[align=center]أفراح لبنانية عراقية من رحم المعاناة [/align]



لا يزور الفرح قلوب الناس, أية كانت جنسياتهم, كما يحصل حين تعتلي فرقهم الرياضية منصات التتويج إقليمياً, قارياً أو عالمياً, فلا السياسة ولا الانتخابات ولا الخطابات, تستطيع أن تجعل البهجة تستوطن كيان بشري, شاء أم أبى كل من يقول عكس ذلك, فالرياضة وحدها بما تأتيه من انتصارات تستطيع أن تنسي الناس متاعب الحياة وهمومها ووزرها الثقيل ومآسيها الظالمة, وتعمل على لم شمل ما تفرقه السياسة.

حين اعتلى عراقنا العربي أمم آسيا الصيف الفائت, نسي أبناء الرافدين المآسي التي يتعرضون لها والدمار وغيرها من الويلات والأتراح, فالتقوا في سائر أرجاء العراق, شابكين الأيادي, حيث غنوا ورقصوا وهتفوا للعراق وحده, وتملكهم جذلُ لانتصار أدمعت له قلوب كل من رأى بواسل المنتخب الأخضر تنقض على كأس آسيا بجدارة واستحقاق, من كبار وصغار, مؤكدين أن هذا البلد ولد للفرح وليس للحزن, للعطاء وليس للاضمحلال, للإبداع وليس للاحتضار.

لم يكن نصر العراق مجرد فوز بكأس مرموقة, بل كانت معانيه أبعد وأسمى, معان وطنية وأخرى رياضية ذات مغزى إن دل على شيء فإنما على قدرة الرياضة على اجتراح وتحقيق ما تعجز عنه السياسة التي بمصالحها المتداخلة تبخس حق الشعوب أو فئات منها, في حين أن الرياضة تنصف أولئك المقهورين, الذين يثبتون بإنجازاتهم أو انجازات بلادهم, أحقيتهم في السلام, وقدرتهم على العطاء, فالكفاءات موجودة, والانتماء الوطني أو المواطنية يكفلان بصقلها وتهذيبها.

أفراح العراق الكروية, ومن باب الإنصاف, لم تأت فقط من باب البطولة الآسيوية, إنما كان ذكرها كونها الأقرب تاريخاً, والأكثر أهمية, إنما لا بد لنا من ذكر ما صنعه أبطال العراق الأولمبيين, في أولمبياد أثينا 2004, حين هزموا البرتغال وكوستاريكا وتصدروا مجموعتهم في الدور الأول ثم عبروا أستراليا في ربع النهائي, قبل أن يحتلوا المركز الرابع بخسارتهم أمام إيطاليا بهدف لصفر في مباراة الترتيب, ولا حاجة للقيام بأي توضيح عن الكرة الإيطالية, وكانوا قبل ذلك خرجوا أمام الأوروغواي, محققين إنجازاً تصدر الصحف العالمية.

من يعتقد, ولغاية لا يعرفها إلا ضامرها, أن الإنجاز العراقي ليس إلا حالة قد تحدث, فليحول نظره قليلاً إلى شمال غربي العراق, حيث الدولة المتوسطية الصغيرة, لبنان, الذي لا يكاد ينتهي من أزمة سياسية إلاً ويدخل في أخرى ناهيك عن الخضات الأمنية, الأمر الذي يقوض دوماً أسس الكيان للدولة وبطبيعة الحال للرياضة, لكن رغم ذلك تأتي إرادة وصلابة أبناء لبنان الأشداء من بيروت والجنوب والبقاع والشمال أقوى, فتثبت بعرق الملاعب, قدرة الرياضة على تحقيق ما تعجز عنه السياسة, أي إحلال السعادة وبث الحياة في أمل ينازع سياسياً, ويصمد رياضياً.

مثال لبنان نراه في سلته, فالمستديرة البرتقالية, دأبت على إسعاد اللبنانيين, فدوماً ما تأتي نتائجها سامية بسمو شجرة الأرز التي يتغنى بها اللبنانيون, مفاخرين بموقعها, على القمم, وكذلك بين ضفتين حمراوين, يتوسطهما بياض ناصع, مكلل بالأخضر, شأن جبال لبنان, وآخر ثمار التألق اللبناني, حتى الآن, كانت من إيران حيث انتزع بطل لبنان والعرب الرياضي بيروت باكورة ألقابه الآسيوية بالفوز بسلة غرب آسيا متفوقاً على حامل اللقب في عقر داره سابا باتري الإيراني مسترداً "رياضياً" اعتبار المنتخب اللبناني الذي كان خسر نهائي بطولة آسيا أمام إيران.

ومحطة التوقف اللبنانية لا تقتصر على بطولة غرب آسيا, بل أن أفراح اللبنانيين السلوية العارمة تتوزع فرقاً ومنتخبات بجميع فئاتها ولدى الجنسين, فالرياضي فرض سيطرته في السنوات الثلاث الأخيرة عربياً ومنطقياً, وليس فعلياً آسيوياً, كون مستوى غرب آسيا هو الأبرز قارياً, وكان سبقه في ذلك فريق الحكمة صاحب الألقاب العربية والآسيوية, ولن نغفل الأبرز أي منتخب لبنان وصيف آسيا ثلاث مرات والذي أضاع لقبه الأول الصيف الفائت أمام إيران, كما سبق له أن شارك في آخر بطولتين عالميتين, محققاً في الثانية انتصارين لافتين على فرنسا وفنزويلا, وضعاه في المركز الثالث والعشرين في الترتيب العالمي.

إنها الرياضة تلك الآسرة, بكرة القدم والسلة وألعاب القوى وغيرها, وحدها تخاطب القلوب, قلوب من يستحق الفرح, ومن يحارب شرعاً وسلماً من أجله, وخير شاهد على كلامنا ما ذكرناه بما سبق من سرد, وهذان المثالان ليسا إلا شاهدين يستحقان التوقف عندهما, لأنه ولولا الرياضة لكانت عدة سفن ضلت وربما غرقت, فليكن الاستثمار حيث ينبت الفرح ذكياً أخضراً نضراً, بدلاً من الكد في مكان لا ينبت فيه إلا الشوك الذي يتغذى من الدماء القانية.





http://www.aljazeerasport.net/NR/exe...EF2006E3EE.htm