تُعد مدينة كركوك التي تعيش فيها كافة المجموعات الاثنية معا والتي هي بالاصل مدينة تركية مركزا استراتيجيا هاما من ناحية موقعها السياسي واحتياطي الثروة النفطية للبلاد
وتحمل كركوك اليوم صفة كونها احدى اكثر المدن التي تشهد التوتر في البلاد

هذا وان عدم تحديد الوضع النهائي للمدينة ما بعد الاحتلال الاميركي المتحقق عام 2003 ، يتسبب في زيادة التوتر في المدينة. وتوجد اختلافات هامة في وجهات النظر بين العرب والاكراد والتركمان الذين يعيشون في المدينة بشأن اقتسام القوة فيها

هذا وتسبب تعليق الاستفتاء المرتأى اجراؤه نهاية عام 2007 وعرض اجراء التعديلات الخاصة في قانون الادارة المحلية بشأن كركوك في اصابة مسعود البارزاني الذي كان يبذل الجهود من اجل ربط المدينة بالادارة الاقليمية بخيبة أمل كبيرة

وتسبب تصلب موقف البارزاني واصراره بشأن كركوك بعد اصابته بخيبة الأمل في تحويل المدينة خلال فترة قصيرة الى شبه قنبلة موقوتة

هذا وتسبب الانفجار الذي وقع في مطعم عائد لأحد الاكراد واسمه عبدالله والواقع على بعد 14 كيلومتر من المدينة في تفجير هذه القنبلة تقريبا. وأفادت المعلومات الاولية التي قدمت من المنطقة بان الحادث تسبب في مقتل 58 شخصا واصابة 120 آخرين

هذا وان القسم الاكبر من الذين فقدوا حياتهم جراء الحادث الانتحاري كانوا من النساء والأطفال. وتجدر الاشارة الى ان المطعم كان مزدحما بسبب مصادفة فترة العيد والغذاء في نفس الوقت. وحسب وحدات الأمن وشهود العيان فان منفذ الحادث كان رجلا من العرب

ومن الجدير بالذكر ان أحد اكثر الاحداث دموية كان قد تحقق في كركوك اثناء فترة المصادقة على قانون الانتخابات المحلية الذي كان يقضي بتنظيم قانوني خاص بكركوك. وتسبب ذلك الحادث الانتحاري في مقتل 26 شخصا

وفي الحقيقة فان توقيت العملية يلفت الانتباه. ففي اليوم الذي جرى فيه الاعتداء كان من المتوقع ان يصل الرئيس العراقي الطالباني الى المدينة. ولكن كان قد تم تأجيل هذه الزيارة لمدة يوم واحد. واثناء وقوع الحادث كان الطالباني مجتمعا برئيس الادارة الاقليمية مسعود البارزاني. وقام الطالباني بعد الحادث مباشرة بالانتقال الى كركوك وحصل على المعلومات بشان الحادث من المسؤولين. وبينما أكد الطالباني تنديده بالاعتداء الارهابي المنفذ في كركوك افاد ان مثل هذه الاعتداءات لن تزيل المكاسب المتحققة في المدينة وانه سيتم تضميد الجراح خلال اقصر فترة ممكنة

والتقى الطالباني بعد الادلاء بهذا التصريح التركمان الذين كانت توجد في جدول أعمالهم القضايا المستجدة المختلفة للتركمان في العراق. وطلب التركمان من الطالباني قبول تدريس اللغة التركية كلغة رسمية

هذا واكتفى الطالباني الذي لم ينظر بحرارة لهذا الطلب بالقول بانه سيتم اضافة العبارات باللغة التركية للوحات الموجودة في المدينة الى جانب قبول مائة ضابط من التركمان في الشرطة

كانت تركيا أيضا تتابع التطورات عن كثب. وبعد وصول خبر التفجير الى انقرة مباشرة نددت تركيا بالاعتداء بشدة. وبعث الرئيس عبدالله جول برسالة مواساة لنظيره العراقي الطالباني . وأصدرت وزارة الخارجية بيانا ذكرت فيه مايلي: " نستنكر بشدة بالاعتداء السافل الذي استهدف كركوك التي تمثل رمزا للثراء الاثني والمذهبي والتي تعكس رغبة تعايش الشعب معا وسط السلام

هذا وان الاسطر الواردة في البيان كانت ملفتة للانتباه، حيث ان البيان كان يتضمن على موقف تركيا المتعلق بالعراق وسياستها ازاء كركوك الى جانب رسالة التنديد. كما ان رئيس الجمهورية عبدالله جول أيضا اعلن عن تنديده الشديد بالاعتداء الارهابي الجاري في كركوك الذي استهدف ازالة رغبة التعايش لشعب وسط السلام

هذا ولم تقتصر مبادرات تركيا على التصريحات فحسب. فقد قامت الحكومة بالرد بالايجاب على طلب السلطات العراقية بشأن جلب 13 مصاب عراقي لتلقي العلاج في تركيا. وعلى الرغم من كافة هذه التصريحات مازال الوضع يحافظ على حساسيته في كركوك

وتجدر الاشارة الى ان مجموعة الازمة الدولية تقوم منذ فترة بالتحذير بشأن ان النزاع المتعلق بالوضع في كركوك قد يؤدي الى اندلاع حرب داخلية

وقد لفتت تصريحات مسؤول المجموعة للشرق الأوسط هوست هيلترمان التي ذكر فيها قائلا: " انه طالما لم يتم حل المشكلة فانه لامفر من وقوع الاحداث الشبيهة بالحادث الذي وقع هذا اليوم" لفتت الانتباه

وفي هذه النقطة يرد التساؤل القائل ما الذي سيحدث بعد الآن للأذهان. ومن المحتمل ان تتدخل بعد الآن الامم المتحدة في المسيرة التالية. وتسعى الامم المتحدة لاعداد تقرير ونشره بعد الانتخابات المحلية التي ستجري نهاية شهر يناير/كانون الثاني

وان هذا التقرير سيتضمن العديد من المقترحات المتعلقة بكركوك والمناطق الاخرى التي تواجه المشاكل. إلا ان هذه المسيرة لاتسير على مايرام حاليا

هذا وان لجنة المجلس التي ستتشكل من النواب السنة والشيعة والتركمان لتباحث المشاكل في كركوك لم تقم الى حد الآن بنشاطاتها بشكل تام. ويتعين ان تقوم هذه اللجنة ايضا بتقديم تقرير للبرلمان لغاية شهر مارس. إلا ان هذه النشاطات ايضا لاتسير على مايرام


وتجدر الاشارة الى ان مجموعة الازمة الدولية كانت قد عرضت سابقا حلا يمكن تلخيصه بالارض لقاء النفط. ولكن هذا الحل ايضا لم يلق أي اهتمام يُذكر

وسيبدأ التقويم الزمني بشأن انسحاب القوات الاميركية من العراق بالعمل اعتبارا من الاول من يناير 2009. ووفق الاتفاقية المبرمة بين الجانبين يتعين ان تغادر آخر القوات الاميريكة العراق في الحادي والثلاثين من ديسمبر

2011 ولكن لايتوقع أحد بان يتم ايجاد حل لمشكلة كركوك لغاية ذلك التاريخ

ويُلاحظ انه حتى وان غادرت القوات الاميريكة العراق فان العديد من المواضيع ومن بينها موضوع كركوك سيُشغل لفترة طويلة اخرى جدول أعمال تركيا
نقلا عن trt