بسم الله الرحمن الرحيم
من ما لا يختلف عليه اثنان هو اختلاف الناس وتفاوتهم بكل شي ولا نريد ان نتطرق في هذا الموضوع الا بالإختلاف والتفاوت في( العطاء) وما يقابله (الاستهلاك) , وطبعا كلما عظم ما يقدمه الشخص للبشرية عظم قدره وكلما انحدر هذا الانسان الى الاستهلاك والفساد ودمار البشرية يبقى لعنة على لسانها.
ان ما خلق في هذه الارض خلق بهدف تقديم الفائدة فالشجر يطي الثمر والاكسجين والجمال وغير ذلك والطير يعطي اللحم والبيض والريش والسماد والتراب يعطي المكان والمادة للنمو وهكذا ضع يدك على كل شئ تجد له نفعا

ولكن هناك ثلة من الناس –ونسال الله ان لا نكون منهم- يولد وهو طفل عالة على امه ويكبر وهو اسوء من الطفل لكونه عالة على المجتمع فالناس تجتهد وتشقى حتى تزرع وتتعاهد هذا الزرع او الثمر وبعد الحصاد والجني تصدره الى الاسواق لكي يقوم صاحبنا وامثاله بأكله ...
وفي مكان آخر تعمل المعامل بعد ان جهدوا بجلب المواد الاولية للقماش لكي تصنعه وعمل صاحبنا هو اللبس...
ويعمل العمال في البناء لكي يدخل –هو- البيت وهو يتمطى ليستقر ويستريح في البيت وهكذا في كل معطياة الحياة..
ويبقى هكذا الى موته حيث يقوم البعض في تغسيله وتكفينه وحمله ودفنه وهو مسجى مستلقي لا تختلف حياته عن موته الا ان عملية الدفن مختلفة بكونها غيبت هذا الشخص الذي كان عالة على الاخرين وخففت من كاهلهم باعدامه.

والمشكلة ان مثل هؤولاء لا يكتفون بموقفهم السلبي هذا من الحياة بل تجد السنتهم حداد ينبزون فلانة ويتكلمون على فلان يشاجرون هذا ويستغيبون ذاك يراقبون الناس لينتقدونهم ولا يلتفتون الى انفسهم:
عن المسيح(ع):يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين.
وعن امير المؤمنين(جهل المرء بعيوبه من أعظم ذنوبه)
ويتولد هذا احيلنا لكونهم لا عمل مثمرلهم والفراغ مفسدة روي عن رسول الله (ص):(اشد الناس حسابا يوم القيامة المكفي الفارغ إن كان الشغل مجهدة فالفراغ مفسدة )
المكفي اي الذي يكون كلا على غيره ويكتفي بعونهم وهو من اسوء الناس ولذا يشدد الله عليه الحساب .
ولهذا نرى النبي(ص) يجعل هذه القضية محور لرفعة الانسان او ضعته:
(ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه ، قال : هل له حرفة ؟ فإن قالوا : لا ، قال : سقط من عيني..)
ومما ينسب الى امير المؤمنين هذا الابيات التي تبين ان حقارة الانسان ليس بانواع بعض الاعمال التي ربما تحقرها الناس بل بأن يكون مستهلكا لجهود الآخرين:
كد كد العبد إن أحببت أن تصبح حرا واقطع الآمال عن مال بني آد طرا
لا تقل ذا مكسب يزي فقصد الناس أزرى انت مااستغنيت عن غيرك اعلى الناس قدرا.

امرنا الشارع المقدس وكذلك الفطرة ان نقدم اكثر مما نأخذ ان نكون عناصر فاعلة كلها عطاء وخير وان لا نأخذ نتاج الناس ونعيش على جهودهم ونحن لا نقدم شيئا بل ولا نأخذ وقتهم .ان مما وردنا عن صفات النبي (ص) (...وكان خفيف المؤنة..)

وعن ابي ذر (...فقال رسول الله ص وهو يشترط على أن لا أسأل الناس شيئا قلت نعم قال ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل فتأخذه).
وهذا الحديث يبين لنا كيف ينبغي لنا ان نبتعد عن ان نكلف الناس ونكون عالة عليهم بجهد وطاقة فضلا عن مادة, حتى وان كان ذلك من الحلال فهذا امير المؤمنين(ع) قبيل وفاته يخاطب ابنته حينما قدمت له فطوره كما روي :
(يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد ؟ أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يدي الله عز وجل يوم القيامة أنا أريد أن أتبع أخي وابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله ما قدم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله ، يا بنية ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة)
هذا وهو امير المؤمنين والذي قدم ماقدم للبشرية , ولم يكن الاكل زائدا عن حاجته فكيف اذا كان الاكل اكثر من الحاجة ؟؟
هذا هو اللاسراف الذي ذمه الله سبحانه ونهى عنه :فعن الصادق ( عليه السلام ) :
( ... المال مال الله يضعه عند الرجل ودائع وجوز لهم أن يأكلوا قصدا ويشربوا قصدا ، ويلبسوا قصدا ، وينكحوا قصدا ، ويركبوا قصدا ، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويرموا به شعثهم ، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا ، ويشرب حلالا ، ويركب حلالا ، وينكح حلالا ، ومن عدا ذلك كان عليه حراما ، ثم قال : ( لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) أترى الله ائتمن رجلا على مال يقول له : أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم ، وتجزيه فرس بعشرين درهما ، ويشتري جارية بألف وتجزيه جارية بعشرين دينارا ، ثم قال : (.. لا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ) . ( 31 )الاعراف
وعده العلماء من كبائر الذنوب وان المبذرين اخوان الشياطين والشيطان لربه كفورا فالنقلل من ملذاتنا ولنستغني عن فضول المعاش وكماليات الحياة لكي نعود بها على الفقراء او بتقليلنا يكثر العرض فترخص المادة فيخف العبئ على الفقير وبتوسعنا نرفع الاسعار ونكون عاملا مساعدا لفقر الفقراء ومأساتهم.وعن امير المؤمنين (ع) : ( المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة)
وهذا الحديث الجامع يشرح لنا المؤمن الحقيقي لا المؤمن المزيف .
صفته هي ان يتعب نفسه ويريح الناس اي انه يعطي اكثر من ان يأخذ , الناس منه في راحة لا يكلفهم لا يزاحمهم لا يزعجهم لا يؤخرهم لا يؤذيهم بل يقدم لهم العون يساعدهم يقضي حوائجهم فهو سهل المؤنة كثير النفع حسن المعاملة لين العريكة هش بش بشر المحيا مقدم الخير كاف الشر , وخير الناس من نفع الناس كما في الحديث.
لنكن من الذين هم كالشموع التي تحترق في سبيل الغير لا كالبعوض الذي يعيش على دماء الآخرين.