خالد خليفة
بي بي سي -بغداد

في الاجتماع الأسبوعي للسفير بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق مع مجموعة من الصحفيين المنتمين في غالبيتهم إلى وسائل إعلام عراقية، يجلس إلى جانب السفير مترجم عراقي لنقل أفكار الجانبين.

يقول السفير بريمر بالانجليزية "منذ التحرير"، فيترجمها العراقي "منذ الاحتلال".

وعلى أسوار المنطقة الخضراء حيث مقر سلطة التحالف، وحيث عقد الاجتماع، علقت لافتة سوداء تنعي مقتل الإعلامي أسعد كاظم والسائق حسين صالح "بالعمل الجبان الذي أودى بحياتهم من قبل القوات الغازية".

والتوقيع هو: شبكة الإعلام العراقي.

والشبكة المذكورة تمولها سلطة التحالف، بغرض إقامة إعلام عراقي يبشر بالحرية التي رفعتها قوات التحالف شعارا حين شنت الحرب في العراق.

لكنها الآن، على الأقل في هذه اليافطة، تصف قوات التحالف بالغازية.

ويبرز هذان الشاهدان الأزمة التي يعيشها الوسطاء بين قوات التحالف والشعب العراقي.

فمن جهة المهمة المنوطة بهم، يفترض أن ينقلوا التعبيرات التي تستخدمها سلطة التحالف في وصف تصوراتها وفهمها للأمور.

لكنهم، من جهة أخرى، لا يستطيعون أن يتجاهلوا مشاعرهم كعراقيين نحو قوات أجنبية موجودة في بلدهم، وخاصة حين يتعلق الأمر بالمسائل الحساسة لدى جموع شعبهم.

وفي الطريق إلى حضور إحدى المؤتمرات الصحفية داخل قصر المؤتمرات، الكائن أيضا في المنطقة الخضراء، كان أمامي في الصف شاب عراقي يريد أن يدخل لقضاء بعض الأمور.

وقدم الشاب للجندي الأمريكي بطاقة هوية مستخرجة من جامعته، لكن الجندي رفض قائلا إنها ليست بطاقة هوية يمكن الاعتماد عليها للدخول إلى المنطقة التي تخضع لإجراءات أمنية أكثر من مكثفة.

وبينما يحاول الطالب العراقي عن طريق المترجم إفهام الجندي الأمريكي أنه لا يملك سوى تلك البطاقة، نفد صبر الجندي الأمريكي وصرخ فيه: اخرس.

فقال له المترجم العراقي: يطلب منك أن تتريث قليلا حتى يفهمك ما تريد.

وأردف الجندي للمترجم بعصبية وحزم: قل له أن يتحرك من هنا وإلا أطلقت النار عليه. فنظر المترجم إلى الأرض ثم إلى العراقي الآخر وقال له بمنتهى الهدوء: يطلب منك أن تذهب الآن وتعود في وقت آخر لأن الصف طويل.

وارتسمت على وجه المترجم علامات أسى.

وليست تلك هي الأزمة الوحيدة التي يعيشها مثل ذلك المترجم، فعمله إلى جانب القوات الأمريكية بغض النظر عن موقعه يجعله هدفا لتهديدات ثم هجمات من الرافضين للوجود الأجنبي.

ويرجع عراقيون ذلك إلى أن بعض المترجمين الذين جاؤوا مع القوات الأمريكية تعاملوا مع الناس عقب سقوط بغداد وكأنهم جزء من جيش الاحتلال الذي صار يمسك بالسلطة في بلدهم.

وتتسع دائرة التهديدات لتشمل حتى المترجمين الذين يعملون مع الصحافة الأجنبية أيضا.

فالعراقيون العاديون صاروا في جو التوتر الأخير يرتابون كثيرا في الأجانب ومن يتعاون معهم.

وقد استعانت الشبكة الوطنية للإعلام في العراق بخبير في العلاقات العامة لتحسين صورتها لدى المواطن العراقي ونفي شبهة العلاقة الوطيدة بسلطة الاحتلال عنها.

لكن العاملين في الشبكة رفضوا توصيته بنقل بعض مكاتب التليفزيون من المنطقة الخضراء إلى منطقة الصالحية في قلب بغداد، لتكون أقرب إلى الجماهير، وذلك لعلمهم أنهم سيكونون هدفا أكيدا لهجمات.

ولأزمة الوسيط المعرفي في العراق بين الشعب ومن يحكمونه وجه آخر.

فبعض السياسيين العراقيين لا يتحدثون إلا لوسائل إعلام ناطقة باللغة الإنجليزية، ويرفضون رفضا قاطعا أي طلب للحوار من قبل وسيلة إعلام ناطقة بالعربية.

وفي هذه الحالة فإن المشكلة ليست في اللغة، وإنما في الأفكار المعبر عنها بتلك اللغة، إذ يعتبرون أنها غير مفهومة لدى المتحدثين بالعربية، وأنها لا بد، من ثم، أن تقترن بلغة أخرى، تستخدمها شعوب أخرى، ثم تكون تلك الشعوب وسيلتهم لنفوذ سياسي في العراق.

فكأنما السياسي العراقي، باختياره للغة الحديث، يختار جمهوره، وينتقي سامعيه.

وعلى الجانب الآخر، يصعب أحيانا على الإعلام الغربي فهم بعض المصطلحات العربية، أو القرآنية على وجه الخصوص.

فحين يقول خطيب مسجد مثلا "ترهبون به عدو الله وعدوكم"، يشتق الفعل في ترجمته الإنجليزية من كلمة الإرهاب، بما تحمل لدى الغربيين من معان ودلالات لا تنطبق على الاستخدام القرآني لها.

وإذ تنقل هذه المصطلحات بهذه الطريقة تعتبر من قبل البعض تحريضا مقصودا.

ومن الصعب تخيل كيف ومتى سوف تملأ هذه الهوة التي تتسع يوما بعد يوم بين المتحدثين بالعربية والمتحدثين بالإنجليزية في العراق.

موضوع من BBCArabic.com
http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/...00/3659955.stm