قرية مصرية اسمها «صدام حسين» بناها مصريون عملوا في العراق


القاهرة: نبيل سيف: لو يعلم الرئيس العراقي السابق صدام حسين سر هذه القرية المصرية التي تحمل اسمه و60 في المائة من أبنائها يحملون أسماء أولاده عدي وقصي ورنا وحلا ورغد فانه ربما فكر في امكانية أن يلجأ إليها كمنفى اختياري له بدلا مما حدث له ولبلاده.
فالقرية التي لاتزال في طور جغرافي اسمه «العزبة» والتي تبعد عن القاهرة مسافة 100 كيلومتر فقط وتخضع اداريا لمحافظة الغربية إحدى محافظات الدلتا المصرية وتبلغ مساحتها حوالي 20 فدانا تضم ما لا يقل عن 1000 منزل مبنية بأموال أصحابها التي جلبوها من عملهم في العراق في مهن حرفية مختلفة.
هذه القرية هي جزء مصغر في مصر من العاصمة العراقية بغداد... من مبانيها الفارهة وأسماء شوارعها مثل المنصور، وابن سينا فضلا عن اسماء مدن عراقية اخرى ككركوك والموصل. كما تقيم بالقرية أكثر من 18سيدة عراقية تزوجن مصريين في العراق وقدمن معهم منذ سنوات للاقامة في العزبة التي تحمل اسم رئيسهم صدام حسين، وفي المقابل لا تزال هناك أسر من القرية مثل أسرة النقيب، ورجب، والنحاس تقيم هناك في العراق رغم سقوط نظام صدام، ولا تزال هذه العائلات هناك تدير أعمالها واستثماراتها التي تقدر بملايين الدولارات حاليا والأغرب انهم على اتصال شبه يومي بذويهم بالقرية عبر الهاتف الدولي.
حتى عام 1978 لم يكن السفر الى العراق حلم أحد من أهالي قرية بني أبوصير التي كانت عبارة عن عدد كبير من المساكن المبنية بالطوب اللبن حيث أن 90 في المائة من أهلها فلاحون وتحيط بالقرية آلاف الأفدنة الزراعية. إلا ان القرية استيقظت ذات يوم على سفر 3 من شبابها الى العراق للعمل ومع دخول عام 1980 ارتفع العدد الى 15 جميعهم أقارب وأصدقاء الثلاثة احمد النحاس وعادل الالفطي واحمد الوكيل.
ومع الحكايات التي انتشرت في القرية عن كميات الدولارات التي يرسلها المسافرون الى العراق الى ذويهم اندلعت حمى السفر الى العراق حتى بلغ عدد المسافرين من القرية بحلول عام 1982 حوالي 3 آلاف شاب وعجوز وطالب بخلاف الذين كانوا يذهبون للعمل في الاجازات الصيفية واجازات نصف العام من الطلبة والمدرسين، وذاع صيت القرية وسط جميع قرى ومدن الوجه البحري ودلتا مصر حتى أصبح السفر الى العراق للعمل من خلال قرية بني أبوصير. وقبل أن ينتهي عام 1982 ومع ضيق شوارع ومساكن القرية خرج اثنان من أبناء القرية والعاملين الى أرض زراعية مجاورة لقريتهم ليبنوا منزلين مستقلين بهم ومع ارتفاع مستوى معيشة أهالي القرية توالى بناء المساكن في الأرض الجديدة، ويوما بعد يوم وقبل نهاية عام 1983 كان هناك أول شارع يخط في الأرض الجديدة باسم «شارع بغداد».
وحينما وجد شيخ البلد ان كل العاملين في العراق بدأوا التجمع في مكان واحد مجاور لقريته تقدم بطلب الى مصلحة الري قبل 20 عاما لعمل جسر بسيط حديدي على الترعة التي تفصل بين شطري الارض الجديدة باسم «عزبة صدام حسين»، ومن يومها وحتى الآن صارت العزبة تحمل اسم «صدام حسين» وأصبح الانضمام لسكانها حلم شباب قرية بني أبوصير الأمر الذي رفع سعر القيراط فيها من 3 آلاف جنيه مصري وقتها الى 60 ألف جنيه مع نهاية الحرب مع ايران.
يروي رجب خيشة أحد أبناء العزبة رحلته منذ سفره أول مرة للعراق عام 1980 حتى امتلاكه منزلا ضخما بعزبة صدام حسين مبنيا على الطراز العراقي، قائلا: سافرت عام 1980 عقب انتهاء فترة تجنيدي بالقوات المسلحة ولم يكلفني السفر سوى جنيهات قليلة ولم تكن هناك اجراءات أمنية مصرية تجاه المسافرين وساعدني في السفر صديقي من القرية الذي يعمل هناك مع أخواله ولم تكن لدي حرفة ولكن مع دخول الحرب مع ايران كانت العمالة مطلوبة بشدة هناك وعملت في المعمار وحققت أول عام 6 آلاف جنيه وهو مبلغ يجعلني من الأعيان في البلد وعدت الى القرية في اجازة قصيرة وقررت بناء منزل جديد لأسرتي في القرية وبناء منزل جديد لي خارج البلد مع ناس معي في العراق وعدت مرة أخرى للعراق وعملت مقاولا هناك.
ولا ينسى فتحي أبو مسلم، 50 عاما، ما حدث للعزبة يوم الاعلان عن مصرع عدي وقصي، فقد كانت بيوت القرية متشحة بالسواد والبكاء والقرآن الكريم ينطلق من كل منازل القرية حتى ان شباب القرية أجلوا زفافهم لما بعد الاربعين، فلا يوجد بيت في القرية إلا ويحمل أحد أبنائه اسم قصي أو عدي أو صدام او اسماء بنات صدام رغد ورنا وحلا.
فأبو مسلم الذي يطلق عليه «أبو رغد» بكى بكاء مريرا يوم سقوط بغداد مثلما بكى كل أهل العزبة الذين كانوا يجلسون امام الفضائيات 24 ساعة طوال الهجوم على بغداد وهم واثقون من انتصار صدام حسين وعودتهم مرة أخرى للعمل في العراق. واكد ابو مسلم، مؤكدا استعداد العزبة لاستقبال أسرة صدام حسين للاقامة بها فهناك عراقيات يقمن بالقرية مع ازواجهن منذ سنوات وكن دائما يسافرن لزيارة بلادهن والعودة مرة أخرى.
ويرجع فتحي منصور ايمانه العميق بعراق صدام حسين واستعداده للسفر لقتال الاميركيين خلال الحرب لكن السلطات المصرية أعادته الى العزبة، الى انه كان قد صافح صدام حسين وجها لوجه وذلك بعد ما زاره صدام هو و7 من زملائه في مهنة السباكة في مستشفى صلاح الدين في بغداد بعد اصابتهم في عام 85 بجروح من جراء اعتداء بعض العراقيين عليهم بسبب المنافسة على التعليق على أحداث فيلم عربي مصري يعرض داخل عرض في بغداد ووقتها صرف لهم صدام ساعة يد ذهب تحمل صورته لا يزال فتحي يحتفظ بها، بالاضافة الى راتب يومي طوال اقامته في المستشفى، وذلك جعل فتحي يتخذ قرارا مفاجئا عقب عودته لقريته في اجازة قصيرة بشراء قطعة أرض بعزبة صدام حسين واطلاق اسم عدي على أول أولاده مثل شقيقه مجدي الذي لديه صدام وطه (نسبة الى طه ياسين رمضان نائب صدام) وذلك لاعجابه بهم حيث كان يعمل ساعيا في قيادة حزب البعث في بغداد ولديه ذكريات عديدة مع طه ياسين رمضان.
أما محمد البطل الذي يملك مقهى متميزا في العزبة شيده ليكون شبيها للمقهى الذي كان يعمل فيه في بغداد لمدة 10 سنوات فهو لا ينسى سهر أهالي العزبة في القرية حتى ساعات الصباح الأولى في مقهاه أمام الفضائيات طوال أيام الحرب على العراق ومع كل شارع يظهر على الشاشة تنطلق الصيحات والذكريات عن هذا المكان الذين عملوا فيه أو شاركوا في انشاء أحد مبانيه.
ويقول البطل: «تزوجت عراقية ولي منها حاليا 6 أبناء اكبرهم المنصور وتعيش معي حاليا في العزبة وكنت قد تعرفت عليها أثناء زيارة لاصدقاء لي في حي الكمالية في بغداد والذي كنا نسميه حي «بني أبوصير» نسبة الى اسم قريتنا التي كان جميع المقيمين بالحي منها
قرية ع