المالكي ...و ... الخيار الصعب
لعلّ الكثير منـا يعلم الى درجة تكاد تقطع باليقين ان المظاهرات التي دعا اليها السيد مقتدى الصدر والتي دعت اليها جماعات اخرى يوم التاسع من ايلول المقبل سوف لن يكون لها تاثيرا كارثيا على الحكومة او مجلس نوابها على حد سواء ، ولكن مع كل هذا اليقين ، هل سوف ننتظر حدوث المشكلة لنتعامل مع مستجداتها ؟
الازمة:-
يعتبر انتظار بدء الازمة والتعامل معها حين حدوثها من اسوء الطرق لادارة الازمات ، وعليه فلا بد من وضع الخطط اللازمة لمواجهة الازمة ( الثورة المزعومة ) والا فأن الازمة سوف تنهي نفسها بالطريقة التي تريدها هي لا بالطريقة التي تريدها الحكومة ومجلس نوابها الموقر !
25 شباط ... معيار خاطيء!
بأعتقادي انا "العقيق" فأنّ الحكومة قد نجحت يوم 25 شباط 2011 في افراغ الازمة من محتواها الاساس فأفقدت بجدارة الازمة هويتَها ومضمونَها وبالتالي خسرت القوى الازموية ( العراقية والتيار الصدري والمرجعية الدينية وبقية الفئات المستقلة ) من قوة ضغطها لتعبئة الجماهير بل ان بعضا من هذه القوى ( المرجعية الدينية والتيار الصدري ) قد بدأت بالتعبئة بالاتجاه المعاكس مما افقد الازمة كلّ قوة ضغطها المتوقعة فأستحالت تظاهرات 25 شباط الموعودة الى تجمعات فئوية لا تتبنى شعارا موحدا بل ان كل عاشق فيها لايبكي غير ليلاه !...
تفتيت الازمة
رغم يقيننا من انتهاء الازمة بدون خسائر محتملة الا اننا وتيمنا بالمقولة الخالدة ( حجارة اللي ماتعجبك تفشخك ) فلا بأس بأن يستغل السيد المالكي هذه الحجارة ويجعل الامر وكأنما خُطّط ليكون عونا له لا عليه ! ولكن كيف يكون ذلك والداعي للحدث هو من الدّ خصومه ؟
اذا كانت سياسة احتواء الازمة قد نجحت في يوم 25 شباط الماضي، ففي هذه المرة لا اعتقد انّ بالامكان استخدام ذات الطريقة والاسلوب لانها اضحت مكشوفة للكثير ، اضافة الى التغييرات التي طرأت على الساحة السياسية والاجتماعية والاقليمية خلال الستة اشهر الماضية ، وعليه فان على السيد المالكي ان اراد استغلال تلك "الحجارة" لمصلحته فعليه باللجوء الى مايسمى بتفتيت الازمة ويتم ذلك باحد اسلوبين :-
الاسلوب الاول :- معرفة القوى المشكلة لتحالفات الأزمة وتحديد اطار المصالح المتضاربة والمنافع المحتملة لأعضاء هذه التحالفات ومن ثم ضربها من خلال ايجاد زعامات مفتعلة وايجاد مكاسب لهذه الاتجاهات متعارضة مع استمرار التحالفات الأزموية !
وهذا الاسلوب سيقودنا الى المربع الاول فما ان يحصل الغرماء على مآربهم حتى تنطلق مجموعات ازموية جديدة تنبثق من خلال المجموعات الاولى طمعا في الحصول على مكاسب ومناصب كما حصل عليها اسلافهم ورفاقهم في الازمة الماضية ، وهكذا ندخل في دوامة من الازمات لا تنتهي، وهذا بالضبط ماتعانيه الحكومة حاليا ، فالحكومة الحالية هي عبارة عن خلايا متخصصة في خلق الازمات بغية حصول الفرقاء على مكاسب لا نهائية !
وعليه فأن الاسلوب الاول يعتبر غير مناسب للحالة التي نحن بصدد مواجهتها على افتراض حدوثها !
الاسلوب الثاني :- هو دراسة جميع الاسباب المحتملة ، اوالمعلنة على الاقل للثورة المزعومة والوقوف عليها وايجاد الحلول لها ...
وقبل ان نشرع في دراسة الاسلوب الثاني لابد لنا من التسليم بحقيقة لامناص من الخضوع لها وهو ان الازمة التي نحن بصددها لايمكن ان تحلّ الا عن طريق المزاوجة بين الاسلوبين الاول والثاني .
يمكن اجمال الاسباب المحتملة المعلنة للازمة ( ثورة 9 ايلول المزعومة ) بما يلي :-
1- النقص العام والتام في الخدمات دون استثناء من كهرباء وماء وصحة وخدمات بلدية ..... والخ.
2- البطالة وقلة فرص العمل ومانتج عنها من تفشي للفقر والامية ومختلف الامراض الاجتماعية لبلد يعتبر من اغنى بلدان المنطقة بل والعالم !
3- الفساد الاداري والرشوة والمحسوبية والمنسوبية وتعطيل القانون و سيادة قانون العشيرة والافراد والاحزاب .
4- تخبط القرار السياسي وما نتج عنه من ترد واضح للوضع الامني الذي لم يستقر اصلا وما يزعم البعض انه استقرار امني مع وجود سيطرة كل 100 متر فهذا ليس بأمن ولا هم يحزنون ..
5- اتهام البعض للمالكي بتهميش "الشركاء" في العملية السياسية وعدم "اشراكهم" في اتخاذ القرارات المصيرية !
تكاد النقاط الخمس اعلاه هي ابرز ما يعلنه قادة الثورة المزعومة لاسقاط حكومة المالكي علما بأنّ شخصيات متنفذة في كتلة "مقتدى الصدر" مازالت تعلن انها ليست بصدد الانسحاب من الحكومة وليس بنيتهم التصويت بحجب الثقة عن حكومة المالكي ! لكنهم يدعون الى احداث تغيير في حدود الحكومة الحالية ومجلس نوابها الموقر ! و ذبيت روحي على الجرش وادري الجرش ياذيها ..
الخيار الصعــــــــــب :-
بعد ان استعرضنا الاسباب التي اعلنتها القوى الازموية والتي يمكن ان تستغلها تلك القوى لتعبئة الشارع العراقي لتحقيق اهدافها وانهاء الازمة كما تريد هي ، فلابد لنا ان نقف عند التدابير اللازم اتخاذها لتفتيت الازمة وكما ذكرنا آنفا بالمزاوجة بين الاسلوبين الاول والثاني ، والتي يمكن تلخيصها بالخطوات التالية :-
1- دعوة السيد مقتدى الصدر بصورة شخصية الى لقاء مع السيد نوري المالكي ومناقشة رؤيته للاصلاح السياسي والاقتصادي وتوقيع ورقة تفاهم قابلة للتطبيق وملزمة لدولة القانون والتيار الصدري على حد سواء . ( الاسلوب الاول )
2- اعلان دولة رئيس الوزراء عن اعفاء السيد احمد نوري المالكي وفرق عمله من كافة مناصبه التي تقلدها في امانة مجلس الوزراء واسناد مهامه الى اشخاص مهنيين بعيدين عن كافة الاحزاب العاملة والعراق مليء بالكوادر والخبرات ويمكن الاستعانة بالجامعات لتوفير الخبرات اللازمة ..
3- استبعاد بعض الشخصيات من الذين ارتبطت اسمائهم بملفات الفساد والرشوة وعلى سبيل المثال لا الحصر علي الدباغ والشهرستاني وفاروق الأعرجي وغيرهم من عشرات الاسماء المعروفة للقاصي والداني .
4- اعلان الحكومة عن برنامج حكومي واعد وبمواعيد ثابتة وملزمة وواضحة لتوفير الخدمات الاساسية والبنى التحتية على ان يكون تنفيذه على مراحل اولى وثانية وثالثة ومدة كل مرحلة سنتين لكي يتسنى للحكومة المقبلة اكمال مابدأت به الحكومة الحالية كما ان الانجاز لا يجير بشخصية معينة كما هو معمول حاليا ( لو هو ماكو اي انجاز لحد الان ) .
5- تشكيل لجنة مستقلة على غرار المجلس الاعلى للاعمار تتالف من الاكاديميين والمكاتب الاستشارية المتخصصة ترتبط اداريا بمجلس الوزراء على ان يعمل منتسبي الجنة عن طريق العقود المؤقتة وتقوم اللجنة باعداد الدراسات الفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية للعشرين سنة القادمة على ان ينتهي عمل اللجنة بعد ثلاث سنوات وتعتبر توصيات اللجنة ملزمة للحكومة .
6- معالجة مسألة الطاقة الكهربائية وذلك عن طريق التعاقد مع شركات عالمية لتوليد الطاقة الكهربائية وتزويد العراق بمحطات توليد مؤقتة ( تستخدم لاحقا كمحطات احتياط ومحطات بديلة ) ولا يستغرق انجاز وتشغيل هذا النوع من المحطات اكثر من ثمانية اشهر على ان تكون هذه المحطات ملكا خالصا للحكومة الاتحادية وليس لحكومات المحافظات الفاسدة .
7- المباشرة وبصورة فورية بالتعاقد مع المكاتب الاستشارية المتخصصة ببناء محطات التوليد الكهربائية لاعداد التصاميم المدنية اللازمة لتركيب المحطات التي تم التعاقد عليها مع شركة جنرال اليكتيرك وسيمنس على ان تخول المكاتب الاستشارية حصرا مهمة فتح وغلق المظاريف وتستعبد الشركات العراقية لعدم خبرتها في هذا المجال في الوقت الحاضر .
8- اعداد مشروع قانون وزارة الصحة والمؤسسات الصحية بما يضمن مصلحة جميع الاطراف ( المواطن والطبيب ) واعتماد الانظمة المعمول بها عالميا ومنع الطبيب من مزاولة عمله في اكثر من مؤسسة لانهاء مهزلة استبزاز المواطن التي اضحت ظاهرة ينفرد بها العراق دونا عن جميع بلدان العالم .
9- انجاز الحكومة لمشروع الهوية الوطنية والرقم الوطني الموحد لتنظيم علاقة الدولة مع المواطن علما بان هذا المشروع لن يستغرق اكثر من ستة اشهر بل ويمكن انجازه بأقل من هذه المدة ومكن الاستعانة بالتجربة المصرية في هذا المجال ( تم انجاز المشروع في مصر خلال سنة واحدة علما بان نفوس مصر هي 90 مليون نسمة ) .
10- الاسراع في انجاز مشروع الحكومة الالكترونية وربط كافة الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة بقاعدة بيانات واحدة واعتماد التعامل الالكتروني بديلا عن المعاملات الورقية ومنها القضاء الكامل على كافة انواع الفساد الاداري والرشوة والمحسوبية وكتب التزكية الحزبية وغيرها من الادوات التي اخترعها نظام البعث المقبور واتخذتها الاحزاب الاسلاموية سنة مؤكدة وواجبة .
11- اعلان الحكومة عن تنظيم قانون الضرائب وقانون الضمان الاجتماعي ليشمل كافة فئات الشعب العراقي.
12- المباشرة فعليا بمشرع تأهيل المؤسسات الصناعية العراقية وتوفير عشرات الالاف من فرص العمل للشباب والعاطلين عن العمل ، ولا بأس من طرحها للاكتتاب كشركات مساهمة لتوفير السيولة المالية اللازمة من جهة ولغرض سحب الكتلة النقدية الكبيرة الموجودة عند المواطنين من جهة اخرى وبهذا نعيد التوازن الى السوق العراقية ونكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد .
13- يعلن دولة رئيس الوزراء بخطاب تلفزيوني وبشفافية واضحة عن اسماء الوزراء والمسؤولين الحكوميين المساهمين في تعطيل عمل الحكومة على ان لايستبعد منها اعضاء التحالف الوطني لكي لا يفسر على انه استهداف لجهة دون اخرى .
14- يعلن دولة رئيس الوزراء قائمة بمشاريع القرارات التي رفعت الى مجلس نواب ولم يقرّها المجلس مع ذكر الاسباب والاشخاص الذين يقفون خلف هذا التعطيل .
15- انهاء مهزلة الوزراء الامنيين خلال فترة اقصاها الخامس عشر من ايلول والا فيتولى رئيس الوزراء الوزارات اعلاه كوزير اصيل وليس بالوكالة ووضع الكتل السياسية المتناحرة في الزاوية الحرجة .
16- الاعلان عن تشكيل لجنة عليا لاعادة قانون العمل بالتجنيد الالزامي ( المعطل ) واعادة التوازن الحقيقي الى المؤسسة العسكرية وسحب كافة الرتب العسكرية التي منحتها الحكومات السابقة والحالية بدون وجه حق لمن لايحملون شهادة بكلوريوس العلوم العسكرية .
وماذا بعد ؟ :-
تمثل النقاط الستة عشر اعلاه مثالا لمئات من النقاط الممكنة التنفيذ لو تخلت الحكومة ومجلس نوابها الموقر عن انانيتها الفردية والحزبية والفئوية والقومية والتفتت الى مصلحة البلاد والعباد قبل ان يقع المحظور الذي انْ لم يقع في يوم التاسع من ايلول فسوف يقع بعدة بستة اشهر او سنة ولات حين مناص ...
الخاتمة :-
يعتذر العقيق عن الاطالة ويتمنى كغيره من الشرفاء والمخلصين ان يرى عراقا مزدهرا يشار له بالبنان وتعود بغداد حاضرة الدنيا ومصدر الهام اهل العشق والفن ....
العقيق :- ارض الله الواسعة لخمس خلين من شوال سنة 1432 هـ الموافق لليوم الثالث من ايلول سنة 2011 م
تحياتي ...