انتفاضة الصدريين أرعبت الاحتلال وعملاءه فهل هي بداية الثورة الشاملة؟
2004/04/06

علاء اللامي

المواجهات الدامية والمستمرة في بغداد والنجف والناصرية والبصرة ومدن عراقية عديدة أخري بين التيار الإسلامي الصدريين وبين قوات الاحتلال، والتي أوقعت حتي لحظة كتابة هذه السطور أكثر من عشرين شهيدا وأكثر من مائة وخمسين جريحا برصاص الاحتلال وعن قتل أربعة جنود من قوات الاحتلال وإصابة تسعة آخرين منهم بجراح، هذه المواجهات البطولية من جهة أداء المتظاهرين المنتفضين أوضحت عدة دروس وجعلتها في عداد البديهيات بعد أن كان البعض يشكك فيها ومن تلك الدروس والعبر :
ـ الرعب الحقيقي الذي يتلبس سلطات الاحتلال وأصدقاءها في مجلس الحكم الفاسد العميل متي تحرك الشارع العراقي وطالب بممارسة حقوقه الديموقراطية والسيادية علي أرض بلاده.
ـ اندماج عملاء الاحتلال في مجلس الحكم اندماجا تاما ونهائيا بسلطات الاحتلال وتحوله إلي جزء عضوي من سلطات الاحتلال بل وممارسة بعض العملاء التحريض ضد المتظاهرين المنتفضين كما فعل مسعود البرزاني حين أدان ما سماه تصرفات أنصار الصدر ولجوئهم إلي العنف (يقصد رمي الحجارة ضد قوات الاحتلال) ولكنه لم ينبس ببنت شفة حول المجزرة التي ارتكبتها القوات المحتلة ورمي المتظاهرين بالرصاص الحي والقذائف المدمرة. وقد صمت البعض الآخر صمتا مريبا ونذلا وهو يري قوات الاحتلال تسفك دماء المتظاهرين، أما دعوة عضو مجلس بريمر عبد الكريم ماهود المحمداوي إلي اجتماع الأعضاء الشيعة لتدارس الأزمة فلن يؤدي إلي أية نتيجة وهو مجرد إجراء ترقيعي لرفع العتب كما يبدو والهدف منه التبرؤ من المسؤولية عن دماء الشهداء أمام الجماهير.
ـ غياب التنسيق غيابا مأساويا بين القوي والأطراف العراقية الوطنية الرافضة للاحتلال. وسيادة روح البحث عن الوجاهة والزعامة واحتكار الميدان والترويج للشعارات والممارسات السلفية الطائفية ضد النساء وأبناء الأقليات الدينية غير المسلمة علي حساب القضية الوطنية.
ـ غموض ومحدودية الشعارات وتردد القيادات الميدانية في الشارع المنتفض والتركيز علي مسألتي إطلاق سراح شخصية معينة أو إعادة السماح بصدور جريدة الحوزة في حين يختنق الشعب العراقي بعامة تحت وطأة الاحتلال وممارساته القمعية.
ـ فضحت خطط الاحتلال الأمريكي ونواياه بصدد مشروعه الاستعماري طويل الأمد للعراق والتي ظهرت علي حقيقتها عبر استعداد المحتلين لسفك دماء العراقيين كافة وبغض النظر عن قوميتهم أو طائفتهم متي ما طالبوا بالاستقلال أو الديموقراطية الحقيقية.
إن المواجهات الدموية المستمرة عكست أيضا الاستعداد الفدائي الرائع لدي العراقيين الاستقلاليين وخاصة لدي الشباب منهم للتضحية من أجل وطنهم وشعبهم و مقدساتهم. غير أن المصلحة الوطنية وفداحة الثمن الذي دفعته الجماهير العزلاء أمام المحتلين المسعورين و المدججين بالسلاح تقتضي الصراحة في إعلان نقاط الضعف والهنات التي برزت في الانتفاضة الشجاعة الجارية ومن ذلك :
ـ عدم وجود خطة شاملة علي المستوي الوطني لمواجهة الاحتلال وعملائه. وهذا ما يستدعي رفع شعارات صائبة وصحيحة والتخلي عن التردد ومن الشعارات الراهنة والمهمة ينبغي رفع شعار المطالبة برحيل الاحتلال واستبدال القوات المحتلة بقوات دولية تحت علم الأمم المتحدة من الدول التي لم تشارك في الحرب ضد العراق. كما ينبغي رفع شعارات مطلبية أخري منها المطالبة بفتح تحقيق دولي محايد حول المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد المتظاهرين العراقيين ورفض دعوة أحد أعضاء مجلس بريمر سلامة الخفاجي إلي فتح تحقيق من طرف القضاء العراقي لأن هذا القضاء محكوم بعلاقته بسلطات الاحتلال ولا يتمتع بأية استقلالية والمطالبة بفتح تحقيق دولي آخر حول جرائم وسرقات واختلاسات أعضاء مجلس الحكم الفاسد العميل والمطالبة بحل هذا المجلس. ومن أجل بناء البديل الوطني الحقيقي لمجلس بريمر ينبغي العمل علي تجسيد شعار عقد الجمعية الوطنية التأسيسية المجلس التأسيسي علي أسس التوافق الوطني والاستقلال التام عن الاحتلال وعن أية نظام عربي شمولي مجاور للعراق أو غير مجاور ورفض المحاصصة الطائفية والعرقية والمطالبة بتوفير الحماية الدولية لجماهير كركوك المهددة بالمجازر والتطهير العرقي من قبل عملاء الاحتلال.
إن أرواح شهداء مجزرة اليوم والدماء الزكية التي سفكت بحقد من قبل الهمج المريكان وحلفائهم المرتزقة يجب أن تكون البداية الجديدة والثانية للمقاومة العراقية الشاملة ضد الاحتلال وعملائه، وإن الوفاء لتلك الأرواح والدماء يتطلب التخلي عن التردد والغموض والتحول نحو المقاومة المستمرة والمتصاعدة بجميع الوسائل لأن نجاح الاحتلال في قمع هذه الانتفاضة وخنقها سيعني سقوط العراق الفعلي ولزمن سيطول في حقيبة الاستعمار الأمريكي وسيكون من الصعب علي الشعب أن يستعيد استقلاله، وسوف يستأسد عملاء الاحتلال الأنذال ضد الجماهير الشعبية ويمارسون ضدها أشنع الممارسات. كما ينبغي أن يفهم الجميع أن الدور قادم حتما،و بعد أن يتم قمع هذه الانتفاضة السلمية الحالية، سيأتي علي فئات المجتمع العراقي الأخري وليس سرا أن المحتلين يستعدون لارتكاب مجزرة شنيعة في مدينة الفلوجة باستعمال الطيران الحربي وقد يرتكبون مجزرة أخري ضد التركمان في كركوك و لن يسلم من جرائمهم حتي الجماهير الكردية في شمال العراق تلك الجماهير التي ضللتها الأحزاب الشوفينية العميلة.
إن الذين خدعوا الناس وضللوا العراقيين حول خيرات الأمريكان وجنتهم الديموقراطية وصاروا يدافعون علنا عن الصهاينة ويهاجمون الشهيد المجاهد احمد ياسين يتحملون اليوم جزءا كبيرا من المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية عن الجريمة الدموية التي ارتكبها أسيادهم المحتلون وإن هؤلاء المخادعين سيدفعون ثمن خداعهم للجماهير وخيانتهم للعراق إن آجلا أو عاجلا. أما الذين يلتزمون الصمت ويمارسون سياسة النعامة فهم أيضا يتحملون الجزء الخاص بهم من المسؤولية، وسيكون من الصعب جدا علي الأجيال العراقية القادمة أن تفهم أو تتفهم أو تقبل بصمت المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني و تردده حتي الآن في إصدار الفتوي بالجهاد الدفاعي أو حتي بتهديده بإصدار هذه الفتوي في حين يتساقط عشرات العراقيين برصاص المحتلين المسعورين في المدن المقدسة ومنها المدينة التي يقيم فيها سماحته.
نعم، لقد أفشل العراقيون، بوعيهم الحضاري وشعورهم العالي بالمسؤولية الوطنية، المشروع الأمريكي الهادف لزجهم في حرب أهلية طائفية أو عرقية ولقد نجحوا في عزل وشل فعالية مجلس عملاء الاحتلال فهل سينـــجحون في تحويل انتفاضة اليوم إلي بداية الثورة الشاملة ضــــــد الاحتلال والتي ستنـــتهي بقبره قبرا نهائيا واستعادة الاستقلال الحقيقي وبناء الدولة الديموقراطية؟