في رسالتها الجامعيّة تحت عنوان "الإنسانيّة والتجديد في شعر السيّد محمد حسين فضل الله"، تعتبر الباحثة الجامعية، إيمان حنينة، أنَّ السيِّد(رض) في شعره الحسينيّ يتجنَّب الإغراق في وصف المأساة الحسينيّة، فتكفيه الإشارة الطفيفة في تكرار لفظة "دماء"، ما يوحي بأنّ مجزرة قد ارتكبت، إذ يقول:


"دماء دماء دماء.." قصائد ص: 115 .


وتشير حنينة إلى مسألة ابتعاد سماحته(رض) عن التّفاصيل الّتي تجعل من كربلاء مجرّد حكاية رمزيّة، بل يكتفي بالإشارة الومضيّة إلى رمز كربلاء، لينفي عنها الفعل الماضي الّذي استنفدت دلالاته وأغراضه، وليؤكّد تعمّق حضورها في كلّ زمان ومكان، فكربلاء عنده رمزٌ يمثّل عبقريّة الموت المتمثّل بالشهادة العبقريّة الّتي تختار نوع الحياة ونوع الموت، فتوائم بينهما، بحيث يفضي كلّ منهما إلى الآخر، ويبدو ذلك في شعره، حين يقول على لسان كربلاء:
هنا.. وهناك وفي كلّ أرض تخـطّ الشّهـادة درب الرّجاء
وترسـم كـلّ شعـاراتـها على الأفق في ثورة الكبريـاء
وتعشـق لون الدّمـاء الّتي ترشّ على الأرض سرّ الرّجاء
[قصائد، ص:116]


إنّها رمز لمعادلة الحياة ـ الموت في مواجهة الواقع المنحرف في كلّ الأزمنة، فهي الثّورة على السّلطان الجائر المستحلّ لحرمات الله في عباده، القائم في عباد الله بالإثم والعدوان، الّذي لا ينطلق من العدل في حركته تجاه المحرومين..
وتضيف الباحثة أنّ سماحته(رض) يجعل من كربلاء رمزاً قديماً حيّاً مرتبطاً بالحاضر، ويخلق لهذا الأمر السياق المناسب، فيحقّق منه قيمةً شعريّةً، "فالقوّة تكمن في أيّ استخدامٍ خاصّ للرّمز، ليس في اعتمادها على الرمّز نفسه، بمقدار ما تعتمد على سياقه المناسب".
والسيّد(رض)، في رأي الباحثة، استغلّ في الإمام الحسين(ع) خاصيّة الامتلاء بالمغزى، وتلك خاصيّة مميّزة للرّمز الفنّي، فهذه الشّخصيّة، كما ترى الباحثة، إنسانيّة بشريّة لا تحمل أيّة قيمة أسطوريّة، هي بشريّة، إلا أنّها في الوقت نفسه غير عاديّة، تخصّ تجربةً إنسانيّةً في سبيل إحقاق الحقّ وإزالة الباطل، فطبيعة الرّمز تجمع في وقتٍ واحد بين العاديّ وما فوق العاديّ...