السومرية نيوز / بغداد
دعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش، الأربعاء، البرلمان العراقي إلى عدم الموافقة على مشروع قانون حرية التعبير والتجمع بسبب تضييقه على الحريات، مؤكدة أن مشروع القانون يسمح للسلطات بالتضييق على الحقوق المحمية بدعوى المصلحة العامة والنظام العام أو الآداب العامة والتجريم المقترح لحرية التعبير واهانة الرموز المقدسة، فيما اشارت إلى أن منظمي التظاهرات في العراق يعملون في ظل بيئة غير آمنة إطلاقاً.

وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة جو ستورك في بيان صدر، اليوم، وتلقت "السومرية نيوز " نسخة منه، إن "مشروع قانون حرية التعبير وحرية التجمع يسمح للسلطات العراقية بالتضييق على الحقوق المحمية بدعوى المصلحة العامة والنظام العام أو الآداب العامة دون وضع حدود أو تعريفات لهذه المصطلحات"، داعيا العراق إلى "مراجعة مشروع القانون لأبعاد الأحكام القانونية الواردة فيه التي تضيق على هذه الحريات".

وأضاف ستورك أن "هيومن رايتس ووتش حصلت على نسخة من مشروع القانون"، مشيرا إلى أن "هذه الأحكام، وكذلك التجريم المقترح لحرية التعبير فيما يخص الإهانات للرموز المقدسة أو الأشخاص، يخرق بوضوح القانون الدولي".

وتابع ستورك أن "الحكومة تدفع بهذا التشريع في الفترة التي شهدت زيادة في الهجمات على المتظاهرين السلميين والتضييق على الصحفيين"، معتبرا "هذا القانون يقوض من حق العراقيين في التظاهر والتعبير عن أنفسهم بحرية، بدلاً من إعداد قوانين تقييدية".

ودعا ستورك الحكومة العراقية إلى "كف الهجمات عن المعارضين من قبل قوات الأمن والموالين لها"، لافتا إلى أن "مجلس الوزراء قال في تصريح له يعود لـ 16 أيار من العام الحالي 2011 إنه وافق على قانون حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي وقدمه إلى مجلس النواب للموافقة البرلمانية لكن عدد من أاعضاء البرلمان قالوا إنه لم يتم عرضه عليهم بعد أو تقديمه".

وطالب نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة "البرلمان العراقي إلى عدم الموافقة على القانون دون مراجعته لإبعاد الأحكام المقيدة للحقوق منه"، مؤكدا أن "التشريع يقر صراحة بحق العراقيين في التظاهر السلمي للتعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم في المادة العاشرة لكن هناك مواد أخرى تقيد من هذه الحقوق".

وأوضح ستورك أنه "بموجب المادة 7 / 1 فإن على منظمي التظاهرات الحصول على تصريح بإقامة المظاهرة، قبل خمسة أيام من موعدها على الأقل، ولابد أن يشمل الطلب موضوع وغرض التظاهرة وأسماء المشاركين في لجنتها التنظيمية"، مشيرة إلى أن "مشروع القانون لم يذكر المعايير التي تطبقها السلطات العراقية خلال عملية الموافقة على الطلبات أو رفضها، مما يمنح الحكومة عملاً سلطة مطلقة في تحديد من يحق له عقد التظاهرات".

وتابع ستورك أن " المادة 12 تسمح للسلطات بتقييد حرية التجمع والتعبير من أجل حماية المصلحة العامة أو مصلحة النظام العام أو الأخلاق العامة دون أي معايير"، لافتة إلى أن "مشروع القانون لا يعرض أي أدلة إرشادية واضحة عن كيفية تفسير هذه القيود الفضفاضة، كما أن القانون لا يتناول العقوبات التي تنال من المنظمين للتظاهرات والمتظاهرين إذا تجمعوا دون موافقة حكومية".

واكد ستورك أن "القانون على صياغته الحالية يقوض من الضمانات الواردة في الدستور العراقي بحرية التجمع والتظاهر السلمي، وكذلك الحقوق الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعتبر العراق دولة طرف فيه"، لافتا إلى أن "العهد يوضح أن القيود على التظاهرات السلمية لابد أن تكون استثنائية، ولا تُفرض إلا إذا تبين أنها ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلم العام أو النظام العام أو لحماية الصحة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق وحريات الآخرين، كما أن مشروع القانون العراقي يضم بعض هذه القيود دون أي مبررات أو أسباب من المذكورة".

وأشار ستورك أن "منح سلطة الموافقة المطلقة للحكومة والسماح لمسؤوليها بتقييد الحق في حرية التجمع بموجب اعتبارات فضفاضة غير واضحة تخص الآداب العامة أو المصلحة العامة ودون اقتصار هذه القيود على الضروري في مجتمع ديمقراطي، فإن مشروع القانون سيخفق في التقيد بالمعايير الضيقة الواردة في القانون الدولي للسماح بفرض القيود على الحق في التجمع".

وأوضح ستورك أن "منظمي التظاهرات في العراق يعملون في ظل بيئة غير آمنة إطلاقاً، خلال الأسابيع الماضية"، مبينا أن "السلطات العراقية قامت باحتجاز واستجواب وضرب العديد من منظمي التظاهرات في بغداد، ما يجعل المطلب المقترح بأن يقدم المنظمون طلبات فيها أسمائهم لدى تقديم طلب الموافقة على التظاهرة، تهديدا قائما لأمنهم الشخصي".

وتابع ستورك أن "منظمي التظاهرات الراغبين في البقاء مجهولين لابد من السماح لهم بذلك، وعلى الأقل، فإن على الحكومة ضمان أن أسماء المتقدمين بالطلبات ستكون سرية وتقتصر معرفتها على مكتب التصاريح"، مشددة على ضرورة "تعديل القانون فيما يخص هذا المطلب".

وتساءل نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة "كيف تتوقع السلطات من المنظمين أن يتقدموا إليها بالطلبات بينما قوات الأمن لا يقتصر إخفاقها على عدم حماية التظاهرات من العنف، لكن في بعض الأحيان تستهدفها هي بنفسها".

ولفت ستورك إلى أن "القانون يضم أيضا بعض الأحكام التي تجرم حرية التعبير، بعقوبات تصل في حدها الأقصى للسجن عشر سنوات"، موضحا أنه "بموجب المادة 13 فإن أي شخص، يهاجم معتقد أي طائفة دينية أو يُظهر الازدراء لشعائرها أو يهين علنا رمز ديني أو شخص يحظى التقديس أو التقدير أو الاحترام من قبل طائفة دينية، يواجه عقوبة بالسجن لمدة عام وغرامات تصل إلى عشرة ملايين دينار ، كما لا ينص القانون على أي معايير واضحة لما يعتبر إهانة غير قانونية".

وأوضح ستورك أن "القانون العراقي يكفل حرية التعبير، وينص العهد الدولي على أن لكل شخص الحق في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود"، مشيرا إلى أن "المعايير الدولية لا تسمح بالقيود على المحتوى إلا في ظل توفر شروط جد صعبة، مثل حالات السب والذم ضد أفراد أو الخطاب الذي يهدد أمن الدولة والقيود لابد أن تكون معرفة بشكل واضح، وضرورية، ومتناسبة مع حجم المصلحة المكفولة لها الحماية".

وأكد ستورك أن "السلطات العراقية اتخذت خلال الاشهر الاخيرة عدة خطوات لإبقاء التظاهرات في بغداد بعيدة عن أعين الرأي العام"، موضحا أن "المسؤولين أصدروا، في 13 من نيسان الماضي، أنظمة تحظر التظاهر في الشوارع ولا تسمح بالتظاهر إلا في ثلاث ملاعب كرة قدم، رغم أنه لم يتم إنفاذ هذه الأوامر".

وتابع ستورك أن "الشرطة العراقية سمحت في الـ 21 شباط الماضي، للعشرات من المعتدين، بعضهم يحملون السلاح الأبيض والهراوات، بضرب وطعن متظاهرين سلميين في بغداد"، مبينا أن " قوات الأمن قتلت أثناء التظاهرات التي شملت أنحاء العراق في 25 من شباط الماضي، 12 متظاهراً على الأقل في جميع أنحاء البلاد وجرحت أكثر من مائة آخرين".

وأكد ستورك أن "هيومن رايتس ووتش راقبت، في ذلك اليوم، قيام قوات أمن بغداد بضرب صحفيين ومتظاهرين عزل، وحطمت الكاميرات وصادرت بطاقات الذاكرة الإلكترونية"، مشيرا إلى أنه "في 10 حزيران، قام معتدون مدعومون من الحكومة يحملون ألواحاً خشبية ومواسير حديدية وغير ذلك من الأسلحة، بضرب وطعن المتظاهرين السلميين، واعتدوا جنسياً على متظاهرات في بغداد، وراقبت هيومن رايتس ووتش الأمر فيما وقال شهود إن قوات الأمن وهي واقفة تشاهد ما يجري دون تدخل في عدة حالات".

وكانت منظمة العفو الدولية أعلنت في تقرير صدر، في كانون الثاني الماضي، أن العراق يدير سجوناً سرية، يتعرض فيها السجناء إلى عمليات تعذيب روتينية لانتزاع اعترافات يتم استخدامها لإدانتهم، مبيناً أن قوات الأمن العراقية تستخدم التعذيب وغيره من ضرب وسوء معاملة لانتزاع الاعترافات من المعتقلين الذين يحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، لاسيما في مرافق الاحتجاز، فيما فندت وزارة العدل العراقية التقرير، مؤكدة أن تواجد الأجهزة الأمنية داخل السجون يهدف إلى توفير الحماية لها.

وسبق لمنظمة العفو الدولية أن كشفت في تقرير صدر، في 12 أيلول الماضي، عن وجود ما لا يقل عن 30 ألف معتقل في السجون العراقية، لم تصدر بحقهم أحكام قضائية، متوقعة تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، إضافة إلى وفاة عدد من المعتقلين أثناء احتجازهم نتيجة التعذيب أو المعاملة السيئة من قبل المحققين أو حراس السجون، الذين يرفضون الكشف عن أسماء المعتقلين لديهم.

ويشهد العراق منذ 25 شباط الماضي تظاهرات جابت أنحاء البلاد تطالب بالإصلاح والتغيير والقضاء على الفساد المستشري في مفاصل الدولة، نظمها شباب من طلبة الجامعات ومثقفون مستقلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت، في وقت لا تزال الدعوات تتصاعد للتظاهرات في المحافظات كافة حتى تحقيق الخدمات بالكامل.