بغداد الحياة - 22/10/08//
وصلت الخلافات بين بغداد وواشنطن حول الاتفاق الأمني الى ذروتها أمس، ففيما حذّر رئيس هيئة الأركان الاميركية الأميرال مايكل مولن الحكومة العراقية من «عواقب وخيمة» إذا لم تقر الاتفاق طالب مجلس الوزراء العراقي بالإجماع بإجراء «تعديلات ضرورية» على المسودة النهائية، وهذا غير متاح عملياً في ظل إدارة الرئيس جورج بوش، فيما أعلن البيت الأبيض أنه لم يتسلم نسخة من التعديلات التي يطالب بها العراقيون. ولم يفاجأ بـ «صعوبة إقرار الإتفاق.
ونقل عن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي قوله إن الأميركيين يضعون «شروطاً» تطاول السيادة والولاية القضائية وجدولة انسحاب القوات، وإنهم «يأخذون باليسرى ما يعطونه باليمنى».
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية وتقدم المرشح الديموقراطي باراك أوباما الذي اعلن خطة للانسحاب من العراق، تراهن القوى العراقية الرافضة للاتفاق، وتقودها الاحزاب الشيعية الرئيسية، على عامل الوقت ورحيل الإدارة الحالية.
واعتبرت أوساط سياسية تحذيرات أرفع مسؤول عسكري أميركي من مغبة عدم توقيع الاتفاق «تحركاً اميركياً يعكس الفشل في اقناع الطبقة السياسية العراقية بتوقيعه». وكان مولن صرح بأن «الوقت ينفد أمامنا»، لافتاً الى انه «عندما ينتهي تفويض الأمم المتحدة في 31 كانون الأول (ديسمبر) لن تكون القوات الأمنية العراقية جاهزة لتتولى الامن»، محذراً من «عواقب وخيمة».
وفي إشارة الى عدم استعداد واشنطن لإعادة التفاوض على مسودة الاتفاق قال مولن إن «الديبلوماسيين الاميركيين وكبار القادة العسكريين في العراق بذلوا جهوداً استثنائية للتوصل الى هذه النتيجة النهائية»، معرباً عن «القلق من تعاطي الرأي العام مع الاتفاق» (...)، وتابع ان «العراقيين لا يدركون خطورة الوضع». وجدد اتهام ايران بعرقلة الاتفاق.
وجاء الرد العراقي على تلك التصريحات على شكل اجماع في مجلس الوزراء على المطالبة بـ «تعديلات ضرورية» على مسودة الاتفاق. واعلن الناطق باسم الحكومة علي الدباغ أن «المجلس قرر بالاجماع اجراء تعديلات على مسودة الاتفاق الامني يمكن أن تجعلها في مستوى القبول الوطني».
وفي أول موقف للمالكي، قال القيادي في «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» همام حمودي ان رئيس الوزراء انتقد بعض بنود الاتفاق واعتبر أن «ما أعطاه (الأميركيون) باليد اليمنى اخذوه باليسرى». وأوضح ان تنفيذ بعض البنود «يخضع للكثير من الشروط والمحددات، خصوصاً المتعلقة بالسيادة والولاية القضائية وحركة القوات وجدولة خروجها من المدن». وأضاف: «وضعوا (الأميركيون) شروطاً ومحددات قابلة للنقض وكأنما لم يعطوا شيئاً. ونحاول رفع هذه المحددات والشروط». وأعطى مثالاً يتعلق بالانسحاب وقال «إن الاتفاق ينص على الانسحاب من المدن والقرى العراقية في حزيران (يونيو) 2009 اذا كان الوضع الامني يساعد على ذلك»، متسائلاً «لكن من يحدد هذا الامر؟».
في واشنطن، أعلنت الناطقة باسم البيت الابيض دانا بيرينو ان الحكومة العراقية قررت ادخال تعديلات على مسودة الاتفاق الأمني الذي كان موضع مفاوضات شاقة منذ تسعة اشهر. وقالت: «لا اظن اننا حصلنا عليها (هذه التعديلات) بعد، وسأترك للمفاوضين التحدث عنها في بغداد عندما يتلقونها»، مضيفة: «لكننا نعرف ان ذلك سيستغرق بعض الوقت». وأوضحت ان الحكومة الاميركية على ثقة من التوصل الى اتفاق اوسع للعلاقات بين البلدين. لكن بالنسبة الى الاتفاق المتعلق تحديدا بالوجود العسكري فإن «الأمر اكثر تعقيداً ونحن كنا نعلم ان العراقيين سيخضعونه لمراحل عدة» قبل اقراره.
وكان «الائتلاف الموحد» أعلن مساء الأحد الماضي رفضه الاتفاق بصيغته الحالية وطالب بتعديله بسبب «الغموض» في بعض بنوده، خصوصاً المتعلقة بالسيادة والولاية القضائية على الجنود الأميركيين وحركة القوات وجدولة انسحابها، كما طالب بضمانات كافية لعدم استخدام الاراضي العراقية في الاعتداء على الدول المجاورة.
وكشف مصدر في «الائتلاف» طلب عدم كشف اسمه لـ «الحياة» انه «لا يرغب في توقيع الاتفاق مع ادارة الرئيس جورج بوش ويريد انتظار ما تسفر عنه الانتخابات الأميركية المقبلة»، مشيراً الى ان «استطلاعات الرأي كلها ترجح فوز المرشح الديموقراطي باراك أوباما. لذلك لا يريد الائتلاف ان يعطي نصراً للجمهوريين».
وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أكد الاثنين ان» القوى السياسية قد تؤجل البت في الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في 4 الشهر المقبل».
ويلاحظ انه باستثناء الكتلة الكردية التي عبرت عن موافقتها على الاتفاق من دون أي تحفظ لم تعلن الكتل السياسية والبرلمانية الأخرى موقفها النهائي باستثناء «الائتلاف» (الشيعي). وأعلن الناطق باسم «جبهة التوافق» (السنية) النائب عمر عبدالستار الكربولي ان «الجبهة تريد توافقا واجماعا وطنيا سواء بالرفض او القبول».
الى ذلك، عبر وزير الداخلية العراقي جواد بولاني عن أمله في ان يساعد مؤتمر وزراء داخلية الدول المجاورة المقرر عقده الخميس في عمان على استعادة امن العراق واستقراره.