربيين، كانت هذه الممارسات دليلاً على فشل السعودية في التمشي مع حقائق الحياة السائدة في بقية أنحاء العالم.

لقد اثبتت الأزمتان المتزامنتان اللتان حصلتا في نهاية عقد السبعينات خطأ توقعات الخبراء، أو على الأقل، انهم مذنبون لأنهم رأوا جانباً واحداً من الصورة فقط. فالتهديد الأعظم الوحيد لاستقرار واستمرارية الملكية السعودية لم يكن اتيا من الاصلاحيين، ولكن من الاصوليين الاسلاميين، الذي باتوا يشعرون ان اشد الدول الاسلامية تقيداً بالاسلام في العالم، نظرياً على الأقل، قد ابتعدت حتى الشطط في عملية "لبرلة" وتفتيت تماسك الاسلام.

إلا ان الانتفاضتين تنبعان من اصول مختلفة تماماً..

فعملية الاستيلاء على الحرم بدأت ونمت على يدي جهيمان سيف العتيبي، وهو اصولي سني ناقم، وصف مرة بأنه ذو عينين متحديتين، وشعراً اشعث ولحية مربعة. كان جهيمان عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعودي، حيث تلقى خبرة واسعة عن الأسلحة واستخداماتها. بعد ذلك، وحين اصبح طالباً للعلوم الدينية في المدينة، ثانية اقدس المدن الاسلامية، تعلم اصول الثورية الاسلامية.

ومصدر التأثير الأول والاساسي على جهيمان كان الشيخ عبد العزيز الباز، العميد الضرير المحافظ إلى أبعد الحدود لجامعة المدينة، والذي كان يدرس تلاميذه التفسير المطلق للإسلام "الصافي النقي" على حساب المرونة الكبيرة الموروثة في الدين الاسلامي. اشتهر الشيخ الباز دولياً يوم ان هبط أول انسان على القمر عام 1969م. وقد احرج الحكومة السعودية يومها عندما وصف الانتصار الأمريكي يومها بأنه مجرد كذبة. كما كتب مرة دراسة يتهم نظرية كوبرنيكوس فيها "بالهرطقة" ويصر على ان الشمس هي التي تدور حول الأرض، ونقل عنه ايضا قوله بأن الأرض مسطحة.

في أواسط السبعينات، بدأت جهيمان بالتبشير علنا ضد آل سعود. والحقيقة انه وصل إلى درجة من الرجعية في تفكيره انقلب معها ضد الشيخ الباز، واصفاً اياه بأنه العوبة بيد آل سعود ويعيش على عطاياهم. وبدأ جهيمان الآن يقلد أساليب الاخوان المسلمين، فاطلق لحية شعثاء وقصر ثوبه الأبيض إلى ركبتيه أو إلى الساق قليلاً، تعبيراً عن التواضع والفقر. ثم بدأ يدعو إلى العودة إلى اصول الاسلام، من بين أمور أخرى دعا اليها، وإلى رفض الغرب، وتحريم تعليم المرأة، والغاء التلفزيون الملحد، وطرد غير المسلمين من البلاد. واصر على ان ثروة النفط يجب ان تستخدم في سبيل الاسلام بدلاً من استخدامها للرفاهية الشخصية والحكومية.

واتهم جهيمان عائلة آل سعود بأنها "تعبد المال وتنفقه على إقامة القصور، وليس على بناء المساجد". ثم أضاف: "إذا رضيتم بما يقولون، فسيجعلونكم اثرياء، والا فإنهم يضطهدونكم ويعذبونكم" وكتب، أو كتب شخص ما نيابة عنه، لأن آل سعود يدعون بأنه كان أميا ـ رسالة بعنوان "الامارة والبيعة والطاعة، وكشف تلبيس الحكام على طلبة العلم والعوام" قال فيها: "نحن نعتقد بأن استمرار حكم آل سعود هو تدمير لدين الله حتى ولوادعى هؤلاء انهم يتمسكون بالاسلام. نسأل الله أن يخلصنا منهم جميعاً.. ان كل ذي بصيرة يستطيع ان يرى اليوم كيف يصور آل سعود الاسلام على انه شكل من اشكال المذلة والهوان والاهانة والاحتقار، والسخرية والاستهزاء. لقد اخضع هؤلاء الحكام المسلمين لمصالحهم وحولوا الدين إلى طريقة من طرق كسب وجني المصالح المادية. لقد اوقعوا بالمسلمين كل انواع الشرور والاثم والفساد".

تزايد عدد اتباع جهيمان خلال السبعينات، مع كثير من المفارقات التي تدعوا للرثاء. كما يقول جيمس بكان James Bucham في كتابه "آل سعود"، فإن "جماعة جهيمان كانت تستمد قوتها من نفس المصادر التي كانت دولة آل سعود تستمد قوتها منها، أي من التقاة الورعين، والتقي الورع المتشدد القديم قدم الاسلام نفسه. هنا، تأتي ردة فعل الجماعات الصغيرة على فساد الحاضر على صورة سلوك متطهر واحتقار يرافقه العنف. "شعر السعوديون بقلق كان كافياً لجعلهم يسوقون جهيمان وثمانية وتسعين آخرين من اتباعه إلى مراكز التحقيق والاستجواب عام 1978م، ولكن وتحت ضغوط المؤسسة الدينية، بمن في ذلك الشيخ الباز، اطلق سراحهم بعد ستة اسابيع. وقد ابرز اخلاء سبيلهم المصاعب التي تقوم في العربية السعودية وغيرها، في طريق كبح جماح الاصوليين. فسواء حكم عليهم بأنهم ابرياء مضللون أو ارهابيون خطرون، فإن العواطف الجماهيرية كانت تعارض انزال العقاب او الاضطهاد وبسبب العقيدة الاسلامية. اذ، على أي اساس سيعاقبون أو يضطهدون؟

وقد عبر عن حالة الحيرة هذه دبلوماسي أمريكي لاحظ ان الثورة الايرانية تركت اثراً عميقاً على السياسة السعودية. قال هذا الدبلوماسي: "كان هذا الأثر يشبه حالة يطوق فيها الروس من اليسار، أو حالة جورج والاس، أيام زمان، وقد وجد من يتجاوز حركته للتحرر في جنوب الولايات المتحدة. فالسعوديون معتادون على ان يكووا المدافعين عن الايمان ورواد الدفاع عن النقاء الديني. وهم يستطيعون التعامل مع التحديات العلمانية بسهولة كافية، ولكن حين يحاصرون من الجناح الديني، يصيبهم الحيرة والدهشة والهلع. فلا يعرفون مايفعلون".

لقد اخذ آل سعود على حين غرة وغفلة منهم في حادثة الاستيلاء على الحرم الشريف، وذلك إلى حد كبير، بسبب انشغالهم بالشيعة. فقد عانت تلك المنطقة المضطربة من فترة طويلة من الاضطرابات المتقطعة ـ بما في ذلك الاضراب الذي شهدته مصافي نفط أرامكو عامي 1953م و1956م منذ ان سحب ابن سعود منطقة الاحساء واستلها من خصومه عام 1913م. كان الوهابيون السنة في العربية السعودية ينظرون باحتقار وتعال إلى الشيعة في كل مكان، باعتبارهم منحرفين عن الاسلام الصحيح، في حين ان الشيعة كانوا مايزالون يذكرون الدمار والخراب الذي لحق بمدينة كربلاء الشيعية عام 1802م حين ذبح السكان الشيعة ذبح النعاج، وتحول قبر الحسين المقدس، حفيد الرسول، إلى اثر بعد عين على ايدي الاخوان المغيرين تحت الراية الوهابية. فكل جانب يحمل الشك والريبة تجاه الجانب الآخر.

بعد عام 1973م ازدادت سلطة اهية شيعة الخليج بنفس معدل زيادة اسعار النفط. والشيعة هم نسبة ضئيلة من سكان العربية السعودية الذين يقدر عددهم بخمسة ملايين نسمة، ولكنهم يشكلون حوالي ثلث سكان الحسا، حيث يشكلون المصدر الرئيسي للقوى العاملة هناك. لاتنشر العربية السعودية أية أرقام احصائية، ربما خوفاً مما قد تكشفه هذه الأرقام عن حجم القوة الشيعية وعن عدد الأجانب الذين يعتمد آل سعود عليهم. ومع ذلك، وحتى حين شعر النظام السني بالقلق والخوف من المضاعفات المحتملة نتيجة قيام الثورة الايرانية عام 1979م، فإن الشيعة لم يحصدوا إلا الفوائد القليلة من الأرض التي يعتبروها ارضهم. بينما بلايين الدولارات النفطية تجد طريقها إلى مناطق البلاد الأخرى، وإلى أبراج الفولاذ والزجاج، وإلى الطرق السريعة ذات الثماني مسارات في الرياض، وإلى القصور في جدة، وإلى مشاريع التنمية في المقاطعات الوسطى والغربية، وإلى المطارات الخيالية التي تبلغ مساحة الواحد منها مساحة مدينة أمريكية بأكملها، وإلى قواعد عسكرية تبنى في الشمال وتستطيع ان تستوعب من الجنود والمعدات اضعاف مايمكن لآل سعود ان يوفروه منهم. بينما بقيت الحسا جرداء شمطاء مهلهلة، تفتقر إلى المستشفيات والطرق الجيدة، وحتى إلى المدارس الكبيرة. ومرة أخرى يشعر الشيعة بأن يقاسون من الظلم وان سادتهم السنة يستغلونهم:

"تحت سطح هذه الاضطرابات كان يكمن غضب الشيعة وسخطهم، يغذيه ويشحنه بلاغة وخطب الخميني والثورة الايرانية الملهبة للمشاعر. من الناحية التاريخية، يجب النظر إلى هذه الانتفاضات على انها ردة فعل للإهمال والاضطهاد والقمع الذي ولده التحامل السني الذي يعم تاريخ الاسلام، ولكنه مايزال قائماً في الوقت الحاضر، وبشكل بدائي ـ بل من اشكال اضطهاد القرون الوسطى ـ في المملكة الوهابية على وجه الخصوص. كان على عدة قادة عائلة آل سعود ان يكونوا متحسبين للمخاطر الناشئة عن وجود فئة ساخطة ناقمة قبل الآن بوقت طويل... فالطائفة الشيعية هي الآن، وستكون في المستقبل اشد العناصر انقسامية داخل المملكة".

والحقيقة انه قبل بضعة أسابيع من المظاهرات الشيعية التي قامت في أواخر عام 1979م، نشرت صحيفة اوبزيرفر خبراً يقول ان قوات الأمن السعودية اكتشفت خططاً للقيام بتظاهرتين مؤيدتين لإيران ينظمهما الشيعة خلال موسم الحج السنوي. وقد طرد عدد غير محدد من الحجاج في شهر اكتوبر تشرين الأول، بعد ان تم اكتشاف رايات ومنشورات سياسية صادرتها قوات الأمن السعودية.

لم يكن من المستغرب اذن، ان يكون أول مظهر من مظاهر التحدي الشيعي في أي جزء من اجزاء العالم العربي بعد قيام الثورة الايرانية، هو انتفاضات الحسا.


[align=center]* * * *[/align]

بعد انتهاء احداث العنف في مكة والاحساء ردت العائلة المالكة التي ضربها الهلع، بالجزرة والعصا في آن واحد. قدم ثلاثة وستون من الاصوليين السنة المشاركين في حادثة الحرم، بمن فيهم جهيمان، واربعون سعودياً آخرين، وعشرة مصريين، وستة يمنيين جنوبيين، وثلاثة كويتيين، ويمني شمالي واحد، وسوداني وعراقي، إلى محاكمة سرية، ثم اعدموا بقطع رؤوسهم علنا. وزع المذنبون على ثمانية مدن مختلفة لتنفيذ حكم الاعدام فيهم، ليكونوا عبرة لغيرهم اما الشيخ الباز فقد وقع على احكام الموت، بصفته رئيس مجلس العلماء، في يناير ـ كانون الثاني من عام 1980م. اما بالنسبة للشيعة في المنطقة الشرقية، فقد شنت السلطات حملة أمنية كاسحة ضدهم، معتقلة المئات. وقد اوضحت الحكومة بقوة بأنها مستعدة لمجابهة التطرف الديني.

في نفس الوقت، بدأت السلطات في جميع انحاء البلاد بتطبيق الشريعة الاسلامية بحزم. فشن البوليس حملة صارمة على اصحاب المحلات الذين لم يكونوا يغلقون دكاكينهم في أوقات الصلوات الخمس. وامرت الصحف بأن تكون اكثر حرصاً عند عرض صور النساء. أما وزارة الداخلية فقد اثارت ضجة حول النساء العاملات، حتى في الشركات الأجنبية. وبدأ أفراد العائلة المالكة يظهرون اكثر من ذي قبل في المناسبات القبلية والعامة. وهي احدى الوسائل القليلة التي يستخدمها هؤلاء للإبقاء على صلاتهم بالرعية. واصبحت هدايا العائلة المالكة التقليدية إلى شيوخ القبائل اكثر بذخاً وسخاء، ثم توقفت جميع المنح التي كانت الدول تقدمها للنساء للدراسة في الجامعات الأجنبية.

واتخذت خطوات أقل اهمية ايضاً، كانت تظهر مدى الرعب الذي اصاب آل سعود. مثلاً، حرم بيع طعام الكلاب في المخازن الكبرى، لأن المسلمين يعتبرون الكلاب "نجسة". وجرى تجفيف بعض احواض السباحة لمنع الاستحمام المختلط فيها. واختفت العاب الاطفال التي صنعت على صورة حيوانات أو بشر من المخازن، لأنها اعتبرت دعوة لعبادة الأصنام، ولو ان اختفاءها كان مؤقتاً. كل هذه الخطوات اتخذت ردا على الانتقادات التي اثارها المتعصبون الذين هاجموا الحرم. ولقد جاءت ردة الفعل هذه لتضع حدا، في الوقت الحاضر على الأقل للدعوة إلى "الليبريالية" في العربية السعودية.

في حين هلع السعوديون لحادثة الاستيلاء على الحرم، فإن هذا الاستيلاء كان المجال الوحيد من عملية التمرد هذه الذي انتقده هؤلاء. وقد كتب احد العلماء معلقاً على ذلك بقوله: "ان العديدين منهم من السعوديين راحوا يرددون، ولكن بصيغة ملطفة، اصداء الكتابات التي ظهرت على جدران مراحيض جامعة الرياض في ربيع عام 1981م، ومنها: جهيمان ياشهيدنا! لماذا لم تقتحم القصور؟ الكفاح قد بدأ".

وكسر احد السفراء السعوديين طوق السرية المعتاد في الدوائر الحكومية، حين اخبر مجلة "النيويورك تايمز" انه "يوجد شعور، يتسع ويتعاظم بسرعة، بالسخط ونفاذ الصبر بسبب العدالة غير المتساوية وغير المنصفة. وبسبب العمولات الهائلة التي تدفع للأمراء، وبسبب المعايير المزدوجة التي يتوجب علينا ان نتعايش معها ونقبل بها. الناس في مكة كانوا يطالبون بتغيير في نظام الحكم. وكانوا يقولون ان الملكية النظام الملكي غير اسلامي. وحتى وان لم اكن اتفق مع ذلك، فإني اقول لكم ان هذه الحركة هي اكبر بكثير مما توحي به قيادتها"..

وحاول آل سعود جاهدين ان يسترضوا الشيعة ايضاً، ليس من باب الغيرة، ولكن لقلقهم على مصدر دخلهم الاسلاسي: النفط. كانت حادثة الحرم كارثة ومصيبة كبرى لمن يصفون انفسهم بـ حماة الاسلام ولكن العائلة الحاكمة بدت وكأنها تعتقد بأنها تستطيع التعامل مع الاصوليين السنة من خلال رجال الدين الخاصين بهم. أما الشيعة الغرباء فكانوا قضية مختلفة. في فبراير ـ شباط 1980م، اندلعت الاضطرابات مرة أخرى في الاحساء رغم الحضور الأمني المتضخم هناك، مما اكد مخاوف آل سعود الأولى. من الآن فصاعداً، تصبح الصدامات اقل عفوية واكثر دموية. وقد ادعت المسؤولية عن هذه الصدامات جماعة يطلق عليها اسم "منظمة الثورة الاسلامية" قالت وكالات الاستخبارات فيما بعد انها تنطلق في نشاطاتها من طهران.

حقق مسؤولون كبار في مظالم الشيعة في المنطقة الشرقية، وتوصلوا إلى قناعات كانت واضحة جلية للدبلوماسيين منذ وقت طويل، وكذلك للعمال الأجانب العاملين في أرامكو، اكبر شركة نفط في العالم والتي تقوم منشآتها في وسط المعاقل الشيعية. رد آل سعود على خلاصة تقرير المسؤولين بصب الأٍموال بلا حساب على بناء المدارس والطرق ومشاريع الاسكان. وبدأ أفراد العائلة المالكة يتجولون في المنطقة للاجتماع بالوفود الشيعية ومحاولة تهدئتهم.

وما ان حلت نهاية عام 1980م حتى تم عقد صفقة بين الطرفين وهي اطلاق سراح مايقدر عدده بـ 700 من السجناء الشيعة، مقابل وعود بالسلوك الحسن. ومع ذلك، فقد الحقت آلاف من قوات الحرس الوطني بالوحدات الموجودة في الاحساء مما دفع بأحد المسؤولين الأمريكيين إلى وصف الحضور الأمني هناك بأنه "هائل الحجم" بل "وكبير بما يكفي للتعامل مع اية تظاهرة أو ظاهرة تمرد مباشر. ليس هناك من شك في ان لدى العربية السعودية القوة الكافية لاعادة فرض النظام والسيطرة على الوضع" هذه التأكيدات والتطمينات، قليلون هم الذين لاحظوا انها عظيمة الشبه بما قالته وزارة الخارجية الأمريكية عن ايران قبيل سقوط الشاه.

وبالفعل، فقد توقف الشيعة عن اظهار سخطهم علنا. لكن كانت هناك دلائل كثيرة على ان الحركة لم تنته. فبعد عمليات الاطباق على الشيعة عامي 1979 و1980م لم تعد الاخطاء. كما ثبت فيما بعد في البحرين والكويت ـ مجرد مظاهرات، بل اصبحت هجمات عل المنشآت الحيوية تقوم بها حركة سرية. وازداد قلق الولايات المتحدة إلى حد امرت معه دبلوماسييها المقيمين في منطقة الاحساء بأن يجروا مسحاً استخبارياً للشيعة. وعندما قرر هؤلاء انه ليس هناك من دليل قوي على وجود تهديد، أمروا بأن يعاودوا الكرة مرة اخرى.

تشتمل العقيدة الشيعية على مفهوم يعرف بالتقية. وهو يعني اساساً اخفاء العقيدة الحقيقية في أوقات الخطر، أو حين يتواجد الشيعة في بيئة معادية. حول هذا كتب احد الكتاب السنة يقول:

"ان احد العوائق الاساسية التي تحول دون تلقيهم الشيعة استجابة ايجابية منا هو مبدأ التقية الذي يؤمنون به، والذي يظهرون لنا بموجبه عكس ما يخفونه في قلوبهم. والسني البسيط الساذج تخدعه ادعاءاتهم الظاهرة برغبتهم في التغلب على الخلافات بيننا وتجاوزها".

وغالبا ما يقدم الشيعة التقية على انها احد الاسباب التي جعلت الآخرين ينظرون اليهم ـ تاريخيا ـ على انهم قوم سلبيون مسالمون. وقد مارس التقية الشيعة في ايران حين كانوا اقلية هناك، وقبل ان تصبح عقيدتهم دين الدولة في القرن السادس عشر الميلادي.

تدعي مصادر الشيعة ان التقية اصبحت مرة أخرى رداً واستجابة من الأكثرية بعد مظاهرات الاحساء وماتلاها. ولكن عدداً ضئيلاً منهم فقط كانت له الجرأة والشجاعة الكافية للاستمرار في حملتهم المقدسة. وقد اكد مسؤول أمريكي ان اعداداً غير محددة من الاصوليين الشيعة السعوديين قد توجهوا إلى ايران بعد الثورة، ثم عادوا عن طريق البحرين. وهذا مايفسر سهولة القاء القبض على الراديكاليين الشيعة المشبوهين واستجوابهم مرات عديدة.

السعوديون يتكتمون تكتماً شديداً عادة حول حالات القلق والاضطراب الداخلي، حتى بين شركائهم في مجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام 1981م كرد فعل على احداث ايران والغزو السوفييتي لأفغانستان. إلا ان حلفاءهم الاقليميين على علم بمعالم العديد من الحوادث بين الشيعة.

وقد دون احد المبعوثي الأجانب الذي خدم في الظهران، حيث يقوم مقر رئاسة أرامكو في منطقة الاحساء، دون بعض الحوادث الصغيرة. فقد ظهرت بين الحين والآخر منشورات ودراسات تنتقد الحكومة. وغطت الجدران كتابات مؤيدة للخميني ومعادية لأمريكا. ولاحظ احد البحارة الذين يقومون برحلات منتظمة إلى الموانئ النفطية تأخيراً متعمداً وبعض اعمال التخريب والعرقلة الصغيرة التي لايمكن التعرف على مصادرها، ولكن مصادر معلومات هذا البحار قالت ان مرتكبيها هم من الشيعة المتطرفين الذين يحاولون ايقاع الضرر بالأعمال التجارية الغربية.

بدأت اعمال التخريب والعرقلة الصغيرة هذه تتزامن مع "انتظامية" في التهديدات الأكبر، موجهة إلى منشآت النفط البحرية والمنشآت الحكومية. معظمها لم ينفذ أو احبط قبل وقوعه. إلا ان هذه التهديدات غالباً ماكانت تؤدي إلى اعتقالات "احتياطية" الأمر الذي كان يزيد من عمق الغضب الشيعي ومن كره الشيعة لسادتهم السعوديين. وقد اعترف مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية بأن الحملات الشيعية "يمكن ان تؤدي إلى نتيجة ما لها وقع مدوٍ ودخان كثير على واجهة الاعلام والنقاط البارزة في الاحساء، كما في معامل التكرير في رأس تنورة" ويتابع قائلاً: "وان حجم هذه المنشآت الهائلة لوحده يجعل من الصعب، بل من المستحيل حمايتها ضد مخربين مصممين غير ابهين بالعواقب".

[align=center]* * * *[/align]

في أوائل عام 1980م صعد الايرانيون من حملتهم الاعلامية ضد السعوديين. راح جهاز محطة ارسال يرسل بانتظام الخطب الدينية ورسائل بإسم منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية. استطاعت محطة رصد ال ـ بي بي سي ان تسجل على شريط احد البرامج المذاعة في شهر مارس آذار من راديو طهران، بدأ بآية من القرآن تقول: "ان الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة" كما حاولت ايران مرات عديدة ان تخلق المقارنات بين تجاوزات وقسوة الشاه وبين حكم الأمراء السعوديين. وقد ركز هذا البرنامج على هذا الموضوع بالتحديد فقال: "حين يكون الشعب واثقاً من نفسه ويتمتع بروح معنوية عالية، فإنه يبدأ بالمطالبة بحقوقه وبمعارضة سياسة السلطة وسلوكها. وهذا هو في الواقع ما تخشاه الملكيات الوراثية اكثر من أي شيء آخر. ولهذا فهي تحاول دائماً ان تدوس على كرامة الشعب وروحه المعنوية، وان تضطهده وتخضعه للتحقير والاذلال لكي تحرم على هذا الشعب مجرد التفكير بالمعارضة والمواجهة، ولتجبره على الاستسلام والخضوع للسلطات الحاكمة. هذه هي طبيعة الأنظمة الملكية التي يرفضها الاسلام. وهذا هو مايعانيه شعبنا في شبه الجزيرة العربية تحت حكم آل سعود".

حاول السعوديون ان يحولوا دون وقوع اية اثارة أو تحريض يمكن ان يؤدي إلى مواجهة مكشوفة مع الحكومة الايرانية. استمرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولكن في عام 1981م، أي بعد حوالي العامين تقريباً من وقوع أولى الاحداث الشيعية، ظهر القلق على حكام المملكة تجاه موسم الحج، وهو الحج السنوي الذي يؤدي فريضته المسلمون القادمون من مختلف انحاء العالم إلى مدينتي مكة والمدينة المقدستين. فأصدروا تحذيرات مسبقة حول محاولات تجري لتحويل هذه المناسبة الدينية إلى مظاهرة سياسية. وتعهد حاكم مكة بأن "تضرب السلطات بيد من حديد كل من يحاول خرق النظام والقانون. ومما لفت النظر ان ايران كانت تعد لإرسال ثالث أكبر مجموعات الحجاج إلى السعودية، حيث بلغ عددهم 75000حاج، وقيل انها كانت تدفع الأموال لشيعة الأقطار الأخرى لكي يتوجهوا لأداء فريضة الحج.

ومع ذلك، فقد بدأت هذه المناسبة الدينية بالمشاكل. فقد قام مئات الحجاج الايرانيون بتظاهرة احتجاج قرب قبر الرسول محمد. وهناك انشدوا ثمن رددوا شعارات الثورة: "الموت لأمريكا والصهيونية" و "الثورة ـ الخميني قائدها" ويقال ان احد الحجاج الايرانيين قال انه من واجب الايرانيين "اشعال روح اليقظة بين المسلمين في جميع انحاء العالم، بعد طول سباتهم" وقيل ان عشرين حاجاً ايرانياً اصيبوا بجراح حين استدعي البوليس السعودي للتدخل. وبالفعل، فإن راديو طهران تفاخر بتحدي الحجاج للتحذيرات السعودية، مدعياً بأن الآلاف منهم عبروا عن احتجاجهم في موجة من اعمال العنف. وقد منع مالا يقل عن ثمانين حاجاً ايرانياً وبعثة التلفزيون الحكومية من دخول منطقة الحج بعد ان عثر معهم على صور الخميني، ومناشير سياسية تحض على الثورة ضد الدول الاسلامية المحافظة.

زادت هذه الحوادث في تأزم العلاقات المتأزمة فعلاً بين العربية السعودية وايران. فكتب آية الله الخميني إلى الملك خالد يتهم السعوديين بإساءة معاملة الحجاج. وقال في رسالته "ان منع الحجاج من التدخل في السياسة انما يخدم مصالح أمريكا واسرائيل واعداء الاسلام الآخرين".

وبدأت الحرب النفسية بين الطرفين تخرج إلى العلن. فقد تبع اضطرابات الحج في خريف عام 1981م مظاهرات شعبية عارمة في طهران خلال شهر نوفمبر تشرين الثاني احتجاجاً على مشروع السلام السعودي ذي النقاط الثمانية لحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي حول مسألة ايجاد وطن للفلسطينيين. وسارت آلاف مؤلفة مخترقة الشوارع العامة ومنادية بالموت لولي العهد، الأمير فهد الذي رعى المقترحات التي سميت بإسمه فيما بعد. ووصفته الرايات واللافتات المرفوعة بأنه "عدو الاسلام" ربما بإيحاء من تصريحات آية الله الخميني التي اعلن فيها ان مشروع فهد "لايتفق مع الاسلام". رداً على هذا وصفت الصحافة السعودية نظام الخميني بأنه "ضد الدين"، حيث استخدمت احدى الصحف لغة قوية غير عادتها، واصفة القيادة الايرانية بأنها "جهنمية" أو "شيطانية".

أما الصدمة أو الهزة الحقيقية فقد بدأت تتفاعل وتتطور في شهر ديسمبر ـ كانون الأول، حين تم اكتشاف خطط الانقلاب الذي كان يعد لقلب نظام الحكم في البحرين المجاورة. كانت تلك آخر قشة قصمت ظهر البعير السعودي، الذي كان يعتبر هذا الأرخبيل الصغير مفتاح مملكته. قال احد المبعوثين الغربيين العاملين في المنطقة عام 1981م: "لقد جن جنون السعوديين، اذ ادركوا ان كل الطائفة الشيعية قد طعنتهم في الخلف"... وقبل ان ينطلق الأمير نايف، وزير الداخلية إلى البحرين ليعرض المساعدة بالقوات العسكرية وغيرها من المساعدات، أعلن هذا ان "المؤامرة التخريبية قد وضعت خطوطها وصممتها الحكومة الايرانية، وانها مؤامرة ضد العربية السعودية".
[align=center]_______________________________[/align]
[align=left]Robin Wright, SACRED RAGE, The Wrath of Militant Islam, Andre Deutsch Publishers, ondon, 1986 PP. [/align]146-172
[/align]