مركز المدينة هادئ يسكنه الكثير من الـمختصين المنحدرين من محافظات أخرى
الطرق معبدة جيدا من بغداد حتى قصورهم في تكريت فقط!
مظاهر التغيير الـجديد بادية على نمط المدينة
تكريت - موفد القبس د . جمال حسين:

يعد العبور الأميركي في تكريت الأكثر جرأة، فهي وإن بدت منسقة ومنظمة بفضل رعاية استثنائية، إلا أنها مجملة بالرغم عنها، بل أكثر مما تتحمله من إسمنت وأسوار عالية ورواب، أضاف إليها الزوار الجدد، الكتل الكونكريتية والأسلاك.

والمشاهدة الأولى للمدينة ومركزها تولد في النظر انطباعا هو أن القوات هناك تتصرف وكأنها في أيامها الأولى، في حين أن الفوضى التي تشاهد في بغداد مثلا، لا تسطر خيوطها في تكريت، فالجميع سائر الى هدفه، بإشارة من مهندسها وعلاماتها وشوارعها المرتبة.

الجنود الغرباء، الملونون والشقر، يسيرون بهدوء حذر وعلى نسق من يفتش عن شيء، في أي مكان وعلى غير المتوقع.

ولا تمانع واجهة أسواق تكريت من رفع صور الدولار الأميركي المجسم كإعلان لتغيير العملة والصحف المحلية التي تهاجم النظام السابق والتي تنتشر في المكتبات وعلى الأرصفة وفي المساحات المعتادة.

لم يعترض أحد في هذه المدينة على المتغيرات التي طرأت على البلاد في كل الأحوال، ولا يوجد شعور بالتوتر لا من الدوريات الملاصـــقة لحـــركة الخـــلق ولا البشر فيما بينهم.

الكتيبة الأولى
واللافت، أن أول دفعة من الجيش العراقي الجديد، انتشرت في تكريت، في هذه المدينة التي زرع المنحدرون منها الجيش العراقي على مر السنوات، بالضباط، يولد جيل من الشباب، يحمل للمرة الأولى شارة الجيش الوطني العراقي. ولعلها المرة الأولى التي يرى فيها المواطنون الحلة الجديدة لجيشهم الفتي : بزة عسكرية تقليدية وقبعة حمراء بدلا من البيرية، وعلى الذراع اليمنى يلصق العلم العراقي من دون إضافة النظام السابق.

يتمركز أفراد الكتيبة الأولى للجيش عند مداخل المدينة وطرقها الرئيسية والجسور والدور الحكومية. وعلمنا أن عددهم 284 شخصا، ومن خلال حديثنا مع من فتش سيارتنا، عرفنا من لهجتهم، أنهم من شبان المدينة. هذا يدل على أن الأنباء التي تصل من تكريت حول مقاطعة الأهالي لأي نشاط أو تعاون مع سلطات التحالف ليس دقيقا أو صحيحا. فسيطرات الجيش العراقي مطعمة ببعض الجنود الأميركان، وبدا التعامل سلسا، سواء مع السابلة أو مع أصحاب المركبات.


مدينة القصور
وبسبب انحدارهم الجماعي من هذه المدينة التي كانت قبل سنوات قرية يغطي الغبار أطرافها المشوشة، فقد بنوا جميعا قصورا لهم وبيوتا كبيرة، بلا شك، كان أكبرها وأفخمها قصر صدام الممتد على طوال شاطئ النهر ومتسلقا الجبل ومنحدرا معه نحو المزارع المتسلقة نحو الشمال. يكفي النظر الى الصورة التي توضح بوابته، لتصور ضخامته في الداخل .. البوابة وحدها يمكنها استيعاب بيوت متوسطة الحجم تسكنها عشرات العائلات.

هنا، كانوا يقضون أيامهم الفارغة مع غزلانهم وزرافاتهم وحيواناتهم الأليفة والمدربة، وبمواجهة الجزء المطل على النهر، يغذون الأسماك بالفيتامينات الرقيقة لكي يصطادوها فيما بعد. وتعد الأسوار العالية الممتدة نحو مسافات طويلة، من العلامات التي تميز قصور صدام وجماعته، ولا يزال العراقيون لا يعرفون ما الذي تخفيه هذه الأسوار حتى الآن، بعد أن انتشر خلفها هذه المرة جنود التحالف.


تبليط من القصر الى القصر
والشوارع الحديثة تدل على أن ثمة واحدا منهم يملك قصرا على جانبيه. ذكرنا الشوارع الحديثة، لأنها كذلك، من النقطة الأولى من قصورهم في بغداد، حتى بواباتها في تكريت. لكن ما أن تخرج من تكريت متجها نحو شمال البلاد، تبعثر سيارتك مطبات الشوارع المعتادة والمهملة وتختفي الأنوار وانسيابية الطريق، لتحجر انتباهك في بؤرة عين صقر خشية من وقوعك في حفرة مميتة وسط الطريق الدولي لحاضرة الدنيا كما يسمونها في قصائد المدح.


سرقات
لم تتوقف مشاهد، صور العجلات والمدرعات المحطمة طوال الطرق الخارجية من وإلى تكريت. غير أن النهب والسرقات شملت كل شيء خارج حدود المدن. فمن الكيلومترات الأولى التي تخرجك من بغداد حتى تكريت، لا تجد أسلاك الضغط العالي للكهرباء. كيف تمكن النهابون من انتزاعها من الأبراج؟ كيف سيطروا على القدرة الكهربائية الهائلة التي كانت تسير فيها؟ كيف حملوا مئات الكيلومترات من الأسلاك؟

وثمة المنشآت الكثيرة المنتشرة على الطريق الخارجي، لم تسلم واحدة منها من النهب، ولم يبق من تلك المنشآت والمصانع التي كنا نسمع بخطورتها على الأمن العالمي، غير جدرانها، والتي لو كانت لديهم القدرة على انتزاعها لفعلوا ذلك.


الدعاء الوحيد
وفي تكريت أيضا، رأينا الدعاء الوحيد، وربما الأخير الذي يدعو الى حفظ صدام...الخ. ولم نر مشابها له في كل المدن العراقية تقريبا. فقد انتزعها الناس في اللحظات الأولى التي صدق الشيء المعاكس للدعاء المنافق. وهذا الدعاء بالرغم من غرابته وتطرفه لكونه يضع صدام عند الله بمنزلة النبيين محمد ويونس، إلا أنه مع عدم مصداقيته، يبقى ملوثا لأحد جدران تكريت.


أين المقاومون؟
هذا السؤال هو الأهم في عملية البحث. وتشــــير معــطـــياتـنا الأوليــة إلــى أن مــا يسمونهم بالمقـاومين، غــير مـــتوافريـن في مركـز المدينــة، الــتي لأســباب كــثيرة نزح الكــثــيــر من الاختصــاصـــيين الـعراقيين للعــمل في تكـريت، في جامعتها ومنشآت التصنــيع العســكري المحيطة بها، فانها ساعـدت في تطعيم المدينة بعدد كبير من عائــلات المحــافظات العــراقـية الأخرى، الــذين استــقــر بــهم المقـام فــي تكريت وبالذات في مركزها. وهــؤلاء، بـالإضــافة الــى الطبقة الوســطى المتـعلمة من أهالي تكريت المدينة لا يحبــذون العنف ويميلون للعيش في ســلام، سـواء في العهد السابق أو الحالي. لذلك لم يتورط أحــــد مـنـهـم فــي الهـجــمـات أو غيرها. وتنحصر البــؤر والمجموعـــات التي تنــفذ عمــلية هنــا وأخـــرى هــناك، عــلى الأغلــب فـــي القرى المحـــيــطة بـــــتكــريــت، وكــذلك الحـــــــال بالنـــســبــة لمخـــــازن الأسلحة