حالات الفساد المالي والاداري ، وعمليات الاحتيال التي تطال المال العام اصبحت من الحالات المسلم بها في العراق، ولم تعد من القضايا اللافتة للنظر، الا ان قضيتنا اليوم تجسد بما لا يقبل الشك مدى قدرة البعض على استغلال نفوذه وصلة قرابته من هذا المسؤول او ذاك في الاحتيال والسرقة بقلب مطمئن..

والحكاية تبدا عندما ورد الى الشركة العامة للصناعات الميكانيكية في الاسكندرية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن كتاب يحمل اسم وزارة الزراعة / الشركة العامة لتنمية الموارد الزراعية بالرقم 8115 في 26/5/2008 بخصوص تجهيزها بـ20 ساحبة زراعية نوع(نيو هولاند) 75 حصانا تركية المنشأ، وقد ردت شركة الصناعات الميكانيكية على الوزارة بانها موافقة على التجهيز فما كان من الشركة الزراعية الا ان تعلن بكتابها المرقم 8731 في 4/6/2008 الموافقة على الشراء وانها تخول (ض ا) بالمراجعة وتسلم الساحبات، وقد ارفق مع الكتاب صك مصدق صادر من مصرف الرافدين فرع الخضراء بالرقم 66540061 في 4/6/2008 وبمبلغ اكثر من 500 مليون دينار، وعلى الفور قامت شركة صناعة السيارات بقبض الصك بموجب وصل القبض المرقم 004356 في 5/6/2008 واودع في مصرف الرافدين فرع الاسكندرية وقد قامت الشركة بتجهيز الساحبات الى المخول الذي غادر بها الى محافظة اربيل، وبعد نحو 13 يوما اخبر مصرف الرافدين في الاسكندرية الشركة العامة للصناعات الميكانيكية بان الصك مزور كون دفتر الصكوك مسروقا من حساب احدى الشركات الاهلية ، وقد ثبت بالدليل القاطع للشركة العامة للصناعات الميكانيكية دخول الساحبات المسروقة بعد ظهر يوم الاثنين 9/6/2008 وفي تمام الساعة الواحدة والنصف وبعد اجراءات دخول مطولة الى الحي الصناعي الشمالي في مدينة اربيل بحسب ما شهد به ثلاثة من اصحاب الشاحنات الذي نقلوا الساحبات الى هناك، واكدوا ان اسم الكفيل الذي تكفلهم لدى السلطات الكردية لغرض ادخال الشاحنات يدعى (ياسين البرزاني) وهو من يملك المرآب الذي افرغت فيه الساحبات.

وبعد توفر هذه المعلومات اصدر قاضي التحقيق في اربيل امر قبض بحق البرزاني الذي اخلي سبيله في ما بعد بكفالة، وبتاريخ 1/7/2008 تمت مداهمة المرآب المذكور من قبل مكتب مكافحة جرائم سرقة السيارات في اربيل بصحبة فريق عمل من شركة الصناعات الميكانيكية برئاسة مدير عام الشركة وتم التعرف على الساحبات التي بقي منها 12 ساحبة فقط داخل المرآب بعد مطابقة ارقام الشواصي وقد طلب القاضي نقل الساحبات الى ساحة بالقرب من مكتب مكافحة سرقة السيارات الا ان الشرطة اعتذرت متذرعة باستحالة نقلها الى هناك.

وبعد هذه التطورات وجهت وزارة الصناعة كتابا الى امانة مجلس الوزراء في اقليم كردستان بالعدد 19844 في 23/6/2008 تطالبهم فيه بالتدخل لدى سلطة الاقليم لاعادة الساحبات المسروقة الى الشركة وقد اكتفت امانة مجلس وزراء الاقليم بقطع وعد للوزارة بالعمل على ذلك.

هذا ما جرى بالتفصيل منذ ان دخل الشخص المحتال الى اروقة الشركة العامة للصناعات الميكانيكية وهرب بالساحبات العشرين ولغاية الوعد الاخير الذي حصلت عليه وزارة الصناعة من مجلس وزراء اقليم كردستان.

وجميع هذه الاجراءات التي لم تجد نفعا الى الان تبعتها اجراءات اتخذها مجلس محافظة بابل، اذ اعد المجلس كتابا موجها الى رئيس الوزراء نوري المالكي بعنوان (ياسين البرزاني) وبعدة نسخ معنونة الى رئاسة الجمهورية ونائب رئيس الوزراء برهم صالح ومجلس النواب ومجلس القضاء الاعلى ووزارة الامن الوطني ووزارة الصناعة، وقد ارفق مع الكتاب الذي طالب الجهات المذكورة بالتدخل لفرض القانون وضمان استرجاع الساحبات المسروقة مطالعة كتبها حسان محرج رئيس لجنة الخدمات في مجلس المحافظة.

يقول محرج "يبدو ان السطوة التي يتمتع بها المتهم ياسين البرزاني كونه من عائلة السيد مسعود البرزاني تحول من دون اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لحسم هذه القضية على الرغم من الادلة القانونية القاطعة التي توفرت لدى القضاء في كردستان عن تورط المتهم بسرقة الساحبات، الا ان هذا القضاء مازال متحرجا وضعيفا"، على حد وصفه.

ويؤكد "من دون شك فان من يقدم على مثل هذه الجريمة لا بد وان يكون مطمئنا من عدم اتخاذ الاجراءات القانونية في حقه، بل انه متيقن من ان احدا لن يستطيع النيل منه، حتى ان الامور وصلت الى درجة ان يتلقى رعد الخفاجي مدير عام شركة الصناعات الميكانيكية تحذيرا من احد المسؤولين في وزارة داخلية اقليم كردستان بمغادرة الاقليم فورا حفاظا على سلامته بالرغم من ان الوقت كان يومها متاخرا وغير ملائم للسفر".

ويضيف محرج "لم يتوان المتهم من ابراز (منفيستات) مزورة ادعى انها خاصة بالساحبات المسروقة بعد ان قام بحك ارقام الساحبات الا ان اثار ذلك مازالت واضحة"، مشيرا الى "ان الاجراءات القضائية غير المكتملة وفقدان بعض الاوراق التحقيقية من مركز الشرطة تحول حاليا من دون تسليم الساحبات الى الشركة".

ويشدد على "ان هناك حلقة مفقودة بين مصرفي الرافدين في الخضراء والاسكندرية ،واذا تم التحقيق والتدقيق في الموضوع فسوف تكتشف خيوط مهمة من شانها ان تساعد في الكشف عن الكثير من الحقائق"، ويعرب محرج عن اعتقاده بوجود تقصير وتواطؤ من قبل عدد من الجهات بينها المصرفان المذكوران والكادر التابع لشركة الصناعات الميكانيكية الذي تعامل بالصك المسروق "، مؤكدا "ان التحقيق سيكشف ان هناك مافيات وعصابات متمرسة متورطة في هذه العملية التي تعد سابقة خطيرة بانتهاك حرمة المصارف والمؤسسات الحكومية".

ويضيف "على الجهات الحكومية العليا التدخل لفرض القانون لضمان استرجاع الساحبات وبخلافه ستسوف القضية ويهدر المال العام مثل كثير من القضايا التي اختفت تفاصيلها في اقليم كردستان وسجلت ضد مجهول".