حقيقة الانتمـاء للإسلامكنّا نتحدّث حول مضمون الآية الكريمة: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [فصّلت:33]، وقلنا إنّ مسألة الدعوة إلى الله هي مسؤولية كل مسلم ومسلمة، فقضية حركة الإسلام على مستوى الأجيال، تفرض أن يتجند المسلمون جميعاً في شرق الأرض وغربها في خطّ الدعوة إلى الله تعالى، حتى ينقلها كل جيل إلى الجيل القادم، وهذا ما نعيشه الآن، فالمسلمون الآن يُعَدُّون أكثر من مليار ومئة مليون شخص في العالم، وهذا العدد الهائل من المسلمين إنما وصل إلى هذا المستوى بواسطة الدعوة الإسلامية التي يقوم بها الناس في بيوتهم تجاه أهلهم، أو يقوم بها الناس في مجتمعاتهم، كلٌ بحسب ثقافته وبحسب ظروفه وإمكاناته.وإذا كان الناس ينتقدون بعض المسلمين في أنهم لا يلتزمون بالإسلام كله، لكن ذلك لا يمنع من أنهم ينتمون إلى الإسلام، والانتماء إلى الإسلام إذا كان ناقصاً في مرحلة، فإن مرحلة أخرى يمكن أن تكمله ما دام المبدأ مستقراً في وجدان الإنسان، وقد قرأنا في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يقول: {وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه:132]، ويقول: {يا أيها الذين آمنوا قُو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} [التحريم:6]، فالإنسان رسول إلى أهله وإلى عياله، كالوالد بالنسبة إلى أولاده، والزوج بالنسبة إلى زوجته، والزوجة بالنسبة إلى زوجها.وهكذا، كل دائرة في المجتمع ينطلق القائم عليها ليكون رسولاً إلى الدائرة التي يتحرك فيها، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} [الأحزاب:39]. على ضوء هذا، لا بد أن نعرف أننا نتحمل مسؤولية الجندية إلى الله تعالى، وأن تكون جندياً إلى الله معناه أن تدعو إلى الله سبحانه وتعالى بحسب إمكاناتك، سواء بالكلمة الحسنة أو بأن تكون القدوة الحسنة.والله سبحانه وتعالى لم يحملنا مسؤولية كبيرة تخرج عن إطار قدراتنا، بل إن مسؤولية الإنسان أن يقوم بواجبه في هذا المجال {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29]. فالله تعالى يقول: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله}، أي تحمل مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى في ربط الناس بالإيمان بالله تعالى وبالالتزام بأوامره ونواهيه. فالمسألة الأخرى التي تميز الإنسان وتجعله ممن أحسن قولاً، هو العمل الصالح، وكلمة العمل الصالح تشمل كلّ ما أحبه الله ورضيه، من الإتيان بما أمر به، ومن الاجتناب عما نهى عنه، والإتيان أيضاً بما أحبه حتى لو لم يلزمك به، كما في المستحبات.والعمل الصالح هو الذي يصلح لك عقلك بانفتاح العقل على الحق، ويصلح قلبك بأن يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويصلح لك حياتك بالسير بها في الخط المستقيم، وقد ربط الله سبحانه وتعالى بين الإيمان وبين العمل الصالح، فلا يكفي الإيمان دون العمل الصالح، قال تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كُفران لسعيه} [الأنبياء:94].وهكذا نقرأ قوله تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [العصر:1-3]، فالإيمان لا بد له من أن يتجسّد في الجانب العملي من شخصية الإنسان بالعمل الصالح، بحيث يتحرك الإنسان في خط مواقع رضى الله سبحانه وتعالى، ويبتعد عن مواقع غضبه وسخطه، وهذا ما جاء في تفسير التقوى: "أن لا يجدك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك".وفي هذا الاتجاه، نستطيع أن نؤكد أنه لا بد للإنسان من أن يتعلم مفردات العمل الصالح، لأنّ هناك عملاً صالحاً في الالتزام بالعبادات، وعملاً صالحاً في الالتزام بالمعاملات وبالتعاقدات بين الإنسان وبين الناس، وبالأخلاقيات العامة وما إلى ذلك، لذلك لا بد للإنسان من أن يتعلّمها، لأن الإنسان ربما يتصور بعض الأشياء أنها في خط الصلاح وهي ليست كذلك.ولهذا أريد للناس أن يتعلّموا دينهم وأن يتفقهوا في دينهم: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر:9]، لأنّ الدين هو الخط الذي تتحرك فيه لتصل به إلى مواقع رضى الله، فلا بد لك من أن تُميز بين الخط المستقيم والخط المنحرف.وقد ورد في الحديث: "أفٍّ لامرىءٍ لا يفرغ نفسه ساعةً لأمر دينه"، وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع): "وددتُ لو أن السياط على رؤوس شيعتي ليتفقّهوا في الدين"، فأنت عندما تكون مسلماً، فإنّك تطلب رضى الله سبحانه وتعالى في التزامك بإسلامك، لذلك لا بد لك من أن تملك ثقافة الإسلام ومعرفته بطريقة وبأخرى، فيما تسمع وفيما تقرأ وفيما تتأمل وما إلى ذلك.{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} هذا الإعلان بالإسلام، أن يُجاهر الإنسان بأنّه مسلم، لأن هذا الإعلان له تأثيران: التأثير الأوّل في نفس الإنسان، عندما يوحي لنفسه بالإسلام، حتى لا تأتيه الهواجس والشكوك وما إلى ذلك لتبتعد به أو ليأتي إليه الناس من هنا وهناك ليربطوه بانتماء آخر، فعندما يأتيك أي إنسان ويسألك من أنت، عليك أن تقول إنني مسلم، والله سبحانه وتعالى يحدثنا عن النبي إبراهيم(ع): {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} [الحج:78]، ونقرأ أيضاً: {إذ قال له ربه أسلِم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة:131]، وفي آية أخرى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون* أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون} [البقرة:132-133].وهكذا نقرأ أنّ يوسف(ع) يقول: {توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين} [يوسف:101]، والنبي محمد(ص) يقول: {وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين} [الزمر:12]، هذا الإعلان لانتماء الإنسان للإسلام، يؤكد له انتماءه للإسلام في نفسه ويمنع غيره من أن يضله. الآن هناك الكثير من الناس يحاول أن يربط الآخرين ببعض الاتجاهات وببعض التيارات التي استحدثها الناس فيما استحدثوه من التيارات التي تلحد في الله سبحانه وتعالى، مثل التيارات الماركسية الشيوعية بحسب القاعدة العقائدية التي يؤمنون بها، فهؤلاء لا يؤمنون بالله كلية في طبيعة عقيدتهم، أو كالتيارات الأخرى التي لا تؤمن بأن للدين دوراً في الحياة، مثل كثير من التيارات العلمانية، تقول للإنسان صلِّ وصم ولكن امشِ معنا في هذا الخط وفي ذاك الخط، وفي هذا القانون وفي ذاك القانون. لا، إنّ عليك أن تقول إنني من المسلمين، أنا مسلم، وعندما أكون مسلماً فعليّ أن ألتزم بما يقوله الإسلام مائة في المائة {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36]، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء:65].أن تكون مسلماً، معناه أن تلتزم الإسلام في كل شيء، أن يكون التزامك العبادي على طريقة الإسلام، أن يكون التزامك في المعاملات على خط الإسلام، أن يكون التزامك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني على أساس الإسلام.ولذلك لا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ويكون شيئاً آخر، كأن أن يقول شخص أنا مسلم شيوعي، أو أنا مسلم علماني، وذلك يشبه من يقول (على طريقة النكتة) أنا كاثوليكي شيعي أو بروتستنتي سني. لا يمكن، هذا شيء وهذا شيء آخر. الله سبحانه وتعالى ركّز في آية من الآيات على مسألة حسم الانتماء، وهذا عندما جاء المشركون إلى رسول الله(ص)، كما ورد في الروايات، وكانوا يريدون إقامة صلح معه وقالوا له، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، نقسم الأمر بالنصف، لماذا نختلف تماماً؟ فنـزلت الآية: {قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابدٌ ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين} [سورة الكافرون].نحن عندما يدعونا الآخرون تحت أي تأثير، سواء كان تأثيراً سياسياً أو تأثيراً عاطفياً أو اجتماعياً، إلى أن نتّبع غير الإسلام، علينا أن نقول: "لكم دينكم ولنا ديننا"، امتثالاً لقوله تعالى: {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران:85]، وهذا ما نريد أن نؤكده، لأن الأمور اختلطت على الناس، ولأن الشبهات دخلت في شؤون الناس، وأصبح المؤمن يتحالف مع الملحد، وأصبح يقترب منه ويؤيده ويدعمه ويساعده وما إلى ذلك.ويمكننا أن نرى في واقعنا الآن، بعض المؤمنين المسلمين يؤيدون الكافرين، وهم غير مستعدين لأن يساعدوا أو يؤيدوا مسلماً، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: {بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً* الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين* أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً} [النساء:139]. نحن ننفتح على الناس، ونعيش مع الناس الذين يتفقون معنا بالرأي أو الذين يختلفون معنا. لكن هناك فرقاً بين المعاشرة والموالاة وبين التأييد والدعم، وبين التقوية والمساعدة وما إلى ذلك، لأن هذه تمثل المسارب التي يدخل من خلالها الشيطان إلى الإنسان. والحمد لله رب العالمين.