الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود .. خدمات جيدة وحجب غريب عن المعلومات

(2009-12-20م)

تحقيق - توفيق التميمي
ذات صباح وجدت نفسي واقفاً في طابور الانتظار لاقطع تذاكر السفر على متن الباصات الزرقاء( للشركة العامة لنقل المسافرين والوفود)، معتزما السفر الى احدى المحافظات الجنوبية، فكانت فرصة ذهبية لادوّن انطباعاتي (الايجابية) عن مدى التطابق بين ما سمعته من السمعة الحسنة التي نالتها هذه الشركة عبر ما تقدمه من خدمات ملموسة للمسافرين على متن باصاتها الزرقاء الجديدة ،وبين ما شهدته بنفسي خلال هذه الرحلة، تلك السمعة التي يتناقلها شهود عيان من الذين يفضلون السفر عادة في باصاتها الزرقاء في كراجي النهضة في الرصافة وكراج علاوي الحلة في الكرخ
تلمست ذلك بنفسي في باصاتها الزرقاء المكيفة والمريحة والرخيصة الاثمان مقارنة بالاسعار الجهنمية لسيارات النقل الخاص، ولكي اعطي انطباعا للقارئ بان الصحافة ليس من مهامها رصد الاخطاء ،والتربص بالهفوات وتضخيمها فقط، بل ان واحدة من ابرز مهامها المهنية التقاط الصور الايجابية في مجتمعنا وداخل مؤسساتنا الخدمية ، كي تكون هناك صورتان متجاورتان تعرضهما الصحافة الموضوعية ... صورة يملؤها البياض وتفوح بعطر الاخلاص للوطن ، واخرى قاتمة مثيرة للغضب تفوح منها روائح الفساد النتنة، والتقصير المعيب والمخدش لكرامة العاملين في مؤسسات الدولة.
كان ذلك في نيتي قبل الشروع باكمال المادة الصحفية ،ولكن كان لابد من الاستدراك وكتابة مقدمة اخرى تغاير انطباعي الايجابي عن هذه الشركة الذي عزمت عليه اول الامر ، عندما بدات معاناتي برحلة تجميع المعلومات والارقام لاحقق استكمال عناصر التحقيق الصحفي لفائدة القارئ والشركة معا ،ففوجئت بحجب غريب عن المعلومات وبذرائع واهية ومبررات روتينية ،جعلتني اتردد كثيرا في الكتابة الايجابية والبيضاء التي تلمستها في يوم مع الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود.
لوكان مراسل الديلي تلغراف في الشركة كادت المعلومات التي كشفها صحفي غير مشهور في صحيفة الدلي تلغراف اللندنية ، تطيح بالبرلمان البريطاني واحدثت ضجة كبرى مازالت اصداؤاها تتردد في الاوساط السياسية والاعلامية عندما كشف بالارقام عن تبديد رواتب البرلمانيين وصرفها بشكل لامشروع ، اصبحت قصة هذا الصحفي تكاد لاتغيب عن خاطري للمقارنة بين حاله وحالي وانا اتوجه لاية مؤسسة حكومية او لمقابلة شخصية في الدولة ليتكرم لي ببعض من المعلومات والارقام التي تغني موضوعاتي الصحفية وتشبع نهم القارئ المتعطش لها وتضع حدا للاقاويل والشائعات.


حجب قطعي للمعلومات

هذا ما حصل معي في المقر الرئيس للشركة العامة لنقل المسافرين والوفود في الوزيرية حينما حاولت استكمال تدوين انطباعاتي الاولية عنها . كنت اتصور عندما افصح عن نيتي في الكتابة بالاشادة بخدمات الشركة التي تقدمها ، ستفتح الشركة ومكتبها الاعلامي ابوابهما وساضطر للخجل من عبارات المجاملة والشكر والامتنان التي ستقدم لي.ولكن ما تلقيته عند ابوابها كان اقرب للصد مة، حينما امتنع الموظف الوحيد الموجود في مكتب الاعلام من الاجابة عن اسئلتي بسبب(كما قال لي ) انه غير مخول بالحديث الا بموافقة المدير العام للشركة وهذا المدير غالبا ما يكون مسافرا خارج العراق.ويزداد العجب والاستغراب اذا علم القارئ بان المعلومات التي اردتها لم تتجاوز اعداد الاسطول الحقيقية للباصات العاملة حاليا في الشركة ؟،وهل تكفي لحاجة البلد ؟ وماهو الفارق النوعي والكمي في عمل الشركة بين ايام النظام السابق وهذه الايام ؟ وما نوعية الخدمات التي تقدمها الشركة للوفود الداخلية والخارجية؟وكلها معلومات بسيطة يمكن العثور عليها لربما في مواقع الانترنيت .هذا في حالة افتراض ان ثمة موقعاً الكترونياً خاصاً بالشركة كما تفعل الشركات الكبرى في العالم وخاصة ذات الصلة بالخدمات المباشرة للمواطنين.


ممنوع الكلام والتصوير

لما اصرّ الموظف في المكتب الاعلامي على عدم الادلاء باي نوع من المعلومات او الارقام دون حصول ترخيص من السيد المدير العام ،بل حتى رفض طلبنا بتصوير الباصات داخل كراجات المنشأة اصبت بخيبة وفكر ت مع نفسي ماذا لوطلبت من هذا الموظف تزويدي بمعلومات عن العقود التي وقعتها الشركة؟ او الكشف عن تقارير صلاحية باصاتهم ؟ أومعلومات عن حجم الفساد المالي والاداري المحال ملفاتهما الى دوائر النزاهة ؟ بالتاكيد سيحدث مالايحمد عقباه؟
هذه المقدمة التي يمكن ان تنطبق على كافة المؤوسسات الحكومية او المسؤولين في الدولة من الذين ورثوا تقاليد الدولة القمعية السابقة ومازالو يتشرفون بتطبيق اعرافها الادارية وروتينها المشين ليس في اعاقة عمل الاعلامي فحسب بل حتى في مسؤولياتها الاساس بتقديم خدماتهم للمواطن العراقي الذي عانى طويلا ومازال،ولكن التزاما بالامانة الصحفية علي ان ادون انطباعاتي ومشاهداتي بموضوعية وامانة مهنية كما شهدتها بنفسي ذلك الصباح.


بقعة من الضوء في كراج النهضة

لاتتوقع في زمن تكثر فيه صيحات الحق ضد خراب المؤسسات وفساد العاملين بها ان نعثر على بقعة من الضوء تتالق وسط هذا الخراب، وحتى لو التقطت هذ البقعة لتسلط عليها ضوءا فانها تبدو كنغمة نشاز وسط ايقاع الاحتجاج ولغط النقمة التي تسود بين الناس في احاديثهم عما يجري من نقص فاضح بالخدمات وعن سوء معاملة واجرءات روتينية لمعاملاتهم وامتصاص مخجل لاموالهم في مسارات الرشوة وشراء الذمم من اجل انجاز معاملة لايستحق ان يذل من اجلها المواطن العراقي بالوقوف على طوابيرها او يقابله وجوم الموظف وعبوس وجهه ،هذا المواطن الذي قدم التضحيات الكبيرة والذي حرم من مستحقاته طيلة عقود ومازال.


رخيصة ومكيفة

السمعة الجيدة والانطباعات الايجابية لكثير من المسافرين على الشركة دعتني ان اختار باصاتها الزرقاء دون بقية وسائل النقل الاخرى في رحلتي الى ميسان، وتتلخص هذه الانطباعات بدقة مواعيدها ورخص اثمان بطاقاتها واجواء الراحة التي تحرص الشركة على ان توفرها للمسافر طيلة ساعات الرحلة المنتظمة وخاصة في مجال توفير الاجواء المكيفة الباردة في اجواء الصيف العراقي الساخن ،والتي تعتبر احدى الامتيازات الاضافية للنقل الاهلي التي يطالب سواقها بأجور اضافية على المسافر،وفعلا اثناء اليوم الذي قضيته في الشركة العامة لنقل المسافرين كانت هذه الانطباعات حقيقية ولمستها مباشرة.وكانت اولى مشاهداتي بدات بملاحظة الانسيابية في قطع التذاكر والطوابير المنتظمة الموزعة حسب جهات السفر المختلفة لمحافظات العراق الجنوبية والوسطى وكركوك المشمول بها كراج النهضة في الرصافة والذي بدات مشواري الصباحي به.
اثار انتباهي قلة المسافرين الواقفين في طابور قطع التذاكر، بشكل اعاد لذاكرتي الزحامات التي كانت تشهدها الشركة ابان فترة باصاتها الحمراء في حقبة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ايام الحكم السابق ، اذ كانت الزحامات لاتطاق مما يضطر بعض المسافرين الى اللجوء الى الواسطات ودفع مبالغ الرشوة للحصول على تذاكر السفر.
وعن سبب قلة الازدحامات والمسافرين هذه الايام يجيبنا (السائق هاشم راضي) وهو احد العاميلن السواق على خطوط الشركة منذ عشرين عاما:
((الزحامات حاليا تقتصرعلى ايام المناسبات والاعياد والعطل اما في الايام الاعتيادية فهي لاتشهد اي ازدحام ،وذلك لان الازدحامات السابقة ايام النظام السابق كانت تحصل بسبب انخراط شرائح المجتمع العراقي بوحدات الجيش العراقي الموزعة على محافظات العراق الجنوبية والشمالية، اما الان فاصبح الجيش وذكريات النهضة جزءاً من ذاكرة احياء الحروب والناجين منها ،كما ان طلبة الجامعات كانوا يشكلون القسم الاكبر من زبائن الشركة لرخص اسعارها ،عندما لم تكن هناك في العراق الا ثلاث جامعات رئيسية فقط في البصرة والموصل وبغداد ،اما الان اصبح لكل مدينة عراقية جامعة خاصة بها)).ويضيف ((يقتصر اسباب السفر حاليا لقضاء اجراء معاملات رسمية او قضاء واجب اجتماعي كالعزاء او حضور حفلة عرس وفي احيان قليلة بقصد السياحة والترفيه)).


سياحة جنوبية

لربما عندما تنهض المدن الجنوبية وخاصة البصرة الفيحاء بمسالة السياحة وتحسين خدماتها، ستنشط حركة السياحة بأتجاه هذه المدن وستكون حافلات الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود محطة تؤشرعلى هذا التحول، في ازدياد عدد السيّاح العراقيين الى مدنهم الجنوبية التي تمتلك امكانات كبيرة في مجال السياحة كالاهوارالساحرة وكورنيش البصرة وغابات اثلها واسواقها والمناطق الاثارية.
في نهاية الرحلة ،أعرب المواطنو ن المسافرون عن ارتياحهم للخدمات التي تقدمها الشركة للمسافرين وتمنوا ان تتواصل بهذه الخدمات دونما انقطاع لتكون منافسا حقيقيا لسيارات النقل الاهلي التي تتقاضى اجورا مضاعفة وباقل من الخدمات التي تقدمها الشركة.


هموم المسافرين

ثمة مشاكل يعاني منها المسافرون ،وتكاد لاتذكر قياسا الى الحسنات والخدمات الممتازة التي تقدمها الشركة ،منها قضية المطاعم الخارجية المحددة بالاتفاق بين السائق وصاحب المطعم حيث ان بعض من هذه المطاعم لاتتوفر فيها الخدمات الجيدة بالاضافة الى غلاء اسعارها السياحية التي دعت الكثير من المواطنين الى التذمر والشكوى، لان وجبة بسيطة من التمن والمرق تكلف اكثر من خمسة الاف دينار، هذا ما تحدث به لنا الشيخ حسين احد الركاب ،ومن الحالات الجيدة التي اعرب كثير من المسافرين ارتياحهم اليها هو المنع الصارم للتدخين داخل الباصات حرصا على صحة الركاب وتفاديا لازعاجات التدخين.
ومما يشكو منه المواطنون المسافرون على متن هذه الباصات ايضا كثرة سيطرات التفتيش وتقاربها والتي تصل احيانا الى بضعة امتار بين سيطرة واخرى بما يذكرالركاب بايام الرعب الصدامية وفوبيا السيطرات السابقة، حيث تقوم مفارز هذه السيطرات بانزال الركاب الرجال بدون استثناء وتعرضهم للتفتيش بشكل مهين وغير انساني وتتكرر هذه التفتيشات في كل سيطرة تقع مدخل المحافظة او مخرجها ،ويكاد يجمع الركاب ان اجراءات التفتيش والياته لاتوحي بتعزيز الشعور بالامن والحرص بقدر ما تعطي انطباعا مهينا في منظر الطوابير الطويلة للركاب وهم يتقدمون نحو المكلف بالتفتيش دون ان يدقق في هوية او يفتش في حقيبة غريبة.


الوفود

كنت اتمنى ان اعرف شيئا عن مهام الشركة للوفود الداخلية والخارجية وحجم هذه الوفود والتي يمكن من خلالها للشركة ان ترتقي باساليبها السياحية وتقديم صورة مشرفة عن بلادنا ولكن الاعتذار القطعي عن الادلاء باي تصريح الذي واجهته في مقر الشركة حال دون حصولي عن المعلومات عن مهمتها مع الوفود و انتهى يومي في الشركة عند حدود:
الانطباعات الرائعة التي سجلتها ورصد مشاعر الارتياح للمواطنين المسافرين وكذلك رصد بعض المشاكل البسيطة والتي لاتقارن مع الصورة الطيبة للشركة ،وبينهما كان لابد من كتابة شهادة حقيقية عن معاناتنا المزمنة ليس مع شركة نقل المسافرين والوفود وحدها في الحصول على المعلومة ،بل مع جميع المؤوسسات الحكومية التي تعرقل حصولنا على الوقائع والارقام التي نحتاجها لكشفها للقارئ وفقا لحقوقه المشروعة في ((ان يعرف)).

جريدة صوت العراق
http://www.iraqv.net/index.php?act=artc&id=4069