للمعالم الحضارية موقعا مهما في الإسلام ولها تميزا في التخطيط ألتمدني الإسلامي.
وحازت الأماكن المقدسة قصب السبق في المأثور الإسلامي واعتبرت من أهم المواقع في أي بناء مدني في الإسلام .
من المعروف أن مكانة المسجد قوية في قلوب المسلمين منذ عصر النبي (ص)، حيث كان المسجد محطة للهداية وللعلم ولعزة للإسلام والمسلمين.
وقد ورد في فضله كثير من الآيات فقد قال تعالى:
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الإسراء/1} ))
وقال تعالى:
((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {البقرة/144} ))
الدور الريادي للمسجد في نشر العلم وبث أوامر السماء، ومكانًا للمسلمين يتعلمون فيها أمور دينهم وينظمون أمور دنياهم.
أول أساس وضعه النبي - صلى الله عليه واله وسلم - عندما نزل بأرض الهجرة النبوية هو بناء المسجد فكان المسجد أول مؤسسة أنشأها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في تاريخ الإسلام باعتباره الخطوة الأولى لبناء التمدن الإسلامي الجديد في المدينة المنورة .
وفى المسجد كان الصحابة الكرام يقومون الليل ويتدارسون القرآن ، وفى النهار يتحركون منه فرسانًا فى الدفاع العقيدة.
وهكذا سار الأئمة (ع) في كافة مقاطع حياتهم حيث كان منهم زخما في إعطاء المسجد أدواره.
أما المراقد المقدسة فهي تحف فنية رائعة وآثار نفيسة وثروة إنسانية تعتز بها الأمم والشعوب يجب المحافظة عليها لما تتضمنه منفن معماري رائع وتراث روحي ، و مركزاًسياحياً يفد إليها الزوار من كل مكان.
والروايات الصحيحة الواردة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم و الأئمة الأطهار عليهم السلام إنماتحث على تعمير مراقد الأولياء.
ومن ذلك هذه الرواية اللطيفة فقد ورد:
((ما رواه أمير المؤمنين عليه السلامعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل يقول: يا علي من عمر قبوركموتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داوود (ع)على بناء بيت المقدس ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلاموخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك منالنعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))
ولسنا في معرض الحديث عن المساجد والمراقد المقدسة وعمقها العقائدي والروحي في الفكر الإسلامي فان له مجال أخر ولكننا نريد أن نطل على هذا الموضوع من زاوية أثرها وموقعها في التمدن الإسلامي.
ولنا في هذه المحطة مجموعة من الإشارات المهمة في مجال اثر المساجد والمراقد في التمدن الإسلامي .
********************
أولا : من المواقع المقدسة في الإسلام (( بيوت الله المساجد))
ولنا هنا مجموعة من الإشارات المهمة في مجال اثر المساجد في التمدن الإسلامي .
......................
إشارة
إن المساجد والمراقد من المباني الرائعةالتي تعد ثروة كبيرة فإنها استثمار لجهود العاملين المهرة هي من آيات الفن المعماريوتميزت معظمها بسمو الذوق وهذا كلها رصيد مهم وغزير النفع لأي مجتمع تمدني في العالم.
للمراقد كما للمساجد دور عمراني بارزفي تطور المدن الإسلامية إذ أنها الركيزة الأولى للبناء باعتبار ان التمدن والعمران يستند أساساً إلى وجودها في توافد الناس إليها وقصدها وعندها تبدأ بالتخطيط والسكن فيكون أساساً لمدينة حضاريةمتمدنة.
********************
إشارة
من المعلوم ضخامة الدور الاجتماعي للمسجد فى حياة الناس فانه من أكثر المؤسسات التربوية تأثيرا في النفوس ويعد المسجد مصدرًا للمعرفة الدينية ولغرس القيم المدنية، حيث فيه يتم اللقاء المباشر بين الموجه الديني والناس ، بخلاف طرق الاتصال الأخرى.
قال تعالى:
((قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ {الأعراف/29}))
*********************
إشارة
أن المسجد لجميع المسلمين ومن كافة الأعمار؛ و له دورًا شديد الخصوصية في تربية الشباب؛ وكان المسجد في تاريخنا الإسلامي مجمعا لمناقشة قضايا الناس، وتحديدا مشكلات العقائد والأمور السياسية.
يا ترى هل توجد مدرسة وجامعة استمرت في إعداد العلماءللإنسانية في العلوم المختلفة عبر القرون ؟؟ ، وفي أصناف العلم كافة من فقهاء ومفسرين وعلماء في الهندسة و الطب والفلكوالفلسفة والأدب، وغيرها من علوم الحياة.
المسجد محور ارتقاء الأمة وتوحيدها ومن هنا كان أول أعمال سيد الإنسانية محمد صلى الله عليه واله وسلم هو بناء مسجدللمسلمين في أيامه الأولى التي عاشها في المدينة, وحمل أحجار البناء بيديهالشريفتين فكان المسجد النبوي دار الدولة الإسلامية وركيزة المجتمع التمدني.
قال تعالى:
((يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف/31}))
وقال تعالى:
((وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {التوبة/107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {التوبة/108} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {التوبة/109} ))
**************************
إشارة
استمرالمسجد في التطور والنمو عبر القرون ، ليصبح جامعات علمية رائدة كانت محور بناء التمدن في التاريخ الإسلامي, نذكر بعضها مثلا :
جامع الكوفة الشهير بأدواره الكبيرة في التاريخ.
الجامعالأموي في دمشق
جامع المنصور ببغداد,
جامع القرويين في فاس بالمغرب الذي تميزبالنظام الجامعي ، وكان له مساكن خاصةللطلبة والأساتذة، ومكتبات للباحثين ، حتى قصدها غيرالمسلمين من أرجاء العالم، وخاصة أوروبا أمثال القس غربرت دورياق الذي أصبحبابا روما.
الجامع الأزهر الذي كان ولا زال جامعة يدرس فيها العلوم المختلفة،وتخرج منه علماء كبار في كافة مجالات علوم الحياة.
****************************
إشارة
من ادوار المسجد الأساسية تعزيز أمن المجتمع وقيمه العليا.
قال تعالى:
((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ {البقرة/191} ))
وترى أن الله تعالى يصف مكة بـ (( البلد الأمين )) فقد قال تعالى:
((وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {التين/3}))
ففيه يأمن فيه الناس على أرواحهم ومساكنهم وأعراضهم وأموالهم .
عاش آدم (ع) عند بيت الله تعالى وهذا يعني أن الإنسانية بدأت حياتها من مكة المكرمة، فقد قال تعالى:
((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {آل عمران/96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {آل عمران/97}))
الذي ببكة أي (منطقة في مكة) فميزة هذا المسجدعلى مساجد الدنيا أنه يوفر لمن دخله أمناً ، فالحصانة فيالمسجد الحرام هي حصانة في غاية الشدة، و هذا الدور الكبير للمسجد الحرام في الأرض فالمساجد كافة ينبغي أنيكون لها نفس الدور، فالمسجد الحرام على صعيد الأرض كلها، والمسجد في أية مدينة على مستوى تلك المدينة، والمسجد في اية منطقة على صعيد تلك المنطقة وهكذا القرية والناحية بل حتى الشارع.
ونعلم أن عنصر أساسي لتكوين حالة التمدن هو وجود الأمن الاجتماعي الداعي للاستقرار العام.
المسجد يجمع أبناء المجتمع تحت سقف كالعائلةالواحدة وبذلك يسود الناس روح التواصل والتعارف والعلاقات الطيبة فيما بين أبناء المجتمع.
المسجد بهذا الاتجاه يكون محور للوحدة بين المسـلمين، فعليه يجب أن يكون لعموم المسلمين، لا لأتباع مذهب معيّن، فلا يصح في الإسلام أن يستأثر أي شخص أو جهة بمساجد اللهتعالى.
فالمساجد صمامالأمان للمجتمع الإسلامي.
المسجد يقوم بعملية تحصين للمجتمع المتمدن من عوامل الانحراف، من خلالمحاربته لأسباب الأفكار التي تدعو إلى الإباحية الخلقيةوالفساد والاجتماعي.
************************
************************
ثانيا : من المواقع المقدسة في الإسلام (( المراقد المقدسة ))
ولنا هنا مجموعة من الإشارات المهمة في مجال اثر ا المراقد المقدسة في التمدن الإسلامي .
***************
إشارة
(( المرقد والمقام))
اشترك اللفظان (( المرقد والمقام )) من حيث كونهما مكان محترم ومقدس ،ولكن الفرق ان المرقد مكان رقود جسد الولي ، وأما المقام فهو المكان الذي أقام فيه الولي سواء طالت مدة الإقامة أو قصرت كمقام أمير المؤمنين (ع) والنبي نوح (ع) في مسجد الكوفة.
وان هذه المراقد كانت ولا زالت مهوى قلوب الشعوب ومن معالم تمدنها الأساسية .
*******************
إشارة
السياحة ألدينيه من الموارد ألاقتصاديه ألهامه في التمدن البشري عموما و التمدن الإسلامي خصوصا و ذلك عبر تعزيزها لنمو الدخل القومي و مساهمتها في إيجاد الفرص للعمل و ترفع المستوى ألمعاشي للمواطنين ، والسياحة ألدينيه أداة للتعرف على عادات الشعوب.
السياحة ألدينيه تلبي للإنسان حاجه إنسانيه وروحيه ، وتستند على أسس بادر الإسلام في تشريعها وهي أصناف كالواجبة مثل حج بيت الله الحرام في مكة ، والمستحبة كزيارة أل البيت (ع) تقربا لله تعالى باعتبارها من شعائر الله تعالى وقد قال تعالى:
(( ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب))
........
(( نموذج لموقع إسلامي للسياحة الدينية))
كربلاء تنفرد بأهمية نابعة من واقعة الطف التي مرت فيها الإحداث المأساوية على أهل بيت الرسول (ص).
من المقومات الأساسية الأخرى لنمو السياحة ألدينيه في كربلاء هي المميزات الجغرافية ، حيث تقع في وسط العراق في منطقة الفرات الأوسط , وهي محاطة ببساتين متعددة ولها ارض سهليه جيدة, ويوجد فيها أسواق متنوعة للسياحة الدينية.
والموقع يمتاز بأهمية تاريخية لها الأثر الحضاري باعتبارها قريبه من الحضارة البابلية ، وتبعد قليلا عن موطن خلافة الإمام علي (ع) في الكوفة .
تتميز كربلاء بان الزيارة الموسمية فيها غير مسيطرة بل كافة ايام السنة هي موسم للزيارة ولو ان أهمها هي زيارة يوم عاشوراء و الاربعينيه و الشعبانيه .
********************
إشارة
نلاحظ التأثير الواسع الذي توجده المراقد في المجتمعات التمدنية المحيطة بها، ولعل ابرز ادوار التأثير هي الدور: الديني، الثقافي، ألعلاقاتي، السياسي، الاقتصادي، العمراني.
نموذج : تأثير المراقد المقدسة السياسي
فمنذ استُشهاد الحسين عليه السّلام وضع الحكم الأموي الموانع لردع الناس عن زيارته وهكذا العباسيون وغيرهم استمرارا للنظام الصدامي حيث حارب هؤلاء زيارة الحسين بكافة السبل ، خشية تأثيرها في النفوس التي تستلهم منه (ع) القوة والعزم على الثورة ضد الظالمين، فزيارة قبر الولي إنما هي عمل مُعارِض في نظر الطغاة لابد من منعه بمختلف السبل والطرق.
نموذج : دور المراقد المقدسة في تقويةالعلاقات بين الشعوب
إن المراقد المقدّسة كانت سبباً في توثيق المحبة بين الشعوب الإسلامية بمختلف جنسياتها.
نلاحظ الملايين سنوياً تأتيلزيارة العتبات المقدسة وإضافة الى هجرة البعض واستقرارهم الدائم في ارضها ، ويعتبر هذا سبباً في توثيق العلاقة بينالشعوب الإسلامية
نموذج : الدور الثقافي للمراقد المقدسة
وللمراقد دور فاعل في الحركة العلمية؛وللزيارة مراسيم أهمها قراءة نصوص في الرواياتقد أكدت الروايات على تلاوتها، يسعى الزائر فيها إلى تعلّم القراءة كحدّ اقل ليتمكن من قراءة النصوصأوّلاً،
كما يسعى لفهم معانيها ، ليستوعب المقصود منها ثانياً
وفي فترات توافد الزائرين تتبلور الثقافاتوتلتقي الحضارات فتنمو في ظلها حركة فكرية كتعبير طبيعي لهذه الحالة
يزدحم العلماء والرواةوأصحاب القلم والفكر حتّى يعجَّ المرقد الشريف بالدارسين والأساتذةمن أصحاب العلم والفكر، ومن هنا نجد نشوء الحوزة العلمية في المدن المقدسة بطبيعة الحال غالبا. وأيضاً يظهر الدور الإعلامي لهذه المراقد إذ تُعتبرمركزاً لتلاقي العلماء والمفكرين كنقطة انطلاق لنشر الفكر الإسلامي
نموذج الدور الديني للمراقد المقدسة
أن الظاهرة الدينية في المجتمعاتالإسلاميّة التي فيها مراقد الأئمّة عليهم السّلام تطغى على غيرها من الظواهر بشكل ظاهر للعيان، فالعلاقات الإنسانية ذات طابع ديني.
هذه القدسيةتساعد إشاعة جوّ روحيّ بين الناس و تتحصّن علاقتهم الاجتماعية من أي تغير اجتماعي خطير.
**********************
إشارة
زيارة المراقد من الشعائر الإسلامية التي أقرتها الشريعة ومن السلوكيات التمدنية الحضارية عند اغلب البشر بما تنتجه من نفع يعود لأصحاب القبور، وعلى الزائر للقبور، و تكرس في نفس الإنسان المعاني الأخلاقية ، حيث تذكر الإنسان بالموت، فيأخذ العبرة .
ورد في الرواية أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لما مر على المقابر:
(( السلام عليكم يا أهل القبور أنتم لنا سلف، ونحن لكم خلف، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أما المساكن فسكنت، وأما الأزواج فنكحت، وأما الأموال فقسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم؟ ثم قال عليه السلام: أما إنهم إن نطقوا لقالوا: وجدنا التقوى خير زاد ))
زيارة مراقد الصالحين من المؤمنين ولا سيما الشهداء منهم تعطي الإنسان العزيمة على السير على ما ساروا عليه في درب الهداية والتقوى.
وكذلك لزيارة الأرحام فضل عند الله تعالى فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام:
(( زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب الرجل حاجته عند قبر أبيه وأمه بعدما يدعو لهما ))
في الوقت الذي نرىاهتمام الشعوب في جميع أنحاء العالم بمراقد أسلافهم فيقصدونها للزيارة وأخذالعبر.
والمسلمونيولون أهميّة خاصّة لقبور عظمائهم ولميخالف في ذلك إلاّ الوهابية.
وهم ظنُّوا بأنّ زيارة القبور هي عبادة لأصحابها، وبالتالي يكون جميع المسلمين مشركينباستثنائهم !!!
بينما نجد ان احترام قبورالسابقين وبالخصوص العظماء من سلوكيات المجتمع المدني البشري.
وهذا العمل له آثارإيجابية كثيرة، منها:
1 - إنّ تكريم السابقين إنما هو حفظ حرمة هؤلاء الكرام; لأنّهم عنوان للعزة والشرفالإنساني.

2 - الدروس والعبر كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(( فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم ))

3 - تكريمقبور العظماء الماضين وسيلة لحفظ التراث الثقافي لكل قوم وأمّة، والشعوب تهتم بثقافاتها القديمة.
4 - تصبير أهاليالمتوفى، و الزيارة تقلل من شدّة آلامهم، وبعض الناس نجدهم يقومون ببناء قبررمزي للفقيد، ويجلسون بجواره .

5 - إنّ لزيارةقبور أئمّة الدين وطلب الشفاعة منهم عند الله المرافق للتوبة والإنابة أثراً في تربية النفوس وتنمية الإيمان، وقد تاب الكثير منالمذنبين والعصاة في رحاب تلك المراقد.
***************
نفهم من هنا ان البنية الشاخصة للتمدن الإسلامي تلازم وجود المواقع المقدسة والمعالم الحضارية سواء كان على مستوى الموضعية من الناحية العمرانية الشكلية او على مستوى الأدوار الكبيرة التي تؤديها تلك المواقع المقدسة في السلوك المدني والإنساني المتحضر


أبو فاطمة العذاري