فقه المهجر
«التعرّب بعد الهجرة»
- المراد بـ «التعرّب بعد الهجرة» الوضع الذي يتحوّل فيه الإنسان المسلم من إنسان واعٍ بالإسلام ملتزمٍ به، إلى إنسان جاهل به منحرف عنه، وهو مأخوذ من كلمة «الأعرابي» الذي ورد ذكره في القرآن في كلمة (الأعراب)، ويُراد به من لـم يتفقّه في الدِّين، وقد ورد في الحديث المأثور عن النبيّ (ص) قال: «ولا تعرّب بعد الهجرة».
وقد روي عن الإمام أبي الحسن رضا (عليه السَّلام) ـ في رواية محمَّد بن سنان بما كتب إليه من جواب مسائله ـ قال: «وحرّم اللّه التعرّب بعد الهجرة، للرجوع عن الدِّين، وترك الموازرة للأنبياء والحجج»، وما في ذلك من الفساد وإبطال حقّ كلّ ذي حقّ لعلّة سكنى البدو، ولذلك لو عرف الرّجل الدِّين كاملاً، لـم يجز له مساكنة أهل الجهل والخوف عليه، لأنَّه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك».
ويتمثّل ذلك في الهجرة إلى بلاد الكفر التي تنتشر فيها أخلاق الكفر وعاداته وانحرافاته الثقافية والاجتماعية، من دون أن يكون هناك أيّ نشاط إسلامي ثقافي وتربوي يحصّن الإنسان المسلم وأهله وأطفاله، في محصنٍ إسلامي يحميه من كلّ التأثيرات السلبية المنحرفة التي يمكن أن تؤدّي إلى الضَّلال الفكري والعملي، بحيث يذهب الإنسان المسلم إليها مؤمناً ملتزماً ليتحوّل إلى إنسانٍ فاسقٍ منحرف. وهذا ما يوجب حرمة الهجرة إلى تلك البلاد.
مستثنيات الحكم الشرعيّ في هذه المسألة
- إنَّ المستثنيات تتلخّص في الحالات الضاغطة التي يضطر الإنسان فيها إلى الهجرة بفعل الظلم الذي يُعانيه في بلده، مما لا يمكنه الصبر عليه، أو مما يكون الصبر عليه حرجاً. وربَّما يقترب من ذلك أن لا يكون له ملجأ آخر في بلاد إسلامية تمنحه فرص العيش الكريـم، أو تكون هناك مصلحة إسلامية تفرض عليه ذلك كالحاجة إلى الدعوة إلى الإسلام في تلك البلاد أو توعية المسلمين الساكنين هناك وحمايتهم من الضَّلال والانحراف، أو يكون هناك مصالح تجاريّة أو سياسيّة تفرض الهجرة من دون أن تكون هناك أيّة مخاوف على الإيمان والالتزام، أو تكون لدى الإنسان مناعة قوية ضدَّ الانحراف، بحيث يعلم من نفسه أنَّه قادر على حماية نفسه من أيّة مؤثرات سلبية في مسألة الالتزام. ولا بُدَّ للمهاجرين إلى هذه البلاد، الذين يملكون الرخصة، من القيام بتحصين وجودهم هناك، بإنشاء المراكز الإسلامية، والمدارس التربوية، والنوادي الاجتماعية والرياضية ونحو ذلك، مما يؤثر تأثيراً إيجابياً في إبقاء الإسلام الملتزم حيّاً في ثقافتهم وسلوكهم العملي، وليتذكروا ـ دائماً ـ قول اللّه تعالى: ]يا أيُّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النَّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون[ (التحريـم:6).
أسئلة متعلقة متنوعة
* هل إنَّ ضغوط الحاجة المادية، والحاجة إلى وثائق رسمية وإدارية مبررات شرعية للجوء أو الهجرة؟
- إذا كان الوضع المذكور يؤدّي إلى حرج شديد في حياة المكلّف فيجوز له ذلك.
* هل يجوز شرعاً تلبية طلب السلطات الرسمية من المرأة المسلمة اللاجئة إلى بلاد الغرب تصويراً شخصياً بدون حجاب أو بإبراز أجزاء من الرأس؟
- يجوز ذلك شرط أن تصوّرها امرأة، ولا مانع، من ناحية شرعية، في الفرض المذكور، من تقديـم الصورة إلى السلطات الرسمية هناك بفعل ضغط الحاجة الواقعية.
* هل تجوز مخالفة بعض قوانين البلد المضيف، والتي تتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الإسلامية؟
- يجوز ذلك، بشرط أن يكون الأسلوب المتّبع في المخالفة حكيماً مَرِناً لا يسيء إلى واقع المسلمين هناك وسمعتهم، فإنَّ من الواجب على المسلمين المحافظة على عاداتهم وقيمهم وأحكامهم الشرعية الملزمة في كلّ مكان إذا لـم يؤدِّ ذلك إلى الحرج الشديد، كما أنَّ من الواجب عليهم حفظ سمعة الإسلام وأهله لدى الآخرين.
* هل هناك موقف شرعي معيّن من مخصّصات اللجوء التي يحصل عليها اللاجئ؟
- يجوز أخذها وتملّكها مع كون الإنسان مستحقّاً لها بحسب قوانين تلك البلاد.
* ما حكم المصنوعات الجلدية غير المذكّاة والتي تُباع في الأسواق الغربية؟ وهل تتنجس اليد التي فيها رطوبة عند لمسها؟ وما العمل في حال الشك بكونها مذكّاة أم لا؟
- إذا كانت مشكوكة التذكية، كما إذا كان البلد الذي اشتريت منه مشتملاً على مجموعة معتدٍّ بها من المسلمين الذين يتولّون الذبح أو احتمال استيراده للجلود من بلاد المسلمين، واحتمل أنَّ هذا الجلد المشترى جزء من حيوان مذبوح على الطريقة الشرعية، فيحكم بطهارته وتجوز الصَّلاة فيه، أمّا إذا كان مما يعلم عدم تذكيته الشرعية، فيحكم بنجاسته، بحيث تتنجّس اليد التي لامسته برطوبة وبعدم جواز الصَّلاة فيه، لأنَّه من الميتة النجسة التي لا يجوز الصَّلاة فيها.
* ما هو الموقف الشرعي من تناول الأطعمة التي تباع في الأسواق الغربية، والتي يشك أنَّ لحم أو شحم الخنـزير داخلٌ في صناعتها؟
- إذا شك في دخول شحم أو لحم الخنـزير أو الميتة في صناعتها، ولـم يحرز ذلك بأي طريقة من الطرق، فيجوز تناولها ويحكم بحلّيتها.
* في حال تعذّر حصول أعمال أخرى، هل يجوز لي شرعاً العمل في سوبر ماركت يباع في أحد أقسامها الخمر؟ وماذا لو تعيّن عليّ العمل في هذا القسم تحديداً؟
- يجوز العمل في هذه المحلات الواقعة في تلك البلاد، حتّى لو بيع في داخلها المحرّم، إذا لـم يكن عمله في بيع الحرام. أمّا إذا كان عمله في بيع الحرام أو تقديمه إلى النَّاس، فلا يجوز ذلك من حيث المبدأ، إلاَّ إذا كان الامتناع عنه يؤدّي إلى حرج شديد، بحيث لـم يجد عملاً غيره، وكان بقاؤه بلا عمل يؤدّي إلى جوعه وجوع أطفاله وحاجتهم إلى الاستجداء أو إذلال أنفسهم ونحو ذلك، فإنَّ العمل جائز في هذه الحال، انطلاقاً من قوله تعالى: ]وما جَعلَ عليكم في الدِّين من حرج[ (الحج:78).
* هل الزواج المؤقّت من الغربية التي تردّد صيغة العقد من غير فهم لمعناها كافية لصحة العقد؟ وهل يكفي التراضي من غير قراءة الصيغة المقرّرة للعقد؟
- لا يجوز عقد الزواج ـ دائماً أو منقطعاً ـ مع المسلمة أو الكتابية إلاَّ إذا قصد الطرفان، الرّجل والمرأة، إنشاء الزوجيّة بينهما بالعقد الذي لا يشترط فيه لفظ خاص، بل يمكن حصوله بأيّ لفظ دالٍ على إنشاء الزواج ـ في العُرف العام ـ ولا يكفي التراضي بينهما من دون الصيغة اللفظية.
* هل تجوز مصافحة المرأة الغربية في حال الحرج الشديد، ومع عدمه؟
- لا يجوز المصافحة للمرأة الأجنبية مطلقاً، إلاَّ في حال الحرج الشديد، ولا بُدَّ للمؤمن من أن يكون دقيقاً في الحكم بحرجية الحالة، لئلاّ تدفعه الرخصة إلى التساهل في التزامه الديني، وقد قال اللّه تعالى: ]بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره[ (القيامة/14-15).
* هناك بضائع مسروقة تُباع في بعض أسواق البلدان الغربية، فهل يحلّ للاجئ المسلم شراؤها مع معرفته بذلك؟
- لا يجوز ذلك، لأنَّه لا يجوز شراء المال المسروق من مسلم أو كافر، لكن إذا كان مما لا يُعرف صاحبه، فيجري عليه حكم مجهول المالك(25). هذا مع ملاحظة أنَّه لا يجوز الشراء، حتّى في فرض كونه مجهول المالك، من المسلمين السارقين، لأنَّ ذلك يؤدّي إلى تشجيعهم على السرقة.
* ما الحكم في الاعتداء على الملكيات العامّة والخاصّة، كسرقات الهاتف والسوبر ماركيتات التي تحصل في بعض بلدان اللجوء الغربية؟
- لا يجوز ذلك، من ناحية المبدأ، ومن ناحية مخالفة النظام العام في الأملاك العامّة.
* هل في التردُّد على الكنائس بين الحين والآخر بغية الاطلاع على طقوس النصارى وشعائرهم حرمة شرعية؟
- يجوز ذلك، على أساس العنوان المذكور، إذا لـم يكن هناك عنوان ثانوي محرّم.