التحليل السياسي في شتم العراق

زهير كاظم عبود

بالرغم من الأخفاقات التي تعانيها الشعوب العربية في قضاياها وأقتصادها ومجتمعاتها فلم تتطاول هذه الشعوب على قياداتها السياسية أو العسكرية ، ولم ينطلق صوت عربي يشذ عن مسار الخلق المعروف في المجتمع العربي ، وبالرغم من السياسات القمعية والدكتاتورية والعسكرتارية التي سيطرت على مقاليد حكم هذه السلطات رغم انف الشعوب ، فلم تتطاول أصوات العرب تنابز أو تشتم هذه القيادات التي لم تعرف سوى قيادة شعوبها الى الوراء لتتراجع عن اللحاق بركب العالم المتطور .
وهذا الصمت العربي ليس دون أساس فقد تعود وتربى المواطن العربي على الرضوخ لقرار السلطة والخنوع لقوانينها وغض النظر والسمع عن مباذل قياداتها أكتفاء لشرها ، وهذا الصمت دليل القبول وعدم المبالاة بمايدور على ساحة وطنهم ، وهذا الصمت العربي يعتبر ضرباً من ضروب انتهاكات حقوق الأنسان في التعبير ضمن حدود الأخلاق والأداب المتعارف عليها أن لم يكن عربياً فضمن مفاهيم القانون الدولي .
ودأبت الشعوب العربية على تألية وتمجيد القائد والزعيم ، مثلما نهجت السلطات نهجاً ثابتاً تعتبر فيه مجرد التعرض للقائد والزعيم تعرضاً للوطن والوطنية وبالتالي فأن على هذه السلطات القضاء على الأصوات التي تعارض الزعيم في كل مكان وزمان وبأية وسيلة كانت .
وطيلة العصر الحديث لم يسبق لجماعات وأفراد أن تدخلت في قضية وطرحت رأيها الخاص ومن ثم الحاقها بسيل من الشتائم والكلمات الخارجة عن الخلق الأسلامي والعربي ومن غير المتعارف عليها عالمياً تصف وتنعت قيادة شعب آخر بهذه النعوت مثلما يحدث الان في التدخل بالشأن والقضية العراقية .
لم يتدخل العرب في أمور تعتبر من باب اللياقة أن يبدوا أرائهم دون أن يكونوا أصحاب القضية ويسحبون حق المواطن العراقي في الرؤية والقرار والتشخيص ، ويسلبون حقه في أبداء الرأي بقياداته السياسية وسبل خلاصه من الوضع الشائك الذي يقف عليه وينعكس عليه دون غيره من العرب ، ويمنعون عن الشعب العراقي حقه في أختيار نظامه السياسي وشكل الحكم .
ويصل الأمر الى قيام بعض الأعراب بتوجيه شتائم ونعوت يندى لها الجبين لقياداتنا السياسية وشتم كل شعب العراق بالوقت الذي تصمت هذه النماذج عن شتم حكوماتها وقياداتها القمعية ، ومع أن الخلق هو الذي يدفع بالمواطن العراقي الى عدم رد الشتيمة والأهانة الصادرة من هذه الأعراب ، فأن فضائيات عربية وظفت نفسها لخدمة الشر والأرهاب وأتخذت من شعب العراق قاعدة للرمي والشتائم ، وفتحت أبوابها وشاشتها على مصراعيها لهذه الأصوات النكرة والأسماء الهجينة التي لم يكن لها حضور أو قيمة في المجتمع العربي ولافي مجتمعاتها اصلاً .
تتطاول هذه النماذج على قيادة مجلس الحكم الأنتقالي في العراق لأنه لايمثل وجهة نظر واحدة كما في سلطاتهم ، وتتطاول هذه النماذج على شعب العراق وأحزابه الوطنية العريقة وهي لاتعرف أين مكمن الخلل في المشكلة العراقية ، وتتطاول هذه النماذج على قيادات سياسية وأسماء شخصيات وطنية أفنت عمرها تقارع الطغيان والدكتاتورية وتتمتع بسمعة وطنية عراقية وسجل نضالي مشرف ، وتسمح هذه الفضائيات لمثل تلك النماذج البائسة لتشتم قيادات العراق السياسية فأي مفارقة هذه بين الشاتم والمشتوم !!
هل أنتهى زمن الأخلاق والقيم العربية حتى ظهرت الى العلن هذه النماذج الخاوية والفارغة والتي ماعرفت أخلاق المسلمين والعرب ولامفاهيم العمل السياسي ؟ هل أنتهى زمن الشجاعة حين ينزوي أحد الأعراب داخل غرفته ممسكاً الهاتف يمرر كلماته البذيئة التي تعبر عن خلقه وتربيته وماتعلمه في حياته في الخفاء ؟
هل أنتهت القدرة على الشجاعة عند بعض الأعراب حين يصمتون عن سلطاتهم ولاينتقدونها ويشتمون العراق وقيادته ؟ هل صار العمل السياسي المعارض أن تشتم قيادة بلد غير بلادك ؟
التطاول الذي نسمعه هذه الأيام من بعض الأعراب عبر محطات الشؤم والأرهاب العربية يدلل على خسة الخلق وأنعدام الضمير والتدخل في قضايا لايفهم منها المتحدث غير الشتائم والبذاءة في الأسلوب ، الكلام الذي يطلقه بعض الأعراب بحق مجلس الحكم أو بحق العراق أو بحق الشيعة الذي لم يزل بعض الأغبياء من الوهابية من يعتقدهم يقولون بخيانة الأمين جبرائيل ، حقاً أنه زمن هجين ومتردي وبائس حين يصير هؤلاء هم المحللين للوضع العراقي دون أن يعرفوا مايدور ببلدانهم ، فكيف بهم يعرفون ماذا يجري سابقاً وحالياً في العراق ؟
الشتائم والصفات التي يطلقها بعض ممن لايفهم في العمل السياسي ولايعرف ماذا يحدث في العراق دليل أكيد على كوننا بدأنا حياتنا العراقية الجديدة خارج سياق الزمن العربي الهجين ، وأننا بدأنا نتخذ الخطوات الأيجابية التي ستحقق لأجيالنا القادمة الحياة الحرة الكريمة التي يرفضها الرعاع والأغبياء .
كان محدثي على الهاتف من الأخوة العرب وهو يصر في مكالمته أن سفينة أسرائيلية شوهدت بالعين المجردة وهي تفرغ حمولتها في ميناء الموصل ، فأخبرته أن الموصل في شمال العراق وأنه أخطأ بأسم الميناء فلربما تكون البصرة ، وربما شاهدتها المجردة ولكن ليست العين بالتأكيد ، الا أنه أصر على أن الميناء هو الموصل وهي المدينة التي أعتز بأهلها و بعملي القضائي بها .
فهنيئاً للعراق بهذه الشتائم العربية والتحليلات العربية ، فقد أستمعنا بالصوت والصورة للمحللين العرب من الفضائيات العربية وهم يثبتون للدنيا عدم معرفتهم بأسس التحليل ولاقدرتهم على فهم الواقع ، ومع هذا فقد بقوا يسمونهم ( محللين ) ، وهنيئاً للعراق بهذه الشتائم من الأعراب الذين لايعرفون البصرة من الموصل أو كركوك من الكوت .