كتب : أسامة فوزي

ليلة القبض على صدام


* تلقيت خبر اعتقال صدام حسين دون مقاومة وهو مختبيء في " بئر " احدى مزارع تكريت بعد خروجي من دار للسينما تعرض واحدا من اهم افلام هوليوود الاخيرة .... فيلم " الساموراي الاخير " .... الفيلم يروي حكاية زعيم قبيلة يابانية يدخل في صراع مسلح مع امبراطور اليابان وعندما يصاب في نهاية الفيلم بعدة رصاصات يحرص ان ينهض على قدمية في ساحة المعركة حتى ينهي حياته بنفسه من خلال الانتحار بالسيف حتى لا يقع اسيرا في ايدي خصومه ويلحق العار بشعبه .... وبعد ان ينتحر على مرأى من خصمه ينحني جيش الخصم احتراما وتقديرا له على شجاعته .

* اما صدام فقد وجدوه مختبئا قرب تكريت في بئر ولم يطلق رصاصة واحدة من مسدسه الذي لم يكن يتصور الا به والذي قتل به عدة وزراء وخصوم كانوا في سجونه ووقف صدام امام كاميرا الجندي الامريكي بأدب جم حتى يصوروه وهم ينقبون في شعره الكث عن القمل ... مذكرا العراقيين الذين صدموا بهذه النهاية بأن صلاح الدين الايوبي الجديد وبطل قادسية صدام لم يكن في حقيقته أكثر من جرذ لا يحسن النطاع او النزال ولا يتقن حتى الاختباء في الجحور وان كان استاذا في القتل الجماعي لابناء شعبه الوفي !!

* صدام حسين - على اي حال - ليس الفأر الوحيد بين الحكام العرب ... فكلهم من فصيلة الفئران ... ولكن تختلف تسمياتهم باختلاف احجامهم وان كنت اعتقد ان تجربة صدام ستزيد من خبراتهم في التخفي وحفر الخنادق والتنكر والاتصال بمحطة الجزيرة لبث تسجيلات عن عمليات بطولية للمقاومة لم يقوموا او يشاركوا بها .

* معمر القذافي مثلا والذي بدأ ثورته برفع شعار " طز في امريكا " سلم للامريكيين مؤخرا ثلاثة مليارات دولار من اموال الشعب الليبي كفدية حتى لا ينتهي الى مصير مشابه .... وخزن الاموال التي سرقها في بنوك واستثمارات اوروبية سجلها بأسماء اولاده وبناته ... لذا لن يجد معه الامريكيون حين يضبطوه في جحر - مثل صدام - سبعين الف دولار ولا اظنهم سيجدون معه في الحفرة نسخة واحدة من" الكتاب الاخضر" او رواية " الحقراء " المملة وان كنت اظن انهم سيعثرون في قصوره على ايصالات بالحوالات المالية المسروقة والمودعة في حساباته في اوروبا .

* شيوخ الخليج لن يحتاجوا في جحورهم الى اطالة لحاهم لانهم سيدخلونها اصلا بلحى طويلة وان كنت اعتقد ان القمل سيتكاثر فيها بعد الاسبوع الاول من الاقامة وليس بعد ثمانية اشهر كما هو الحال بالنسبة لصدام ... فهم والقمل " جيران " كما تقول فيروز ... وقد اصبح القمل من العلامات الفارقة في الفولكلور الخليجي عند الحكام .

* لقد صنع الاعلام العربي من الحكام العرب ملائكة وبعضهم جعلهم الهة ... لذا لم يشعر مدير تلفزيون دمشق بأي خجل وهو يعرض امرأة سورية وهي تبكي بعد الاعلان عن موت حافظ الاسد حيث كانت المرأة تصرخ بشكل هستيري " حافظ الاسد لا يمكن ان يموت ... حفظ ما مات ... " وهي لم تقل هذا على سبيل الاستعارة المكنية وانما قالته عن قناعة فالاسد وغيره من الحكام لعرب قدموا الى المواطن العربي كالهة وملائكة وابطال وبالتالي لا يمكن للمواطن العربي العادي البسيط الذي تعرض الى عمليات غسيل دماغ لعشرات السنوات ان يستوعب قصة اعتقال صدام حسين وان يفهم كيف يمكن لصدام ان يعتقل وان يظهر بالصورة التي ظهر عليها امام شاشات وعدسات التلفزيون وهو رب العراقيين منذ ثلاثين عاما او يزيد .

* لقد اسبغ الاعلام العربي على الحكام العرب الكثير من صفات الذات الالهية حتى اصبح التطاول عليهم محرما بقوانين تنص عليها الدساتير وتفصل فيها محاكم امن الدولة والمحاكم العسكرية والعرفية التي اختفت من قوانين ودساتير سائر الامم وظلت حية ترزق في بلادنا .

* صورة الجندي الامريكي وهو يفتش عن القمل في رأس بطل قادسية صدام وحارس البوابة الشرقية اختصرت ليس حالة القادة العرب فقط وانما ايضا حالة الشعوب العربية بأسرها والتي ارتضت ولا تزال ترضى بحكم بأن تحكم من قبل جبناء وفاسدون ولصوص ومنحلون وجهلة وشيوخ لا اشتري انظفهم بدرهمين .

* وفي ظل هذه المناخات المرضية التي يعيش فيها العرب تنمو الاشاعات مثل الطحالب في محاولة لتبرير الهزائم العسكرية والفضائح الجنسية والكوارث على اختلاف اشكالها..... واخرها فضيحة استسلام صدام دون قتال وبحوزته مليون دولار الا ربع كان يحتفظ بها في بئر عاش فيه طوال الاشهر الثمانية التي مرت مكتفيا بالنضال عبر اشرطة الكاسيت الي كان يهربها الى الفضائيات العربية منتحلا اعمالا فدائية لا علاقة له بها وسارقا تضحيات الاخرين .

* الاشاعات كثيرة ... لعل اطرفها ما ذكرته ابنته رغد من ان ابيها كان اسيرا منذ مدة الى اخر الحكاية التي تتوسع في ذكرها جرائد محسوبة على اجهزة مخابرات عربية واسرائيلية .... اما انا فأميل الى تصديق الرواية كما اوردتها وكالات الانباء .... فكبار ضباط جهاز المخابرات العراقي- بما فيهم رئيس الجهاز نفسه - بدأوا يعملون مع القوات الامريكية في العراق وهؤلاء كانوا يعرفون بأمر المزارع والبيوت التي اعدها صدام للاختباء بها والغارات الاخيرة على مزارع تكريت ومحاصرة المدينة وتفتيشها بيتا بيتا كانت تعتمد على هذه الاخباريات التي توصلت الى البئر الذي كان يختبيء فيه صدام ..... اما سبب ظهور صدام حسين بالشكل المزري الذي ظهر به من شعر كث ولحية غير مهذبة فسببها معروف .... فالرؤساء العرب كلهم لم يمارسوا العادات اليومية التي يمارسها المواطن العربي العادي قبل الذهاب الى وظائفهم كل صباح .... من حلاقة شعره ولحيته بنفسه الى كي ملابسه وتهذيب شاربه .... هؤلاء الحكام في قصورهم حلاقون ومساجون واطباء خاصون ومومسات .... وهم لم يمارسوا بأنفسهم النظافة الشخصية لانهم ببساطة لا يعرفون اصولها .... وانا على ثقة بأن صدام حسين لا يحسن استخدام شفرات الحلاقة لانه لم يستعملها من قبل بنفسه ولم يتدرب عليها ... وهو قطعا لا يحسن تمشيط شعره لانه لم يمارس هذه المهام الجسام من قبل ولماذا يمارسها وفي قصوره الاربعين الاف الاشخاص لا عمل لهم الا الاهتمام به وبأولاده وبناته ... بدءا بحلاقة ذقونهم وانتهاء بتأمين المومسات لهم .... واظن ان اشرطة الفديو الاخيرة التي تصور جانبا من السهرات الحمراء لعلي حسن المجيد مجرد عينة فقط لما هو اهم واكبر ... ولا داعي لان اشير الى محمد سعيد الصحاف الذي ظهر بشعره الابيض على شاشة تلفزيون ابو ظبي لانه ببساطة لم يكن من قبل يصبغ شعره بنفسه ....

* نعم ... لقد القت القوات الامريكية القبض على صدام وهو يختبيء مثل الجرذ في بئر لسبب بسيط وهو انه من فصيلة الحكام العرب الذين لا يستأسدون الا على شعوبهم .... فأين العجب في ذلك .... ولماذا تصر بعض الصحف العربية المشبوهة على نشر واختلاق القصص عن بطولات صدام المزعومة بعد الاعتقال وعن حوارات دارت بينه وبين الجنود الذين اعتقلوه وعن تعرضه للقصف بالغازات .... او التخدير .... الى اخر هذه الحكايات التي تحاول ان تضحك على ذقن المواطن العربي الذي فجع - مثلي - وهو يرى حارس البوبة الشرقية يختبيء في بئر مع الجرذان وبلاده محتله !!