البعث بين التطبيل والتضليل
احمد سعيد / أستراليا

كم هو غريب ما يدور في الساحة السياسية العراقية هذه الايام من جدل وصراع أيدلوجي سياسي حول مسمى البعث وضوابط إشراكه او عدم إشراكه في العملية السياسية في العراق الجديد ، فمن منا كان يتوقع بعد سقوط الصنم وزوال الدكتاتورية الصدامية وبعثها الحاكم في عام 2003 ، ان تخرج جرذانه من جحورها وحفرها لتطل علينا من جديد بصلفها ودمويتها ووحشيتها لتبتكر أبشع أساليب الترويع والقتل الجماعي والابادات اللانسانية عن طريق التفجير بالسيارات المفخخة والعبوات المزروعة في الحارات والاسواق والمدارس والجامعات وعلى الارصفة وفي سيارات الكسبة وبين جموع الناس ظناً منها انها قادرة على لَي عنق العراق او التمكن منه مرةً أخرى ، ولنرى العديد من الاحزاب والحركات والطوائف وعلى مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية في العراق وكذلك في محيط دول الجوار يجد هذا الصراع منبعاً خصبا ومادة دسمة لترويج الافكار وتسخيرها لما يخدم مصالح تلك الحركات وألاحزاب والطوائف داخل العراق وخارجه ، ساعيين بخطى حثيثة لتحقيق المكاسب ولفت الانظار مع قرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية العراقية في اذار مارس المقبل ، وليس هنالك من شك ان لدول الجوار مصالح قد تتقاطع او تتلاقي بشكل او اخر مع او ضد مسمى البعث .
الا ان المشكلة الحقيقة للجدلية الفكرية لمسمى البعث تبقى على اوج سعيرها في داخل العراق . فليس هنالك من شك ان لتواجود أعضاء ومنتسبي البعث المدنيين والعسكرين في بعض دول الجوار له الاثر الواضح في تحريك عقارب هذا الجدل في الداخل بما يناسب توجهات تلك الدول وطموحاتها بالاضافة لما تدره هذه التوجهات للدول الحاضنه لاعضاء سابقيين وحاليين لحزب البعث من مكاسب وأمتيازات سياسية في عراق الحقبة القادمة فيما لو استطاع البعثيون الوصول للبرلمان العراقي وأيجاد موطيء قدم فعال لهم في صلب السلطة التشريعة للبلد.
ولذا رأينا أن البعض من الاحزاب السياسية العراقية الحاكمة في السلطة في الدورة الحالية لم تكن بمنأى او في غفلة عن خطورة التسلل الخفي لخلايا البعث الى جسد العملية السياسية في العراق . فحاولت وكمصوغ قانوني ان تتدارك هذا التسرب الخفي والبطيء كما بدى لاول وهلة ، فأقرت الحكومة بجزء من فصائلها وكتدبير احترازي لمنع ذلك التسلل قانون يسمى بقانون أجتثات البعث ، وفي مرحلة كان البعثيون يشعرون بالارباك والضعف وليس للحراك السياسي البعثي حينها من طائل لان الامور كانت تسير بعكس ما تشتهي سفنهم .
الا أن الاخطاء السياسية التي ارتكبتها السلطة التنفيدية بعد فوزها في الانتخابات السابقة وخاصة ما يتعلق بموضوع المحاصصة الطائفية ، ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لهذا التسرب البعثي ، مما مكن الكثيريين من الخوض في مواضيع تتعلق بأدماج البعثيين في المجتمع العراقي من جديد كمواطنين عاديين لهم من الحقوق ما للمواطن الذي لاقى من ويلات حكمهم الامريين ، ومن ثم تعالت الاصوات لادماجهم في العملية السياسية بعد الغاء لجنة اجتثاث البعث و تسمية لجنة اخرى هي لجنة المسآلة و العدالة ،والغريب في الامر ان تصل الامور الى مفترق يُمكن البعض كظافر العاني لينعت معارضي حكم البعث وصدام بالخونة ويعتبر ان وجود كل هذا الكم الهائل من المقابر الجماعية في العراق هي جزء من منجزات تلك الفترة المظلمة والمليئة بالبطش والتنكيل والاساءات بمختلف اشكالها للشعب العراقي بكل شرائحه التي قسمتها بعد ذلك مناورات المحاصصة السلطوية ،
وكجزء من التطبيل لعودة الفكر البعثي للساحة السياسية العراقية ، يطل علينا برلماني عراقي اخر فرضته ظروف تلك المحاصصة الطائفية المشووءمة ، وهو صالح المطلك ليتبنى اعلاما اشد وقاحه من سابقييه فيقول ان حزب البعث هو من افضل الاحزاب السياسية في العراق ، وان البعثيين كساسة وقادة مجتمع هم من افضل قادة العراق ، وأنه لن يتبرأ في يومِ ما من انتماءه لحزب البعث ، ولا أدري كيف امتلك المطلك من الجرأة ما مكنه من ان يتطاول متجاوزا مشاعر الملايين من العراقيين ممن نكل بهم البعث الحاكم في الفترة المظلمة من تاريخ العراق الحديث ولا أجد اي مبرر ملزم للحكومة للوقوف مكتوفة الايدي اتجاه هذا التطاول اللاخلاقي من المطلك على مشاعر الشعب العراقي ، ولا أظن بأن مطالبة الحكومة وإجراءات لجنة المسآلة والعدالة بشطب أسماء بعض الكتل السياسية من العملية الانتخابية المقبلة كاف بحقهم بل على السلطة التنفيذية الحاكمة في البلد ان تطالب بأحالة كل من انتسب الى حزب البعث وأرتبط به بشكل من الاشكال بدرجة عضو عامل في الحزب ، الى المحاكم الجنائية في العراق ، فلابد من محاسبته وتقديمه لمحاكمة عادلة ولدينا من جرائمهم في العراق ما يكفي لتقديم العشرات من لوائح الاتهام ضدهم بدءاً من مصادرة الحريات الفردية الى جرائم مقابرهم التي يشهد لها التاريخ بأنه لم يبطش حاكم وحزب بشعبه بمقدار ما فعل صدام والبعثيون في العراق.
ألا ان الخيانة السياسية وصفقات الظلام التي تعقد في دهاليز تلك السياسة ، والجري واللهاث نحو كراسي السلطة اعمى بصيرة الكثير منهم ليتبى حملة تظليل الناس ومحاولة خلق ازمة فكرية داخل المجتمع العراقي من خلال مسميات وسياقات غريبة وغير مألوفه على الفرد العراقي كالبعث الصدامي والبعث الغير صدامي وبعث عفلق وبعث غير عفلق ، وبعث قيادة تنظيم العراق وغيره ، ومحاولة تصنيف البعثيين الى مراتب الاعم الاغلب منهم حسب ما تروج له الافكار الجديدة المتبناة من قبل الكثير من الساسة العراقيين على الساحة العراقية هم من الوطنين العراقيين المخلصين للعراق ولابد من السماح لهم من دخول العملية السياسة الحالية ، وسَوق هذا الجدل باتجاه يضمن لهولاء من كسب الاصوات في بعض مناطق العراق بعد دغدغة مشاعر البسطاء من المواطنين ومحاولة إيهامهم بانهم حماة مذاهبهم وطوائفهم وأن عدم دخول هولاء الحماة للساحة السياسية معناه تمكن الاطراف الاخرى من البقاء في السلطة وذلك يعني تهميش دورهم السياسي وهدر لحقوقهم الدستورية ، وليس غريبا أن يتبنى شخص مثل جلال الطالباني او المطلك او العليان او العاني تلك الحملة ، لا سيما وان توجهات السياسة الخارجية الامريكية الحالية أختلفت بنسبة مائة وثمانين درجة بعد وصول باراك اوباما الى السلطة، والذي يرى أن توصيات ملك السعودية والرئيس حسني مبارك بشأن حكم العراق هي من أهم ضوابط تحديد مسار علاقة الحكومة الامريكية الجديدة بالوضع السياسي الحالي في العراق.
وعليه وجد هولاء المغرضون ضالتهم فلم يتوانوا بالمجاهرة وبأعلى الاصوات بالمطالبة الوقحة لعودة البعث وأشراكه في العملية السياسية تحت عنوان ْتضليلي لمسمى أخر لفكر البعث وهو البعث الغير صدامي او البعث الغير أجرامي .
ولا اظن اننا بحاجة للتلاعب بمخارج الحروف او بأعادة تشكيل صياغتها ، لنتناسى ما جره علينا ذلك الفكر المريض والمزيف من مأسي وويلات وتراكمات لازال العراق يأن منها حتى هذه الساعة ،وعليه فأن الفرد العراقي وأن اختلفت انتمائاته الدينية او الطائفية او الحزبية بحاجة لحملة توعوييه كثيفة ومركزة لتبني موقف موحد وصارم للوقوف صفاُ واحدا بوجه هذا المخطط الخبيث والخطير والذي يسعى من وراءه بعض ساسة العراق الطامعين بالسلطة والمصابين بمرض الرغبة السلطوية لمنعهم من الوصول لمطامحهم انْ كانت تلك المطامح والاحلام تتغذى من فكر البعث او تتسلل من خلاله للعقول النقية والبريئة من شرائح شعبنا الجبار ، هذا ولنا الامل الكبير بعراق موحد لا تتكأ على دعائم حكمه ايدٍ ملوثة بدماء الابرياء.