قبل صباح الخميس الماضي لم يكن أكثر الاشتراكيين تفاؤلا يحلم بمثل هذا الفوز في الانتخابات العامة فجميع استطلاعات الرأي كانت ترشح حزب الشعب اليميني الحاكم لفوز مريح يضمن بقاءه في السلطة.
ولكن الصدمة التي أحدثتها تفجيرات مدريد لدى الشعب الإسباني كانت كفيلة بإحداث تحول دراماتيكي لصالح الحزب الاشتراكي بزعامة وجه سياسي ظهر على الساحة السياسية منذ أربع سنوات فقط هو خوسيه رودريغيز زباتيرو(43 عاما).
ففي الوقت الذي كان فيه الحزب الحاكم يستعد لأربع سنوات أخرى من الحكم بقيادة ماريانو راخوي خليفة خوسيه ماريا أزنار جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد تحولت حالة الحزن الشعبي إلى سخط واستياء من حكومة أزنار في تعاملها مع هذه الكارثة.
وتحولت مسيرات إدانة التفجيرات إلى احتجاجات على الحكومة الإسبانية التي أصرت على اتهام منظمة إيتا الانفصالية الباسكية بتدبيرها بل وجعلتها دائما المشتبه الأول رغم ظهور بيانين منسوبين لتنظيم القاعدة أحدهما أرسل لصحيفة القدس العربي بلندن والآخر في شريط فيديو عثر عليه بمدريد.
وبلغ الاستياء الشعبي ذروته صبيحة يوم الانتخابات حيث قوبل أزنار وكبار مسؤولي حزبه بصيحات الاستهجان في مراكز الاقتراع حيث اتهم الناخبون الحكومة بتضليل الرأي العام فيما يختص بالتحقيقات في تفجيرات مدريد.
ولم ينجح وزير الداخلية الإسباني بإعلانه القبض على خمسة مسلمين واتجاه التحقيقات لفرضية تورط القاعدة في تهدئة الرأي العام الغاضب من التعاطي الحكومي مع هذه الأزمة.
وعززت فرضية تورط القاعدة من حالة الغضب والاستياء الشعبي فعدد كبير من الناخبين خاصة من فئة المترددين اعتبروا أن تحالف إسبانيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا في حرب العراق كان سببا لوقوع هذه التفجيرات.
ويبدو بالفعل أن ذاكرة الناخب الإسباني استرجعت أمام صناديق الاقتراع المسيرات الحاشدة في إسبانيا ضد الحرب على العراق قبل اندلاعها فجاء التصويت لمصلحة الاشتراكيين الذين قادوا في البرلمان حملة معارضة شرسة ضد الحرب.
ولذلك لم يكن غريبا أن يتعهد رودريغيز في أول تصريح له بعد الفوز بسحب قواته من العراق فهو يدرك أن العمل الأساسي في خسارة اليمين هو المشاركة في حرب العراق وليس تفجيرات مدريد.
كما جاء تعهد رئيس الوزراء الجديد بالشفافية ومحاربة ما أسماه الإرهاب بمثابة محاولة لطمأنة الناخبين الذين لم يفيقوا بعد من صدمة الهجمات ليؤكد لهم الاشتراكيون أن اختيارهم كان في محله.
وعلى صعيد السياسة الخارجية وعد رودريغيز شعبه أيضا بأن تكون الأولوية لتدعيم التوجه الأوروبي والعمل على حل الخلاف بشأن الدستور الموحد مما قد يشير إلى أن الاشتراكيين يفضلون الاتحاد الأوروبي عن صيغة تحالف أزنار مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك فالصورة ليست بهذه القتامة بالنسبة لحزب الشعب اليميني الحاكم فسيظل الحزب رغم خسارته للانتخابات أكبر تكتل حزبي في مجلس الشيوخ وهو المجلس الأعلى في البرلمان وبفارق كبير أيضا مما يصعب من مهمة الحكومة الاشتراكية القادمة وقدرتها على تمرير تشريعات.
وبحصول الاشتراكيين على 164 مقعدا في مجلس النواب الإسباني يعوزهم الآن 12 مقعدا لتحقيق الأغلبية المطلقة وقد يحتاجون إلى التفاوض من أجل تشكيل تحالف مع أحزاب إقليمية صغيرة أو اليسار.
__________________
الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/news/europe/2004/3/3-15-8.htm