نحو اقتصاد إماراتي حقيقي

الاقتصاد القوي قد يعرف بأنه هو الاقتصاد القادر على انتاج منتجات متنوعة تتسم بالتميز أو أن يكون لها طلب عال عالميا على أن لا يكون لهذا الاقتصاد اعتمادات كبيرة على مواد خام طبيعية كالنفط مثلا. الولايات المتحدة وبريطانيا على سبيل المثال لا يعتمد اقتصادهما على بيع النفط بالرغم من أنهما تنتجانه. بل حتى روسيا التي تنتج النفط بغزارة تقوم بانتاج وبيع الأسلحة والمعدات العسكرية عالميا. بعض الدول الأسيوية تتميز بمنتوجاتها الالكترونية عالميا كما تتميز ألمانيا مثلا بسياراتها.

تقوم إمارات عديدة في الدولة – خاصة دبي و أبوظبي وعجمان ورأس الخيمة - بالتوجه نحو المشاريع العمرانية العقارية والحصول على المردود من خلال بيعها أو تأجيرها حتى لو كانت الوحدات السكنية المزمع بناؤها تكفي جميعها أضعاف عدد السكان الحاليين في الدولة حتى مع اعتبار عدد الأجانب المقيمين الآن !

هل هناك مشاريع جيدة ومفيدة حقا ؟ نعم توجد بكل تأكيد ولكنها لا تكفي أبدا لتشكل ملامح اقتصاد دائم وقوي. بل هناك مشاريع تحمل مسميات جميلة ولكنها في الحقيقة مشروع تأجيري فمثلا واحة دبي للسيلكون هي في الحقيقة منطقة حرة تسعى لاستقطاب الشركات المتخصصة في صناعة تكنولوجيا أشباه الموصلات والشرائح الالكترونيةلأن تفتتح مركزا اقليميا لها في دبي. ومدينة دبي للانترنت هي الأخرى منطقة حرة تستهدف شركات تكنولوجيا المعلومات. ومدينة دبي للإعلام كذلك منطقة حرة تهدف إلى جذب الشركات الاعلامية والاعلانية العربية والعالمية. فهذه مشاريع جيدة لكنها لا تكفي لتشكيل اقتصاد حقيقي مستدام فالعائد الأكبر هو من خلال عوائد التأجير لهذه الشركات العالمية والتي قد تذهب أو تغادر بأي لحظة أو أية سبب. المشكلة الأخرى هنا أن هذه مناطق حرة غير خاضعة للقانون الاتحادي و الفرص الوظيفية الثرية فيها لا يشملها قوانين التوطين !

لا اظن أن أحدا يقول بأن المشاريع العقارية المجردة هي مؤشر لاقتصاد حقيقي. هي ممتازة للتاجر الذي يفكر بالربح السريع أو على المدى الطويل من خلال التأجير ولا يفكر بأية اعتبارات أخرى من كون مشاريعه قد تزيد من تأزم مشكلة التركيبة السكانية في الدولة. لذلك يجب أن يكون الحذر واجبا عندما تتم هذه المشاريع العقارية بيد الحكومة. فالعقار مشروع جيد على أن لا يكون مؤثرا على التوازن السكاني في الدولة – خاصة وأن نسبتنا نحن المواطنون تتضاءل يوما بعد يوم أمام نسبة الأجانب المتزايدة – وعلى أن لا يتم اعتباره أيضا دلالة على اقتصاد حقيقي ! فمثلا حينما يتم الاعلان عن مشروع قيمته حوالي 100 مليار درهم ويسع حوالي 3 ملايين نسمة .. ما هي الفائدة الحقيقية من وراء هذا المشروع العقاري ؟ كيف ستتم تغطية مصاريف هذا المشروع ؟ ما الهدف من مشروع يستقطب 3 ملايين نسمة ونحن الاماراتيين لم نكمل المليون نسمة بعد ! حتى لو كانت هناك سيولة كبيرة أو نسبية للبدء بمثل هذا المشروع لم لا يتم الاستفادة من السيولة في بناء اقتصاد حقيقي ؟ الاقتصاد الحقيقي يحمل قوة على المدى الطويل بينما المشروع العقاري ميزته على المدى القصير غالبا. لذا قد ينخدع البعض حينما يرى أن العقار حاليا قد يساهم في الناتج المحلي في اللحظة الآنية ولا يفكر بعد عشر أو عشرين سنة من الآن. كيف سيساهم العقار الذي انتهى بناؤه وامتلأ بأعداد هائلة من الأجانب في الناتج المحلي ؟

يذكر محمد العبار رئيس المجلس الاستشاري الذي شكلته حكومة دبي لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية في دبي أن المجلس المشكل لمواجهة الأزمة يعكف على مراجعة كافة المشاريع والقطاعات الاقتصادية ومراجعة التمويلات وسيراقب كل شيء على الأرض ومدى تأثر هذه المشاريع بالأزمة العالمية وتذكر مصادر إخبارية كما تورد جريدة الاتحاد بأن العبار يقول : إن دبي قررت تقليص عمليات البناء الهائلة في ضوء الأزمة المالية العالمية.

وفي حوار لرئيس الدولة مؤخرا تطرق فيه لعلاج مشكلة التركيبة السكانية على مستويين. المستوى الأول يتم فيه ضبط سوق العمل بحيث يمنع تحول العمالة المؤقتة إلى عبء ديموغرافي دائم.

بالمناسبة هذه العمالة المؤقتة هي من أجل بناء هذه المشاريع العقارية التي لا تنتهي. لذلك أتمنى أن يكون كلام العبار فيه إشارة لبشرى حقيقة لعدم الاستمرار في أية مشاريع عقارية جديدة ليس في دبي فقط وإنما في جميع الإمارات بحيث يتم الاكتفاء فقط بما تم البدء فيه عمليا. طبعا لو تم الاعلان عن التوقف عن مشاريع جديدة في أية وقت آخر لكانت كارثة على اقتصاد الدولة. لكنها الفرصة الحقيقية الآن والتي قد لا تتكرر والتي تستطيع فيها الدولة بكل شجاعة التوقف عن المزيد من هذه المشاريع العقارية العبثية والتي تضر كثيرا بالتوازن السكاني في خضم هذه الأزمة العالمية غير المسبوقة.

والمستوى الثاني لحل مشكلة التركيبة السكانية كما يوردها رئيس الدولة يحمل ثلاثة أبعاد. البعد الأول يشمل العمل على تنمية القدرات البشرية المحلية وتطويرها نوعيا بشكل يسمح بامتلاك وتشغيل تقنيات حديثة تقلل الاعتماد على العمالة الأجنبية. البعد الثاني يشمل إشاعات ثقافة الاعتماد على الذات في الأعمال التي تركناها للعمالة الأجنبية. البعد الثالث يشمل رفع الكلفة المالية للعمالة الوافدة من خلال تطوير شروط استقدامها واستخدامها إلى المدى الذي يجعل تلك الكلفة مغرية للبدائل المحلية.

في الحقيقة ما طرحه رئيس الدولة يشكل برنامجا مختصرا ورائعا للتعاطي مع أزمة التوازن السكاني في الدولة مع التشديد على ضبط المشروعات العقارية والتي كما أكرر دائما ليست مؤشرا للاقتصاد الحقيقي. فالبعد الأول يؤشر على وجود ضعف بشكل عام في القدرات المحلية في الوقت الحالي في التعامل مع التقنيات. والتحول إلى اقتصاد المعرفة يستلزم مجتمعا متشربا بثقافة العمل والمعرفة والتقنية وليس مجتمعا يريد كل فرد فيه أن يكون مديرا يصدر الأوامر فقط بحيث يقوم الأجانب بالعمل نيابة عنه بينما يقوم هو بتوكيل كل المهام لهم. البعد الثاني يؤشر بشكل واضح إلى مشكلة الاتكالية في المجتمع المواطن. فالفرد المواطن ولنقل اسمه سلطان وهو صغير لا يقوم بأية جهد. فأمه تقوم وتقضي له كل حاجياته. وكلما كبر كلما وجد أن من واجب أمه وأخواته أن يقوموا بخدمته هو وأبيه. وإذا كان محظوظا فأمه ستقوم بمساعدته في حل واجباته وفي المذاكرة أو سيعتمد على المدرس الخصوصي في آخر العام ليذاكر له قبل الامتحان. وإن لم يجد أيا من ذلك فإنه ببساطة سيكون مهملا ! وإذا حدث أن دخل إلى الجامعة سيعتمد على الطالب المجتهد الفلاني في مساعدته ونقل واجباته وربما أيضا الغش منه في الامتحان. وربما يطلب من المعاهد أن يقوموا بعمل مشروع التخرج له أو كتابة التقارير بالنيابة عنه. وإذا ذهب إلى العمل فإنه سيقوم بأدني جهد في وظيفته وإن كانت وظيفته تتطلب جدية فإنه سيتأفف وسيترك وظيفته أو يرمي بمهامه إلى غيره من الموظفين. هذا فضلا عن اعتماده بشكل كبير على أبيه ووساطة أبيه في تخليص أموره في حياته العامة ! وإذا أخذنا مثال شمسة مثلا فهي تربت على أن تعتمد على الخادمة في كل شيء حتى أنها تقوم بترتيب سريرها لها. وعلى أمها وأبيها في تحقيق كل ما تطلب وتتمنى.وفي الاعتماد على المدرس الخصوصي ربما آخر العام. وعلى أخيها على القيام لها بكل مهامها. وعلى المجتمع ككل في أن يعاملها في مرتبة أعلى من الانسان فتخلص لها المعاملات والأمور بسرعة وعلى أن تتجاوز كل الطوابير والروتين وفوق ذلك تحصل على ابتسامة من المجتمع وإذا عملت فلا تريد من أي أحد أن يقول لها اعملي كذا أو كذا وتتأخر على دوامها وتغيب كما تشاء وفوق ذلك تطالب بترقية آخر العام ! وإذا تزوجت فهي تكره الزوج من نوعية سي السيد و بينما تقول بحقوق المرأة الآدمية لكنها تريد زوجها أن يحقق لها كل ما تريد وأن يكون لها مصرفا و”دريوليا” وكل شيء وهي لا تقوم بأية شيء بل الأعمال متوزعة على الزوج و الخادمة !