صفحة 23 من 23 الأولىالأولى ... 13212223
النتائج 331 إلى 339 من 339
  1. #331
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    مجلس عزاء في الكويت بحضور وكيل المراجع الشيعية وشخصيات سياسية ودينية

    (شبكة الفجر الثقافية) - (2010-08-12م)



    أقامت حسينيّة دار الزهراء في الكويت، مجلس عزاءٍ على روح المرجع العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، بحضور النوّاب يوسف الزلزلة، وعدنان عبدالصمد، وعدنان المطوع، والسيد محمد باقر المهري، وكيل المراجع الشيعيّة في الكويت، والسّفير العراقي في الكويت محمد حسين بحر العلوم، وعبدالكريم السليم عضو المجلس البلدي، وعدد من الشخصيّات، وحشدٍ كبيرٍ من المعزّين رجالاً ونساءً.

    وتحدّث السيّد علي فضل الله، في اتّصالٍ هاتفيّ من بيروت، مشيداً بمواقف الكويت تجاه لبنان، مؤكّداً أنّ «الكويت كانت في قلب أبيه الفقيد ووجدانه».

    كما أشاد السيّد علي فضل الله بالمجالس التي أقيمت على روح الفقيد «ما يدلُّ على مكانته في قلوب المؤمنين، حيث كان سماحته قد نصّب نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين، وكان يبذل قصارى جهده ليكون الإسلام حيّاً ينبض في وجدان كلّ مسلمٍ، بل كلّ إنسان، فكان متواصلاً مع الكبير والصّغير وكلّ أفراد المجتمع، من أجل أن يوصل إليهم هذه الرّسالة».

    وأشار إلى أنّ المرجع الكبير(رض) كان حريصاً على السّير على خطّ أهل البيت(ع)، الّذي يتميّز بالنّقاء والصّفاء ومنتهى الشفافية، لذا كان حريصاً على أن يبقى هذا الخطّ صافياً نقياً بعيداً عن الغلوّ، بل إنّه كان مدافعاً قويّاً ضدَّ كلّ من يتعرّض لأهل البيت(ع)، وكان يدعم ندواته وأحاديثه بما ورد عن أهل البيت(ع)، لإعلاء شأنهم في كافّة المجالات، عقلاً وفكراً وفقهاً وحركة، وتجسيد معيشتهم وكلماتهم ومشاعرهم من أجل الاستفادة منها.

    وأضاف: «سماحة السيّد(رض) كان يؤمن إيماناً شديداً بأنَّ قوَّة المسلمين هي من قوَّة الإسلام أمام أعداء الإسلام، وأمام المؤامرات التي تحاك ضدّ المسلمين، لذا كان يطالب بالحوار بين المسلمين أنفسهم، وكذلك بين المسلمين والمسيحيّين. ومن هنا، كانت قوى الاستكبار العالميّ والكيان الصّهيونيّ يتصدّون لكلّ أعمال السيّد المرجع، لأنّه كان يتصدّى لكلّ الأعمال الوحشيّة والانتهاكات الصّهيونيّة ضدَّ الشَّعبين الفلسطيني واللّبناني، إضافةً إلى تصدّيه لأنواع الظّلم من الاستكبار العالميّ. وكان السيّد المرجع، يسعى إلى رفع شأن كرامة الأمّة وعزّتها، إضافةً إلى سعيه إلى أن يقدّم نموذجاً عمليّاً للمرجعيّة الإسلاميّة المنفتحة، وأن تكون حاضرةً في كلّ مكانٍ وزمان، إضافةً إلى أن تكون المؤسّسات الخيريّة للجميع.

    وأشاد السيّد علي فضل الله بدور الكويت الرّياديّ والقياديّ، ووقوفها مع لبنان في محنه ومصائبه، «حيث كانت الكويت سبّاقةً في بناء المؤسّسات والجمعيّات الخيريّة، وستبقى ان شاء الله أمينةً لهذا الخط، وقد كانت الكويت في قلب السيّد المرجع ووجدانه وعواطفه».

    وشكر الكويت على المستوى الشّعبيّ والرّسميّ، لما أظهرته من مشاعر تجاه المرجع الرّاحل(رض)، مشيداً بمجالس العزاء الّتي أقيمت لهذا المصاب الجلل، ومنها مجلس حسينيّة دار الزّهراء(ع)، شاكراً الحاج كاظم عبدالحسين الذي كان "الصديق والأخ العزيز لسماحة السيّد".

    كما تحدث خلال مجلس العزاء النائب الكويتي يوسف الزلزلة مشيداً بدور الراحل ومرجعيتة الرشيدة .





  2. #332
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    السيّد والضاحية: قصّة لا تنتهي




    (الاخبار اللبنانية) - (2010-07-18م)




    منهال الأمين

    يروي مقرّبون من الراحل، السيد محمد حسين فضل الله، أنه حين بدأ عدوان تموز 2006، رفض أن يبرح منزله المجاور لمنزل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر اللّه في حارة حريك. ويُقال إنّ نصر الله نفسه تدخّل لكي يغادر العلّامة المكان قبل أن تحيله الطائرات الصهيونية ركاماً بساعات. ويعلّق هؤلاء المقرّبون بأنّ «ما بين السيد والضاحية يتخطّى الإقامة والعمل، إلى الشعور بالمسؤولية عن كل فرد فيها». واهتمامات السيد بالشؤون العامة، بدأت منذ قدومه إلى لبنان، بعد أكثر من 20 عاماً قضاها في النجف دارساً ومدرّساً وناشطاً فكرياً. فأسّس في النبعة المعهد الشرعي الإسلامي وجمعية أسرة التآخي عام 1966، وذلك بتشجيع من المرجع أبو القاسم الخوئي، وكان وكيلاً له في لبنان. قدمت الجمعية خدمات متنوعة إلى أهالي المنطقة، النازحين من الجنوب والبقاع، طلباً للرزق وللأمان بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. واضطر السيد نتيجة الحرب الأهلية إلى النزوح بالجمعية إلى الضاحية الجنوبية عام 1976، وكذلك بالمعهد، إلى حيّ السلّم أوّلاً، ثم بئر العبد، وأخيراً بئر حسن، حيث لا يزال يزاول نشاطه حتى اليوم. اختلفت الأسماء، ولكن توسّعت الأعمال، فأسّس السيد مبرّة الخوئي في منطقة الصفير (انتقلت إلى خلدة)، وكانت نواة لتأسيس جمعية المبرات الخيرية في 1978، التي توسّعت لتشمل كل لبنان، مدارس ومبرّات ومؤسسات اجتماعية وصحية ومراكز تدريب ومعاهد فنية ومهنيات، وتوّجت إنجازاتها بتأسيس مستشفى بهمن منتصف التسعينات.

    وكانت منطقة بئر العبد، محطة أساسية لنشاط السيد طيلة 18 عاماً، حين تسلّم إمامة مسجد الإمام الرضا منذ إنشائه عام 1978، فكان شاهداً على اجتياح1982 وهدم بيوت الضاحية، وانتفاضة إسقاط اتفاق 17 أيار، التي انطلقت من أمام المسجد على وقع خطبه، التي تعدّ بالآلاف، وأهمّها تلك التي كان يلقيها أيام الجمعة، بشقّين، ديني وسياسي، ويجتمع فيها حشد كبير من مختلف المناطق، حتى عُدّت صلاة الجمعة، التي يقيمها من أهمّ التجمعات الشيعية في لبنان، وخصوصاً بعد تصاعد حركة المقاومة، ما جعله هدفاً لمحاولة اغتيال بمتفجّرة بئر العبد الشهيرة في 1985.

    وأرسى هذا الزخم العلمي والسياسي، القواعد التي انطلق منها حزب الله، فكرياً وعقائدياً، إذ إنّ الشبّان المؤسّسين كانوا من الملازمين لمنبره، كما يعبّر مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر د. نجيب نور الدين. ومن أبرزهم الشهيد عماد مغنية، الذي تولى قيادة مرافقة السيد لسنوات عدة، والعشرات من الكوادر الذين شوهد بعضهم أمس باكياً بين المعزّين. إلّا أنّ فضل الله، يضيف نور الدين، «حافظ على استقلاليته التي استفاد منها الجميع».

    وجذبت حالة السيد غير المؤطّرة، وخطابه الفقهي المنفتح، فئات كثيرة في لبنان وخارجه. أمّا في النشاط الاقتصادي، فقد عمد السيد مطلع التسعينيات إلى تأسيس مؤسسات إنتاجية توخّى منها الاستغناء عن التبرّعات والمساعدات، فكانت محطة الأيتام على طريق المطار، التي أصبح لها عشرات الفروع في الضاحية والجنوب والبقاع. وفي 2004، أنشأ مطعم الساحة، وله اليوم فروع في كلّ من بريطانيا وقطر والسودان.

    وإضافةً إلى رعاية الأيتام، فإنّ آلاف العائلات تستفيد من تقديمات اجتماعية وصحية توفّرها مؤسسات السيد التربوية والاجتماعية. ويُقدَّر عدد الأيتام الذين تخرّجوا من جمعية المبرات منذ تأسيسها بحوالى مئة ألف يتيم.

    وجاء انتقال السيد إلى مسجد الحسنين في 1996، بعد تصدّيه للمرجعيّة. وحرص هناك على تأسيس منابر ثقافية، كالمركز الإسلامي الثقافي، الذي يضم المكتبة العامة، ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر، وهي آخر مؤسسة أسّسها فضل الله منذ سبع سنوات تقريباً.





  3. #333
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي























  4. #334
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي
























  5. #335
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي
























  6. #336
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي















  7. #337
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    أسف لكون نمط من الناس كان ممن لم يقرؤوه جيداً ولم يفهموه جيداً ولم يصغوا إليه جيداً وبعضهم معبأ بعُقد وحساسيات وحسابات، وبعضهم سقط أسير الضوضاء واللغط والضجيج، وبعضهم جانبه الصواب في النقد فاختار القذف بدل الحوار بالتي هي أحسن


    آية الله السيد الغريفي:
    أتمنى من الذين لم يفهموا السيد فضل الله أن يعيدوا قراءة موقفهم



    2010-08-12 م
    الوسط - السنابس – سعيد محمد

    حضور مجلس التأبين من كبار العلماء لفت عالم الدين السيد عبدالله الغريفي إلى أن «هناك من يقرأ (المرجع الديني الكبير الراحل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله) ويصغي له ويجالسه وينظر إليه فلا يزداد إلا نفوراً وكراهية وعداوة ورفضاً وابتعاداً»، وأضاف «مما يؤسف له، فإن هذا النمط من الناس بعضهم لم يقرؤوه جيداً ولم يفهموه جيداً ولم يصغوا إليه جيداً وبعضهم معبأ بعُقد وحساسيات وحسابات، وبعضهم سقط أسير الضوضاء واللغط والضجيج، وبعضهم جانبه الصواب في النقد فاختار القذف بدل الحوار بالتي هي أحسن».

    وقال الغريفي: «نتمنى أن يعيد هؤلاء قراءة الموقف ولهم كل الحق في أن يرفضوا وفق القناعة العلمية أي رأي أو فكرة أو فتوى أو طرح صادر عنه - رحمه الله - بعد التأكد من صحة النسبة إليه، وأن يكون الرفض محكوماً لمعايير وأدوات ومناهج وأساليب النقد العلمي بعيداً عن لغة التشويش والتشويه والإساءة والطعن».

    جاء ذلك في مجلس تأبين المرجع الراحل السيد فضل الله الذي أقيم مساء أمس الأول في مأتم السنابس بحضور لفيف من كبار العلماء والمدعوين، وبتنظيم من مكتب السيد الغريفي، والذي وُزِّع خلاله كتيباَ حمل عنوان «الراحل فضل الله... ثوابته الفكرية والعقائدية»، ودونت على غلافه عبارة «كل من خرج من النجف خسر النجف، إلا السيد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجف»، التي قالها المفكر الإسلامي الراحل السيد محمد باقر الصدر في حق المرجع فضل الله.

    وفي كلمته بالمناسبة، استهل السيد الغريفي بالقول: «وهكذا سكن الحزن في كل القلوب، واستقرت الدمعة في كل العيون وغابت البسمة على كل الشفاه. لقد رحل السيد الكبير. كان عنوان مرحلة بكاملها وليس مبالغةً أن نعده واحداً من الأنماط الاستثنائية في التاريخ المعاصر، الأمر الذي يضعنا أمام خيار صعب حينما نحاول أن نقرأه، فلا يمكن ذلك إلا أن نمارس تفكيكاً لمكونات شخصيته، فليس من الصعوبة أن نقرأ فقيهاً أو مفكراً أو مثقفاً أو أديباً أو خطيباً أو كاتباً أو مربياً أو داعيةً أو سياسياً أو قائداً أو روحانياً أو عرفانياً أو مجاهدا أو مرجعاً متميزاً، أما أن تأتلف هذه المكونات لتشكل عنواناً واحداً، فذاك هو السيد محمد حسين فضل الله».

    سر الانجذاب إلى الراحل الكبير

    وأضاف السيد الغريفي «أن محاولة قراءة الراحل الكبير في غاية الصعوبة والتعقيد شأن الأنماط الاستثنائية في التأريخ، ولست في صدد مقاربةً علمية، فهذه بعض كلمات عاجلة تحاول الاقتراب منه، وحينما تحاول الاقتراب، لا تملك إلا أن تنجذب إليه وتعشقه وتذوب فيه، وحينما تحاول أن تقرأه لا تملك إلا أن تنجذب إليه، وحينما تحاول أن تصغي إليه لا تملك إلا أن تنجذب، وحينما تحاول أن تجالسه لا تملك إلا أن تنجذب إليه، وحينما تراه في محرابه وخطابه وجهاده وفقهه وعلمه وفكره وثقافته وسياسته وقيادته لا تملك إلا أن تنجذب إليه، فما سر هذا الانجذاب؟ لماذا ننجذب إليه؟ لماذا نعشقه؟ لماذا نذوب فيه؟ هل السبب في ذلك: ثقافته وعلمه وفكره؟ فالكثير يملكون ذلك وتحترمهم وتنحني لهم لكنك لا تنجذب إليهم هذا الانجذاب».

    وتابع «يبقى السؤال مطروحاً: ما سر هذا الانجذاب؟، وقبل أن نجيب عن هذا السؤال، يواجهنا إشكال يقول: لا نسلم بهذا الانجذاب! هناك من يقرأه ويصغي له ويجالسه وينظر إليه فلا يزداد إلا نفوراً وكراهية وعداوة ورفضاً وابتعاداً؟ ومما يؤسف له، فإن هذا النمط من الناس بعضهم لم يقرؤوه جيداً ولم يفهموه جيداً ولم يصغوا إليه جيداً وبعضهم معبأ بعُقد وحساسيات وحسابات وبعضهم، سقط أسير الضوضاء واللغط والضجيج، وبعضهم جانبه الصواب في النقد فاختار القذف بدل الحوار بالتي هي أحسن، ونتمنى أن يعيد هؤلاء قراءة الموقف ولهم كل الحق في أن يرفضوا وفق القناعة العلمية أي رأي أو فكرة أو فتوى أو طرح صادر عنه – رحمه الله - بعد التأكد من صحة النسبة إليه، وأن يكون الرفض محكوماً لمعايير وأدوات ومناهج وأساليب النقد العلمي بعيداً عن لغة التشويش والتشويه والإساءة والطعن». واستدرك «هنا نقول: ما سر الانجذاب إليه؟، ونجيب بالقول: إن سر الانجذاب في تصوري هو ربانيته وبما تملكه هذه الربانية من عمق ووعي وبصيرة وصدق وإخلاص وطهر ونقاء وصفاء ورسالية وحركية وهادفية وعطاء وجهاد، ومن خلال هذه الربانية العاشقة لله، الذائبة فيه تشكلت كل مكونات شخصه».
    مشروع متكامل بين الأصالة والمواكبة

    ومن جانبه، قال رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيد مجيد المشعل في كلمة ألقاها بهذه المناسبة إن «قلوبنا يعتصرها الألم على فراق هذا العملاق الكبير وهذا الصرح في تاريخ الحركة الإسلامية»، وفي كلمته التي خصص لها عنوان «السيد فضل الله والإسلام الحركي»، سأل المشعل: «هل هناك إسلام حركي وإسلام غير حركي؟» مجيباً «إنه إسلام واحد لكن هناك مناهج متعددة تتحدث عن الإسلام وتقدمه للناس، وفي إطار وسياق المفاهيم تطرح مقولة الإسلام الحركي والإسلام غير الحركي، وهناك من يفهم الإسلام فهماً جامداً يحدد حركته في جوانب محدودة كالجانب العبادي أو الجوانب الاجتماعية البسيطة، وهناك من يفهم الإسلام فهماً حركياً بمعنى أنه يفهم الإسلام ذاك المشروع الكبير الذي يواكب حركة الإنسان في مختلف الجوانب والأبعاد، وينفتح على مختلف الساحات الحياتية العبادية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ضمن مشروع متكامل يتوفر على مقومات الأصالة والمواكبة من جهة والشمولية والحركية من جهة أخرى».

    وفيما يتعلق بجهود المرجع الراحل، ركز المشعل على أن «السيد الذي نجتمع اليوم لتأبينه هو من رواد مدرسة ومنهج الإسلام الحركي وهو من القمم الكبيرة من هذا الخط الإسلامي الكبير، ولا أستطيع أن أؤرخ ولست بصدد التأريخ لهذه المدرسة ولهذه المنهجية، ولكن الذي نفهمه من خلال المعاصرة أن سماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر هو من أسس وشيد أسس هذا المنهج، منهج الإسلام الحركي وجاء بعده علماء كبار واصلوا هذا الدرب وكانت لهم اللمسات الواضحة للدفع بهذا المشروع إلى الأمام، وكان السيد الراحل الكبير السيد فضل الله من كبار رواد هذه المدرسة (الإسلام الحركي)، ونستطيع أن نطرح مجموعة من المعاني لهذه المدرسة ومنها أنها تتبنى الوحدة الإسلامية كمنهج وخط عريض لهذا المشروع، فالراحل الكبير السيد فضل الله يتبنى الوحدة الوطنية باعتبارها حقيقة كبرى وهمّاً مصيرياً استراتيجياً في هذا المشروع ولا يطرح للمزايدات إنما يطرح كحقيقة واقعية لها أصولها ومبرراتها، فالوحدة الإسلامية تمثل مقوماً في مشروع الإسلام الحركي، أما المقوم الآخر فهو منطق الانفتاح والحوار مع الآخر من منطق القوة والثقة بالنفس، حيث أن رواد هذه المدرسة يمتلكون العلم والوعي والمعرفة التامة بمواقع القوة في هذا الإسلام، ولذلك لا يتهيّبون من أن ينفتحوا على الآخر ويدخلوا في حوار مع الآخر».

    الحوار والتسامح ومنطق «القوة»

    وتطرق السيد المشعل إلى منطق القوة والمقاومة والجهاد ومواجهة الاستكبار العالمي، فالإسلام الحركي يعتمد على هذا المنطق أي منطق القوة والمقاومة والجهاد ومنطق المواجهة للاستكبار العالمي، مشيراً إلى أن السيد فضل الله - في الوقت الذي يؤمن بالحوار والتسامح - فهو يؤمن بمنطق القوة في مواجهة الاستكبار العالمي ورعاية المقاومة، كما تطرق إلى مقوم التنمية لخدمة الناس ورعايتهم عبر المشاريع والمؤسسات الخدماتية.

    واختتم بالقول إن المجلس العلمائي يمثل عنصراً في مشروع الإسلام الحركي، ولكي يأخذ امتداداته الواسعة لابد أن يقوم على شخصيات علمائية تحمل الإسلام فكراً وسلوكاً، وتطرحه في المجتمع على مختلف الجوانب والأبعاد، والمجلس الإسلامي العلمائي يمثل خطوة رائدة في هذا الطريق، وسلوتنا في هذا الراحل الكبير من خلال بقاء مفاهيمه الإسلامية الحركية وبقاء هذه المقومات التي تمثل الأساس لهذا المشروع الإسلامي الكبير الذي لا يقوم على أشخاص بل يقوم على عناصر ومقومات تتناقلها الأجيال والعلماء جيلاً بعد جيل.

    آخر لحظات الراحل الكبير

    ولفت عريف مجلس التأبين باقر محمد جواد درويش انتباه الحضور حينما أشار إلى جزء من اللقاء الذي أجرته قناة «آفاق» الفضائية مع السيد جعفر فضل الله في شأن آخر لحظات المرجع الراحل فقال: «قبل يومين من وفاته، وقد أذن له الأطباء بذلك، وفي الليل، جاءنا اتصال على عجل وقد بدأ عنده النزيف الداخلي وفي حال النزيف كان واعياً فبدأوا بإعطائه وحدات من الدم. قال لي: هل أتى وقت الفجر؟ وكانت تعلو وجهه صفرة شديدة، فقلت له: لا لم يأتِ بعد مازال هناك ساعتان أو أكثر، فقال: رتبوني حتى أنام، ونام قليلاً واستقر حاله ثم بدأت عنده شيء من المضاعفات، فاستدعى أخي وأوصاه بمسألة المسجد، وفهمنا من ذلك بأنه يريد أن يدفن في المسجد بصوت ضعيف ويذكر أخي أنه كبر ثلاثاً، وتمتم بين كل تكبيرة وتكبيرة ثم ابتسم ابتسامة مميزة جداً وقال: أريد أن أنام. وهكذا رحل السيد الجسد وبقي السيد الروح والفكر والخط».

    الأفق الإنساني للانفتاح

    بدوره تحدث الشيخ شاكر الفردان خلال الحفل عن مناقب الراحل الكبير قائلاً: «إنه كان يؤمن بالحوار في مقابل العنف، وبالسلام في مقابل الحرب، والانفتاح على الآخر لأنه أوسع من التعايش لأنه يعطي المعنى أفقاً إنسانياً ولا يقتصر على جانب المعاملة، وتحدث عن الاستكبار بكل أصنافه وعلى رأسه الاستكبار الأميركي الصهيوني، ووقف إلى جانب المقاومة أينما كانت طالما تقارع الظلم والاحتلال، ووقف إلى جانب المقاومة في فلسطين لأنها تقدم القضية الأم».

    وأشار الفردان إلى أن «مسيرة المرجع الراحل كانت حافلة بالعطاء، غنيةً بالتجارب، مليئة بالمنعطفات الحادة، وكان مشاكساً فكرياً إذا جاز لي التعبير، يمشي على حد السيف ويقتحم الصعاب بكل جرأة وشجاعة، وكانت شخصيته مثار جدل من أية زاوية تقرؤها ومن أي مبنىً تدرسه، ولقد قفز بنفسه في سباق القفز العريض قفرةً تحدث فيها بلغة متقدمة وفكر بلغة متقدمة فاختلفوا فيه، فمن ضحك منه ومن أشفق عليه ومن تحير منه».

    وزاد قوله: «عجيب هذا الرجل، يفكر بصوت خافت ويحدث نفسه، لكنه يحدث نفسه بصوت عال ومسموع إلى أبعد الحدود. يستطيع أن يفكر كما يفكر الآخرون لكنه أراد أن يصل تفكيره إلى أبعد النقاط، واعتبره البعض سباحة في الخيال ونسجاً في الأساطير، ونحن هنا لا نريد أن نتحدث عن شخص السيد الراحل لأنه يرفض الشخصانية وتخشب العقل، وكان رحمه الله يضيق ذرعاً بالعناوين لأنها قوالب تحد من حركته، وقيود تمنع انطلاقته، وهو الذي يقول أبداً إن الإنسان لا يسير على عربة من الألقاب، فلنتحرر من الحديث عن الشخوص إلا أن تكون في امتداد الرسالة».

    وأوضح الشيخ الفردان في ختام كلمته أن «السيد الراحل ترك بصمات واضحة على الكثير من المجالات الدعوية، وتحدث عن الإنسان واعتبره المحور في فكره وسلوكه، وأن الدين جاء لحياة الإنسان وجاء الإسلام لينفتح على الآخر وأن تنطلق من أصالة النص لكن تتحرك من الواقع».

    وفي مجلس التأبين، ألقى كذلك كل من النائب السيد حيدر الستري والمؤرخ سالم النويدري والسيد محمد حسن كمال الدين قصائد رثائية.






















  8. #338
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    فضل الله: المرجع الرّوحيّ للمقاومة ورجل الفقه المنفتح
    بقلم : د. سعيد الشّهابي




    [align=justify]
    "لا أطلب إلا زوال الكيان الصّهيونيّ".
    [/align]
    [align=justify]
    [/align]
    [align=justify]
    كان آخر المواقف غير المعلنة قبل أن يستسلم للموت. هذه العبارة وردت في تقرير وكالة أنباء رويترز، يوم وفاة المرجع الدّيني، آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله، نقلاً عن طبيبه بمستشفى "بهمن" في بيروت.
    ألا يكفي ذلك لفهم دوافع التحرّك الكثيف للقوى الضّاغطة الصّهيونيّة ضدّ من يطلق كلمة مدحٍ أو ثناءٍ لهذا الرّجل؟ كيف يمكن فهم دوافع الحملة ضدّ فرانسيس غاي، السّفيرة البريطانيّة في لبنان، بعد أن عبَّرت عن احترامها له في رثاءٍ قصيرٍ خطّته بيديها بعد رحيله؟ لماذا اتّخذ القرار العاجل بفصل أوكتافيا نصر، المحرّرة المسؤولة عن تغطية منطقة الشّرق الأوسط بقناة "سي أن أن"، بعد أن عبّرت عن تقديرها للسيّد؟ وما الّذي دفع الكاتب البريطانيّ المعروف، روبرت فيسك، لوصفه بأنَّه "رجل جادّ ومهمّ، ساهمت خطبه حول الحاجة للإحياء الرّوحيّ والعطف، في بثّ الخير أكثر من أيّ شخصٍ آخر في بلدٍ تهيمن عليه الشّعارات؟ فإذا كان فضل الله رقماً صعباً في حياته، فإنّ غيابه أفجع محبيه. وإذا كان الغربيّون، وبعضهم في مواقع متقدّمة، ومن النّخب السياسيّة والمهنيّة، يدفعون ثمن "إعجابهم" أو "تقديرهم" لهذا الرّجل، فما الّذي حداهم إلى ذلك، وهم يعلمون أنّ القوى الضّاغطة الصّهيونيّة لمثلهم بالمرصاد؟
    [line]-[/line]
    لماذا يبقى فضل الله بعبعاً بعد رحيله، كما كان في حياته؟ ما الّذي يميّز شخصيّته عن الآخرين؟
    [line]-[/line]
    وهل يملك سوى الكلمة سلاحاً؟ هل إنّ تلك الكلمة أقوى من القنابل والصّواريخ التي استهدفته شخصيّاً ولم تفلح في إخماد صوته؟
    ما الّذي أزعج القوى الغربيَّة في خطاب الرَّجل، وخصوصاً أنَّ فيه ما يتناغم مع بعض ما يرفعون من شعارات، ولا سيَّما حول حقوق المرأة ولغة التَّسامح والحوار؟ أيّة إنسانيَّةٍ هذه الّتي تصادر حريَّة الرَّأي، فتمنع المسؤول من طرح رأيه إزاء شخصٍ يقدِّره ويعجب به؟ وربَّما الأهمّ من ذلك، من هو عالم الدِّين الّذي يرتضيه الغرب ممثّلاً عن المسلمين، ومعبّراً عن آراء الإسلام وقيمه ومبادئه؟
    إنَّ قراءة حياة السيِّد فضل الله، بكامل فصولها، منذ أن دخل ميدان الإسلام الحركيّ في الخمسينات، تعني قراءة تطوّر العلاقات بين الغرب والعالم الإسلاميّ في فترة ما بعد الحرب العالميّة الثّانية، مروراً باحتلال فلسطين والحقبة الاستعماريّة واكتشاف النّفط، وصولاً إلى صعود ظاهرة "الإسلام السياسيّ" الّذي كان فضل الله واحداً من أعمدتها. بل يمكن القول إنّه كان من أوائل من طرح تنظيراتٍ ورؤى للصّحوة الإسلاميّة المعاصرة، في فترة ما بعد الإمام حسن البنّا، متزامناً مع سيّد قطب والمودودي والسيّد محمّد باقر الصّدر، وصولاً إلى الثّورة
    [line]-[/line]
    ترجّل الفارس بعد أن أثخنت جسده المتعب جراحات الأعداء ومشقّة السّير الطّويل، وأسلم الرّوح إلى بارئها وهو لما يكمل المشوار
    [line]-[/line]
    الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام الخميني. وبالتّالي، فإذا كان الثّلث الأوّل من حياته يعتبر فترة النّشأة والبناء الأساس للفكر الحركيّ لديه، فقد قضى ثلثي حياته الأخيرين حاضناً للصّحوة، مؤطّراً لحركتها، ودافعاً لتعميقها وانتشارها، من خلال كتبه الّتي ناهزت السّبعين في شتّى المجالات.
    ترجّل الفارس بعد أن أثخنت جسده المتعب جراحات الأعداء ومشقّة السّير الطّويل، وأسلم الرّوح إلى بارئها وهو لما يكمل المشوار، وأيّ مشوار ذلك الّذي بدأه على أنغام الحروب والاحتلال، وما زالت تؤرقه حتّى يوم رحيله. وكما كان في حياته، مثيراً للجدل بسبب مواقفه ورؤاه، على أصعدة السّياسة والفقه والفكر، فقد بقيت تلك الإثارة متواصلةً حتّى بعد رحيله. وما استهداف من تفوّه بإطرائه من الغربيّين، إلا مؤشّر لتلك الإثارة. وما صمت بعض أقرانه عن قول كلمة وفاءٍ بعد أن غيّبه اللّحد، إلا جانب آخر لتلك الإثارة.

    فما طبيعة هذا الرّجل الّذي يمدحه بعض المحسوبين على معسكر "الأعداء"، ويبخل عليه الأقربون منه بكلمات مديحٍ مماثلة؟ العظماء موضع إثارةٍ للجدل، ويبدو أنّ المرء لا يكون ذا موقعٍ مرموق إلا إذا كانت أفكاره خارقةً للمعتاد وخارجةً على المألوف. وهذا يقتضي شجاعةً لا تتوفّر لدى أغلب النّاس. فالمجاملة والمسايرة، وربما "النّفاق"، من مستلزمات العيش في نظر البعض، والواحد من هؤلاء، لا يترك أثراً ملموساً على محيطه، فيعيش ويموت إنساناً عاديّاً على هامش الحياة. الأبطال هم الّذين يتّخذون القرارات والمواقف الّتي لا تعجب الجميع، فإرضاء النّاس غاية لا تدرك، وخوض الأهوال من شيم الشّجعان الّذين لا يرون خطراً على حياتهم أكبر من الموت. والموت أحياناً قد يبدو أقلّ المخاطر التي تنتظر هؤلاء الشّجعان. فكيف هو شعور المناضلين الّذين يتعرّضون لصنوف التّعذيب بمباضع الجلادين؟ ألا يصل الحال ببعضهم إلى مطالبة سجّانيه بإنهاء حياته للانتهاء من الألم الّذي لا يطاق، أو الإهانة التي لا يستطيع تحمّلها؟ وماذا عن المبتلين بأمراضٍ مؤلمةٍ جدّاً، ألا يبلغ الأمر ببعضهم اختيار الموت بديلاً من تلك الحياة المؤلمة؟ والألم النّفسيّ لا يقلّ عن الألم الجسديّ، ولذلك، فما أكثر الّذين ينتحرون بعد أن يعجزوا عن تحمّل الأذى النّفسيّ!
    [line]-[/line]
    أصبح السيد رقماً أساسيّاً في مشاريع ثلاثة متوازية: الصّحوة الإسلاميّة الناهضة في العالم الإسلاميّ، والمقاومة ضدّ الاحتلال، والفقه الدّينيّ المتجدّد
    [line]-[/line]
    لقد عاش السيّد محمد حسين فضل الله آلاماً من أصناف شتّى: فكريّة وسياسيّة، شخصيّة وجماعيّة، على مستواه كواحدٍ من أبناء الأمّة، وعلى مستوى المجتمع (بل المجتمعات) الّتي كانت تنتظر منه الإرشاد والتّوجيه والموقف. فكيف كانت نفسيّته في الثّامن من آذار (مارس) 1985، وهو يسمع الانفجار المدمّر الّذي هزّ ضاحية "بئر العبد" بتفجير قنبلةٍ كانت تستهدف القضاء عليه، وقد زرعها عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكيّة بدعم دولةٍ عربيّة؟ ماذا كان شعوره وهو يستمع إلى أرقام الضّحايا ترتفع كلّ لحظةٍ حتى تجاوزت الثّمانين؟ وتتكرّر محاولات تصفيته تباعاً طوال العقدين اللاحقين، لتبلغ أبشع صورها في مثل هذه الأيّام من تموز (يوليو) 2006، فإذا بالطّائرات والصّواريخ الإسرائيليّة تنهال على الضّاحية الجنوبيّة بقصف وحشيّ، استهدف في أولى عمليّاته منزل السيّد فضل الله ليحيله ركاماً. ونجا السيّد من ذلك العدوان، ولكنّه أبى أن يترك المدينة المنكوبة، وفضّل أن يبقى مع شعبه، شاهداً وشهيداً على العدوان والإرهاب الّذي كان يجري برعاية الدّول الكبرى. جريمته، في نظر أعداء الأمّة، أنّه كما ذكر الكاتب الصّحافيّ باتريك فورستيه (Patrick Forstie)، لم يتنكّر لمن يسعى لتحرير أرضه: "إذا كان السيّد فضل الله قد أعلن دائماً أنّه ضدّ العمليّات الانتحاريّة، فهو ليس ضدّ العمليّات "الاستشهاديّة"، الّتي هي واحدة من أركان الإسلام الشّيعيّ". إنّ تمسّك فضل الله، ليس ككاتبٍ أو محلّل أو مفكّر، بل كمرجع دينيّ، تترك رؤاه وفتاواه آثارها على أتباعه، وما أكثرهم، بموقفٍ واضحٍ إزاء مفهوم "الشّهادة"، جعله مستهدفاً من أعداء الأمّة الّذين يصرّون على احتلال أرضها واستضعاف أبنائها، إذ يقول: "الشّهادة ليست موتاً، إنّما هي في الأساس عمل روحيّ طوعيّ، لأنّ القضيّة أهمّ بكثيرٍ من الحياة".
    هذا التّفعيل لمفهوم الشّهادة، وخصوصاً في هذا الزّمن الّذي يسعى المتغرِّبون فيه للتخلّي عن المبادئ والقيم في مقابل احتضانهم من قبل الغرب، لم يعد مقبولاً، نظراً إلى تأثيره السّلبيّ، وخصوصاً في الاحتلال الصّهيونيّ في فلسطين. وإضافةً إلى مفهوم الشّهادة في الإسلام، فإنّ موقفه من مفهومٍ آخر بدأ الغربيّون يستعملونه بشكلٍ سلبيّ، مرفوض أيضاً. ففي السّنوات الأخيرة، أصبح الإعلام الغربيّ يطلق مصطلح "الجهاديّين Jihadists" على كلّ من يؤمن باستعمال القوّة لمواجهة العدوان، أيّاً كانت الظروف. ودخل هذا المصطلح بقوّة في الإعلام الغربيّ ضمن عناوين "الإرهاب". أمّا السيّد فضل الله فيقول: "ربما تحدّث الغربيّون عن مسألة الجهاد في الإسلام بشكلٍ سلبيّ، واعتبروها وسيلةً من وسائل العدوان وتدمير الإنسان. إنّنا نقول إنّ الجهاد في الإسلام تماماً كما هو الكفاح في كلّ الحضارات، هو عمليّةٌ دفاعيّة ووقائيّة".

    هذه الرّؤى الفقهيّة حسمت موقف الغربيّين تجاهه. وهذا الموقف لم يقتصر على الحصار الفكريّ والسّياسيّ والأمنيّ، بل تعدّاه إلى الفعل الأمنيّ الّذي استهدف حياته مرّاتٍ عديدة، حيث بدأ بمتفجّرة بئر العبد قبل ربع قرن، وتواصل بدون توقّف حتى وفاته. وكان واضحاً في ربع القرن الأخير، أنّه كان محدود الحركة، قليل السّفر، لاعتباراتٍ عديدة، أهمّها الجانب الأمني. فمنذ تفجير مقرّ قوّات المارينز الأمريكيّة والقوات الفرنسية في بيروت في 1983، أصبح الغرب مقتنعاً بأنّه هو الّذي بارك تلك العمليّات ودعمها، فبدأت الاستخبارات الأمريكيّة تعدّ الخطط لاغتياله بتوجيهٍ من الرّئيس الأمريكيّ آنذاك، رونالد ريغان. التّحقيقات التي أجريت لاحقاً لكشف الجهة المخطّطة لتلك الجريمة، أكّدت ضلوع الـ (سي آي آيه) فيها. ويذكر الصّحافي اللّبناني عمّار نعمة في صحيفة "السّفير" (13/7/2008)، "أنّ الحاج عماد مغنية هو الّذي قام بمتابعة مسؤوليّة التّحقيق، في محاولة الاغتيال التي استهدفت سماحة السيّد فضل الله في بئر العبد، والّتي أودت بحياة العشرات من الشّهداء". ويمكن القول إنّ تلك الجريمة أحدثت استقطاباً في العلاقة بين "الإسلام الحركيّ"، وفق تعبير السيّد نفسه، والتدخّلات الأمريكيّة في المنطقة، دعماً للاحتلال الإسرائيليّ، بل ربما يمكن اعتبار ذلك البداية الحقيقيّة لنشوء المقاومة الوطنيَّة الإسلاميَّة اللّبنانيّة ضدّ "إسرائيل" الّتي كانت قد اجتاحت لبنان في 1982 مستهدفةً الوجود الفلسطينيّ بزعامة السيّد ياسر عرفات. والملاحظ أنّ المواقف السياسيّة والفقهيّة للسيّد فضل الله، توسّعت دائرتها منذ ذلك الوقت، وأصبح رقماً أساسيّاً في مشاريع ثلاثة متوازية: الصّحوة الإسلاميّة الناهضة في العالم الإسلاميّ، والمقاومة ضدّ الاحتلال، والفقه الدّينيّ المتجدّد الّذي أصبحت له امتدادات في السياسة ومفاهيم المقاومة والجهاد. وتوسّعت اهتمامات السيّد، فوسّع آفاقه من مؤلّف وإمام جماعة وجمعة، إلى مرجعٍ روحيّ لقوى المقاومة. وانطلق مجدّداً في مسارٍ جديدٍ متّصل بمشروع الوحدة الإسلاميّة والانفتاح على الآخر. وعلى مدى ربع القرن اللاحق، تحوّلت شخصيّته إلى رمزٍ لعدد من الأمور:
    [line]-[/line]
    أبرز مزايا الراحل نزعته نحو التّجديد الفقهيّ، وتحرير الفقه من شوائب عديدة، كالرّتابة والجمود وتقديس الماضي من دون قراءةٍ ناقدةٍ للتّاريخ
    [line]-[/line]
    أوّلها: المشروع الوطنيّ اللّبنانيّ، إذ أصبح جهةً أساسيّةً لبلورة معالم لبنان الجديد الّذي تحوّل إلى بلدٍ مقاوم، يبحث كافّة الأساليب المتاحة للانتهاء من استحقاقات الحرب الأهليّة. وحظي السيّد تدريجيّاً باهتمام القادة اللّبنانيّين، وخصوصاً أنّه كان يدعو إلى تجاوز آثار الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، وبناء الجسور بين مكوّنات لبنان، بكافّة انتماءاتها الدّينيّة والمذهبيّة والعرقيّة.
    ثانيها: المشروع التحرّري الذي تمثّله قوى المقاومة في المنطقة، وخصوصاً لبنان وفلسطين، وهو السّبب الأهمّ لاستهدافه من قبل القوى الغربيّة. ووفّر له اهتمامه بهذا المحور، فرصة التّواصل مع رموز التّحرّر من قادة حركات وعلماء وكتّاب وإعلاميّين. وكان اهتمامه بقضيّة فلسطين ودعم المقاومة بعداً ثابتاً في شخصيّته، الأمر الّذي وفّر له احتراماً بين كافّة الفصائل الفلسطينيّة.
    ثالثها: المشروع الإسلاميّ، وتجلّياته السياسيّة والحركيّة، بما في ذلك دعم الجمهوريّة الإسلاميّة والحركات الإسلاميّة الممتدّة بطول العالم الإسلاميّ وعرضه.
    رابعها: المشروع الوحدويّ الّذي وجد أصداء له بتأسيس "تجمّع العلماء المسلمين" في لبنان، والمؤتمرات التي حضر بعضها ورعى بعضها الآخر. وقد أصدر في ذلك مقالات وكتباً تؤصّل قيم التّقريب والحوار والوحدة، وخصوصاً في مجال الحوار مع الآخر كالمسيحيّين.
    خامسها: المشروع الإنسانيّ وهو جانبٌ من تطوّر الفقه الإسلاميّ المعاصر. وقد تميّز السيّد بفتاواه التي ترعى التعدّد المجتمعيّ، فأصدر فتواه الشّهيرة بطهارة غير المسلم، معتبراً أنّ النّفس الإنسانيّة طاهرة بذاتها، وليست نجسة. كما اهتمّ بالمرأة والشّباب، وأولاهما من الاهتمام ما جعلهما يعتبرانه "مرجعاً روحيّاً" لهما بدون تردّد أو تحفّظ.

    سادسها: المشروع الرّعويّ، إذ نجح في تأسيس مبرّات خيريّة، ومستشفى ضخم، ومؤسّسات خيريّة وإسلاميّة، ومدارس ومعاهد للتّعليم المهني، إضافةً إلى مشروع التّعليم الدّيني الّذي يرعاه لتخريج علماء دين قادرين على حمل مهمّة البيان والتّبليغ والإرشاد. هذه الأمور جعلته رمزاً حيويّاً لجماهيره الملتفّة حوله، التي وجدت فيه دفء الاحتضان وحنان الأبوّة.

    سابعها: المشروع الفقهيّ الّذي نجم عنه حوزة علميّة واسعة تخرّج العلماء والفقهاء. وربما الأهم من ذلك، نزعته نحو التّجديد الفقهيّ، وتحرير الفقه من شوائب عديدة، كالرّتابة والجمود وتقديس الماضي من دون قراءةٍ ناقدةٍ للتّاريخ، والتّعامل مع العلم والتّكنولوجيا كعوامل مساعدة في تحديد الموضوع وتسهيل مهمّة إصدار الحكم، وتنقية الدّين من الموروثات والتّقاليد للتّمييز بين ما هو "إلهيّ مقدّس"، وما هو "بشريّ خاضع للتّدقيق والمحاكمة".
    [line]-[/line]
    كان فضل الله إنساناً انفصل بروحه وكيانه عن عالم الزّيف والنّفاق وازدواج المعايير، ليحلّق في عالم القيم والنّقاء والصّفاء، وهذا ما لا يدركه غير العارفين
    [line]-[/line]
    هذا المنحى التَّجديديّ، وفَّر للسيِّد مريدين كثيرين، وخصوصاً في فئات الشَّباب والنِّساء، وفي أوساط غير المسلمين من دبلوماسيِّين وإعلاميِّين، ولكنَّه في الوقت نفسه، أسَّس لحصارٍ من المؤسَّسة الدّينيَّة التّقليديَّة الّتي عارضت منهجه في الاجتهاد والفقه، وخصوصاً دعوته إلى تنقية الدّين مما علق به من موروثاتٍ غير ثابتة، على أسسٍ من الحديث أو الاجتهاد أو الفقه، وربما كانت انعكاساتٍ لثقافاتٍ وعاداتٍ موروثة، وليست من الثّوابت.
    ودعا إلى إعادة النّظر في التّاريخ والحديث، لتنقيتهما مما علق بهما من اجتهاداتٍ بشريَّة. هذا المنحى كان جديداً على المؤسّسة الدّينيّة، وخصوصاً في الدّائرة الإسلاميّة الشّيعيّة، الأمر الّذي أحدث إرباكاً وصل أحياناً إلى مستوى التّكفير والطّعن في النّوايا. ولوحظ غياب أيّ نعيٍ للسيّد محمد حسين فضل الله من المؤسّسة الدّينيّة، سواء في النّجف الأشرف العراقيّة، أو مدينة قمّ الإيرانيّة.

    هذا الغياب الملحوظ، ربّما خفّف منه اللّغط الدّائر حول الأشخاص من غير المسلمين الّذين أطلقوا تصريحاتٍ أعادت السِّجال حول مفاهيم كانت في عداد الثَّوابت، وخصوصاً حريّة التّعبير الّتي يبدو أنّها دائرة تضيق عن إطراء المحسنين وذمّ المسيئين. والصّراع هذه المرّة ليس بين السيِّد فضل الله والغرب، بل إنَّ وفاته أخرجت السِّجال من المحيط الإسلاميِّ الخاصّ، وأوصلته إلى الدَّوائر الغربيَّة نفسها. وهذا جانبٌ من أسرار صدق الموقف والثَّبات على المبدأ والصّمود بوجه العدوان والطّغيان والاستبداد.
    كان فضل الله إنساناً انفصل بروحه وكيانه عن عالم الزّيف والنّفاق وازدواج المعايير، ليحلّق في عالم القيم والنّقاء والصّفاء، وهذا ما لا يدركه غير العارفين، وهو كان، بدون شكّ، واحداً من أقطابهم.
    * كاتب وصحافيّ بحرينيّ
    التاريخ: 02 شعبان 1431 ه الموافق: 14/07/2010
    [/align]





  9. #339
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    ما بعد فضل الله ومآلات التّنوير الإسلاميّ





    عبد الرّحيم التّهامي

    لا شكَّ في أنَّ رحيل شخصيَّة من وزن السيِّد محمد حسين فضل الله وقيمته، أشعر الجميع بفداحة الخسارة، فالرّجل كان استثنائيّاً في زمنٍ استثنائي، لكن غياب الرّجال الاستثنائيّين من روّاد الإصلاح وأرباب الفكر التّنويريّ، يجعل من سؤال الما بعد سؤالاً تاريخيّاً بامتياز، هو سؤال لا يندرج في إطار العاطفة بقدر اندراجه في قلق الصّيرورة والامتداد، ومدى تواصل فاعليّة النّشاط التّفكيكيّ للبُنى الفكريّة العتيقة، أو تلك المستنفدة وظيفيّاً والمعيقة لانبثاق زمن التّنوير، ومقتضيات كلّ ذلك.


    أمّا التّنوير الإسلاميّ، فهو إمكانيّة تاريخيّة دائمة ومفتوحة على اشتراطاتها الخاصّة، هو رهان معرفيّ قائم على نصاب العقل والحرّيّة، وهنا نلتقي مع التّعريف الكانطي للأنوار، كما هو رهان سياسيّ على تقويض الاستبداد؛ التّقويض الّذي يمكن أن يعوّل على استدماج المقاربة المعرفيّة المعرّية للاتاريخيّة النّمط الاستبداديّ للسّلطة في عالمنا الإسلاميّ، فضلاً على لا إنسانيّته.

    مشكلتنا أنّنا صرنا نعيش التّاريخ من دون رهاناتٍ كبرى، وهذا نكوص عن مرحلة الكفاح الوطني والتحرّري، كما عن المرحلة التي أعقبتها، ففي كلتا المرحلتين، كانت هناك عناوين كبرى ورهانات تعنونت ببناء الدّولة الوطنيّة، ثم بالوحدة العربيّة، ولو من خلال جدليّته المعروفة؛ الوحدة شرط التّحرير (فلسطين)، أو التّحرير مدخل للوحدة العربيّة.


    لكن بعد سقوط كلّ هذه الرّهانات، بما فيها رهانات الإسلاميّين في مشروع «الدّولة الإسلاميّة»، مع استثناء التّجربة الإيرانيّة النّاجحة، انفتح المجال العربيّ والإسلاميّ عموماً على أنماط التديّن السّلفيّ بشقّيه السنّي والشّيعيّ، كمظهرٍ عن اختلالٍ بنيويّ في الواقع الإسلاميّ، أطاح وما زال يطيح كلّ مفاصل العقلنة والاستنارة في تراثنا الإسلاميّ.

    في هذا المناخ، كان السيّد فضل الله الرّائد التّنويريّ، يوسع من مساحة العقل، ويصدم الوعي السّاذج المكتفي والمطمئنّ إلى سكونيّته، ويناضل من أجل تأصيل الفهم الدّينيّ الصّحيح، من خلال دعوته إلى «التعمّق في النصّ الدّينيّ، وفي امتداد هذا النّصّ، كي يكون النصّ الدّينيّ للحياة كلّها، لا أن نحبسه في زنزانةٍ ضيّقةٍ من خلفيّاتنا الضيّقة، التي قد تكون مما نعيش معه في الماضي، أو نسقط بسببه في وحول الواقع».


    فكان من الطّبيعيّ أن تنفتح على السيّد جبهات العداء من خنادق التخلّف، وكان من أشدّها عليه، تلك الخنادق التي لمست في مشروعه عقلنةً تمنح هويّةً للتّشيّع، تؤصّله وتحرّره من جرح الذّاكرة، وتخلّصه من الغلوّ والخرافة، أو تلك التي تنبّهت لنباهةٍ تاريخيّةٍ في حركة السيّد، وهو يجدّد للتّشيّع وظائفه التاريخيّة، من مدخل التّلاقي مع الآخر المذهبي، بدل الانفصال عنه والقطيعة معه، بل هو التّواصل مع الإنسان على وفق قاعدة «إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخلق». فكلّ عناوين الحملات على السيّد، بمندرجاتها التفصيليّة، لا تعبّر في حقيقة الأمر إلا عن اعتراكٍ تاريخيٍّ معرفيّ، في سياق كسب رهان التّنوير بين نزوعات العقلنة ونقائضها الماضويّة والردّة العقليّة، وقد وظّف السيّد حريّة الفكر في هذا السّياق بأقصى درجات الجرأة والشّجاعة والاستقلاليّة، ليغني لحظته التّاريخيّة المقفرة، بمشاريع تروم عقلنة المعارف والممارسات.

    إنَّ أحد مداخل التَّعامل المسؤول مع المنجز التَّجديديّ العظيم للسيِّد فضل الله، يقوم على إدراج مشروع سماحته تحت عنوان التّنوير الإسلاميّ، والانطلاق من هذا المنجز ونظائره في إطار حركةٍ تنويريّةٍ راشدة، توسّع حضورها في السّاحة، وتدخل الباب على مناشئ التحجّر في الفكر الدّينيّ، بتصميمٍ قويّ على اقتلاعها، واجتراح عصر أنوارٍ إسلاميّ.


    وبالعودة إلى سؤال المآلات، فكما هو معلوم، فإنَّ الفكر العميق والخلاّق والمبدع والتأسيسيّ المتّصل بجوهر الحقائق الكبرى، يمتلك قابليّة البقاء، ولا يستنفده تتالي العصور، لكنّ الحديث هنا يتخطّى حياة الفكر إلى فاعليّة الفكر، لجهة تأمين وظيفته في الواقع، وإنزاله ضمن الأطر المرجعيّة المتقدّمة لفكر الحاجات التّاريخيّة، ثم الإمساك بالعناصر المنهجيّة لهذا الفكر، وإعادة تشغيلها في المعالجات الفكريّة لقضايا السّاحة، ولأسئلة الحياة التي لا تعرف النّضوب.

    وعلى هذا الأساس، فإنّ دور الحاضنة الفكريّة هنا؛ وهي النّخبة تحديداً؛ تغدو شرطاً حيويّاً وحاسماً في مآلات المشروع الفكريّ واستمراره، ولا يخرج ذلك في العادة عن أحد مصيرين، إمّا تموضع الفكر في دائرة التّراث الفكريّ المميّز والمتألّق، دون أن تستمرّ وظيفته في الواقع ضمن جدليّة التّفكيك وإعادة البناء، أو على عكس ذلك، من حيث تواصل فاعليّة الفكر في ممارسته التّفكيك على ما استنفِد من مناهج في إنتاج المعرفة، وإطاحة بعض بناءاته الفوقيّة، وإحلال البنى الجديدة محلّها، بإحكام الأسس المنهجيّة التي تقوم عليها.


    وللأسف، فإنّ المصير الأوّل هو ما قدّر لتجربة الشّهيد محمد باقر الصّدر، ومع أنّ الصّدر كان صاحب مشروع نهضةٍ وتجديد، وصاغ فكراً متّسماً بدرجةٍ عاليةٍ من الصّرامة النظريّة والمنهجيّة، إلا أنّ خطّه لم يستمرّ، فلم نشهد بعد رحليه المأساويّ تيّاراً ملموساً يوظّف منهجه في الكدح المعرفيّ، ويحمل فكره، ليكمل مسيرة الإصلاح الدّينيّ، باعتبارها كانت تمثّل عند الشّهيد أحد مداخل النّهضة المنشودة في الأمّة.

    إنّ مجرّد الاهتمام بتراثه، وإن كان أمراً محموداً في ذاته، فإنَّه مهما اتَّسع، يقصر عن الاستجابة للوظيفة التَّاريخيَّة، لأنَّ هذه الوظيفة تتقوَّم بما يتخطَّى مجرَّد الاهتمام، أي بتيّار حركيّ يواصل مهمَّة الاشتباك الفكريّ مع البنى الدّينيَّة والفكريَّة والثّقافيَّة الّتي تمثِّل عوائق بوجه النّهضة، وتعرقل الوظيفة التّحريريّة للدّين، كما يوسع من الهوامش المكتسبة التي تحوّزت عليها فكرة الإصلاح في نضالها، ومن خلال كلّ تعبيراتها.


    إنّ هذا التيّار النخبويّ الّذي نعبّر عنه هنا بالامتداد الأصيل، قد لا ينجح في لعب أدواره الطلائعيّة هذه، إذا لم يضفِ على مفهوم الامتداد معاني الإضافة (الفكريّة)، والإغناء والإبداع على المشروع الّذي ينطلق منه.

    وإذا كانت بيئة النّجف المغرقة في تقليديَّتها، والمتوجِّسة خيفةً من التَّجديد، قد شكَّلت شرطاً معاكساً أمام حركة الشَّهيد الصَّدر، ما اضطرّه لاعتباراتٍ مرحليّةٍ وموضوعيّة؛ ليس أكثر؛ لأن يخفّف من إيقاع حركة مشروعه الإصلاحيّ واندفاعته في البعدين الدّيني والحوزويّ، وأن يرجئ بعض عناوينه، حتّى اختطفته الشّهادة في منتصف الطّريق، فإنّ العلامة فضل الله، وبما أتاحته هوامش البيئة السّياسيّة اللّبنانيّة، وفي علاقة بالطّور التّاريخيّ الجديد الّذي أقحمت فيه التّجربة الشّيعيّة بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران؛ وجد نفسه منخرطاً من موقعه الخاصّ، وبما تراكم لديه من عدّة معرفيّة متعدّدة الأبعاد، ونفسٍ تجديديٍّ عميقٍ، في استحقاقات اللّحظة التّاريخيّة منذ مطلع الثّمانينات، مستكملاً المنجز النّهضويّ كما تبلور مع الشّهيد الصّدر، كما كان في الموعد التّاريخيّ مع التحوّلات التي أرهصت بها الثّورة الإسلاميّة في إيران، وهي تخوض لأوّل مرّةٍ سياق التّجريب بقيادة الإمام الخميني، مهتديةً بفكر قائدها، ومستندةً إلى أرصدة الفكر الإصلاحيّ، كما تجلّت بقوّة في نتاجات الشّهيد مرتضى مطهّري.


    إذاً يمكن القول إنّنا في سياقٍ تنويريّ أسهم فيه السيّد فضل الله، وعلى مدى عقود، وأقحم فيه فئاتٍ واسعةً داخل لبنان وخارجه، من الشّيعة والسنّة.. والوعي بهذا السّياق التّنويريّ كمكتسبٍ دينيّ وتاريخيّ، هو شرط لازم لإدامة فاعليّته، ودفعه لاستيعاب مجمل اللّحظة التّاريخيّة، ومن الخطأ أن ينحصر التّفكير في إيجاد شخصيّةٍ يمكن أن تغطّي بعض ما تركه السيّد فضل الله من فراغٍ بعد رحيله، لأنّ التّفكير كلّه يجب أن يتّجه، الآن، إلى حفظ وتأمين لحظة التّنوير التي افتكّها فضل الله بعملٍ جبّار من سياقات التخلّف الإسلاميّ؛ وضمِّها إلى كلّ روافد الاستنارة ومعطياتها في الأمّة.



    التاريخ: 2 شعبان 1431 ه الموافق: 14/07/2010 م

صفحة 23 من 23 الأولىالأولى ... 13212223

المواضيع المتشابهه

  1. انا لله وانا اليه راجعون
    بواسطة حسين سعيد في المنتدى واحة المناسبات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15-06-2010, 12:28
  2. انا لله وانا اليه راجعون ....... الارهاب من جديد
    بواسطة محمد من الكوفة في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-04-2008, 18:43
  3. مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 28-01-2007, 16:15
  4. مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 22-11-2006, 10:44
  5. انا لله وانا اليه راجعون
    بواسطة منتصر في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-02-2005, 23:16

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني