صفات عباد الله {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}. كنّا قد تحدّثنا في المرّة السابقة عن هذه الآية، وقلنا إن الله أراد أن يبيِّن القيم السلوكية لعباده الذين اختصّهم بالانتماء إليه {وعباد الرحمن}، لما يتّصفون به من الصّفات الحميدة والقيم الخيّرة. ومن صفاتهم التي تحدّث عنها، ما يتعلّق بسلوكهم في حركة مشيهم {الذين يمشون على الأرض هوناً}، وفي أسلوب ردّ فعلهم أمام الذين يريدون إثارة المشاكل معهم {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً}.السجود مظهر العبوديةونستكمل الحديث عن الصفات التي تحدّث الله بها أيضاً عن عباد الرّحمن. يقول سبحانه: {والذين يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً}. وهذه الصفة هي من صفات عباد الرّحمن الذين يسهرون الليل، في سجودٍ للّه يعبّر عن خضوعهم وإعلان عبوديتهم له، لأن السجود يمثّل مظهر العبودية، والخضوع في أعلى درجات الخضوع لله سبحانه وتعالى؛ وفي قيامهم، عندما يقومون لله، ويقدّمون له الطاعة والاستسلام.{والذين يقولون ربّنا اصرف عنا عذاب جهنّم إن عذابها كان غراماً} (الفرقان:65)، هؤلاء الذين يفكرون ويتذكرون ذنوبهم ومعاصيهم التي قد تتمثل في كبائر الذنوب التي يستحق الإنسان عليها دخول النار، كالغيبة، والنميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، والظلم، وعقوق الوالدين، والزنا.. وما إلى ذلك.فهؤلاء يتذكَّرون ذنوبهم، ويفكِّرون في ما قد يقبلون عليه من عذاب جهنم، بما توعّد الله به العصاة، فيطلبون من الله في موقف استغفار واسترحام، أن يصرف عنهم عذاب جهنم على ما أسلفوا من المعاصي، {إنّ عذابها كان غراماً}، أي كان لازماً، بحسب الأسباب التي تجعل الإنسان يستحق ذلك. {إنّها ساءت مستقراً ومقاماً} (الفرقان:66)، فهم يدركون أنّ هذا العذاب، هو العذاب الذي لا عذاب مثله، وأن المقام في جهنم والاستقرار فيها، هو من أكثر أنواع المقامات إساءةً واستقراراً.الحدّ بين الإسراف والاقتصاد{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} (الفرقان:67)، أي أنّهم أهل اقتصاد، لأنّهم يأخذون بأسباب الاقتصاد في إنفاقهم وفي مصارفهم، فإذا أرادوا أن ينفقوا على أنفسهم أو على عيالهم فهم يأخذون بطريقة الاقتصاد، أي الاعتدال، فلا يضيِّقون على أنفسهم بالبخل عليها، ولا يضيّقون على عيالهم فيقتّرون عليهم، ولا يسرفون، بحيث يصرفون المال من دون نظام ومن دون خطة.وقد حرّم الله الإسراف، كما أن الإمام الصادق(ع)، ذكر الحدّ بين الإسراف والاقتصاد، بقوله(ع): "إن القصد أمرٌ يحبّه الله وإنّ السرف أمرٌ يبغضه الله ـ أي الاقتصاد والاعتدال ـ حتى طرحك النواة ـ فإنّها تصلح للشيء مثلاً عندما تأكل زيتوناً وترمي نواتها، أو تأكل التمر وترمي نواتها، أو أي شيء آخر له نواة، فلعلّك تنتفع بهذه النواة، كأن تغرسها في الأرض، أو تستفيد منها في بعض المنافع. فكل شيء يمكن أن تستفيد منه، عليك ألاّ ترميه، لأن طرحه يصبح من قبيل الإسراف إذا كان فيه منفعة ـ وحتى صبُّك فضل شرابك"، فعندما تريد أن تسكب الماء لتشرب كونك تشعر بالعطش، فعليك أن تسكب لنفسك بمقدار ما تحتاجه، لأنّ ما يزيد على ذلك يعتبر إسرافاً.إنّ الإسلام يريد من الإنسان أن لا يهدر شيئاً فيه منفعة، وهذا ما يحصل عندنا كثيراً، فمثلاً، قد يقيم أحدٌ دعوةً ما، فيقوم بتحضير الطعام بما يزيد عن حاجة المدعوّين، فيأكلون المقدار الذي يحتاجونه، والباقي يقومون برميه في النفايات. ومنهم من يقول إن هذا من باب تكريم الضيف. والواقع، أن الأكل ينبغي أن يكون بالمقدار الذي يحتاجه الفرد، وينبغي أن نعرف أنّ التكريم لا يكون بالطعام، بل الدعوة بحد ذاتها إنما هي إكرام، وليس تنوّع الأطعمة والإسراف بها.ومثل ذلك أيضاً ما قد يحدث في الوضوء، وذلك عندما يريد أحدهم أن يتوضأ، فيبقى الماء جارياً قد يكفي لغسل إنسان وليس فقط للوضوء. وهذه مسألة ينبغي على الإنسان أن يتحكّم بها وبمقدار الماء الذي يحتاجه لوضوئه، لأنّ هذا الماء قد يحتاجه الإنسان لأشياء أخرى كثيرة، وخصوصاً في البلاد التي تخفّ فيها المياه. لذلك علينا أن نتعلّم كيف ننتفع من كل الأشياء التي قد نحتاجها، بأن لا نرميها أو نهدرها أو غير ذلك.{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}، والإقتار هو الضيق والبخل، {وكان بين ذلك قواماً}، أي عدلاً وسطاً، وهو الذي يمثِّل خطّ التوازن بين الزيادة المفرطة والتقليل المفرط.التوحيد والطاعة{والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر}، فهم يوحّدون الله في العقيدة والطاعة والعبادة، {ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق}، كما في حال الدفاع عن النفس وغيرها، {ولا يزنون}، فلا يقضون شهواتهم بطرق غير شرعية، {ومن يفعل ذلك يلقَ آثاماً} (الفرقان:68)، فالذي يقوم بذلك، يلقى عقاباً من الله سبحانه وتعالى، لأن هذا من الكبائر، {يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً}، يعذّب ضعفين من العذاب، {إلا من تاب} عن هذه المعاصي {وآمن} بالله. فلا بدّ للإنسان من أن يكون مؤمناً وأن يتوب ويعمل صالحاً، {وعمل صالحاً فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات}، لأن الله يغفر لهم، ويعطيهم الحسنات من خلال توبتهم، ومن خلال عملهم الصالح {وكان الله غفوراً رحيماً* ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً} (الفرقان:70-71)، أي أنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويتقبّل الله عمله. والحمد لله رب العالمين.