الصراع بين العراقية ودولة القانون
06/06/2010

يحاول المراقبون تصنيف الصراع بين دولة القانون والعراقية على أنه صراع بين الاسلانيين والعلمانيين بالرغم من عدم بلورة فكر إسلامي على المستوى التنظيري للحالة العراقية حاليا وكذلك الأمر بالنسبة للفكر العلماني .

وشهدنا تنافسا شديدا بينهما وتتوج هذا التنافس خلال الحملة الانتخابية بالرغم من عدم وجود شعارات واضحة للطرفين باستثناء بعض العبارات التي أطلقها بعض أعضاء العراقية حول علمانية القائمة خلال المقابلات التلفزيونية.

وكانت شعارات دولة القانون من خلال خطب زعيمها والبقية من القادة تدعو الى إرساء مفهوم دولة القانون ودولة المؤسسات والحفاظ على المكتسبات السياسية باستمرار العملية السياسية والتحذير من عودة البعث الى الواجهة السياسية مرة اُخرى بأي شكل من الأشكال .

وربما تخلتط الكثير من الامور منها المذهبية ومنها الخلفية السياسية ومنها الانتماءات الخارجية على مسار العمل السياسي في العراق وهو ما تجسد في الانتخابات ،وغلب على العمل السياسي في العراق المشاريع الخارجية .

ولازال الاسلاميون يتحدثون عن بناء دولة اولا فيها مؤسسات دستورية تحرس التجربة العراقية الحديثة بعد التغيير.و العلمانيون يتحدثون عن مشروع لم نر أيا من ملامحه في الأُفق ولا حتى على مستوى الشعار سوى انتقاد التجربة والتلويح بنسفها بحجة التصحيح وإعادة البناء وتقرأ من خلال تصريح زعمائها قبيل وبعد الانتخابات بانقلاب على كل ما جرى خلال السبع سنوات الماضية .

وفي الفترة الماضية اختفت ملامح الطرفين(الاسلامي والعلماني) إلا أن من تعرض للانتقاد بصورة كبيرة هم الاسلاميين بسبب تصديهم للمشاركة في الحكم ،وأعتبرهم المراقبون(لإغراض معروفة) حكاما للفترة الماضية بالرغم من أن القرارات وكل ماجرى في العملية السياسية كان مبدأ التوافق السياسي ،حتى أن قرارات مجلس الوزراء تؤخذ بالتصويت ويكون صوت رئيس الوزراء كصوت أي وزير آخر في القضايا التي كانت بحاجة الى قرار.

ولست هنا بصدد عرض المشاكل التي أدت الى هذا الانتقاد والحملة الاعلامية الشرسة من الناقمين على التغيير.ولا أخفي أن بعض الاسلاميين ممن وصولوا الى مراكز تنفيذية قد أعطوا الفرصة لمثل هذا الانتقاد.

ولابد لنا من القول بأن الخارطة السياسية بعد الانتخابات أنتجت فريقين كبيرين أحدهما يقوده حزب إسلامي كبير ب52 مقعدا وهو حزب الدعوة الاسلامية من مجموع الائتلاف الحاصل على 89 مقعدا وهو (دولة القانون) وآخر يقودها حزب صُنف على العلمانية فاز بثلث المقاعد من أصل 91 مقعدا وهو( العراقية).وهو ما قد دفع المراقبين الى تصنيف الفريقين الى إسلامي وعلماني.

مع أن دولة القانون لم ترفع أي شعار إسلامي إلا أن خلفية زعيم الائتلاف الاسلامية وانتمائه الى حزب إسلامي صُنف بهذا الشكل .كما أن بعض المراقبين أصر على تصنيف طائفي لأغراض معروفة .

والان الساحة السياسية بعد الانتخابات أفرزت كتلتين بغض النظر عن الطريقة التي تمت بها حصول هاتين الكتلتين على هذه المقاعد بحيث وصلت مجموعهما الى أكثر من نصف مقاعد البرلمان القادم ،وكلاهما سيضع بصماته على البرلمان من خلال المشاريع التي سيقدمها ،وسيكون لحضورهما الدور الفاعل في سير جلسات البرلمان.

وفي الحقيقية لايمكن لنا أن نُصنف الكتلتين على تصنيف الاسلامية والعلمانية لعدة أسباب أهمها أن البرامج التي تسعى الكتلتان الى تطبيقهما لانجد فيه أيدلوجية واضحة سواءَ كانت إسلامية أم علمانية ولعلهما يشتركان في مسألة الخطاب الوطني ولكنهما يفترقان في المحافظة على المكتسبات السياسية والتحول الكبير الذي حصل بعد التاسع من نيسان 2003 .

وبعضهم صنف كتلة دولة القانون ضمن القوائم (الشيعية) لأغراض معروفة بالرغم من إشتراك شخصيات وزعماء عشائر من الطائفة السنية وقد أتت نتائج الانتخابات (بغض النظر عن الطريقة التي تم بها إقصاء هم بها ) أنجحت تصنيفهم هذا فهم نظروا الى البيئة الانتخابية وجمهور القائمة لا شخوصها ،وقد رد إئتلاف دولة القانون بأن منح أحد المقعدين التعويضين لشخصية وطنية سنية وهو (حاجم الحسني) .

وكانت البيئة الانتخابية للعراقية في أغلبها ضمن المناطق السنية وعليه تم تصنيفها بالقائمة السنية .

والحقيقة أن الكتلتين تمثلان وجهان مختلفان أحدهما يمثل الوجه المدافع عن العراق الجديد والساعي إلى استمرار العملية السياسية وعدم الانقلاب عليها والاُخرى تسعى الى عودة العراق الى ماقبل التاسع من نيسان عام 2003 وهو ما تشير اليه تصريحات زعماء هذه الكتلة.

فقادة العراقية يسعون الى ما يسمونه (تطهير) مؤسسات الدولة لاسيما العسكرية والأمنية وربما إعادة المؤسسات بهياكلها وعناصرها السابقين أبان النظام السابق،وهو ماصرح به زعيم القائمة أياد علاوي في العديد من مقابلاته الصحفية والتلفزيونية.

ولطالما يعتبرون الدستور (غير شرعي) في عدة مقابلات حينما يصفونه بالدستور الذي كتبه الاخرون.!!!(يمكن مراجعة مقابلات طارق الهاشمي مع الكثير من القنوات الفضائية).

وبعضهم يسعى الى تكريس الطائفية في جميع السلطات حتى وصل الامر الى السلطة القضائية كما هي التصريحات الاخيرة لطارق الهاشمي.ويسميها أحيانا بالاستحقاقات الوطنية وهو صاحب مشروع توازن الرعب في بغداد.

ويرى بعض المراقبين أن هذه الكتلة تمثل الوجه الاخر لحزب البعث سيما بعد الدعوات الصريحة لجعل كتلة العراقية كيان سياسي واحد ،ويرون في الاحتفالات والشعارات التي أعقبت الانتخابات قد كشفت توجهات هذه الكتلة حسب رأيهم .

وقادة دولة القانون وجدوا أنفسهم في معركة الدفاع عن مؤسسات الدولة ودستورها التي أيدته الجماهير بالاستفتاء المباشر عليه .

فكتلة العراقية تسعى بحسب تصريح قادتها الى عملية (تطهير) للاجهزة الامنية والعسكرية وإعادة رجالات هذه المؤسسات الى الخدمة بحجة المهنية والاحتراف .

وفي خضم هذا الصراع يتجه كلاهما إلى قيادة تحالف داخل البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة وهما يتعرضان الى (إبتزاز حقيقي) بغض النظر عن توجهاتهما السياسية وذلك بالقفز على النتائج التي حققها الطرفان .

ورؤية الطرفين بأن رئاستهما للحكومة سيؤدي الى الحفاظ على المشروع السياسي والعملية السياسية برمتها .

فبالنسبة لدولة القانون يرى زعماؤها أن رئاستهم للتحالف مع القوى الاخرى التي كانت في زمن المعارضة سيفوت الفرصة على المشروع الداعي الى العودة.

بينما ترى العراقية أن إبتعادها عن رئاسة الوزراء ستثمل قطعا لمشروعها السياسي الذي تعهدت به لاطراف معروفة وأهمها إبعاد رئيس الوزراء الحالي عن منصبه وكذلك إنهاءا لرمزيته التي حققها في مدة قصيرة وعليه ستقبل العراقية برئيس وزراء جديد غير (المالكي ) كما صرح بذلك جمال البطيخ وتسعى الى مناصب سيادية للقائمة العراقية وأصبح الهدف واضحا جسد إرادة دولة واحدة تعيش هوس الطائفية .

وبالرغم من الفوز الذي تحقق للعراقية في الانتخابات بالطريقة المعروفة وبغطاء دولي وإقليمي ومن ثم سعى الى تكريسه من خلال عرقلة كل الطعون والشواهد التي رافقت عمليات العد والفرز إلا أن العراقية إفتقدت زمام المبادرة في الوصول الى تحالفات مع الكتل الاخرى وهو ما اعترف به احد زعماء القائمة (أُسامة النجيفي) وهو إقرار بالفشل ولكن سرعان ما تدارك مستشار القائمة الإعلامي (هاني عاشور) الالتفاف على هذا التصريح ببث خبر التقارب مع الوطني والكردستاني وتبنته الوسائل الاعلامية بسرعة كبيرة وتم تغييب تصريحات النجيفي في نفس اليوم

وهو ما يُساعد المبتزين الى لعب هذه الورقة مع التلويح بقبول السيد عادل عبد المهدي للضغط على دولة القانون باتجاه إبدال مرشحه لرئاسة الوزراء !!

فهل سيخضع إئتلاف دولة القانون للابتزاز ويبقى على لعب دور اُم الولد في الحفاظ على العملية السياسية وإيقاف مشروع (العودة) أم يتجه الى فرض أراء ناخبيه الذين صوتوا لنجاح الزعيم في قيادة الحكومة طيلة الاربع أعوام الماضية.؟

هذا ما ستجيب عنه الايام القليلة القادمة من خلال الإعلان عن رئيس ومرشح الائتلاف لرئاسة الوزراء.



عبدالأمير علي الهماشي