خزاعة في العراق



في بداية الفتوحات العربية الإسلامية التحررية كان أبناء خزاعة في الصفوف الأولى مع الفاتحين ((وقد تطرقنا لذكر ذلك فيما سبق، فدخلوا البلدان العربية ومنها العراق الذي ساهموا في تحريره وذلك في زمن الخليفة عمر بن الخطاب...))، وسكن معظمهم البصرة والكوفة في حدود سنة 17 هـ.

وقد كان لخزاعة حي مشهور باسمهم يطلق عليه (حي خزاعة) في الكوفة القديمة في منطقة تل التراب. ثم انتشروا بعد ذلك في مدن وقصبات العراق، هذا وبرز منهم الصحابي الجليل سليمان بن صرد والصحابي عمرو بن الحمق والصحابي علقمة بن خالد وهو آخر من بقي من الصحابة بالكوفة والشاعر المشهور دعبل بن علي الخزاعي وغيرهم.

كما كان لرجال خزاعة في العراق الدور المهم في الدولة العباسية التي تحققت سنة 132هـ، حيث وقع الاختيار على خمسة[1] رجال من خزاعة كنقباء لبني العباس حيث أصبح سليمان بن كثير الخزاعي رئيساً للنقباء. هذا وقد برزوا رجال من خزاعة في مواقع الحكم في الدولة العباسية وتسلموا مراكز حساسة بالدولة[2].
وبعد انهيار الدولة العباسية واحتلال بغداد بيد المغول[3] بقيادة هولاكو حفيد الزعيم المغولي جنكيز خان الذي تمكن من احتلال بغداد عاصمة الدولة العباسية وذلك سنة (656هـ ، 1258م) في عهد آخر خليفة عباسي هو المستعصم بالله، وقد قتل على يد المغول حيث سادت العراق والأمة الإسلامية بعدها عصوراً مظلمة.

وفي أواخر القرن الثامن الهجري كان العراق من الأقطار التي تقلص عدد سكانها نتيجة لكثرة الحروب والفتن والثورات، مما أدى ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة إلى الدول المجاورة.

وفي هذا التاريخ (القرن الثامن الهجري أو منتصفه) قام أحد أمراء الأسرة المغولية واسمه حسن جلائر بتأسيس دولة مستقلة عن الإمبراطورية المغولية عرفت بالدولة الجلائرية والتي حكمت العراق حتى عام 1411م، وقد واجهت هذه الدولة ثورة عارمة قام بها أهالي بغداد واستطاع بعض رؤساء العشائر إنشاء كيانات مستقلة لهم ((وهي بداية تكون الإمارات العشائرية كإمارة خزاعة (الخزاعل) وإمارة زبيد وإمارة ربيعة)) هذا وقد تكونت وفي نفس التاريخ تقريباً إمارة المنتفق في جنوب العراق وإمارة المشعشعي في الأحواز في عربستان.

ثم احتل العراق من قبل عشائر تركية الأصل جاءت بالتتابع من تركستان الغربية وسميت بدولة الخروف الأسود والخروف الأبيض وذلك لاقتنائها الخراف الأسود والأبيض.
وقد دخل العراق في ظل هاتين الدولتين في تخلف شامل، وساده حملات الإبادة وتدهور الزراعة وانتشار الأوبئة والأمراض.

وفي سنة 1498م وصل إلى سدة الحكم في بلاد فارس إسماعيل الصفوي ولقب نفسه بالشاه، وقد تمكن من إسقاط دولة الخروف الأبيض فأصبح العراق في قبضته[4].

هذا وعمل الشاه إسماعيل الصفوي على تحجيم دور الإمارات ( إمارة خزاعة، إمارة زبيد وإمارة بني لام) لكن لم يستطع أن يسلب خزاعة سيطرتهم وذلك لنفوذهم وعظمتهم في إماراتهم الواسعة والمهمة من قلب العراق ، الممتدة من (هيت شمالاً حتى مدينة العرجاء جنوباً)[5].

وعندما مات الشاه إسماعيل الصفوي استلم ابنه طهماسب العرش وذلك سنة 1524م وفي أيام حكمه قاد شخص يدعى ذو الفقار حركة مناوئة للفرس الصفويين في بغداد وأعلن نفسه والياً على بغداد، إلا أن تلك الحركة فشلت بسبب نجاح طهماسب باحتلال بغداد عام 1529م بعد حصار دام أمده مما أدى إلى إخماد الحركة.


وفي عام 1534م قام السلطان سليمان القانوني وهو أحد سلاطين العثمانيين[6] بغزو بغداد[7] وتمكن من احتلالها وطرد الفرس منها، ثم احتل البصرة واتخذها قاعدة للنشاط البحري في منطقة الخليج العربي.

وفي سنة 1621م سيطر على بغداد ضابط شرطة اسمه بكر صوباشي مما اضطر السلطة العثمانية إلى الاعتراف به والياً على بغداد، لكن الشاه عباس الصفوي أرسل جيشاً للقضاء عليه بعد حصار دام ثلاثة أشهر أفلح في السيطرة عليه وقتله بمساعدة ابنه محمد الذي سلم للفرس قلعة بغداد التي كان مكلفاً بالدفاع عنها وبذلك ساعد على القضاء على أبيه، وكرم نتيجة خيانته من قبل الشاه بإغداقه الهدايا عليه.

وعندما استولى على العراق الشاه عباس الصفوي سنة (1032هـ، 1622م)[8] قرب إليه أمير خزاعة مهنا بن سلمان الأول الملقب (بالهيس) وأنعم عليه بلقب (خان) وجعله رئيساً عاماً للفرات للمنطقة الممتدة من هيت شمالاً حتى العرجاء مقدم مدينة الناصرية جنوباً، وهي حدود إمارة الخزاعل قبل دخول الصفويين العراق[9].

وفي سنة 1638م نجح مراد الرابع أحد سلاطين الدولة العثمانية من احتلال بغداد[10] وطرد القوات الفارسية منها، وقد قام هذا السلطان بتنظيم الإدارة والجيش… وفي عهده وقعت معاهدة زهاب عام 1639م التي ثبتت فيها حدود العراق الشرقية، وتعهد الشاه بعدم التدخل في شؤون العراق، وكانت هذه المعاهدة أساس للمعاهدات اللاحقة بين العراق وبلاد فارس.

هذا وقد تأثر لفظ (خزاعة) باللغة التركية السائدة آنذاك في العراق أبان احتلالهم للعراق الذي دام أكثر من أربعة قرون، بلفظ (خزاعل) حيث كان الأتراك يستبدلون ياء النسب بالصيغة ( لر)، لكن الناس في كلامهم يحذفون (الراء) وقالوا مثلاً:
(السماوتلي بدل السماوي كذلك الخزعلي بدل الخزاعي)، ومنذ ذلك الحين أصبحوا يعرفون بكلا الاسمين (خزاعي وخزعلي).

وفي نهاية عام 1050هـ-1640م أي بعد سنتين من دخول الأتراك إلى العراق وزوال الحكم الصفوي على أيديهم، قام الأمير مهنا بن سلمان الأول بثورة مسلمة ضدهم[11]، فكانت قبيلة خزاعة الوحيدة التي وقفت بوجه الأتراك آنذاك بخلاف أتباعهم من القبائل الأخرى فإنهم مدوا يد الطاعة للقوة الغاشمة.

وفي سنة 1105هـ- 1693م ابتدأت رئاسة سلمان بن عباس الثاني في حياة أبيه (عباس باشا الذي آلت إليه رئاسة الإمارة بعد رحيل أخيه الأمير مهنا بن سلمان الأول إلى بلاد فارس (إيران).

حيث ثار سلمان بوجه الحكومة العثمانية وأعلن تمرده وعدم مد يد الطاعة، فملك أغلب ضياع بغداد،ويذكر التاريخ أنه أراد احتلال بغداد وطرد العثمانيين منها حيث توجه إليها بعشرة آلاف مقاتل مع بقية من يمشي خلفه، لكن محاولته لم تنجح، بعدها توجه مع عشيرته الخزاعل والعشائر المتحالفة معه إلى مدينة الحسكة (الديوانية) وهي من أحسن ضياع العراق وأخصبها فجعلها مركز إمارته[12].

واستمرت قبيلة خزاعة تناهض وتقاوم المحتل الأجنبي العثماني طيلة سنين احتلاله الطويلة للعراق والتي امتدت إلى أربعة قرون، فقدموا بنوا خزاعة التضحيات الكبيرة وأعطوا درساً بليغاً للمحتل الأجنبي بالذود والدفاع عن العراق وحب العراقيين لأرضهم مهما بلغت التحديات والصعاب والخسائر والتضحيات.

ومن الأمير مهنا بن سلمان الأول ومن بعده سلمان بن عباس وشقيقه حمد بن عباس ومن بعدهم أولادهم وأحفادهم الذين استلموا مقاليد الإمارة وزمام السيادة، استمرت مقارعتهم للأجنبي طيلة تلك السنين الطويلة بشتى الطرق والأساليب.

وفي عام 1850م بدأت الحكومة العثمانية تصب جل اهتمامها اتجاه قبيلة خزاعة لما يشكلون لها من خطر، وعملت باستمرار وبقوة من أجل إخضاعهم وأخذت تتعقبهم بحروب مستمرة بالإضافة لقيامهم بأمور كتحويل مجاري الأنهار التي تمر بأراضيهم وعمل السدود عليها، ونتيجة لذلك ماتت معظم أراضي الخزاعل، وأخيراً تمكنت الحكومة العثمانية من تفكيك إمارة الخزاعل وتوزيع أراضيهم وأملاكهم وإعطائها للغير[13]، ويمكن القول أن إمارة الخزاعل دامت أكثر من أربعة قرون.

وحتى عندما انهارت إمارة الخزاعل ظل قسماً منهم محتفظاً بأراضيه الزراعية ولهم ثقلهم بين القبائل العراقية الأخرى، ثم ظلت المشيخة تنتقل من شيخ لآخر حتى آلت رئاسة الخزاعل العامة إلى الشيخ شعلان بن سلمان بن ظاهر بن محمد بن مغامس بن شلال بن صقر بن سلمان بن عباس الخزاعي، الذي أصبح عضواً في مجلس النواب ، وبعد وفاته حل محله في الرئاسة العامة ولده الشيخ علي الشعلان الذي أصبح عضواً في مجلس النواب أيضاً، وبعد وفاته آلت الرئاسة العامة إلى أخيه إدريس الشعلان وهو مثال في رجاحة العقل والاتزان والحكمة، وله من الأولاد حاتم.

تقع أراضيهم في منطقة أبي تبن في قضاء الحمزة الشرقي التابع لمحافظة القادسية (الديوانية). والخزاعل لهم تقاليدهم العربية الأصيلة من كرم وشجاعة وحماية الجار وإغاثة الملهوف، وقد تغنى الشعراء والأدباء بكرمهم وسخاء أيديهم وشجاعتهم.

قال الشاعر يصف الخزاعل:

ولا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم *** يسلو عن الأهل والأحباب والوطن

ونخوة الخزاعل هي ( أخوة فاطمة ). المصدر : الاستاذ حميد رحيم سلمان الخزاعي / تاريخ قبيلة خزاعة / الطبعة الاولى ،النجف الاشرف /سنة 2002 /ص121 الى 127


[1]. النقباء هم: سليمان بن كثير رئيساً، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وطلحة بن زريق الخزاعي، وعمرو بن أعين الخزاعي، وعيسى بن أيمن الخزاعي.

[2]. تطرقنا إلى ذكر بعض منهم في الفصل الثاني (رجال من خزاعة).

1. المغول:هم أقوام استوطنوا سهول تركستان في أواسط آسيا،وفي القرن الثالث عشر الميلادي هاجم المغول الوطن العربي بسبب ضعف الدولة العربية الإسلامية في أواخر عهد العباسيين.

[4]. الغزو الفارسي الصفوي الأول للعراق.

[5]. حمود الساعدي: دراسات عن الخزاعل - ص8-9. ومدينة العرجاء: مدينة مندرسة ترى خرائبها اليوم على مسافة بضعة كيلو مترات من مقدم محافظة ذي قار ((الناصرية)) جنوب العراق.

[6]. العثمانيين: وهي قبائل نزحت من أواسط آسيا واستوطنت في الشمال الغربي من بلاد الأناضول (تركيا حالياً) وقد سموا باسم العثمانيون نسبة إلى أبرز قادتهم عثمان بن أرطغرل.

[7]. الاحتلال العثماني الأول للعراق.

[8]. الغزو الفارسي الصفوي الثاني للعراق.

[9]. حمود الساعدي: دراسات عن الخزاعل - ص8.

[10]. الاحتلال العثماني الثاني للعراق.

[11]. تعريب جعفر الخياط: أربعة قرون من تاريخ العراق - ص79.

[12]. حمود الساعدي: دراسات عن الخزاعل - ص14 ، مخطوط السيد طه الراوي: حديقة الزوراء في أخبار الوزراء - ص24.

[13]. وادي العطية: تاريخ الديوانية قديماً وحديثاً – ص61-62، حمود الساعدي: دراسات عن الخزاعل-ص98.