[align=center][glint]حركة السيد مقتدى الصدر: جغرافيا الاختلاف [/glint][/align]

[align=center][/align]

May 18, 2004

بقلم: علي السعدي
ما زالت حركة السيد <<مقتدى الصدر>> تثير اعتراضات وخلافات حادة في الوسط الشيعي عموماُ والعراق بشكل خاص، ووجه الاعتراض على تلك الحركة يتلخص في الاعتقاد بأنها ورطت الشيعة في معركة ليست لصالحهم على المديين القريب والمتوسط، مع انفتاحها على احتمالات كارثية في المستقبل، وان الأثمان التي دفعت حتى الآن، ما كان يجب أن تدفع في معركة لم يتفق على أهدافها ووسائلها من الناحيتين السياسية والعسكرية على حدّ سواء، هذا المنظور، هو ذاته المتكأ الذي تستند اليه القوى السياسية الشيعية التي باتت تدرك مقدار القوة والقدرة على الاستقطاب التي تملكها حركة الصدر الابن، والمعتمدة بشكل أساس على مجاميع من الكوادر القيادية الشابة، الممتلئة بروح المبادرة ودينامية التحرك، مضافة الى جاذبية الشعار ومشروعيته، مما أكسبها السواد الأعظم من الشباب وبزخم جعلها تتجاوز في سعة الانتشار والوجود الميداني، الحركتين الرئيسيين في الوسط الشيعي المتمثلتين في حزب الدعوة والمجلس الأعلى، أقله في الوقت الراهن.
لقد أظهرالسيد <<مقتدى>> براعة في تعلم وإجادة اللعبة السياسية بزمن قياسي لم يكن متوقعا، فقد اختار لإعلان انتفاضته المسلحة، لحظة زمنية بالغة التكثيف والدلالة، حيث الأنظار مشدودة لردة الفعل الشيعية وللسيد مقتدى بشكل خاص، لكن هل كان مقدراُ للحركة أن تبلغ هذا المستوى من المواجهة؟ وما الذي أدخلته من إضافة نوعية على المقاومة العراقية ككل؟ عوامل عدة يمكن إيرادها فيما يختص بهذا الجانب، أولها هي اكتمال المقاومة بما كان ينقصها قيادة معروفة وهدف محدد فمجهولية القيادة في المقاومة السابقة وغموض منطلقاتها ومحركها، جعلها عرضة للطعن والتشكيك من جهة، ولتدخلات إرهابية أساءت اليها وأفقدتها الكثير من صدقيتها وحقيقة نواياها من جهة أخرى، فقد كانت ساحة مفتوحة اختلطت فيها المفاهيم والشعارات، بالعمالة وفتاوى التكفير والمصالح الإقليمية والاستخدام موضع الريبة، حيث ألصقت جميعها على جسد المقاومة العراقية، ولم يكن في أجواء كهذه ما يدعو الاحتلال لتعديل خططه بشكل جذري، رغم بعض الخسائر العسكرية التي يمكن تحملها، ذلك لأن أميركا تستطيع أن تكون لاعباً رئيساَ في <<مقاومة>> غامضة، بل ومشاركتها اللعبة في الاستخدام السياسي بعد ان كانت جلّ عملياتها تستهدف العراقيين، وكان بالمتناول دائماً الادعاء بأن ما يجري هو بفعل إرهابيين أتوا من الخارج، وأن العراقيين راضون عن الوجود الأميركي، هذه جملة مركزية في خطاب إدارة بوش، توجه للداخل الأميركي والخارج الدولي على حدّ سواء، وانكشافها على هذه الصورة، سيدخل ثغرة مهمة على حيثيات خطاب الاحتلال لا يمكن تغطيتها بسهولة، انها باختصار تعرية أخلاقية وسياسية كبرى، وقد جاء تدخل <<الصدر>> ليدخل انعطافة نوعية بمضامين كبيرة، ومن ثم إعادة الأمور الى أصولها بعنونة وحيدة عراقيون بمواجهة الإحتلال .
لكن المسألة لا تؤخذ بمسار وحيد الاتجاه، <<فالحركة>> تسعى ان تكون اللاعب الأوحد أو الرئيس في الساحة الشيعية، وهي تؤشر الى تصفية حسابات، بعضها ثأرية ابتدأت منذ حركة الأب الشهيد <<محمد صادق الصدر>> وظلت متواصلة على نار تؤجل استعارها صعوبات الحدث، وبعضها سياسي أملته المستجدات وطبيعة المواجهة والبحث عن مكانة ودور في المراحل القادمة، انطلاقاً من هذه الحيثية، يمكن إثبات السؤال حول إمكانية الحركة في التحول الى إطار وطني جامع على المستويين المقاوم والسياسي، ومدى قدرتها على إدارة معارك مركبة من هذا النوع.
لا شك بأن للحركة عوامل دفع كثيرة وفاعلة، لكن هذه العوامل ذاتها، قد تتحول الى معوقات في ظروف أخرى.
ففي العامل المحلي، وصل تبرم العراقيين من الوجود الأميركي ذروته، إذ بعد مرور أكثر من عام، وانهيار الوعود بالأمن وإعادة البناء والديمقراطية وما شابه، أصبح الاحتلال كابوساُ يومياً في حياة العراقيين ومصدراً للخطر والتوتر الدائمين، وعليه فإن المطالبه بخروجه، تحولت الى حالة اجتماعية عامة، باتت مهيأة لرفد وإسناد <<حركة>> عراقية ذات صفاء وطني لا غبار عليه حاضراً أو ماضياً ، كذلك فإن أي قوى سياسية عراقية ليس بإمكانها المجاهرة بإدانة انتفاضة السيد مقتدى من حيث المبدأ والهدف، وإن جاهرت بتنوع الوسائل واختلاف الخيارات.
أما إقليميا، فمعظم أنظمة المنطقة تجد مصلحة في الإيقاع بالمشروع الأميركي للعراق وعرقلته كي لا تمتد شهيته الى بلدانهم ذاتها، وتحقيق ذلك بأيدي العراقيين له أكثر من فائدة ضمن حسابات المنافع القطرية لهذه الأنظمة. وعلى هاتين الركيزتين تطفو حركة السيد <<مقتدى>> مشفوعة بدعم معنوي توفره الأعراف الدولية في شرعنة مقاومة الاحتلال.
لكن الى أي حدّ يمكن لهذه الحركة الوصول؟ وما هي المعوقات أمامها للتطور والنمو؟
لا شك بأن هناك سقفاٌ أعلى وصلته <<الحركة>> ليس مسموحاُ لها بتجاوزه، وإلا لامست خطوطاُ حساسة على أكثر من صعيد، فالأطراف العربية المحلية، ستتفق جميعاُ على أن لا يكتسح العراق <<زعيم أقوى>> يحمل إمكانية دكتاتور جديد ويصادر المواقع والحصص المخصصة لها، والأكراد من المراهنين على المشروع الأميركي بقوة، وبالتالي الوقوف في الجهة المقابلة لكل المناهضين له.
أما الجوار الإقليمي، فمن نافل القول ان وجود قيادة شيعية من أي نوع ناهيك بنوعية السيد مقتدى هو احتمال يصعب تقبله، ولا يخفى المغزى من رسائل الرئيس <<مبارك>> الى جورج بوش حول عدم إمكانية قيام الديمقراطية في العراق، خوفاُ من وصول الشيعة الى السلطة، وهو موقف بات معروفاً عند غالبية الأنظمة العربية وإن تفاوتت في التعبير عنه ، ولا تشذّ تركيا عن هذا الاعتبار تحسباً لاحتمال تأثر <<علوييها>> بما سوف يحصل في العراق.
أما الاعتبارات الإيرانية، فهي أكثر تعقيداُ وتشابكاً في الموقف من حركة السيد <<مقتدى>>، انها مضطرة لإقامة توازن دقيق بين الأطراف الشيعية المختلفة، طموحاُ للعب دور المظلة التي يجتمع تحتها الجميع، كذلك في عدم الوصول الى مرحلة القطع التام مع الأميركان في هذه المرحلة بالذات، وهو دور مشابه لما تأخذه مرجعية السيد السيستاني في موقفها العقلاني الرصين والمحرَج أيضا، فالمرجعية لا تستطيع إدانة <<الحركة>> وقائدها وإلا ظهرت في موقع المؤيد للاحتلال، كذلك لن تأمر بحلّ <<جبش المهدي>> نزولاً لطلب أميركي، وفي الوقت عينه لن تذهب الى حدّ التأييد العلني للحركة، لما فيه من معنى الفتوى بالجهاد وبكل ما سينتج عنها.
أميركا هي الأكثر حراجة من الناحية السياسية، فحركة السيد <<مقتدى>> قد جعلت خياراتها تضيق الى حدود <<عضّ الأصابع>> التي دخلتها بخطة أو بخطأ، فهي لا تستطيع الإقدام على إجراء تفاوض مع <<الحركة>> أسوة بما حصل في الفلوجة، لاختلاف الظروف والملابسات، ذلك لأن المفاوضات هنا، تعني اعترافاُ مباشراً بالمقاومة وطروحاتها، وتتويجاُ لقيادتها السياسية والميدانية، وخطوة كهذه من شأنها إعادة رسم هيكلية الترتيبات المعدة لنقل السلطة وما سيتبعها من إجراءات، وإدخال خصم مشاكس يطالب علناً برحيل الاحتلال، سيربكها ولا شك. وإذا كانت أميركا قد نجت تكتيكياً في جرّ <<الحركة>> الى حرب مواقع تقليدية يتفوق فيها جيشها بشكل حاسم، فإن ذلك قد لا يتم استثماره بالشكل المطلوب، لما قد تجره من مضاعفات الدخول في حرب شاملة، وما تعنيه من ارتكاب مجازر وتدمير مدن وأحداث لا يمكن حصر أضرارها، أما اعتقال السيد <<مقتدى>> أو حتى قتله، فقد لا يحلّ المشكلة بل ربما فاقمها، إذ ان تحوله الى رمز وطني مجاهد، سيزيد العراقيين غضباً والمقاومة اتساعا، فالرجل ليس مختلفاُ على وطنيته، ولا تحمل ذاكرة العراقيين شيئاً ضده، وأغلبهم يراه شجاعاً بما يكفي لاتخاذه مثالا.
فما هو الخيار إذاُ؟ الاستمرار باللعبة ضمن منسوبها، فالسيد مقتدى يبدو وكأنه يرفع مصحفاُ في يد وبندقية في الأخرى، يطرح مفاوضة الأميركان ليجسّ نبض توجهاتهم بخصوصه من جهة، وليظهر أنه ليس داعية حرب، أمام شعبه والعالم من جهة ثانية، فإذا جرهم الى التفاوض حقق بعض أهدافه، وإذا استمروا برفضهم التصعيدي، سيبقى هو في موقع المناورة ودفعهم الى مزيد من ارتكاب الأخطاء، لكن يجب الانتباه الى عدم الاستمرار في أسلوب المواجهات الكبيرة، لما قد تحدثه من ردود فعل عكسية تؤثر سلباُ على الحركة، وهو ما يراهن عليه الأميركان خاصة بعد مظاهرة النجف التي ستشجعهم على تكثيف محاولاتهم شق الساحة الشيعية، لذا فإن خيار العودة الى <<حرب العصابات>> حتى لو اضطر السيد <<مقتدى>> اللجوء الى السرية ، قد يبدو خيارا له الأفضلية في المرحلة المقبلة إذا واصلت أميركا هجومها الشرس، المتوقع اشتداده كلما اقترب موعد تسليم السلطة الى العراقيين، وما سيتبعها من أمور جوهرية لأميركا <<العراقية>>.
() كاتب عراقي
السفير
صوت العراق
http://www.sotaliraq.com/newiraq/art...5_18_1615.html