محمد حسين فضل الله.. شخصيَّة على المستوى الإسلامي والإنساني
ولد السيِّد محمد حسين فضل الله، المرجع الدّيني الشّيعي، في مدينة النَّجف الأشرف في العراق، في 2 تشرين الثّاني 1935، حيث كان والده آية الله السيِّد عبد الرّؤوف فضل الله قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدّينيَّة، وتوفّي في 4 تموز 2010 في بلده لبنان، ويعتبر من أكثر علماء الشّيعة انفتاحاً على التيَّارات الأخرى.
عاش سماحة السيِّد في بيئةٍ تقليديَّة، لكنَّ شخصيَّته الاستثنائيَّة انفتحت على آفاق أرحب، وقادت حركة التَّجديد في الأمَّة. بدأ دراسته الدّينيَّة في سنٍّ مبكرة، في التَّاسعة من عمره، وكان من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلميّ في تلك المرحلة. وقد أثر عن سماحة السيِّد فضل الله، أنَّه كان من الأوائل البارزين في جلسات المذاكرة، حتَّى برز من بين أقرانه ممن حضروا معه، فتوجَّهت إليه شرائح مختلفة من طلاب العلم في النَّجف آنذاك، فبدأ عطاءه العلمي أستاذاً للفقه والأصول. كان السيّد فضل الله ينظم الشِّعر، ويشارك في المنتديات الأدبيَّة والمناسبات الدّينيَّة. امتاز سماحة السيِّد فضل الله بقلبه العطوف، كما عرف بصلابته وشجاعته، وكان شخصيَّةً إسلاميَّة وحدويّة.
انتقل إلى لبنان عام 1966، وأسَّس حوزة المعهد الشّرعيّ الإسلاميّ، كما أنشأ عدّة جمعيّات خيريّة ومقرّات للأيتام والمستشفيات الخيريَّه، ما زاد من شعبيّته.
كان للقرآن الكريم منزلة خاصَّة عند السيّد، وهذا أمرٌ لا يتعلَّق فقط بالجانب العباديّ الرّوتينيّ، إذا صحَّ التّعبير، وإنما كان له ميزة خاصَّة، لأنّه كان يعيد إنتاج قراءته الدّائمة للقرآن الكريم.
حتَّى في الفترة الأخيرة قبل مرضه، كان ينهض في اللَّيل مبكراً، يجلس قبل الفجر بحوالى ساعةٍ أو أكثر أحياناً، حتَّى عندما كان يتأخَّر الفجر ويقترب من النَّهار، كان يبقى على ثباته، ينهض في السَّاعة نفسها. كان سماحته متنوّعاً، مروحته القرآنيَّة، إذا صحَّ التَّعبير، هي مروحة واسعة، إضافةً إلى انشغاله بأموره الأساسيَّة. شهد بعض رجال الدّين الشّيعة لفضل الله بالاجتهاد والقدرة على الاستنباط، فكان من المراجع الشيعيّة الكبرى.
أولى سماحة السيِّد اهتماماً كبيراً بالأيتام، فأسَّس مبرّات الأيتام، كما أسَّس مؤسَّسات رعائيَّة: مبرّة الإمام الخوئي - مبرَّة السيِّدة خديجة - مبرَّة الإمام علي(ع) - مبرّة السيِّدة مريم- مبرّة الإمام زين العابدين(ع). وأقام مراكز دينيّة وثقافيّة، منها مجمع الإمامين الحسنين(ع)، ومكتبة السيّد محمد حسين فضل الله العامّة. من مؤلّفاته: فقه الحياة، تحدّيات المهجر، الإسلام ومنطق القوَّة، خطوات على طريق الإسلام، في آفاق الحوار المسيحيّ الإسلامي...
كان دائماً شعار سماحته في الحياة: "العقل مفتوح، والقلب مفتوح، والبيت مفتوح"، وهذا الشِّعار كان يمارسه عمليّاً، ولم يكن يغلق بابه أمام أحد. وفي آخر لحظاته، ابتسم سماحته ابتسامةً مميّزةً جدّاً وقال: "أريد أن أنام"...
ونام سماحته في سباتٍ أبديٍّ طويل، ليترك للأمّة الإسلاميّة إنتاجاً فكريّاً ودينيّاً أقلّ ما يوصف به بأنّه كنز...
مروى الصّايغ
التاريخ: 7 ذو الحجّة 1432 هـ الموافق: 03/11/2011 م