وعاد الجبان الى الجحر الذي بدأ منه
جهاد الخازن الحياة
2003/12/16

بدأ في جحر وانتهى في جحر.

الا انه لم ينته قبل ان يترك وراءه مليون ضحية, ويدمر بلاده والمنطقة أو يكاد.

في متحف الثورة كان هناك حائط يحمل تاريخ "نضال" صدام حسين.

بدأ قاتلاً بسكين وتدرج الى مسدس, ثم رشيش ومدفع وهكذا.

وعندما سمعنا به للمرة الاولى بعد محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم سنة 1959 علمنا انه اختبأ بعد المحاولة الفاشلة في "وكر", وهو الاسم الحزبي لما يعرفه الناس الآخرون باسم "بيت آمن".

وانتهى صدام حسين, كما بدأ, في وكر عقرب, او ثعلب, ومعه رشاشان ومسدس ودولارات اميركية وجرذان وفئران.

لو لم يقم الاحتلال بغير هذا الانجاز لبقي انجازاً كافياً, غير اننا نرجو وقد سقط صدام سقطة نهائية ان ينتهي الاحتلال معه, وان يعود العراق بلداً ديموقراطياً لكل اهله وللعرب والعالم.

كنا نعرف ان صدام حسين جبار جاهل, وزدنا في نهاية الحرب وقد فر واختفى انه جبان ايضاً.

واليوم اكتشفنا انه جبان مرتين, فقد استسلم من دون قتال او خجل.

عارضت الحرب خوفاً على استقلال العراق, ولا زال اعارضها, غير انها معارضة لا تمنع ان اعترف, وقد فعلت غير مرة في هذه الزاوية من قبل, بأن اسقاط نظام حسين ما كان ممكناً من دون تدخل عسكري اميركي.

كان كارثة...

كارثة من حجم توراتي, مثل الطاعون او الفيضان.

كاد وجوده ان ينسينا العراق الاصيل والاصلي, لولا ان وجه الصديق عدنان الباجه جي اطل ليعلن القبض على جبان بغداد, وليذكرنا بما نسينا من عراق الامس.

مع السقوط الاخير تتزاحم الافكار والعبر والدروس (لا ذكريات كثيرة عندي, فعمري في الصحافة من عمر صدام حسين في الحكم, لذلك لم ازر بغداد في حياتي).

وأكتفي بفكرتين,

الأولى, ان يمنع النظام العربي قيام صدام حسين آخر.

اذا وجد النظام العربي طريقة تمنع تكرار الكارثة في العراق او غيره, فهو سيعوض عن فشله على كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي.

الثانية, ان يعاقب مع صدام حسين كل من ساعده ومشى في ركابه وشجعه على المضي في طريق الجريمة الشخصية والوطنية.

اتلفت وثائق كثيرة خلال الحرب, وفي الفوضى بعدها, غير ان وثائق كثيرة اخرى باقية, وهي في ايدي قوات التحالف والحكم الجديد, ولا بد من ان ثمة معلومات كافية عن الجلادين الذين قتلوا الاسرى الايرانيين والكويتيين, وأبناء العراق, شيعة وأكراداً وغيرهم, فصدام لم يقتلهم بيديه.

ولا بد من ان هناك وثائق عمن تلقى من صدام حسين نقداً او سيارة, ليزمر له ويطبل ويهلل.

الشريك في الجريمة, او المحرض عليها, كفاعلها, وصدام حسين ما كان جثم على صدر العراق والأمة ثلاثة عقود لو لم تجد نفسه المريضة نفوساً ضعيفة تنفذ اغراضه, والقائد يُعرف بأتباعه.

من هذه النفوس الضعيفة قام الذي سلمه الى اعدائه, ليشرب من الكأس التي سقى منها. اما الشعب العراقي الصامد فلم يكن يوماً جزءاً من نظام صدام.

المهم الآن مستقبل العراق والمنطقة, وهو مستقبل لا مكان فيه لقوات الاحتلال (مستقبل المنطقة لا مكان فيه لآرييل شارون, فاذا تبع مجرم الحرب هذا مجرم الحرب ذاك تكون المنطقة قد وضعت على طريق السلام).

مرة اخرى, انجزت قوات الاحتلال مهمة عظيمة ما كان ليقدر عليها غيرها, الا ان الانجاز العظيم لا يلغي ان الحرب شنت لأسباب كاذبة, وكل يوم يمضي تزداد الادلة على الكذب الذي استخدم في تبرير الحرب.

ما بني على كذب لا يمكن ان يقصد به خير, والذين خططوا لاسقاط صدام حسين اعداء العرب والمسلمين بقدر ما هم اعداء صدام.

يبقى الا يسقط الاستقلال مع صدام حسين, والا نخرج من مصيبة النظام البائد لندخل مصيبة اكبر.

هناك في مجلس الحكم عراقيون كبار, عرباً وأكراداً, شيعة وسنة ومسيحيين, وهناك عملاء ولصوص.

على العراقيين انفسهم ان يفصلوا القمح عن الزؤان.

هم وحدهم قادرون على انجاز المهمة, وعلى فتح ابواب الحرية والديموقراطية والرفاهية لشعوب المنطقة معهم.

اما ذلك الجبان الذي مضى, فملعون في الدنيا, ملعون في الآخرة.

كان جباراً على الضعفاء, خوّاراً امام الاقوياء, حاكماً من الدرجة الثانية لشعب من الدرجة الاولى.

عاد الى الجحر الذي بدأ منه. وعندما اخرج من جحره, لم يطلق رصاصة واحدة.

جبان في جحر مع جرذان وفئران, والبيت يدل على صاحبه.