في يوم أربعينك يا جيهان
(إلى الشهيد جيهان نوري الياس الدبلوماسي بوزارة الخارجية الذي استشهد يوم الأربعاء الدامي)
منذ استشهادك وأنا عاجز عن الكتابة عنك .. وهذه هي المرة الأولى في حياتي التي تستعصي الكتابة فيها عليّ .. ولكن وفي ليلة أربعينك سالت الدموع والكلمات معاً .. ولو عرفك الآخرون كما عرفتك لعذروني .. بل ولكان يوم استشهادك مأتماً وطنياً .. فأنت الإنسان الإنسان .. والعراقي العراقي .. والرجل الرجل ..
فرغم اعتزازك بدينك الإيزيدي .. كنت تحب كل الأديان .. وتحترم كل المذاهب .. وتساعد كل الناس .. دون أن تنظر إلى أديانهم أو أصولهم .. وتتسامح مع الحمقى الذين يتغامزون على دينك .. وهذا شأن النفوس الكبيرة والطيبة والعظيمة ..
لقد كنت مع الجميع كأحدهم .. بحب وطيبة .. وليس نفاقاً وتزلفاً .. فأنت لا تنفك تؤكد حبك لدينك ولأهلك الإيزيدية وإخلاصك لهم .. وفي الوقت نفسه كنت في عاشوراء تذهب إلى الحسينية المجاورة لبيتك ببغداد .. وتتبرع لموكبها سنوياً بكيسين من الرز والسكر وصفيحة من الدهن .. وسميت ابنك (أمير) تيمناً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب .. فثمة علاقة روحية تربطك به .. من يوم ذهبت أمك لزيارته وكانت حاملة بك .. وطلبتك منه .. وأذكر أنك في زيارة الأربعين السابقة، قلت لي لماذا لا نذهب مشياً إلى كربلاء ؟
فكم الفرق بينك وبين القتلة الذين اغتالوك واغتالوا زملائك الآخرين في انفجاري الخارجية والمالية .. أولئك الذين يكرهون الناس كل الناس .. ويقتلون الآخرين تلذذاً بالقتل .. وكرهاً للإنسانية .. وحباً للموت بمعانيه الفظيعة لا بمعانيه السامية ..
يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: (الحروب الوطنية تبرز أفضل ما عند الإنسان من فضائل، والحروب الأهلية تبرز أسوأ ما عند الإنسان من رذائل)، فالذين يريدون أن يشعلوا الحرب الأهلية في العراق، ويوقدوا الفتن .. هم الرذيلة بعينها .. ومعهم ومنهم الذين يساندونهم بالكلمات والبيانات .. والأموال والأعمال .. محاولين إكمال مهمة الانتحاريين اللذين فجرا وزارتي الخارجية والمالية، بالتشويش وخلط الأوراق وتوجيه الأنظار صوب جهات داخلية متعددة ..
آه يا جيهان ..
كنت مهموماً كيف ستنتقل إلى الدانمارك؟ وكيف سنفارقك؟ ولم أكن أعلم أننا سنفارقك بعد أيام فراقاً أبدياً .. وأننا لن نسمع بعد اليوم تلك الضحكة الرائعة .. ولن نرى تلك الإطلالة البهية ..
إن بغداد بعدك موحشة .. مظلمة .. تلفني فيها الكآبة والأحزان .. وليس عندي فيها سوى خيالك وكلماتك وضحكاتك .. أما أعز الأماني فهي أن أزور قبرك في بعشيقة في يوم قريب ..
جعفر الحسيني
رد مع اقتباس
