رؤى ثقافية
(رؤى ثقافية) مجلة يصدرها مركز ابن إدريس للتنمية الفقهية والثقافية، هدفها تقديم العون للقارئين والمتعلّمين على سبيل نجاة، بغية خلقٍ حراك يكون الخطوة الأولى من مسيرة الألف ميل. ولذلك ارتأت (رؤى ثقافية) أن تضع بين يدي القرّاء ما هو جديد وحديث، وما هو جدير بالقراءة والمتابعة، مما يصدر عن دور نشرنا، ودور النشر عند غيرنا أحياناً، لتتواصل هذه الأقلام وتتعانق، في سبيل التنوير وإشاعة التفكير، لنقف من ثَمّ على ما هو الأفضل والأحسن والأكثر جدارة..
ولتحقيق هذا الهدف يسعى العدد التجريبي من إصدار (رؤى ثقافية) لتقديم مراجعات نقدية لأهم الكتب والإصدارات العربية والأجنبية، كتبها عدد من الكتّاب والباحثين، على اختلاف انتماءاتهم الثقافية والمكانية، ولذلك جاءت حرَّة إلى حدّ ما، دون أن تفرض سقفاً محدداً .
فكتب قاسم شعيب )من تونس( مراجعة لكتاب هشام جعيط - أحد المفكرين العرب - )تاريخية الدعوة المحمدية في مكة(، إذ حاول جعيط كما يدّعيأن يدرس السيرة النبوية بما هي فعالية بشرية تماماً، بعيداً عن المعتقد الديني الإسلامي، وهو منهج ينتمي إلى المدرسة الوضعية، التي تقف على النقيض من الرؤية الدينية. وهو عندئذٍ يحدّد منهجه سلفاً، بل ويحدد نتائج بحثه أيضاً، ويستبعد الصفة الدينية لهذه السيرة وصاحبها. وقد لاحظ قاسم شعيب أن جعيط يقع في مصادرٍة غير علمية تعلن عن نتائج البحث قبل الشروع فيه، لتصبح المادة التاريخية موضوع تعسفٍ وتأويل من خلال الإهمال والتضخيم والتوجيه والتأويل، دون أن تكون هناك قرائن تساعد على ذلك. ويحسن أن لا نستبق هذه القراءة ولا نستعجل الحكم، فليتابع القارئ مع موضوع النقد والمراجعة النقدية، ليقف بنفسه على هذا التقييم.
وفي دراسةٍ نقدية أخرى، كتب عباس النابلسي )من لبنان( عن إصدار آخر، لمفكرٍ من اليابان هو توشيهيكو إيزوتسو في كتابه )الله والإنسان في القرآن(، كرَّس مؤلَّفه عن القرآن الكريم، كونه مجالاً حيوياً تسبح فيه الكلمات لتشكّل نظاماً خاصاً يختزن في داخله فلسفة شاملة للحياة والوجود ورؤية جديدة للعالم.
وفي هذه الدراسة يتم الاعتماد على علم الدلالة الحديث، لمعرفة هذا العالم الذي يتمثل بطرفين اثنين: الله، والبشر، وطبيعة وكيفية العلاقة بينهما واستكشافها من خلال علم الدلالة الكفيل بهذه المهمة، وبذلك تتجاوز اللغة وظيفة التواصل إلى وظيفة التفكير وكونها بحدّ ذاتها فلسفة، وعندئذٍ تصبح فلسفة القرآن ورسالته مركوزة في ألفاظه.
ودراسة من هذا القبيل، تستأهل تفكيراً جاداً وتأمّلاً متواصلاً لمعرفة ما إذا كانت صحيحة بالمطلق، أو ثمة سياقات أخرى لا يمكن الاستغناء عنها في معرفة هذه الفلسفة بعيداً عن علم الدلالة هذا.
ويقدّم في دراسة ثالثة محمد المشهدي )من باكستان(، مراجعة نقدية مطوّلة لأحد أهم مفكري المغرب العربي، الدكتور محمد عابد الجابري، في مؤلّفه الجديد القديم (مدخل إلى القرآن الكريم)، لمعرفة ماذا اكتشف الجابري في هذه الدراسة، وماذا أضاف على إسهامات القدماء، وماذا عسانا ننتظر منه، في دراسة من هذا النوع!! فهل يمكن الإذعان لنظرية التوقف عن الإبداع في هذا المجال، وفي مثل هذه الدراسات؟! أم أن
هناك أكثر من فرصة لقراءات جديدة تتواصل مع قراءات الماضين، وإسهامات تغني أكثر مما أفادنا به الماضون. وذلك في دراسةٍ موسوعية لا يمكن اختزال نتائجها. ولذلك يجدر بالقارئ الصبر لمتابعة المراجعة النقدية التي بين يديهعلى أقل تقديرللوقوف على تكثيفٍ للمادة التي اشتمل عليها، فضلاً عن الملاحظات التي نوّه بها وإليها كاتب المراجعة النقدية.
ويتضمن العدد دراساتٍ ومراجعات مهمة ويتضمن العدد دراساتٍ ومراجعات مهمة أخرى، منها ما كتبه تمّام زمام )من سورية(، حول دراسة للباحث هشام عليوان حول (الشيخ تقي الدين النبهاني)، تلك الشخصية
الإسلامية التي تركت بصماتها بوضوح ولا تزال في جيلٍ من الإسلاميين والحركيين والعاملين في الوسط الدعوي، فما له وما عليه؟ هذا ما يتعرف عليه القارئ في كتاب هشام عليوان. ولكن هل وفق الباحث في تقديم صورٍة واقعية للشيخ النبهاني، أو إنه رسم صورة عاطفية أو مثالية، أو إنه كان أقرب إلى التأثر بموضوع الدراسة من دراسته وتقديم رؤية نقدية بشأنه؟! تساؤلات ربما يجد القارئ بعضاً منها في هذه المراجعة
النقدية، عسى أن تكون هي الأخرى متحرّرة من المواقف المسبّقة.
وفي موضوع آخر، وبالتحديد في دراسة ظاهرة العنف وعلاقتها بالهوية، يكتب علاء السعيدي )من العراق( دراسة نقدية لما كتبه الباحث والمفكر الهندي )أمارتيا صن(، وهي دراسة مهمة تناولت في البحث العنف الذي يرجع إلى الهوية وكونها سبباً مهماً من أسباب العنف. وهو ما يدعو إلى التأمل ودراسة الظروف التي تساعد على تضخم هذا السبب، وربما كونه السبب الرئيس في أسباب هذه الظاهرة، كما درس المفكر الهندي مصادر أخرى للعنف هذا، ومدى تأثيرها في تعميق هذه الظاهرة.
ومن مصر يكتب في هذا العدد أحمد حسين الشيمي مراجعة نقدية للدكتور أشرف منصور في كتابه )الليبرالية الجديدةجذورها الفكرية وأبعادها الاقتصادية(، وهي دراسة تتصل بالاقتصاد كما تتصل بالسياسة، فضلاً عن تأثيراتها الواسعة وإشعاعاتها التي تمتد إلى جوانب مختلفة من الحياة. فهل لا زالت الليبرالية قائمة فتية أم شاخت وهرمت؟! وإذا صحّ ذلك فهل من بديل؟! أم ننتظر ولادة البديل الجديد الموعود؟ وما هو دورنا فيه؟ أسئلة تحتاج إلى تفكير، بل إلى مشروع عمل.
هذا بالإضافة إلى عدد آخر من المراجعات المهمة والأخبار الثقافية..
آمل أن ينال هذا العرض إعجابكم
أخوكم حيدر الياسري