النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي أول خطبة في مسجد الحسنين بعد رحيل المرجع "قدس"

    خطبة الجمعة (الجمعة 20 رجب 1431 هـ / 02 تموز - يوليو 2010م)
    Share Today at 6:16pm
    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبتين:
    الخطبة الأولى

    وصية السيّد حفظ الإسلام

    يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155ـ 157].

    آن للجسد الطاهر أن يرتاح

    وأخيراً... رقد هذا الجسد المثقل بالتّعب والألم والمعاناة، فقد آن له أن يرتاح، وفي المكان الّذي أحبّ وأوصى به، محتضناً المسجد بجوار قاعة جدّته الزّهراء(ع)، بين كلّ الذين أحبّهم وأعطاهم من قلبه وعقله وحياته الكثير...

    هدأ هذا الجسد الطّاهر الذي لم يعرف هدوءاً، ولم يعش الرّاحة منذ سنيّ عمره الأولى، وهو الّذي كان يعتبر أنّ الراحةَ في هذه المرحلة حرام.

    رحل هذا الجسد وهو يحمل في ثناياه الأحلام والطّموحات الكبيرة التي كان يريد أن يحقّقها لولا المرض الذي أنهكه، ولهذا أبقاها فوق ضريحه، كما عبّر في بيتين من الشّعر نظمهما في آخر لحظات حياته:

    أنا حَسْبي إنْ تَغَشّاني الدّجى في ظلامِ اللّيلِ آهاتُ جروحي

    فالتفاتـاتُ حيـاتي فكرةٌ سوف تبقى حُلُماً فوقَ ضريحي

    القلب الّذي لم يعرف إلا الحبّ

    من على منبرك ـ وكم يعزّ عليّ يا والدي أن أخاطب محبّيك وقد ارتحلْتَ عن هذه الدّنيا ـ من على منبرك ـ أيّها السيّد الوالد ـ أخاطب أحبّاءك كما أحببت أن تخاطبهم دائماً:

    أيّها الأحبّة... أيّها الأوفياء... أيّها الطيّبون.. كنتم دائماً في قلب السيّد كما كان السيّد في قلوبكم... وعزاؤنا بارتحال السيّد الوالد، هو حرارةُ دموعكم أيّها الأوفياء..

    أيّها الطّاهرون، يا مَنْ أحبّكم السيّد، وأفنى عمره الشّريف في خدمتكم، آملاً أن نرتقي إلى مستوى القِمّة في كلّ ما يرفع مستوانا في الحياة...

    أيّها الأحبّة، يا مَنْ بادلتم السيّد وفاءً بوفاء... حبّاً بحبّ... إنّ وَقْفَتكم التاريخيّة في مُصابنا، وإنّ حرارةَ دموعكم التي انهمرت حزناً على السيّد الوالد هي عزاؤنا... أنتم في عيوننا، كما كنتم دائماً في عيون السيّد.

    رحل سماحة السيد (رضوان الله عليه)، وقد أبقى لنا الكثير، أبقى لنا هذا الحبّ الدّافق لله ولرسوله ولأهل بيته، والّذي تمثّل في مسيرته صلاةً وذكراً ودعاءً، ومسؤوليّةً وعملاً وجهاداً.

    لقد اتّسع قلب سماحة السيّد للجميع، حتى لأولئك الّذين شهروا بوجهه سيف العداوة، وجاهروا بها، فدعا إلى جعل لغة المحبّة لغة الحياة، حتى تكون الحياة أرقى وأطهرَ وأصفى وأبقى... أن يحبّ الإنسان الّذين يلتقون معه ليؤكّد لغة التواصل، وأن يحبّ الذين يختلفون معه ليؤكّد نقاط اللّقاء ويعمّق لغة الحوار.

    حفظ الإسلام

    لقد عاش السيد، وتمثُّلاً بهدْي رسول الله(ص) الّذي نعيش في ذكرى مبعثه الشّريف، همَّ النّاس، انطلاقاً من دوره كمرجعٍ إسلاميّ، مجسّداً الصّورةَ القرآنيةَ لعالِم الدّين الربّاني، مستهدياً ـ باستمرار ـ قول الله في حنوِّ رسول الله على أبناء الأمّة: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التّوبة: 128].

    لقد أبقى لنا السيّد (رضوان الله عليه) وصيّتَه الأساس، وهي حفظ الإسلام، فهو هبةُ الله لعباده، ورحمةٌ منه لهم، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحِلُّ لهم الطيّباتِ ويحرّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم، وهو النّور الذي يضيء لهم طريق حياتهم، ويطلق لهم فيها الحرية والعدالة والأمن والسلام.

    علينا جميعاً أن نكون كما كان السيّد (رضوان الله تعالى عليه)، مؤمناً بأنّ الإسلام رسالةٌ للحياة والكون والإنسان، فقد أخرج السيّد الدّينَ من سجون العصبيّات الطّائفيّة والمذهبيّة والفئويّة، محذّراً من تأثيراتها السّلبيّة على مجمل واقع الأمّة، تمزّقاً وتفريقاً وانقساماً، وطمعاً للعدوّ بخيراتها وطاقاتها وإمكاناتها.

    أرادنا السيّد أن نعيش روحيّةَ القرآن كما عاشها في كلّ حياته وحركته، فعَشِقَ القرآنَ بقلبه وعقله وروحه... ولقد خاطبنا على الدوام، بأنّ علينا أن نتربّى بالقرآن، وفي ضوء هذا المنهج القويم، لتكون مفاهيمُه مفاهيمَنا، وحركتُه حركتَنا في الحياة...

    كما أوصانا أن يظلّ رسولُ الله(ص) حاضراً في أذهاننا كما عاش في ذهنه وفكره وعقله، معتبراً أنّ دور العالِم الدّيني، هو دور الرّسول عن الرّسول، ودور الدّاعية عن الدّاعية الأوّل، ودور الإنسان الذي يتحمّل مسؤوليّة الإسلام في حياته...

    وأن نظلّ مع عليّ(ع)، الذي كان سماحة السيّد يذوب حبّاً عند الحديث عنه، لأنّ عليّاً كان ـ كما قال رضوان الله تعالى عليه ـ فوق العصمة...

    وأن نظلّ مع الزّهراء(ع)، جدّته وقدوته التي وَجَدَ فيها إشراقةَ العقل وسرَّ النبوّة... فهي أمُّ أبيها.. وقدوةُ الرّجال والنّساء.. الصّابرة المحتسبة رَغم كلِّ الجراح والآلام.. وإنّ سرَّها يكمن في أنّها الرابطُ المتين بين النبوّة والإمامة، وأنها صلةُ الوصل بينهما، فهي زوجة أوّل إمام، وأمّ الأئمّة الباقين من نسلِها ونسلِ زوجها أمير المؤمنين عليّ(ع).. وقد اختصّها الله بهذه الميزة والفضيلة، لأنها كانت المرأة الأكمل، والنّموذج الأرفع طهراً وقدساً وعبادةً وزهداً وخُلُقاً..

    وهكذا أكّد سماحته أن نثبت على التزام نهج البقيّة من أئمّة أهل البيت(ع) الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، فقيمتهم(ع) أنّهم انطلقوا بعيداً عن ذواتهم، فعاشوا الرّسالة كلَّها في فكرهم وإحساسهم وحركتهم وآمالهم، حتى كان كلُّ واحد منهم قرآناً يتحرّك، ورسالةً تتجسّد.

    صلاة الجمعة مشروع إسلامي

    لقد أوصانا سماحةُ السيّد (رضوان الله تعالى عليه) في ساعاته الأخيرة، بأنْ يبقى المسجد عامراً بحضوركم، لأنّ الله أراد لصلاتنا أن تكون فاعلةً في العقل والقلب والحركة، مؤكّداً أنّ المسلمين الّذين يبتعدون عن المسجد، يبقى الإسلام عندهم مجرّد كلماتٍ لا نَبْضَ فيها ولا روح...

    وبكلّ كيانه ووجدانه وروحه، عاش السيد صلاة الجمعة كمشروعٍ إسلاميّ، محورُه هذا الاجتماع الأسبوعيّ، تعزيزاً للوحدة، ولقاءً تربويّاً للمؤمنين، وترسيخاً لثقافة الوعي الدّينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ... وبقيَ، وهو في أقسى حالات مرضه، مواظباً على حضور صلاة الجمعة، وقد شاهدتموه وسمعتموه وهو يتحامل على نفسه في ذروة معاناته الصحيّة ينادي: أيُّها الأحبّة... احفظوا دينَكم ولا تَأْخُذْكُم في الله لومةُ لائم...

    العهد بالحفاظ على المسيرة

    إنّنا إذ نفتقده في هذه المرحلة الصّعبة، نعيش معنى أنّ السيّد كان بحجم أمّةٍ في رجل... ونحن إذا كنّا بفضل الله ورعايته قد شعرنا في وجوده بالأمان، وعملنا بتوجيهاته وإرشاداته في مواجهة القضايا الكبرى على كافّة المستويات... فإنّنا، ورغم شعورنا بِعِظَم الحَدَث الجَلَل، نقول: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، ونعاهدك أيها الحبيب، أنّنا سنصبر لنقوى ونستمرّ، لأنّ الإرث الّذي اعتصرت عمرك في سبيل بنائه وترسيخه كبير وكبير جدّاً، ويحتاج إلى عزم الأقوياء، وتلاحم الجهود وتضافرها، ولن يكون ذلك حِمْلاً على فرد، وإنما يحتاج إلى كلِّ طاقات الطيّبين والخيّرين والرّساليّين والمجاهدين والأحرار، وكلِّ الحريصين على سلامة الإنسان والمجتمع...

    وهذا ما يحمِّلنا مسؤوليّاتٍ كبيرةً في إكمال ما بدأه السيّد، وما خطّط له حفظاً للواقع الإسلاميّ، معاهدين الله على إكمال مسيرته وسيرته في الالتزام بوصيّته، وذلك بالخروج من زنزانات العصبيّات والأحقاد، إلى رحاب الوحدة بين المسلمين والوحدة الوطنيّة، ملتزمين بهذه الوصيّة المقدّسة في مواجهة ما يُحاك لنا من فتنٍ ومؤامرات... واضعين في أولى اهتماماتنا دعمَ كلّ موقع إسلاميّ أو إنسانيّ أو وطنيّ يواجه الاستكبار العالميّ الذي يعمل على مصادرة حرّية الشّعوب المستضعفة وكرامتها... وأكبرُ وفاءٍ للسيّد، هو تمسّكنا بالقضايا الأساسيّة الكبرى رغم كلِّ التحدّيات والمعوّقات، وتطهّرنا من كلّ أفكار الغلوّ والتّكفير والخرافة، لنحمل التشيّع كإشراقة شمسٍ في الإسلام لا ينطفئ نورُها حتى قيام السّاعة..

    نعاهدك سيّدي أن نظلّ في مواقع الأمّة، حيث فلسطين القضيّة، وحيث العراق الجريح، وأن نبقى مع المقاومة... هذه المقاومة التي سنعمل على حفظها بأهداب العيون، والّتي ما زالت كلماتك في دعمها وتأييدها تتردّد أصداؤها في مواقع النّصر مع المجاهدين، وستكون كتابَ العزّةِ الّذي نقرأه كلّ يوم...

    لا يزال صدى صوتك ـ يا سيّدي ـ ينتشلنا من مواقع الخوف إلى مواقع العزّة، لن ننسى حينما خاطبت أحباءك المجاهدين في أحلك الظّروف وأصعبها: "أيّها البدريّون الّذين يستمدّون القوّة من الله، ويستوحون روحيّة النّصر منه"... سيّدي، ستبقى هذه الوصيّة في حنايا ضلوعنا تنبضُ بالحياة...

    وهكذا لا يمكن أن ننسى وصاياه الدّائمة برفع مستوى المجتمع، وهو الّذي عَمِلَ على ذلك من خلال إقامة المؤسّسات الرّعائيّة والاجتماعيّة والتّربويّة على أنواعها، والتي تهتمّ بشؤون الأيتام والفقراء والمستضعفين، وقد تحمّلتم وتحمّلنا معه هذه المسؤوليّة التي نعاهده أن نبقى أوفياء لها.. وسنكمل معاً بإذنه تعالى كلّ ما عَقَدَ السيّد عليه الآمال في رعاية كلِّ هؤلاء، والمساهمة في تخفيف آلامهم، والعمل على تحقيق آمالهم...

    بقاء النّهج والخطّ

    أيّها الأحبّة... إذا غاب عنّا السيّدُ الجسد، فقد ترك لنا المنهجَ والخطّ، وواجبَ حفظِ الإسلامِ، والتزامَ شريعته وأخلاقيّاته.. لقد علّمنا من خلال مسيرته المباركة، أنّ الحياة ليست قائمةً على فرد، لذلك جسَّد السيِّد(رضوان الله عليه) بحركته الفكر والخطّ... فالمؤسّسات ستبقى أمانةَ الله في أعناقنا جميعاً لحفظها وتطويرها، لكي تكون على الدّوام خادمةً لكلّ مَنْ أُنشئت لأجلهم، وستبقى مستمرّةً بالتّفاعلِ والتّواصلِ معكم يا أهلنا، يا أحبّتنا، أيّها الأوفياء... وسنُبقي بإذن الله على المنهج حاضراً، كما كان في حياته الشّريفة، كذلك بعد رحيله إلى حيث المقرُّ الأبديُّ في جنان الخلد..

    أيّها الإخوة، قد نختلف في المرجعيّات، أو في بعض أساليب العمل ووسائله، أو في تقييم بعض الأمور، أو في أسلوب الدّعوة إلى الله، أو في النّظر إلى بعض المسائل الفقهيّة وغيرها.. ولكنّنا يمكن أن نتّفق على كلّ هذا الفكر الإسلاميّ الإنسانيّ الحضاريّ لسماحة السيّد، في إبقاء الإسلام نقيّاً صافياً، قويّاً في ساحات التحدّي التي يواجهها..

    وهكذا علّمنا أن نكون حريصين دائماً على رسالة الله، نعطيها من جهدنا وعرقنا ودمائنا وأموالنا، لأنّ الاستكبار شَهَرَ كلّ أسلحته في وجوهنا، فلا وقت للاسترخاء والرّاحة والدَّعة أمام التحدّيات...

    أيّها الأحبّة: كان الإسلامُ كلَّ همّه... وكانت الحقيقة غايتَه... وكان رضى الله غايةَ مُناه.. وإنّنا نعاهد الله أنّ نحفظ الرّكائز الثلاث التي عمل على ترسيخها ولطالما حكمت مسار عمله، وهي التي كان يردّدها على الدّوام: "العقل مفتوح، والقلب مفتوح، والبيت مفتوح"... ولن تُغلق بإذن الله أبوابُ هذه الرّكائز... سيبقى نورُ السيّد وصفاءُ روحه ووَهْجُ قلبه وإشراقةُ وجهه... سيبقى كلّ ذلك حاضراً في حياتنا..

    وإنّنا نعاهدكم أيّها الأحبّة.. أنّنا سنستمرّ، كما كان السيّد، حاملين لكلّ القضايا الكبرى في عالمنا... ولكلّ آلامكم وآمالكم في عيوننا والقلوب.. وأنّ موكب الحبّ الّذي خطّه سماحة السيّد للرّسالة والدّين والإنسان، سيبقى خطّنا ونهجنا وسيرتنا، وسنبقى الأوفياء لكلّ ما أوصانا به.. قولاً وعملاً وسيرةَ حياة..

    إلى جنان الله

    أيّها السيّد: يُلِحُّ علينا القلب تحرّقاً وشوقاً لرؤية وجهك السّمح، ولسماعِ صوتك العذب، ولتلمّس حنوّ يديك... يا حبيبَ الكلّ، يا أبَ الكلّ.. يا نورَ العيون في ظلمة اللّيل... يا شلاّلَ النّور ظلَّ متدفّقاً خيراً وصلاحاً وَوَرَعاً وتقوى...

    إلى مسراك الرّساليّ والاجتهاديّ والإنسانيّ تتوجّهُ العقول والقلوب...

    عزاؤنا أنّك بين النّبيّين والصدّيقين والشّهداء وحسُن أولئك رفيقاً..

    لن نقول يا والدي إلا ما قاله جدّك رسول الله(ص): "تدمع العين ويحزن القلب وإنّا والله على فراقك لمحزونون".

    سيّدي: كلُّ الأحبّةِ الذين ذرفوا على غيابك دموع الحبّ والشّوق والحنين، في كلّ أصقاع العالم، حزناً على رحيلك، أباً، حنوناً، عطوفاً، محبّاً، غيوراً، مقاوماً، أبيّاً، ورعاً، تقيّاً، فقيهاً مجتهداً.. يعاهدونك جميعاً على أن نبقى على خطّك ونهجك.

    يا والدنا.. يا والد الكلّ.. أيّها الرّاحل الكبير، كأنّك تخاطبنا من عليائك: أُحبّكم جميعاً وسأظلّ أحبّكم لله، أنتم أبنائي وأخوتي في الله، وإلى اللّقاء في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

    ثبّتنا الله وإيّاكم على خطّه، خطّ الإسلام في خطّ أهل البيت(ع)، فكراً ونهجاً وسلوكاً... وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الخطبة الثانية

    الساحة الإسلاميّة تفتقد السيّد

    يدخل لبنان والمنطقة العربيّة والإسلاميّة في مرحلةٍ جديدةٍ بعد رحيل سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، فقد طبعت المرحلة السابقة بطابعه الجهاديّ والعلميّ والتّنويريّ والفقهيّ والسياسيّ وما إلى ذلك.

    لقد ملأ سماحته ـ رضوان الله تعالى عليه ـ المرحلة التي عاشها عطاءً متواصلاً استمرّ إلى آخر أيّام حياته، حيث عمل على رعاية شؤون النّاس، والإجابة عن أسئلتهم، والسؤال عن حال الفقراء والأيتام، ومتابعة قضايا العالم الإسلاميّ حتّى آخر لحظةٍ من لحظات حياته، وكان يحاول الانتصار على المرض، كما انتصر على مشقّة الأيّام في كلّ رحلة حياته التي كانت رحلة عطاءٍ عنوانها المحبّة، هذه المحبّة التي عاشها بين يدي الله، وفاضت بها نفسه الزّكيّة الطّاهرة حبّاً للنّاس، حتى لأولئك الّذين لم يفهموه، أو حاولوا الإساءة إليه، لأنّه كان يستهدي رسول الله(ص) والأئمّة الأطهار، وكان يردّد دائماً: اللّهمّ اغفر لقومي إنهم لا يعلمون.

    لقد افتقدت السّاحة الإسلاميّة كلّها لسماحته، وشعر الجميع بحجم الفراغ في غياب هذه الشخصيّة التي حرصت على حماية الواقع الإسلاميّ ومسيرة الوحدة الإسلاميّة التي كان يعتبرها الخيار الأوّل والأخير... وأنّه لا مجال للتّنازل عنه، لأنّ التّنازل والارتداد عنه يعني رهن الأمّة للأعداء، وكشفها للآخرين أمام زحف الفتن، وهجمة الطغاة، ووحشية الاحتلال.

    الوقوف إلى جانب القضايا الإسلاميّة

    إنّ علينا أن نقف مع كلّ قضايانا عندما نعيش أفق هذه الشّخصيّة الإسلاميّة الكبرى، لأنّ سماحته يستمرّ حيث يستمرّ العمل للإسلام ولقضايا الأمّة، ولذلك فإنّ علينا أن نقف إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ في محنته، وفي التحدّيات الكبرى التي تواجهه، وخصوصاً في ظلّ تصاعد حدّة الهجمة التي انكشفت معالمها أخيراً في الاتفاق الأمريكيّ الإسرائيليّ، الذي توضّحت معالمه في اللّقاء الأخير بين رئيس حكومة العدوّ والرّئيس الأمريكيّ، لتفسح الإدارة الأمريكيّة في المجال واسعاً لكيان العدوّ لكي يوسّع دائرة زحفه الاستيطانيّ، لأنّ هذه الإدارة تحتاج إلى أصوات "اللّوبي" اليهودي في الانتخابات الأمريكيّة النصفيّة القادمة، ولتدخل البقيّة الباقية من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في دائرة التهويد الذي لا يترك أمام الفلسطينيّين من خيارٍ إلا المفاضلة بين الذّبح بالسيف أو الإعدام رمياً بالرّصاص...

    إنّنا ندعو شعوبنا، كما كان يدعوها سماحة السيّد (رضوان الله عليه)، ومن على هذا المنبر بالذّات، إلى الوقوف إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ، وكسر حلقة المؤامرة التي تقوم على إعطاء الفلسطينيّين الفتات مقابل توقيعهم على شطب القضيّة وإنهائها بالكامل.

    وعلى شعوبنا أن تدرك حجم المؤامرة في سعي المحاور الدّوليّة إلى تحريك الفتنة في الواقع الإسلاميّ، وتعقيد العلاقات بين الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران والدّول العربيّة المجاورة لحساب العدوّ، وسعي الجهات المعقّدة لإغراق الأمّة في الفتن المتحرّكة، من خلال العمليّات الإجراميّة هنا وهناك، كما حصل ويحصل في العراق، ولإراحة هذا الكيان الغاصب الّذي يريد لهذا الوضع أن يمهّد الطّريق لجولاته العدوانيّة القادمة.

    لبنان: مرحلة صعبة في غياب السيد

    أمّا في لبنان، فعلينا أن نكون على حذرٍ شديدٍ حيال ما تسعى بعض الدّوائر الاستكباريّة لحياكته بالتّعاون مع كيان العدوّ واستخباراته، وما الكلام الصهيونيّ الأخير حول إمكانيّة تدهور الأوضاع في الشّهور القادمة في لبنان، بالتّزامن مع صدور القرار الظنّي من المحكمة الدّوليّة، إلا تمهيد لذلك، وتهيئةٌ لأجواء الفتنة الّتي لا بدّ من أن نتصدّى لها ونعمل لوأدها في مهدها...

    إنّنا نطلّ على مرحلةٍ جديدةٍ صعبةٍ، وعلينا أن نستعدّ لها على جميع المستويات، وخصوصاً أنها مرحلة معقّدة تتلبّد فيها الغيوم السياسيّة والأمنيّة في غياب الشخصيّة الإسلاميّة الرّائدة التي كانت تحتضن المقاومة وتحمي المقاومين وترعاهم، وتعيش همّ الإسلام على مستوى العالم كلّه.

    إنّنا في الوقت الّذي نشعر بأهميّة هذه العاطفة الكبرى، وهذا التفاعل الوجدانيّ حيال سماحته (رضوان الله تعالى عليه) من الجميع، نشعر بثقل المسؤوليّة الواقعة على عاتق الجميع، والتي تستدعي حركةً دائبةً، وعملاً مسؤولاً، وتخطيطاً دقيقاً على جميع المستويات.
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    2,491

    افتراضي

    كنت أتمنى ان يكون خلف السيد الراحل ليس ابنه وإنما ابرز تلامذته او شخص اخر من ثقاته العلماء وليس كباقي المراجع يذهب الاب يأتي الابن...
    رحم الله السيد.
    غسلت ايدي من الكل... بس الله

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة salam مشاهدة المشاركة
    كنت أتمنى ان يكون خلف السيد الراحل ليس ابنه وإنما ابرز تلامذته او شخص اخر من ثقاته العلماء وليس كباقي المراجع يذهب الاب يأتي الابن...
    رحم الله السيد.
    نعم اتفق معكم في ذلك ..نظراً لوجود تجارب واقعية سيئة لمرجعيات اخرى في هذا المجال..ولما شكل للمراقبين والجمهور العام حالة من الحتمية والتلازم البعيدة عن الاستقلالية المفترضة في المرجعية ولو حتى شكلياً ..فضلاً عن الحالة النقدية التي رافقت الاداء والفكر التجديدي للسيد والتي كانت ولاتزال تتأمل الكثير من الخطوات التجديدية والمراجعات الحقيقية التي تجعل الامر مختلفاً ولو في شكلياته الى جانب مضمونه ..نظرا لماخلفه ولازال الواقع التقليدي في اشكاله ومضامينه من نتائج منتقدة او سيئة ..ولكن ان كان الامر يريد الصلاة ..فلا اظن ان الامر والله اعلم ..سيقتصر على ابنه السيد علي بل سيكون كما السابق في حياة السيد بين علماء عديدين من تلامذته ومنهم الشيخ ابو آمنه الكاظمي والشيخ حسين الخشن وولده السيد جعفر فضل الله وربما اخرين أيضاً ..اما المسائل والمواقع الاخرى فأظن ان الأمر خاضع للتعديلات التي قيل بانها خضعت لترتيبات ادارية مؤسسية وان كان لبعض اولاده او اخوانه مواقع وظيفية الى جانب آخرين ، كما السابق في حياته من غير ان تكون لهم يد مستقلة في القضايا المالية والحسابية كما سبق وان وضح السيد "قد" في لقاءات اعلامية تلفزيونية لمن نبزه في ذلك ايام الازمة التضليلية...وان كان الامر ربما ايضا أسهل نظريا منه عمليا لجملة من المحاذير التي قد تحيط وتفرض الالتزام بذات الاسلوب لا عن قناعة او عدم اعتقاد بضرورة التغيير والاصلاح في هذه المفردة بل لكون الامر فيه من الصعوبة من حيث الاولويات التي تجعل الوضع كماهو عليه من الناحية الاستثنائية حيث تتدخل في ذلك المحاذير الامنية وغيرها.ليصبح الفرق هو بين من يرى ضرورة التغييرنظريا وغيره الذي لايراه من الاساس وبين من يراه ويمتنع عن تطبيقه مؤقتا حتى تحين الفرصة والوقت لذلك..على العموم نحن بانتظار وصيته كما قيل وترتيبات واداء الفترة المقبلة التي نتمنى ان تكون موفقة وناجحة وبعيدة عن اي عراقيل او فتن او اي أخرى ..اما على مستوى المدرسة التجديدية من الناحية العلمية والعملية او الفكرية وعلى مستوى الحركة والاصلاح وبماشكلته من تراث يتصل بشكل وبآخر بمدارس اخرى علمية على امتداد حركة المرجعيات والمصلحين ، فما اعرفه ان هناك حركة سبقت رحيل السيد بعد معلومات طبيه كانت تشير لوضع الصحي الحرج قبل شهور من رحيله حيث كانت الاستعدادات وبالتشاور معه (رض) على رعاية هذه الحالة من الحركة والعمل بالطرق والاساليب التي تضمن ذلك .. الامر ليس بالسهل او الهين ولكنه ليس مستحيلاَ ..لكثرة التحديات التي واجهت وتواجه هكذا خطوط تجديدية تبحث عن الاصلاح في مناح عدة ..وبمنافسة خطوط ورموز او مرجعيات أخرى قد تتحد معها في المنهج العام وتختلف معها في التفاصيل او الاساليب او المشاريع والاولويات بمايخلق حالة من الارادات المتصارعة . ولكنني اظن ان الامر ربما لن يخرج عن الشخصيات العلمائية التي تؤمن بهذا الخط وعانت في سبيله بمعنى انه سيصار ربما الى كوكبة علمائية معينة ربما يبرز منها عالم او اكثر بعد فترة يعرف بتميزه في هذا المجال ..ولا اتجه هنا في موضوع التميز الفقهي او اراه كشرط في تميز هذا العالم وذاك في بقية المجالات الاخرى كالفكرية او الحركية او اخرى..بل قد تكون لدينا اسماء متعددة تبرز في مجالات متعددة ليصار الى حالة عامة متحدة من التميز كل ومجاله ربما تتطور الى حصول بعضهم على اكثر من ميزة (منها العلمي) تجعله مقبولا ومنافسا من حيث سرعة تقبل الواقع له واقتناعه به..لكون هذا الامر أصعب من غيره حيث يحتاج الى حالة من الشروط و التراكمية الخاصة فضلا عن الخصوصيات وتلائم تطوارات الواقع واختلاف حاجاته بما يخلقه من شروط اضافية جديدة مقارنة بحاجات الأمة...والعلم والامل وحده عند الله عزوجل فهو نعم المولى ونعم النصير.





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb



    رحمة الله على الفقيد الراحل المرجع المفدى السيد فضل الله وخير خلف لخير سلف

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    كانت توكل له مهمة تدريس"البحث الخارج" وإدارة "الندوة المفتوحة"من قبل المرجع فضل الله في أيام مرضه الشديد ..وتوقعات بأن يتولى مسئولية الإشراف الديني على المؤسسات والمبرات الخيرية الضخمة[line]-[/line]

    تساؤلات حول مابعد رحيل المرجع فضل الله
    وموقع آية الله السيد عبدالله الغريفي من بعده ؟

    التاريخ : السبت 10-07-2010 09:45 صباحا

    الكاتب: mustafa
    شبكة عراق القانون:

    لم يبرز الغريفي إلى الساحة الإقليمية والدولية فقط عند إعلان نبأ رحيل المرجع السيد فضل الله ، حيث إن العارفين بشخصيته ومكانته لدى السيد فضل الله من جهة , ولدى حزب الدعوة الاسلامية من جهة ثانية يعون جيدا أن أية الله الغريفي لاينحصر نفوذه داخل البحرين فقط .

    وفيما توقعت أوساط علمية أن يحتل السيد الغريفي موقعا مهما في مساحة الفراغ التي خلفها رحيل المرجع فضل الله على المستويين الديني والسياسي ، فإن ما هو مؤكد أنه أصبح الآن رقما مهما على الساحة السياسية والدينية , نظراً إلى أن مريده اصبحوا أكثر وضوحا في العراق ولبنان والبحرين , وبقية دول الخليج العربي .

    فمن الناحية الدينية ، من المتوقع أن يتولى الغريفي مسئولية الإشراف الديني على المؤسسات الضخمة التي أنشأها المرجع الراحل السيد فضل الله ، خصوصا إن الراحل كان في ايام مرضه الشديد يوكل اية الله السيد عبدالله الغريفي لتدريس مادة البحث الخارج بدلا عنه , كذلك إدارته للندوة المفتوحة التي كان السيد الراحل يقيمها كل يوم سبت في حوزته في السيدة الزينب .


    أما من الناحية السياسية ، فإن حزب الدعوة الإسلامية الذي كان يعتبر السيد الغريفي أحد أعمدته الكبار , والذي ينتمي إليه حاليا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يحتاج الى شخصية الغريفي بعد الفراغ الذي احدثه رحيل اية الله السيد فضل الله ، وهذا يعود الى أسباب موضوعية وتاريخية عديدة.

    من الناحية التاريخية، فإن الغريفي احد زعماء حزب الدعوة الذين بقوا على خط حزب الدعوة أثناء الفترات الحرجة التي عصفت بالتيار في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، ويعد الفضل في تماسك حزب الدعوة الاسلامية الى الغطاء الفقهي الذي وفره المرجع فضل الله، وإلى الكوادر التي قررت الالتزام بنهج الحزب وعدم القبول بالرأي الذي طالب به بعض الدعاة بضرورة حل التنظيمات الحزبية بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية , وكان يعتبر رفض حزب الدعوة الاسلامية لهذا الرأي هو بداية المواجهة بينهم وبين ايران , حيث بدأت الضغوط الايرانية عليهم منذ ثمانيات القرن المنصرم , ولاتزال قائمة لحد الان .

    وبحسب المطلعين ، فإن كوادر رئيسية من حزب الدعوة الاسلامية ممن آمنت بأهمية استمرار الحزب على نهجه الذي تأسس عليه من ضرورة البقاء بعيدا عن نفوذ أي دولة بضمنها إيران , قد تجمعت هذه الكوادر في سورية (بما في ذلك شخصيات رئيسية مثل نوري المالكي) ، وكانت تستظل بشخصية الغريفي ذات النفوذ الاجتماعي - الديني الواسع في حي السيدة زينب بالقرب من العاصمة السورية دمشق. وعليه ، فإن كوادر حزب الدعوة التي استظلت بفقه فضل الله ، كانت تعتبر إن السيد الغريفي هو الشخصية الثانية ممن يلجؤا اليها في سورية .

    الغريفي الذي عاش سنوات طويلة في سورية كان حصنا اجتماعيا ودينيا لكوادر حزب الدعوة، وهذا يفسر نوعية الاستقبال الذي حظي به عندما زار العراق في الفترة الأخيرة، إذ إن استقبالاته كانت تضاهي ما يحصل عليه كبار الزوار من الرؤساء والمسئولين من الدول الأخرى، سوى أنه عندما كان يجتمع مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والمسئولين الآخرين ممن ينتمون الى حزب الدعوة إنما كان يجتمع معهم ما يعادل مقام كبار علماء الدين الذين يسترشد بهم المسئولون .





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    في أول مقابلة له بعد إلقائه نبأ الرحيل:



    [glow=6699CC]لم يتحدث (السيد فضل الله)عن خلافته بشكل خاص مؤكداً على استمرار الخط، المنهج، المدرسة [/glow]
    آية الله الغريفي أحد الأعضاء

    المرجع فضل الله (رض) عين «هيئة أمناء» للقيمومة على المؤسسات تتكون من أعضاء من دول مختلفة ومراجع دين أبدوا استعدادهم لدعمها وسوف يعلن عن أسمائهم في الوقت المناسب[line]-[/line]مسئوليتي ومسئولية المخلصين لهذا الخط أن تستنفر كل القدرات العلمية والفكرية والعملية من أجل أن يبقى وعي المشروع المرجعي الشامل، وتتحرك تطبيقاته الممكنة من خلال بعض المواقع، والمؤسسات، والفعاليات القادرة على إنجاز جانب من الأهداف والخطوات


    أبو قوة - عقيل ميرزا

    كشف السيد عبدالله الغريفي عن أن المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله شكل قبيل رحيله مجلس أمناء للمؤسسات والمبرات الخيرية التي أسسها، وأنه - الغريفي - أحد أعضاء هذا المجلس.

    وقال الغريفي في أول مقابلة صحافية له بعد رحيل السيد فضل الله خص بها «الوسط»: «إن رئاسة مجلس الأمناء لم تحدد بعد، وإن المجلس هو الذي سيضع آلية ذلك».
    ونفى الغريفي الحديث الدائر عن تزعمه فقهيا وروحيا لحزب الدعوة، وقال «علاقتي جيدة مع الكثير من القوى الإسلامية العاملة في الساحة ولن ابخل عليها برأي أو توجيه إذا طلب مني ذلك».

    ولم ينف الغريفي تقلده للقب آية الله مكتفيا بالقول «لا أدعي لنفسي ذلك».
    وتحدث الغريفي في اللقاء عن ظروف تواجده مع المرجع فضل الله قبيل رحيله، وظروف إعلانه نبأ الرحيل، وعن الطريقة التي سيتم اعتمادها في إعلان هلال شهر رمضان المبارك، وموضوعات أخرى:

    ما هي ظروف تواجدكم مع السيد قبل رحيله بأيام؟

    - هذا التواجد المفاجئ فرضته الظروف الحرجة جداً التي وصل إليها الوضع الصحي لسماحة السيد رحمه الله.

    هل كانت لديكم معلومات عن حالته الصحية تفيد بأن وضعه الصحي حرج، وأن تلك الأيام كانت أيامه الأخيرة؟

    - كنت أتابع وضعه الصحي، وخاصة بعد حدوث النزيف الداخلي والذي أدخل على إثره إلى قسم العناية الفائقة في مستشفى بهمن، وقد تلقيت نبأ تدهور الحالة الصحية لسماحة السيد ظهر السبت (قبل رحيله بيوم)، ما اضطرني إلى التوجه فوراً عصر السبت إلى بيروت.

    هل كان رحيل السيد مفاجئا، أم كانت هناك إشارات من الأطباء بذلك؟

    - لم يكن الأمر مفاجئاً، وكانت إشارات الأطباء تؤكد ومنذ أشهر إلى صعوبة وضع السيد، تسلمت هذه المعلومة في الزيادة السابقة (قبل خمسة أشهر).

    في زيارتك قبل الأخيرة كم قدر لكم الأطباء المتبقي من عمر السيد؟

    - الأعمار بيد الله، ولكنهم قدروا بحسب معطياتهم فترة قصيرة لا تزيد عن الأشهر.

    وهل كان السيد فضل الله يعلم بذلك؟

    - لا... لم يخبره الأطباء بهذا التفصيل، ولكن كان واضحا أنه يشعر بذلك.

    ألم يتحدث الأطباء عن نوعية المرض الذي فتك بالسيد؟

    - بحسب الأطباء فإن المرض كان يتركز في الكبد.

    ولكن سرت شائعات أنه كان يعاني من السرطان؟

    - هذا غير صحيح، ولم يقل به الأطباء، وإنما كانت الكبد تالفة تماما، وهو ما ضاءل أمل الأطباء في الشفاء.

    هل كان تواجدكم مع السيد في أيامه الأخيرة بطلب منه؟

    - تواجدي المفاجئ كان بسبب تدهور الوضع الصحي لسماحة السيد، وبطلب عاجل من الإخوة في مكتب السيد...

    ماذا كان يغلب على حديث سماحته في أيامه الأخيرة، وأنتم بجواره؟

    - فور وصولي إلى بيروت (عصر السبت) توجهت إلى مستشفى بهمن حيث أبناء السيد وكل المحبين هناك، كان وضعه الصحي مستقراً، إذ إن النزيف الداخلي قد تمت السيطرة عليه، إلا أنه في حالة تخدير لقسوة الألم الذي يعانيه، فلم أحظ بشرف الحديث معه، والاستماع إلى كلماته والتي تمنيت أن أستمع إليها، إلا أن إرادة الله تعالى وقضاءه حالا دون ذلك... ولا راد لأمر الله سبحانه.

    ألا توجد للسيد فضل الله وصية عامة أو خاصة مكتوبة لم يتم الكشف عنها بعد؟ ومتى سيكشف عنها؟ وما هو فحواها؟

    - لم يحدثني أبناؤه عن وجود وصية مكتوبة خاصة أو عامة، وفي ظني أن سماحة السيد (قدس الله روحه) كان يرى أن خطابه المفتوح الدائم مع الأمة هو وصيته المفتوحة، فما عساه يقول في وريقات مكتوبة، وما ادخر شيئاً لديه إلا وتحدث به مع أبنائه ومحبيه...

    نعم، فهم أبناؤه من كلماته الأخيرة «المسجد المسجد» أنها وصية في أن يدفن إلى جوار المسجد، وتم دفن الجثمان الطاهر في موضع مجاور للمسجد، وفي المكان الذي تواجد فيه سماحته أثناء العدوان الغاشم الذي شنه الكيان الصهيوني على لبنان في حرب تموز المعروفة.

    ولكن ألا توجد للسيد وصية تتعلق بخلافته وإدارة مؤسساته؟

    - لم يتحدث عن خلافته بشكل خاص... وإنما كان يؤكد على استمرار الخط، المنهج، المدرسة، وأما المؤسسات فقد عين «هيئة أمناء» للقيمومة عليها، والحفاظ على بقائها وديمومتها واستمرارها.

    كيف تم اختيار الغريفي لإعلان نبأ وفاة السيد في مؤتمر صحافي أمام وسائل الإعلام العالمية؟

    - اختياري لإعلان نبأ الوفاة، كان رغبة جميع أبناء السيد وعائلته وكل المقربين لديه، وأعضاء مكتبة...

    عفوا، ولكن... أليس بحسب عرف الحوزات الدينية بأن من يلقي نبأ الوفاة عادة ما يكون الرجل الثاني بعد العالم المؤبَّن؟ فهل كان إعلانكم للنبأ من هذا القبيل؟

    - ليس في الحوزات عرف بهذا الشأن... وعادة من يعلن النبأ هو الأقرب والألصق بالفقيد (الابن الأكبر، الأخ... ) إلا أن أبناء السيد وعائلته وأقرباءه أصروا أن يشرفوني بهذه التكليف، فاستجبت لرغبتهم...

    ولكن ألا نفهم من هذه الرسالة أن الغريفي الآن يحمل على عاتقه مهمات ومسئوليات كان السيد الراحل يقوم بها؟

    - كل الرموز الشاخصة في هذا الخط يحملون على عواتقهم مهمات ومسئوليات كبيرة من أجل استمرار وديمومة خط الوعي في الأمة، وخط العمل من أجل الإسلام، والدفاع عن أهدافه الكبرى... وما تركه لنا سماحة المرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله من نهج رسالي متميز يفرض علينا أن نكون الأمناء على بقائه واستمراره.

    إذاً، من سيشغل الفراغ الذي خلَّفه السيد من الناحية الدينية والاجتماعية والسياسية؟

    - الساحة غنية بمراجع وفقهاء وقادة ومفكرين نعتز بهم، ونفخر بوجودهم، وهم ملاذنا وحصوننا، إلا أن رحيل السيد شكل خسارة كبرى يصعب تعويضها، فشخصية تملك هذا التنوع في الكفاءات والقدرات والاستعدادات والعطاءات والإنجاز ليس من السهل إعادة تشكلها وإنتاجها في هذا الزمن المنظور، ونأمل أن تتضافر جهود مكثفة، وقدرات متنوعة، وكفاءات متعددة، ومؤسسات هادفة، لتساهم في التخفيف من وطأة الفراغ الكبير الذي خلفه رحيل سماحة السيد محمد حسين فضل الله.

    كان المرجع الراحل هو بنفسه يعلن عن بداية ونهاية شهر رمضان المبارك، وذلك بحسب رؤيته الفقهية التي تعتمد على الفلك، اعتمادا كليا، فمن الذي سيعلن ذلك هذا العام والأعوام المقبلة؟

    - يمكن لمكتب سماحة السيد أن يعلنوا عن ذلك وفق المبنى الفقهي لسماحة السيد والذي يعتمد الحسابات الفلكية كطريق شرعي لإثبات الهلال...

    أعلم أن المكتب كان يشترك في التشخيص، والسيد هو من يعلن ذلك، فهل الغريفي هو الذي سيعلن ما يشخصه المكتب بحسب مبنى السيد فضل الله.?

    - يمكن أن أعلن ذلك إلى مقلدي السيد.

    وهل الغريفي يرى ما يراه السيد فضل الله في الاعتماد على الفلك في تثبيت الهلال؟

    - نعم أنا مقتنع برأي السيد في ذلك.

    كما هو معروف بأن المرجع الراحل تمت مواجهته ومواجهة آرائه مواجهة حادة في حياته، فهل تعتقدون بأن ذلك سيستمر بعد وفاته أيضا؟

    - ما أتوقعه أن قدراً من الإثارات المناوئة سوف تستمر، كون المشروع المرجعي الذي أطلقه سماحة السيد مازال هاجساً مقلقاً في بعض الذهنيات، وأن رؤى السيد وأفكاره ومواقفه ستبقى تلاحق الواقع المتخلِّف، غير أن أوار المعركة سوف يخف كثيراً، وسوف يعيد الكثيرون حساباتهم، بعد إذ لم يعد الموقع المرجعي يشكل وجوداً حاضراً.

    بعد مواجهة المرجع الراحل أيام حياته من قبل البعض؟ كيف نفهم الإجماع على خسارته العظمى بعد وفاته؟ وكيف نفهم هذا التشييع التاريخي له، وحداد الحوزات الدينية وتعطيلها على رحيله ومشي الحشود والوفود من مختلف الدول خلفه إلى مثواه الأخير؟

    - هذا التفاعل المنقطع النظير هو تعبير حقيقي عن حجم الرصيد الذي يمتلكه المرجع الراحل في أوساط الأمة، بمختلف مكوناتها وأطيافها وولاءاتها، وقد تجاوز هذا التفاعل المساحة اللبنانية ليمتد إلى المساحات العربية والإسلامية والعالمية، وتجاوز الداخل المذهبي ليمتد في كل الواقع الإسلامي والديني والإنساني.

    هناك مساحة كبيرة كانت صامتة محكومة بحسابات وضغوطات كان ذلك يوم كان السيد حياً يواجه الحملات الظالمة، هذه المساحة الصامتة انفعلت بصدمة الفاجعة وربما جاء انفعالها تعبيرا عن ندم الصمت والتقصير... واستمر البعض على موقفه في التصدي والمواجهة.

    ماذا عن تعويض خسارة رحيل المرجع فضل الله؟ هل خطط السيد لشغل الفراغ الذي سيخلفه رحيله؟

    - لقد أطلق سماحة السيد مشروعه حول المرجعية الشاملة بشكل مكثف، وقد حدد لهذا المشروع ثلاثة مرتكزات:

    - المرجع
    - المؤسسة المرجعية
    - الأمة

    وقد أكد من خلال أطروحاته ضرورة التوفر على كفاءات اجتهادية مؤهلة قادرة أن تنطلق بهذا المشروع... وضرورة هيكلة العمل المرجعي بما يتناسب مع حاجات العصر، وضروراته، ومتغيراته، وتحدياته، وضرورة الانفتاح على الأمة لتشكل الحضن الكبير لمشروع المرجعية...

    وقد مارس سماحته بعض تطبيقات هذا المشروع... أما ماذا ترك بعده:

    - فقد استطاع أن يبقي المشروع في وعي بعض النخب الحوزوية، وفي وعي بعض النخب الثقافية.

    - واستطاع أن يبقى المشروع في وجدان مساحة من جماهير الأمة.

    - واستطاع أن يحرك الحوار لبقاء ثقافة المشروع. تاركاً للزمن أن يتمخض عن ظروف ملائمة تسمح بولادة المشروعة وتحركه.

    كما هو متداول في بعض ندوات السيد الراحل بأنه كان يطلق عليكم لقب آية الله، وهو لقب بحسب أعراف الحوزات الدينية لا يطلق إلا على المجتهد القادر على استنباط الأحكام الشرعية؟ فهل نفهم من خلال ذلك أن الغريفي بلغ هذا المستوى الفقهي؟

    - لا أدعي لنفسي ذلك، ولست سوى واحد من تلامذة هذه المدرسة التي أسسها الشهيد الصدر، واحتضنها وغذاها السيد محمد حسين فضل الله.

    دعنا نتحدث عن هذا الأمر بصراحة أكبر، هل سيصدر الغريفي رسالته العملية مثلا وذلك استمرارا للمدرسة الفقهية التي كان عليها المرجع الراحل؟ والتي كنت أحد مريديها، وخصوصا أن هناك أقاويل بأن لكم آراء فقهية لم تعلنوا عنها؟

    - أجبت على السؤال.

    ولكن هل يمكن أن يأخذ الغريفي دورا فقهيا بعد رحيل السيد فضل الله؟ وما هو نوع وحجم هذا الدور؟

    - مسئوليتي ومسئولية المخلصين لهذا الخط أن تستنفر كل القدرات العلمية والفكرية والعملية من أجل أن يبقى وعي المشروع المرجعي الشامل، وأن تتحرك بعض تطبيقاته الممكنة من خلال بعض المواقع، والمؤسسات، والفعاليات القادرة على إنجاز جانب من الأهداف والخطوات.

    ولكن ماذا عن المؤسسات الاجتماعية التي خلفها المرجع فضل الله؟ تحت مظلة وشرعية أي من العلماء ستعمل هذه المؤسسات؟

    - هناك مراجع دين ابدوا استعدادهم لدعم هذه المؤسسات، والحفاظ على بقائها وديمومتها، وسوف يعلن عن أسمائهم في الوقت المناسب.

    طيب... هل سيكون لكم دور في إدارة هذه المؤسسات؟

    - اسمي ضمن هيئة الأمناء التي شكلها سماحة السيد قبيل رحيله، ولن أدخر وسعاً في حراسة وحماية هذه المؤسسات الخيرية والإنسانية، فهي أمانة في أعناقنا جميعاً.

    وهل مجلس الأمناء الذي تعنيه لم يكن موجودا في حياة السيد؟

    - لا لم يكن موجودا ولكنه شكله بعد تدهور حالته الصحية، ودون أسماء أعضائه كتابيا قبل أن يرحل.

    ومن هم الأعضاء؟

    - هم شخصيات لبنانية وخليجية سيعلن عنها لاحقا.

    وبما أن الغريفي هو أحدهم فهل من المتوقع أن يرأس هذا المجلس؟

    - الأمر متروك لمجلس الأمناء ويمكن لأي من أعضائه أن يرأسه، فكلهم ثقة السيد الراحل.

    ماذا عن الحديث الدائر بأن الغريفي الآن أصبح المرجع الروحي، والديني لحزب الدعوة؟

    - حديث لا أساس له من الصحة إطلاقاً، علاقتي جيدة مع الكثير من القوى الإسلامية العاملة في الساحة ولن ابخل عليها برأي أو توجيه إذا طلب مني ذلك.

    ولكن واضح أن كثيرا من ناشطي ورموز حزب الدعوة ومنهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يكنون لكم احتراما كبيرا؟

    - من الطبيعي أن القوى الإسلامية العاملة في الساحة تكن الاحترام لكل الرموز الدينية المتصدية، وعلاقتي مع الإخوة في الساحة العراقية وبمختلف فصائلهم قديمة صنعتها أجواء الهجرة التي جمعتنا، وزاوجت بين همومنا، وقضايانا، وأهدافنا.

    كونكم تحملون عبئا مع آخرين كما تقولون، فهل ستقل الأعباء الملقاة على عاتقكم والتي تخص البحرين؟

    - لاشك أن رحيل المرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله وضع على عاتقنا أعباء كبيرة، إلا أن الساحة البحرانية موقع أساس في اهتماماتي...

    ولكن عالمية شخصية الغريفي الآن ألن تحدد دوره في البحرين؟

    - لا أجدني مدفوعاً للتناغم مع الضجة الإعلامية والتي تصنعها مطابخ سياسية لاجتذاب أشخاص إلى مواقع الشهرة والبروز من أجل أهداف وتوجهات يجب أن نقرأها بدقة وتأنٍ.


    صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2872 - الأحد 18 يوليو 2010م الموافق 05 شعبان 1431هـ



    اية الله السيد عبد الله الغريفي في لقاء أول بعد رحيل السيد المقدس فضل الله





  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,596

    افتراضي

    ..لن يستطيع أحد بمفرده أن يقوم بمسؤوليّة حمل عبء هذا الإرث الّذي خلّفه سماحة السيد..هناك مسؤوليّة مباشرة وأمر عاطفي إلى جانب الأمر الرّسالي وسنتابع المسيرة ونحن نعتبر ذلك كله في عهدة الأمّة بأكملها[line]-[/line]سماحة السيّد كان حريصاً على استمرارية المؤسسات ولذلك عهد برعايتها الى مجموعةٍ من العلماء الموجودين في أطراف العالم الإسلاميّ الّذين واكبوا عمل سماحة السيّد وشاركوه في تشييدها ولاجانبٍ ذاتيّ لدى السيد (رض) في هذا الموضوع.[line]-[/line]المرجعيّة لا تورّث

    ليس هناك شخصيّة في لبنان يمكن أن تحلّ محل السيد بصفته المرجعيّة..ولا يمكن لأحدٍ أن يقول أنا مرجع إبن مرجع أو أخ مرجع..كان السيّد حريصاً دائماً على الأصول في المرجعيّة في النّهاية المرجعيّة هي عمليّة جهدٍ فقهيّ وجهدٍ أصوليّ.. مع تمنياتنا أن يبرز هناك مرجعيّات في الساحة تملك الانفتاح الفقهيّ الذي كان لدى السيد


    السيد علي فضل الله..
    كان والدي يردد دائماً :
    أنا مع الجمهوريه الإسلاميه حتى لو رجمتني بالحجارة.
    ليست المشكلة في المشاعرالمتبادلة المؤكدة مع القيادة الإيرانية فالأمر وان كان له علاقة بموضوع المرجعيّة الا انه ليس لبها..لأناس في داخل إيران وبشكل أكيد دخل في الأزمة تجاه السيد (رض) ولكنها كانت بعيدة عن تورط قيادتها او الأشخاص الفاعلين والممثّلين لها في معظم السّاحة..فمن كانت له مشكلة معه (رض) هو من كانت له مشكلة أيضاً مع قيادتها.[line]-[/line]
    (شبكة الفجر الثقافية) - (2010-07-21م)

    [align=justify]تربى وترعرع في منزل العلم والعلماء حتى غدا شبيها بوالده بمواقفه وبابتسامته وحتى في ابسط حركاته وفي كثير من الاحيان كان يمثله في العديد من المحافل المحلية والاقليمية وحتى الدولية. ومع انتهاء مراسم العزاء خص صحيفة الوفاق، ووكالة الجمهورية الاسلامية للانباء بلقاء خاص ركز في مستهله على وصايا الوالد. وقال نجل سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله، السيّد علي فضل الله، إنّ الرّاحل قد ركّز في وصاياه على أربعة أمور، أوَّلاً: حفظ الإسلام وخطّ أهل البيت(ع) وإبقاء الإسلام نقيّاً صافياً في مواجهة التحدّيات، وأيضاً تنقية تراث أهل البيت (عليهم السّلام) من الشَّوائب التي تعلَّقت به، حتى نستطيع أن نقدّم هذا التّراث إلى العالم بالصّورة الصّحيحة اللائقة بهم. وطبعاً كان السيّد حريصاً على أن يقف أمام كثيرٍ مما حمّل هذا الخط من إضافاتٍ تسيء إليه، سواء كان على المستوى الفكريّ أو العقائديّ أو على مستوى الممارسات. والجانب الآخر تمثّل بحرص السيّد على المقاومة على المستوى العالمي سواء المقاومة الإسلامية في لبنان أو في فلسطين أوالمقاومة النظيفة في العراق.

    كما كان سماحته شديد الحرص على سلامة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، التي كانت دائماً في عين السيد وفي قلبه وفي عقله، وأنا أستذكر ما قاله في وقتٍ من الأوقات خلال زيارةٍ له من أحد المسؤولين الإيرانيّين: إنّه مهما قيل عني، وحتى لو رجمتوني بالحجارة، فإني سأبقى مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. أنا أعتبر أنّ هذه الجمهوريّة تمثّل الإسلام وتمثّل خطّ أهل البيت(ع)، وتمثّل الموقف الصلب أمام الاستكبار العالميّ. إيضاً كان حريصاً جداً على الوحدة الإسلاميّة بما هي قضيّة جامعة، وشرط ضروريّ لمنعة الأمّة الإسلاميّة وعزتها. أستطيع القول إن هذه هي أبرز القضايا التي كانت تشغل بال سماحة السيّد، وكان يشعرنا كأفراد وكأمّة بأهمية العمل لها. وإلى ذلك اهتمّ سماحته اهتماماً خاصّاً بالمسجد، وقد تحدث إلى أحد أخوتي وهو على فراش المرض، أن يكون المسجد هو الملاذ الآمن الّذي (لا بدّ من الحرص على التردّد الدّائم إليه). وكان يعتبر أنّ المسجد هو حصن الإسلام، ومبعث الجوّ الروحي والإيماني والفكري والثقافي للمسلمين، وهو يلتقي بذلك مع الإمام الخميني(رض)، الّذي وصف المسجد بالمتراس.

    هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، كان أحد همومه الكبرى مقاومة إسرائيل حتى زوالها من الوجود. ففي جوابه لأحد الممرّضين الذي سأله قبل رحيله بأيّام: هل أنت مرتاح (سماحة السيّد)؟ أجابه سماحته بحزم: أنا لن أرتاح إلا عندما تسقط إسرائيل.

    وكان بذلك يعبّر عن حرصه البالغ على هذه القضيّة التي كان يعتبرها أمّ القضايا. إذ لم تكد تخلو خطبة من خطب الجمعة، التي كان يلقيها من على منبر الإمامين الحسنين وقبلها في بئر العبد، من الحديث عن فلسطين، وهو كان يرى في القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الاولى بل هي قضية كل الأحرار الذين يرفضون الظلم في العالم. لأنّه كان يعتبر أنّ هذه القضيّة إذا لاقت الاهتمام الّذي تستحقّ من المسلمين، فستشكّل المفتاح الأساس لمعالجة الكثير في قضايانا، لما يمثّله هذا الكيان الصّهيوني من مانعٍ أمام استقرار المنطقة بل العالم.

    سماحة السيّد كان بالنّسبة إلينا أباً، وكان يعيش معنا معنى الأبوّة الرحميّة، والأبوّة الرّساليّة. كان حريصاً على أن يوصينا بتقوى الله وطاعته، والعمل في سبيله، وإتعاب أنفسنا في هذا الاتجاه.

    سماحة السيّد كان حريصاً على المؤسّسات التي أنشئت تحت عينه ونظره، وسارت بعون الله برعايته، أن تبقى وتزدهر وتستمرّ، وكان حريصاً على أن تُرعى من قبل مجموعةٍ من العلماء الموجودين في أطراف العالم الإسلاميّ الّذين واكبوا عمل سماحة السيّد وشاركوه في تشييد هذه المؤسّسات. وطبعاً لم يعهد بهذه المؤسّسات إلى فردٍ أو عائلةٍ، وإنما عهد بها إلى أناسٍ يطمئنّ إلى أنهم سيتابعون المسيرة في كلّ اتجاهاتها، كي تبقى هذه المؤسّسات كما أُريد لها، صروح خير ومحبة لخدمة من أنشئت لأجل خدمتهم ورعايتهم. ولم يكن لدى سماحة السيّد أيّ جانبٍ ذاتيّ في هذا الموضوع.

    طبعاً، نحن واكبنا العمل مع عمّي الدّكتور محمد باقر فضل الله، وبقيّة الأعضاء في الجمعيّة الذين بذلوا وضحّوا وأخلصوا لهذه المؤسّسات ولا يزالون، فكانت مؤسّسات سماحة السيّد نموذجاً يحتذى في العمل الإسلاميّ النوعي، في كافّة المجالات وعلى مختلف المستويات.

    بالتّأكيد لن يستطيع أحد بمفرده أن يحمل عبء هذا الإرث الّذي خلّفه سماحة السيد، ونحن لا نستطيع أن نقوم بهذه المسؤوليّة دون مشاركة المخلصين والمحبّين، ولكن في النهاية هناك مسؤوليّة مباشرة، وهناك إلى جانب الأمر الرّسالي الجانب العاطفيّ.

    لذلك سنتابع المسيرة، ونحن نعتبر أنّ هذا الأمر سيكون في عهدة الأمّة بأكملها، وأنّ كلّ إنسانٍ يعطي في هذا السّبيل هو يساهم في إحياء ذكرى سماحة السيّد وإبقاء ذكراه حيّةً، وقد لمسنا ذلك من خلال الجوّ العاطفيّ الّذي شهدناه خلال تشييع سماحته وخلال مراسم العزاء به. نقول لا بدّ من أن تتحوّل كلّ هذه العاطفة والمحبة التي ظهرت في القلوب وفي أذهان الناس إلى الجانب العمليّ، بحيث يشعر كلّ إنسان من هؤلاء الطيّبين بالمسؤوليّة عن المؤسّسات التي حضنت الفقراء والأيتام والمعوّقين والمسنّين والطلاب المستضعفين الّذين كانوا بعهدة سماحة السيّد بأعدادٍ كبيرة.

    أيضاً، لقد كان لسماحته حضور كبير وفاعل ومؤثّر في الجانب الفكريّ والفقهيّ والجهاديّ في العالم الاسلامي، وهذا ما سيكون مسؤوليّة كلّ المفكّرين والمجاهدين، وكلّ الفقهاء وكلّ الأدباء الّذين قدّروا قيمة سماحته على هذه الصّعد. وأيضاً كان لسماحة السيّد إنتاج أدبيّ مميّز يحمل معاني عميقة، بل كان في العديد من جوانبه رسالة إلى الأجيال كي يتعمّقوا في مغازي نصوصه الّتي اختمرت في وجدانه وضميره، وسالت فكراً وأدباً في كتبه وعلى أوراقه. [/align]
    [align=justify]


    وحول المرجعيّة في لبنان بعد غياب سماحة السيّد، قال: طبعاً سماحة السيّد كان حريصاً دائماً على الأصول في المرجعيّة، لذلك فالمرجعيّة لا تورّث، لا يمكن لأحدٍ أن يقول أنا مرجع إبن مرجع، أو أخ مرجع، في النّهاية المرجعيّة هي عمليّة جهدٍ فقهيّ وجهدٍ أصوليّ، الآن كلّ إنسانٍ يعمل في المجال الفقهيّ، وله اهتمام فيه لا بدّ من أن يطمح لأن يصبح مرجعاً، ولكن لهذه الطّموحات طريقها ومسالكها، وكلّ إنسانٍ إذا وفّقه الله إلى أن يصل، عليه أن يحمد الله كثيراً على ذلك. نسأل الله أن يوفّقنا ويوفّق كلّ النّاس الّذين عاشوا مع سماحة السيّد، وأيضاً كلّ النّاس الآخرين، لأن يبرز هناك مرجعيّات في الساحة تملك الانفتاح الفقهيّ الذي كان لدى سماحة السيد.

    وحول وجود شخصيّة لبنانيّة قادرة على أن تحلّ الآن محلّ السيّد، قال: في لبنان، ليس هناك شخصيّة يمكن أن تحلّ مكان سماحة السيّد بصفته المرجعيّة، لكن هناك العديد من القادة والعلماء الّذين يمكن أن يكون لديهم الكفاءة في أعمالهم ومسؤوليّاتهم الّتي يتولّونها في رعاية الشّأن العام في البلد.

    وحول إحساس المشاركين في تشييع سماحة السيّد، وكلام سفيرة بريطانيا، قال: إنّ سماحة السيِّد استطاع كإسلاميّ وكرائد حركةٍ إسلاميّةٍ أن يصل إلى عقول الكثيرين وقلوبهم، من أصحاب العقول النيّرة والقلوب الصّادقة المحبّة، مثل مراسلة CNN والسّفيرة البريطانيّة، وغيرها كثير. كان صوت سماحته قادراً على أن يصل، وأن يقنع الكثيرين ممن لا يحملون عقداً ضدَّ الإسلام وفكره. وأذكر أنه قبل فترة، كان هناك مئة شخصيّة أمريكيّة كانت تريد أن تأتي إلى لبنان لمقابلة سماحته، وهم ليسوا من السياسيّين، بل من المثقّفين الأمريكيّين، مُنع هؤلاء من قبل وزارة الخارجيّة الأمريكيّة من الحضور لمقابلة سماحته، لأنهم لا يريدون لهذا الصّوت الإسلاميّ أن يصل وأن يؤثّر، لأنّ من منع هؤلاء يخافون من الإسلام بكلّ أشكاله.

    وحول تقرير الـBBC والعربيّة بشأن الخلاف بين السيّد وولاية الفقيه وإيران والمقاومة، قال: هذا الاتهام ليس صحيحاً، وأنا سمعت قبل أيّام من السيّد ما قلته لكم. إنّ السيّد كان حريصاً على الجمهوريّة الإسلاميّة، وعلاقة السيد مع الجمهوريّة علاقة جيدة وعميقة الجذور وممتدّة إلى كل قادة الجمهوريّة الّذين كانوا يتواصلون معه ويتواصل معهم باستمرار. هم قد يعتبرون بالشكل، أنّ السيّد لم يزر إيران في الفترة الأخيرة، فهذا يعني أن العلاقة بينه وبين الجمهوريّة علاقة سيّئة. بالتأكيد الأمور ليست كذلك، لأن الأمر يتعلق بوضعية سماحة السيد، ليس إلا.

    قبل فترة، تشرّفت بأن ألتقي بسماحة السيّد القائد(حفظه الله)، وعبّر لي عن مشاعره الطيّبة، وعبّرت له عن مشاعر السيّد تجاهه، وكذلك كان هناك تواصل دائم، لا أعتقد أن هناك مشكلة في هذا الأمر، هذا أمر له علاقة بموضوع المرجعيّة، ولا أعتقد أنه يشكّل مشكلةً، في النّهاية هناك مراجع في أماكن متعدّدة من العالم الإسلاميّ، هم موجودون في العراق وفي إيران، ولا أعتقد أنّ هناك مشكلةً من ناحية المرجعيّة، وإن تناول الحديث عن الموضوع بهذه الطّريقة، ليس عليه دليل، ولا يثبت أمام الوقائع، صحيح أنّ سماحة السيّد لم يذهب إلى إيران منذ مدّة، لكني كنت أمثّل السيّد في كثير من المواقع في إيران، وبالتّالي كنا نتواصل باستمرار.

    هم يريدون ذلك الخلاف، يريدون أن يكون لسماحة السيّد مشكلة بينه وبين إيران، ويحاولون تفسير بعض الأمور التي حصلت مما نسب إلى سماحة السيّد في موضوع الزهراء(ع) وغيره، والذي تسبب بأذية السيد، يريدون تحميل مسؤلية ذلك لإيران، وأنّ يقولوا أن إيران هي وراء ذلك. حاولوا أن يشيروا إلى ذلك، وسماحة السيّد له موقف في هذا الشّأن، هناك أناس في داخل إيران قد يكون لهم دخل في الموضوع، وهذا أكيد، لكنَّ الأمر لا يتعلَّق بالقيادة الإسلاميَّة أو بالأشخاص الفاعلين والممثّلين في معظم السّاحة. نحن نعتقد أنّ من كان له مشكلة مع سماحة السيّد، يكون له مشكله مع سماحة السيّد القائد أيضاً.

    وحول إحساس النّاس الذين شاركوا في العزاء برحيل السيّد، قال: أكيد، الكلّ عبّروا عن مشاعرهم، وكلّ إنسانٍ عبّر عن موقفه من موقعه، إن كان إسلاميّاً تحدّث من موقعه الإسلاميّ، وإن كان وطنيّاً تحدّث من موقعه الوطنيّ، وإن كان ذو انتماء آخر تحدث من منطلقه وهكذا... أكيد الكلّ عبّروا عن مشاعرهم المخلصة والنّبيلة، والّذي عاش أفق سماحة السيّد، أكيد عبّر بطريقةٍ أوسع وأشمل في هذا الإطار، لذلك كلّ أحد كان يرى سماحة السيّد بالصّورة الّتي كان هو يعيشها معه ويتصوّره من خلالها، والّذين كانوا في مواقع إسلاميّة كبيرة، عبّروا بطريقةٍ أشمل عن رؤيتهم لسماحة السيّد، سواء كان السيّد القائد(حفظه الله) أو السيّد حسن نصر الله، هؤلاء الّذين عاشوا معه، عبّروا بكلماتهم وعواطفهم عن روحيّة سماحة السيّد التي عرفوه من خلالها بصدق وإخلاص.

    كلام أخير: علّمنا سماحة السيّد أنّ الإنسان مهما بلغ من العظمة، سوف يغادر هذه الحياة، وهذا النبي محمد(ص)، وهو أعظم النّاس، قد غادرها، والله لم يجعل لأحد الخُلد، حتى الأنبياء، يبقى أنّ الأساس هو الارتباط بالفكر وبالنّهج، وسماحة السيّد حمّلنا أمانة المسؤوليّة عن الإسلام، واعتبر أنّ الإسلام، ولا سيّما الإسلام على خطّ أهل البيت(ع)، هو الإسلام الأصيل. ومسؤوليّتنا أن نؤكّده ونحفظه، ونبقيه صافياً، ونحرّكه في الحياة، والإسلام يملك القدرة على الامتداد، ولهذا، المسؤوليّة كبيرة على الجميع، كان سماحة السيّد يأخذ على عاتقه الكثير من هذا الجهد وعن الجميع، الآن أصبحت المسؤوليّة ملقاةً على عاتقنا جميعاً، ونحن على ثقةٍ بأنّ الأمّة التي عبّرت عن عاطفتها وحبّهاً للسيّد، ستحفظ الأمانة وكلّ هذا النّهج مع كلّ هؤلاء الذين عاشوا مع سماحة السيّد وفهموه، بالتّأكيد، هم سيؤكّدون فهمهم أكثر، وكما قال سماحة السيّد في كلماته القصيرة والمكثّفة في تأبين نفسه، إنّه إذا كان أحد لم يفهم سماحة السيّد في حياته، فهو يدعوه إلى أن يفهمه بعد مماته.
    [/align]





المواضيع المتشابهه

  1. غياب كوكب الايمان , رحيل المرجع فضل الله , ابرز ما قام به وابرز ما قيل فيه قدس سره
    بواسطة موج البحر في المنتدى واحة السيد محمد حسين فضل الله (رض)
    مشاركات: 52
    آخر مشاركة: 20-03-2011, 02:01
  2. مقالات ما بعد رحيل المرجع الكبير
    بواسطة وادي السراب في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-07-2010, 12:22
  3. خطبة نادرة للعلامة المرجع السيد فضل الله (دام ظله) في الزمن العراقي الجميل
    بواسطة سيد مرحوم في المنتدى واحة الصوتيات والافلام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-10-2004, 14:02
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-09-2003, 23:47
  5. مقاطع من خطبة الجمعة للسيد مقتدى الصدر في مسجد الكوفة
    بواسطة muna_28 في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-06-2003, 05:30

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني