في الحادي والعشرين من أيلول (سبتمبر) الماضي قالت مجلة صنداي ميرور البريطانية ان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يتفاوض سرا مع القوات الأميركية منذ تسعة أيام حول خروجه من العراق سالما بنقله الى جمهورية بيلاروسيا السوفياتية السابقة مقابل تقديم معلومات حول أسلحة الدمار الشامل وحول حساباته المصرفية. وأوضحت أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يطلع باستمرار على مراحل سير المفاوضات من قبل مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس التي تنسق المفاوضات التي كان يقودها وقتها الجنرال الأميركي ريكاردو سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق. ونقلت المجلة عن مسؤول عراقي قوله أن ممثلا عن صدام حسين بلباس غربي التقى عناصر من قوات التحالف في تكريت في الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) عند مغيب الشمس وقادهم الى منزل حيث كان ينتظرهم مسؤول أمني وأن المفاوضات تتواصل بإشراف مباشر من الجنرال سانشيز.

ووفقا لعراقيين موثوقين فإن القوات الأميركية ومعها ميليشيات عراقية عثرت على ما لا يقل عن ملياري دولار عدا ونقدا في عدة مواقع داهمتها هذه القوات وأن هذه الأموال كانت مخزنة في مواضع يصعب توقع العثور فيها على أموال بكميات تراوحت في بعضها بين 600 مليون دولار وأكثر في حين أن أموالا أكثر من هذه اختفت من خزانات البنك المركزي العراقي ولا يعرف مصيرها حتى الآن.

كما يعتقد ان لقرار الادارة الاميركية الاسراع بتغيير الحاكم المدني السابق جي غارنر بالسفير الحالي بول بريمر علاقة بقضية اموال عراقية سائلة تم العثور عليها في الايام الاولى التي اعقبت حرب اسقاط صدام حسين عن الحكم لكن دون الاعلان عنها وهو ما اثار شكوكا حول الجهات التي وضعت ايديها على هذه النقود وعلى مصير هذه الاموال لا سيما وان القصر الجمهوري العراقي كان يحتوي على أكثر من ممر وخزانة سرية يقال ان فيها الى ما قبل سقوط بغداد وانهيار الحكم نحو 8. 1 مليار دولار اميركي، بالاضافة الى وثائق ووصولات واوراق مصرفية تحتوي على تفاصيل مهمة وبالارقام عن حجم ودائع القصر الجمهوري وصدام حسين نفسه وبعض شركاته واخرى باسماء ابنيه عدي وقصي وبناته وزوجته ساجدة خير الله طلفاح، مودعة بعضها في دول مجاورة للعراق واخرى في بنوك اجنبية بعيدة ومؤمنة.

وهناك أيضا احاديث عراقية عن وجود وكلاء مخلصين للعهد السابق في العراق ما زالوا يقومون بتحويل عمولات وصرف شيكات وارصدة للكثير من المتعاطفين مع صدام حسين والذين يعملون على تعميم فكرة خطأ حلول الاميركيين او العاملين معهم من العراقيين محله أملا في عودة النظام السابق والاستفادة من الامتيازات المالية المغرية السابقة نفسها التي اغرقهم النظام بها. ووفقا لاصحاب هذه المقولات فان هناك مبالغ مدفوعة للمستفيدين قد تستمر في الوصول الى حساباتهم لمدة عشرة سنين اخرى اذا لزم الامر وتعذرت عودة صدام حسين او من سينوب عنه الى الحكم خلال عام او اثنين من الان.

تهريب

والى جانب الاموال السائلة هناك صفقات نفطية لا تزال تدر اموالا على المنتفعين الاساسيين منها ومنهم من يمكن ان يرث وينوب عن صدام حسين نفسه او نجليه عدي وقصي ان صحت مقولة مقتلهما ومثل هذه الاموال بعضها له علاقة بالنجل الاكبر لهاشمي رفسنجاني الرئيس الايراني السابق ورئيس هيئة مصلحة تشخيص النظام في ايران حاليا والذي بدأ شراكة واسعة ومدرة جدا مع عدي في بيع النفط المهرب منذ مطلع التسعينيات وبعد فرض حظر على بيع النفط العراق.




وعندما اعتقل برزان التكريتي الاخ غير الشقيق لصدام حسين في السابع عشر من نيسان ( ابريل) الماضي أي بعد ثمانية أيام من سقوط تمثال صدام حسين الرئيس العراقي السابق على الملأ امام شاشات التلفزيون في العالم وكان ذلك إيذانا رسميا بسقوط نظام الحكم السابق الذي استمر 53 سنة، لم يكن ذلك يعني ان شخصا مهما مثل برزان التكريتي وهو الاخ غير الشقيق للرئيس المخلوع والرئيس الاسبق لوكالة المخابرات العراقية، قد انضم الى قائمة من يجري البحث عنهم في قائمة الاثنين والخمسين من كبار المطلوبين العراقيين، وانما سقوط احد اهم مفاتيح الاموال العراقية المهربة او الموظفة في الخارج او المودعة لدى وكلاء واطراف قادرة على تمويل أية اعمال يمكن ان تقلل من فاعلية اجراءات حتى الوجود الاميركي في العراق بشقيه العسكري والسياسي.

ويومها قال المتحدث باسم القيادة العسكرية الاميركية الوسطى الجنرال فنسنت بروكس ان قوات خاصة بدعم من المارينز الاميركيين اعتقلت برزان . واشار الى ان العملية لم تؤد الى وقوع اصابات، موضحا انها حصلت بناء على معلومات زود بها عراقيون القوات الاميركية.

يعرف الكثير

وقال بروكس ان برزان هو اخ غير شقيق لصدام حسين، وهو مستشار لرأس النظام العراقي السابق ويعرف الكثير عن كيفية عمل النظام من الداخل، مشيرا الى انه مدرج في المرتبة 38 على لائحة المسؤولين الاميركيين الـ52 الذين تعتبر الولايات المتحدة انهم يملكون >معلومات اساسية عن النظام. واضاف لقد اوقف وحده، وكان في بغداد، وتمكننا من تحديد مكانه رافضا اعطاء المزيد من التفاصيل، مشيرا الى انها تفاصيل تكتيكية، لاننا مصرون على العثور على مسؤولين آخرين في النظام.

وقبل القاء القبض عليه يعتقد ان برزان التكريتي الذي يعتبره البعض بمثابة الصندوق المتنقل لاموال الرئيس المخلوع، روج اخبارا مفادها انه مات اثناء القصف الاميركي وذلك ليتمكن من التواري عن جهود البحث المكثف عنه وربما للبدء بحياة جديدة وباسم وجواز سفر جديدين وباموال طائلة يقال انها تتعدى الثلاثين مليار دولار عدا ونقدا وتدفقات مالية اخرى من حصص وانصبة وشراكات في مشاريع صناعية ومالية ونفطية لا حدود لها ستظل تودع في حسابات سرية لا يعلم بها إلا صدام نفسه وبرزان وآخرون معدودون باصابع اليد.

وقام برزان التكريتي الذي تولى رئاسة اجهزة الاستخبارات العراقية قبل عام 1984، بتمثيل بلاده في الامم المتحدة في جنيف على مدى 12 عاما. وعاد الى العراق في ايلول (سبتمبر) 1999 في اطار تعيينات دبلوماسية جديدة بعد مماطلة وتأجيل، حتى ان البعض تحدث عن فراره. وبحسب بعض الصحف فان صدام حسين وضع برزان التكريتي في اذار(مارس) الماضي قيد الاقامة الجبرية في منطقة الرضوانية قرب بغداد، بعد ان رفض تقديم الولاء لابنه الاصغر قصي.




وبرزان التكريتي كما يصفه المقربون منه غير ودود، سريع الغضب وشديد التحفظ الى حد البرودة. وعلاقاته متردية ايضا مع الابن البكر لصدام عدي الذي كان متزوجا من ابنته. ويصف عدي بحسب عضو في المؤتمر الوطني العراقي (معارضة) بانه رجل جشع وغير مؤهل لممارسة الحكم.

إدارة

ويقول بعض اعضاء المعارضة ان التكريتي اشرف اثناء مهامه في جنيف على شبكات الاستخبارات العراقية في اوروبا، واشرف على صفقات لشراء اسلحة وسهل العمليات الرامية الى حصول بلاده على السلاح النووي. ويقال انه اقام منذ فرض الحظر على العراق شبكة تهدف الى الالتفاف على العقوبات وانه كلف بإدارة ثروة صدام حسين المودعة في مصارف اوروبية.

واخيرا، كلف بشراء افخم اللوازم والاثاث في اوروبا لقصور صدام حسين واحدث الادوات الالكترونية لافراد محيطه. وطلب برزان التكريتي خلال تلك الفترة بحسب احد المقربين منه من صدام حسين حل مجلس قيادة الثورة والبرلمان وتشكيل حكومة من التكنوقراط يتولى بنفسه رئاستها. ولد برزان التكريتي عام 1951 في تكريت وهو متخرج من جامعة المستنصرية حيث درس الحقوق والعلوم السياسية. توفيت زوجته عام 1998 اثر اصابتها بالسرطان وهو اب لثمانية اولاد.
وتثير عملية البحث عن اموال صدام حسين التي يعتقد انها موزعة على سبع دول من خلال وكلاء وحصص وحسابات (الجزء الاكبر في سويسرا) وصناعات وشركات، مخاوف كثيرة للاميركان من احتمال تسرب اجزاء منها الى منظمات وهيئات معادية للمصالح والوجود الاميركي في الخليج والمنطقتين العربية والاسلامية وفي احتمال شراء او تطوير اسلحة فتاكة او تمويل عمليات انتقامية او هجمات على غرار ما حصل في الحادي عشر من ايلول ( سبتمبر) عام 1991 على نيويورك وواشنطن بالاضافة الى الهجمات الاخرى التي وقعت في بالي وعدد من الدول الافريقية واليمن والسعودية وما يجري من هجمات على القوات الاميركية في العراق حاليا.



ويعتقد ان لدى الجهات الامنية الاميركية ( وكالة المخابرات المركزية وادارةالتحقيقات الفيدرالية) قوائم باسماء مئات الاشخاص الذين تشك واشنطن في ان لهم صلة باموال صدام حسين وثرواته وحساباته الخاصة. إلا ان اهم ما لدى واشنطن حتى الان هو برزان التكريتي الذي لديها ارقام وبيانات كثيرة عن دوره المالي في تنمية حسابات شقيقه الذي ما زال متوارياً عن الانظار والذي يقال انه ربما انتقل الى روسيا البيضاء تسللا من اذربيجان بموجب صفقة مالية كبيرة مع مسؤولين روس وآخرين.

استرجاع

وقبل ايام كشف النقاب عن ان خبراء اميركيين زاروا لبنان في ايلول (سبتمبر) الماضي للتحقيق وسعيا إلى استرجاع نحو 600 مليون دولار اودعها نظام صدام حسين في المصارف اللبنانية كما اكد مسؤول لبناني طلب عدم الكشف عن هويته وقدر هذه الاموال بحدود 600 مليون دولار.

وقال منذ اربعين يوما قام خبراء اميركيون بزيارة الى بيروت التقوا خلالها مسؤولين من مصرف لبنان المركزي. واشار المصدر نفسه الى ان الجانبين اللبناني والاميركي اتفقا على آلية لتحديد واسترجاع الاموال العائدة للحكومة العراقية السابقة وفق معطيات القوانين اللبنانية.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية ان الولايات المتحدة تعتقد ان صدام حسين الذي انهت حكمه للعراق في 9 نيسان (ابريل) الماضي، اودع حوالي ثلاثة مليارات دولار في مصارف سورية اساسا ومصارف لبنانية واردنية وتركية كذلك.

وكان مصدر مقرب من الملف قد اكد ان وفدا من الخبراء العراقيين يزور حاليا دمشق في مهمة تتعلق بموضوع الاموال التي يحتمل ان يكون الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد اودعها في المصارف السورية. واوضح المصدر ان الوفد العراقي يضم خبيرين اميركيين. ويساهم لبنان وسورية مع الولايات المتحدة والحكومة العراقية في الجهود المبذولة من اجل تحديد واسترجاع بضعة مليارات من الدولارات كان نظام صدام حسين السابق قد اودعها في مصارف دول المنطقة، وفق تأكيدات المحققين والدبلوماسيين.

حسابات

واكد مسؤول مكلف بالتحقيق في هذا الملف ان الاموال تعود الى عدة حسابات لكن القسم الاكبر منها هو للبنك المركزي العراقي. واوضح المصدر ان هذه الاجراءات تتطابق مع القرار 1483 بشأن رفع العقوبات عن العراق الذي صدر في ايار(مايو) الماضي عن مجلس الامن الدولي وفوض قوات التحالف الاميركي ـ البريطاني بالسيطرة على الاقتصاد وعلى مستقبل العراق السياسي. من ناحية اخرى، يزور وفد من الخبراء العراقيين حاليا دمشق للتحقيق في شأن الاموال التي اودعها الرئيس العراقي السابق في المصارف السورية. واوضح مصدر مقرب من الملف ان الوفد العراقي يضم خبيرين اميركيين.


ويشار الى انه حتى الان لم تتضح اية معلومات عن المدة التي يستغرقها استرجاع الاموال العراقية المودعة في لبنان وسورية. وتشهد العلاقات بين واشنطن ودمشق توترا قويا تفاقم بعد تصويت مجلس النواب الاميركي في 15 من الشهر الماضي على مشروع قانون محاسبة سورية الذي ينص على فرض عقوبات على دمشق ويتهمها بـدعم الارهاب.

ورغم ذلك، جددت سورية مؤخرا الاعلان عن رغبتها في مواصلة الحوار مع الولايات المتحدة. ومن المفارقات ان التعقيدات في لبنان قد تكون اكبر بسبب نظامه المصرفي -الاكثر ليبرالية في الشرق الاوسط لاجتذاب رؤوس الاموال الاجنبية ـ والذي يخضع لمبدأ السرية المصرفية، فيما قطاع المصارف في سورية يخضع لاشراف الدولة.

وشددت مصادر مقربة من الملف على ضرورة اخذ بالاعتبار القانون المصرفي السائد في لبنان مع التأكيد على اولوية التفاهم المتبادل.

تجميد

ويشار الى ان القضية لا تتعلق فقط بالاموال العراقية المودعة في المصارف اللبنانية انما تشمل كذلك ديونا مستحقة لرجال اعمال لبنانيين كانوا يعملون في العراق قبل سقوط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان (ابريل). اذ لم يتمكن العديد من رجال الاعمال والمقاولين اللبنانيين من الحصول على مستحقاتهم بسبب الحرب على العراق، اسوة بما حصل لهم في اعقاب حرب الخليج (1990 ـ 1991) بسبب نظام فرض العقوبات الدولية على العراق وتجميد امواله. ويعتقد ان حجم الاموال العراقية التي جمدتها الولايات المتحدة منذ حرب الخليج تبلغ 7،1 مليار دولار، وفق مصادر اميركية كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.

ونفت سورية مؤخراً ما رددته تقارير صحفية عن أن الولايات المتحدة طلبت من دمشق إعادة ما يصل الى ثلاثة مليارات دولار تعتقد واشنطن أنها للعراق وقد هربها موالون للرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى سورية. وقال وزير الخارجية فاروق الشرع، في تصريحات صحفية على هامش قمة منظمة المؤتمر الاسلامي التي تستضيفها ماليزيا، أن هذا كلام ملفق وغير صحيح.

وكان موقع مجلة تايم الاميركية على الانترنت قد نقل عن مسؤول اميركي بارز قوله أن واشنطن تعتقد ان أموالا تقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار مودعة في بنوك حكومية سورية. وتتهم الولايات المتحدة رجال الحكومة العراقية السابقة بتمويل أعمال العنف في العراق من خلال دفع اموال لمنفذي تلك الاعمال باستخدام الاموال التي يعتقد أنهم هربوها قبل سقوط بغداد في التاسع من نيسان (أبريل) الماضي.

وأشارت المجلة إلى أن وزير الخارجية الاميركي كولن باول تقدم بطلب عبر القنوات الدبلوماسية السرية إلى الجانب السوري خلال زيارة قام بها الى دمشق في أيار (مايو) الماضي. واوضحت المجلة أن سورية ردت بتجميد مبالغ لم يتم الافصاح عن حجمها، وهو ما اعتبرته واشنطن تصرفا غير كاف.

بقي ان هناك ما لا يقل عن ثلاثة او اربعة مليارات اختفت او لا يعرف مصيرها لحد الان اذ ربما تكون قد وقعت ارقام حساباتها بيد احد من المسؤولين الجدد او بيد الاميركان وهي اموال ناجمة من اعادة بيع الكثير من الاسلحة العراقية الفتاكة التي اشتراها النظام العراقي السابق من اطراف عديدة، وبعضها اسلحة محرمة ومصدرها الاتحاد السوفياتي السابق وحصلت عليها بغداد خلال العهد الماضي من الجمهوريات المستقلة الجديدة ومن علماء سوفيات انتقلوا اول الامر الى العراق سرا وعملوا في مختبراته لبعض الوقت ثم هرب البعض منهم او انتقل الى الجهة التي اشترت هذه الاسلحة من العراق لحاجة المشترين الى خدمات العلماء والخبراء لإدامتها وصيانتها وتطويرها كلما لزم الامر. وهي اسلحة متقدمة وتحتاج الى جهات على مستوى عال من الكفاءة في التعامل معها.

وبعض هذه الاموال التي تقل بنحو 60 في المائة عن القيمة الحقيقية التي دفعت مقابل هذه الاسلحة عند شراء الرئيس العراقي المخلوع لها، لم يدفع بعد وكان صدام حسين يؤمل نفسه بالبقاء فترة اطول في الحكم لتسوية قضية الدفوعات واستلام الثمن من خلال تحويلها الى حساباته الخارجية واضعا امام عينيه امكانية ايجاد مخرج لأزمته مع شعبه ومع المجتمع الدولي بعد حين من الان والبدء بحياة جديدة في الخارج.