تناولت وسائل الإعلام الفرنسيّة نبأ رحيل العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(قده) بكثيرٍ من الاهتمام. وكان لقب سماحته "المرشد الرّوحي لحزب الله" في أغلب الصّحف الفرنسيّة، إذ كان العنوان المشترك بينها: "آية الله فضل الله، المرشد الرّوحيّ القديم لحزب الله، توفّي"، (ومنها صحيفة (Le Monde ،" وفاة المرشد الرّوحي للشّيعة في لبنان" (Le Nouvel Observateur)، و"وفاة آية الله متنفّذ(Le Figaro)... وكان العنوان الأكثر لفتاً للنّظر: "آية الله العظمى فضل الله، العالم الدّينيّ الّذي تحدَّى نماذج الغرب..."، وهو ما أورده الموقع الإلكترونيّ للقناة التلفزيونيّة(France 24) ، بينما عنونَ راديو (RFI) مقالته على موقعه الإلكترونيّ: "حتّى بعد وفاته، آية الله فضل الله يثير الجدل"، في إشارةٍ منه إلى ردود الفعل على مقالة السّفيرة البريطانيّة في لبنان فرانسيس غاي، في مدوّنتها على الإنترنت بعد وفاة الرّاحل الكبير(قده)، وأيضاً تعليق الصحافيّة الأميركيّة اللّبنانيّة الأصل أوكتافيا نصر على موقع تويتر .(Twitter)
وقد تناولت وسائل الإعلام هذه في مقالاتها، مسيرة المرجع الرَّاحل(قده)، بدءاً بحياته في النّجف ودراسته فيها، ثمّ انتقاله إلى لبنان وعمله الدّينيّ التّوعويّ هناك، مروراً بفترة الثّمانينات، حيث كان يعدّ "المرشد الرّوحيّ لحزب الله في سنوات نشأته الأولى .. ."
بعدها، انتقلت هذه الوسائل إلى التّركيز على الاختلاف والتّمايز الواضح بين آية الله فضل الله وحزب الله، وهو ما اعتبرته "شقّاً أو هوَّةً فصلت بينهما"، تحت "التّأثير القويّ لطهران على حزب الله"، موضحةً أنَّ ذلك لم يمنع سماحة السيّد(قده) من "مناصرة الثّورة الإسلاميّة في إيران، والكفاح المسلّح ضدّ إسرائيل"(AFP, Le Figaro, Libération).
وذكرت معظم هذه الصّحف والوسائل الإعلاميّة، التّوصيف الغربيّ والأمريكيّ الّذي أطلق على سماحة السيِّد(قده): "الإرهابيّ"، بعد اتّهامه بذلك من قِبلِ الأمريكيّين، وحلوله على لائحة "الإرهابيّين العالميّين" الّتي أعلنتها الولايات المتّحدة الأميركيّة في عهد الرّئيس الأمريكيّ الأسبق بيل كلينتون عام 1995.
هذا الوصف السّلبيّ، لم يمنع أغلب الصّحف والوسائل الإعلاميّة من وصف سماحته بـ: "الوجه الشّيعيّ الأبرز في لبنان، آسيا وبلاد الخليج"، ومن الاعتراف بأنَّه كان مشهوراً بآرائه المعتدلة، ولا سيَّما فيما يتعلّق بمسائل المرأة (France 24, Le Nouvel Observateur)، فهذا "العالم الدّينيّ المحبوب، ذو اللّحية البيضاء والوجه الهادئ" (France 24, Le Nouvel Observateur) كان منفتحاً، حيث أصدر مجموعةً من الفتاوى الّتي تناصر المرأة، وتجيز لها "استخدام العنف للدّفاع عن نفسها في حالات العنف المنـزليّ" (Le Figaro)، وكذلك حرَّم العادة الشّيعيّة الّتي تقضي بإراقة الدّماء في مراسم عاشوراء (التّطبير).
وأكّدت أغلب هذه الصّحف والوسائل الإعلاميّة، مواقف سماحة السيّد(قده) في مناهضة السّياسة الأميركيّة وكشف ألاعيبها في الشّرقين الأوسط والأدنى، حيث كانت خطب الجمعة أفضل مناسبةٍ لنقد سياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة في الشّرق الأوسط، ولا سيَّما من جهة تحالفها مع إسرائيل، وقد "تناول في آخر خطبة جمعةٍ له، مسألة الاستيطان في القدس الشّرقيّة، وانتقد الولايات المتّحدة الأميركيّة في دعمها المتواصل للعدوّ الصّهيونيّ".
ورغم إشارة معظم الصّحف ووسائل الإعلام الفرنسية إلى دور سماحته في أزمة الرّهائن الأميركيّة في الثّمانينات، ذاكرةً اتّهامه من قبل الإعلام الأميركيّ بأنَّه كان الأساس في اختطاف الرّهائن الأميركيّين في لبنان "من قبل جماعاتٍ أصوليّةٍ منتميةٍ إلى إيران" (Le Figaro, Le Monde, France 24)، إلا أنَّ التّمادي في الاتّهام لم يبلغ بها المدى الّذي وصلت إليه صحيفة (Le Figaro) الّتي تفرَّدت بالإشارة إلى ذلك في عنوانها: "وفاة الشّيخ فضل الله، الّذي كان في قلب عمليّة اختطاف الغربيّين في لبنان". إلا أنَّ هذا كلَّه لم يمنع بعض الصّحف (Libération, La Tribune, Le Monde) من الإشارة أيضاً إلى أنَّ بعض وسائل الإعلام الأخرى تناولت دوره كوسيطٍ في هذه الأزمة، مؤكِّدةً أنّ دوره في هذه المرحلة لم يتَّضح أبداً.
وحدها صحيفة (Le Nouvel Observateur) تناولت موقف سماحة السيّد (قده) في هذه الأزمة بوضوح، فأعلنت أنَّه كان قد تنصَّل من مسألة خطف الرّهائن، وأنَّه أكَّد معارضته لهذا النّوع من التصرّفات، ونادى في مناسباتٍ عدَّةٍ بإطلاق سراح هؤلاء الرّهائن.
أمّا القناة التّلفزيونيّة (France 24)، فتفرّدت، وعبر موقعها الإلكترونيّ على الشَّبكة العنكبوتيَّة، بالإشارة إلى بروز اعتدال سماحته(قده) أمام الغرب، ومناهضته للإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، حيث كان من أوائل العلماء المسلمين الدّاعين إلى محاكمة القائمين على مجزرة قتل المدنيّين، والّتي قامت بها القاعدة. وأشارت (France 24) إلى أنّ بعض الغربيّين، الّذين لم يفهموا أبداً السيّد فضل الله، يقدِّرون أنَّ موته قد يخلي السّاحة أمام تيّارٍ شيعيّ أكثر أصوليّةً وأكثر تأييداً لإيران، مؤكِّدةً أنَّ "السيّد فضل الله كان وجهاً معقّداً وغير لطيف بالنّسبة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة".
وتوافقت معظم الصّحف ووسائل الإعلام على الإشارة إلى أنّ سماحة المرجع الرّاحل، الّذي ألَّف الكثير من الكتب الفقهيّة، كان معروفاً بحسِّه العمليّ وتأييده للحوار وانفتاحه على التطوّر العلميّ، ولا سيَّما "فيما يتعلّق بإعلان أوّل شهر رمضان، شهر الصّوم عند المسلمين، حيث اعتمد على الحسابات الفلكيّة، مخالفاً بذلك التّقاليد التي تقضي برؤية الهلال بالعين المجرّدة" (France 24)، وكذلك جرأته في تفسير النّصّ الإسلاميّ (الاجتهاد، وهو مسألة خاصّة بالشّيعة) (AFP, France Soir) .
ومن الجدير ذكره، أنَّ الصّحف الفرنسيَّة، ووسائل الإعلام الفرنسيَّة عموماً، تابعت تفاصيل وفاة العلامة المرجع السيِّد فضل الله(قده) منذ اللّحظة الأولى، كما واكبت إجراءات الجنازة والتَّشييع باهتمامٍ استثنائيّ لا يُمنح في العادة إلاَّ لشخصيّاتٍ أو مرجعيّاتٍ استثنائيّة، كما كان الحال عند وفاة الإمام الخمينيّ(قده).