النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي المرأة النَّموذج في الملحمة الحسينيَّة

    http://arabic.bayynat.org.lb/mokhtar..._fadlullah.jpg

    الهويّة الإسلاميّة لعاشوراء
    هي عاشوراء تمرّ علينا موسماً بعد موسم.. مدرسة ننهل من معينها، فتُجدّد الإيمان فينا وتحفّزنا على العمل، هي مدرسة يتعلّم فيها الجميع، رجالاً ونساءً، شباباً وشابّات، أطفالاً وشيوخاً.. يتعلّمون فيها الدّروس تلو الدّروس، وما أكثر دروس كربلاء الّتي لا تنتهي.. تبقى تواكبنا في كلّ وقت وحيثما كنّا، وتشعر بها نقيّةً صادقة، وهذا هو سرّ عاشوراء الّذي جعلها مدرسةً عابرةً للزّمن، تأتي إليك من عبق التّاريخ، لتكون خير دليل ومعين ومبيّن لتعاليم الإسلام الأصيلة، لهذا كلّما انتمينا إلى مدرسة عاشوراء، تمثَّل هذا تعلّقاً بالإسلام، وحبّاً بالقرآن، والتزاماً بالطّاعات.



    نحن لا نفهم حبّنا وتقديسنا لعاشوراء بعيداً عن تعبيرنا العمليّ، ولا نفهم هويّتنا العاشورائيّة هويّةً منفصلةً عن هويّتنا الإسلاميّة: صحيح أنّ لعاشوراء مزاجاً خاصّاً: ثياباً سواد، ومآتم وحزناً وبكاءً، ولكن هذا كلّه ليس هو هدف الحسين، ولا هذا هو ما استشهد لأجله، وليس بهذا فقط نواسيه، بل كلّ ما نقوم به هو وسيلة لنفهم أهداف الحسين ونعيشها، هذه الأهداف الّتي أعلنها، وعلى رأسها: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر..
    وفي مقدَّم أهداف الحسين(ع)، عدم الرّضوخ للظّالم الّذي تمثّل آنذاك بيزيد، بكل ّفسقه وفجوره وشربه للخمر واستباحته للدّماء.. إذاً هي ثورة على كلّ ذلك، وعلينا أن نعي جيّداً دروس عاشوراء، كي لا يفوتنا أيّ منها، وحتّى لا نحرم من فيض بركاتها..
    المرأة الرّساليّة في كربلاء
    ومن مشاهد عاشوراء؛ مشهد المرأة الشَّريكة في صنع هذه الملحمة.
    ولعلَّ في دروس المرأة العاشورائيّة خير ردٍّ عمليٍّ على الّذين يقولون إنّ الإسلام حجّم دور المرأة وأبعدها عن حركة الحياة الفاعلة، أو أنّها على هامش الرّجل، وأنّ القضايا العامّة والرّساليّة ليست مطلوبة منها..
    سنورد هنا بعض النّماذج التي لوّنت عاشوراء وأعطتها هذا البعد الإنساني المميَّز، وخصوصاً أنّ هذه النّماذج انطلقت من حسّها الإسلاميّ، ومن شعورها بالمسؤوليّة، ولم يفرض أحد عليها ذلك، إنّما قامت بهذا الدّور بملء إرادتها واختيارها.
    لم تقف المرأة مكتوفة اليدين في كربلاء، بل اندفعت إلى ذلك ودفعت غيرها أيضاً، كانت متفاعلةً وفاعلةً، كانت متأثّرة ومؤثّرة، فكان لها نصيب من المعاناة والتّضحية.
    في كربلاء نجد الأمّ، الزّوجة، والأخت, جميعهن كنَّ قبل كربلاء نساءً عاديّات يمارسن حياةً عاديّةً شأنهنّ شأن كلّ امرأة، ولكنّهن وفي كربلاء ارتقين وسمون وضحَّين بأعزّ ما عندهنّ؛ ضحّين بالولد، بالزّوج، وحتّى بأنفسهنّ، من أجل نصرة أبي عبد الله الحسين.
    ومن الأمثلة على ذلك: زوجة عبدالله بن عمير، تقف إلى جانبه وتقول: "فداك أبي وأمّي، قاتل دون الطيّبين من ذريّة محمّد". وبعد استشهاده، تخرج إلى مصرعه حاملةً عمود خيمة لتكمل المواجهة، فيصرعها أحد جنود عمر بن سعد بسهم، وتكون أوّل امرأة تستشهد في أرض المعركة.
    لم تقف المرأة مكتوفة اليدين في كربلاء، بل اندفعت إلى ذلك ودفعت غيرها أيضاً، كانت متفاعلةً وفاعلةً، كانت متأثّرة ومؤثّرة، فكان لها نصيب من المعاناة والتّضحية...

    ومن هؤلاء النّساء أيضاً من تدفع بابنها إلى المعركة، وهي أمّ وهب بن حباب الكلابي، وتأبى عليه إلا أن يدافع عن الحسين(ع) حتّى الاستشهاد، وكان الشابّ حديث عهد بالزّواج.. وكذلك فعلت زوجة جنادة بن الحارث السلماني، فبعد استشهاد زوجها، نادت ابنها وفلذة كبدها عمرو: "اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله(ص)"، وحين يُستشهد، ويُحَزّ رأسُه، تقف عند مصرعه، تحضن رأسه وتقول: "أحسنت يا بنيّ".
    زينب تحمل شعلة القضيّة
    ونأتي إلى زينب، الحوراء والملهمة، العالمة والمتعلّمة.. فلزينب كلّ الحضور العاشورائيّ، فهي بحقّ شريكة الحسين(ع) لحظةً بلحظة؛ يحدِّثها وتحدِّثه، يناجيها وتناجيه، ويبثّها شكواه، وقد وَضَعها في صورة ما سيحدث، وهيّأها لتقوم بدورها: "يا أختاه، إنّي أقسمت عليك فأبرّي قسمي؛ لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثّبور إذا أنا هلكت".
    وبعد المعركة، ظلَّت زينب جبلاً من الصَّبر لا يتزعزع، جمَعت بين الموقف العاطفيّ والموقف الرّساليّ، موقف القوّة والمواجهة، وقفت عند جسد أخيها وإمامها الحسين، وضعت كفّيها تحته وقالت: "اللّهمّتقبّل منّا هذا القربان".
    مع هذه الكلمات، ومنذ تلك اللَّحظة، حملت زينب لواء القضيَّة، وراحت تعمل على أن تحوّل الهزيمة العسكريّة إلى نصر، بعد أن اختزنت في قلبها كلّ أحزان كربلاء، وحالها حال أمّها الزَّهراء فيما نُقل عنها:
    صُبَّتْ عليَّ مصائب لو أنَّها صُبّت على الأيّام صرْنَ ليالي
    زينب.. أمّ المصائب هذه، كانت شريكة الحسين في النّصر، فكما انتصر الحسين في غربته ووحدته وعطشه، انتصرت هي أيضاً، رغم عدم وجود النّاصر، ورغم قلّة المعين وجسامة المسؤوليّة..
    وفي رحلة السَّبي، نقلت زينب شعلة كربلاء ونارها إلى القرى، ومحطّات استراحة الموكب، وشوارع الكوفة، ودمشق، وقصور الطّغاة.. إنّه لمشهد نادر؛ الجراح والآلام، والسّلاسل والقيود، وبكاء الأطفال وهلع النّسوة، والمجهول الّذي يُدبّره لهم الأعداء.. ممن قست قلوبهم فغدت كالحجارة بل أشدّ قسوة، ويكفي أن نتخيّل موقف زينب(ع) بخوفها على الإمام زين العابدين، أمانة الحسين(ع) عندها، والبقيّة الباقية من نسل الأئمّة، حتّى نعلم كبر المسؤوليّة الّتي نزلت على عاتقها.
    أيّ شخصيَّة هي للحوراء زينب جعلتها لا تنهار، بل تظلّ واعيةً لكلِّ ما هو مطلوب منها، وعلى كلِّ الجبهات، وهي في كلّ ذلك كانت تحرص في أدائها على أن تكون أمينةً على ما أوصاها به الحسين من دور تستكمل به ثورته..
    لقد جعلت زينب(ع) من كلّ مكان توقّفت فيه منبراً إعلاميّاً, وكانت الصّوت المملوء جرأةً ومنطقاً وبلاغةً وعقلاً وإيماناً، دفاعاً عن قضيّتها، قضيّة الحسين الّتي هي قضيّة الحقّ في مواجهة الباطل.
    ولعلَّ أبرز المواقف الرّساليّة الّتي تجسَّدت فيها شخصيَّة الحوراء زينب، عندما أبدت في محضر يزيد عنفواناً وصلابةً قلَّ نظيرهما، وما زلنا نستمدّ من موقفها عزيمةً وقوّة، وإنّنا نعتبر ذلك الموقف مسؤوليّة رساليّة، نحن بحاجة إلى أن ننقله إلى العالم كلّه، ليروا كيف أنَّ ابنة بنت محمّد(ص) سجَّلت موقفاً تاريخيّاً كان شعلةً لم يستطع الزَّمن أن يطفئها، وما زالت إلى يومنا هنا..
    لقد جعلت زينب(ع) من كلّ مكان توقّفت فيه منبراً إعلاميّاً, وكانت الصّوت المملوء جرأةً ومنطقاً وبلاغةً وعقلاً وإيماناً، دفاعاً عن القضيّة الحسينيّة الّتي هي قضيّة الحقّ في مواجهة الباطل..

    زينب(ع) لم تستعطف أحداً من الظّلَمَة، بل إنَّ مواقفها اتَّسمت بالجرأة والقوَّة والثّبات، فقد بيَّنت الحقائق، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وخاطبت يزيد ومن معه بقولها المشهور: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لن تمحوَ ذكرنا، ولن تميت وحينا"... إلخ.
    دروس من وحي عاشوراء
    في مجلس يزيد انقلبت الصّورة؛ زينب المسبيَّة تحاجج يزيد، تقرِّعه تذلّه، تصغّره، ولا يملك منطقاً يردُّ به عليها، وكأنّي بها قد تحرَّرت من قيدها وصفَّدت به يزيد...
    "زينب" إنَّما قدرت على ذلك برباطة جأش وعزيمة وقوَّة إرادة.. لم يكن البكاء همّ زينب في تلك المرحلة، البكاء كان مؤجّلاً لديها، فقد كان الوقت وقت العمل.. ونحن اليوم نبكي زينب، نبكي مصابها، نبكي سبيها، نبكي الحزن المدفون في داخلها، والحمل الثَّقيل من المسؤوليّة الّتي تصدّت لها، ولكنّنا نقول أيضاً: الوقت وقت عمل.
    فمن دور زينب نطلّ على مسؤوليّاتنا، نحن الّذين التزمنا نهج زينب والحسين(ع)، رجالاً ونساءً، ونحن في المجالس العاشورائيّة نسعى إلى أن نؤكّد عدة نقاط مكثّفة نلخّصها في خمس:
    النّقطة الأولى: أنّ المرأة شريكة الرّجل في صنع الأحداث، ولا يمكن أن تحيّد نفسها عن الميدان العمليّ في الحياة، فالإسلام، كما نشهد من عاشوراء، لم يحيّدها عن القيام بأدوار رائدة ومميّزة، وحمّلها مسؤوليّة كبرى أمام الله عن كلّ طاقاتها وإمكاناتها، في الوقت والمال والعلم والجاه والموقف، وما إلى هنالك من إمكانات..
    النّقطة الثَّانية: أنَّه لا مكان بين من يتمثَّلن بزينب، للضَّعف ولا للانسحاب والهزيمة، مهما عظمت التحدّيات، فعاشوراء تعلّمنا أنّه كلّما اشتدّت التحدّيات، ازداد الإيمان واليقين بالله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران: 173- 174]...
    النّقطة الثّالثة: نظرتنا إلى عاطفة المرأة، إنَّنا لا نرى عاطفة المرأة نقطة ضعف، بل نقطة قوَّة، فهي ضروريَّة، ولا سيَّما في مجتمعنا الّذي باتت تسيطر عليه المادَّة، فنحن نحتاج في عملنا الرّساليّ إلى من يتحسَّس آلام الفقراء والمساكين والمظلومين، وهم كثر من حولنا، ممن يحتاجون إلى احتضانٍ عمليّ للهموم، وهنا يأتي دور المرأة، قلب الحياة وعاطفتها الحانية. ثم إنّ كون المرأة ذات قلب رقيق، لا ينبغي أن يكون أبداً مجالاً للتّقليل من دورها، شرط أن لا تستغرق هي في عاطفتها وتذوب فيها.
    المرأة شريكة الرّجل في صنع الأحداث، ولا يمكن أن تحيّد نفسها عن الميدان العمليّ في الحياة، فالإسلام، كما نشهد من عاشوراء، لم يحيّدها عن القيام بأدوار رائدة، وحمّلها مسؤوليّة كبرى...

    والنّقطة الرّابعة: على المرأة أن تحكِّم عقلها في كلّ ما تسمعه وتقرأه، وألا تكون "إمّعة" تردّد ما يقوله الآخرون، بل أن تحلّل وتسأل وتناقش، فلها الحقّ في أن تعرف وأن تخوض في الشّأن الخاصّ والشّأن العام، أن تشارك فيما يجري من حولها في الواقع الدّاخليّ والمحلّيّ والواقع الأشمل، الإقليميّ الدّوليّ، وأن تعرف كيف تُدار الأمور وكيف تتّخذ المواقف...
    نعم لها الحقّ.. أليس من مسؤوليَّاتها العامَّة أن تعطي صوتاً في الانتخابات؟! إذاً هي مسؤولة عن متابعة أثر هذا الصَّوت على أداء هذا السياسيّ أو ذاك، وخصوصاً في ما يتعلَّق بمحاربة الفساد وخدمة النَّاس.. هي مسؤولة، ولا يمكن لها أن تتخلَّى عن مهمّة التّفكير، وأن تتَّكل على الآخرين ليفكّروا عنها..
    النّقطة الخامسة: وهي تلحّ علينا بشدّة في ذكرى عاشوراء، والموضوع هو قيميّ أخلاقيّ عنوانه الصّبر، فلقد بتنا نشهد من متابعاتنا لكثيرٍ من المشاكل الاجتماعيّة، أنّ القدرة على الصّبر عند الناس بدأت تتراجع بشكلٍ كبير..
    لا نريد أن ندخل في الأسباب ومهما كانت، وهل إنّ ذلك يعود إلى وتيرة العصر أو كثرة المشاكل والوضع النّفسيّ وغير ذلك من الأسباب، ولكن ما أريد أن أؤكّده هو أمر يعنينا جميعاً، وهو أن تكون عاشوراء محطّةً نتعلّم منها الصّبر، ونتزوّد من معينها بالعزيمة والقوّة والإصرار والصّبر؛ الصّبر على كلّ شيء، الصّبر على الأولاد وصعوبة تربيتهم، الصّبر على الزّوج إن قام بأذى غير مقصود، الصّبر على الأهل والأصحاب، الصَّبر على التعلّم وعلى العمل، الصّبر على الابتلاءات، والصّبر على ظروف الحياة كلّها..
    الصّبر هو أهمّ الدّروس الأخلاقيّة الّتي نتعلّمها من السيّدة زينب(ع)، الصّبر الواعي والمثمر، والصّبر لا يعني التّنازل عن الحقّ أو مراعاة الباطل، بل يعني العضّ على الألم مع السّعي للعلاج...
    وختاماً.. فلتكن عاشوراء منطلقاً لنصلح من خلال معانيها وشعاراتها ومواقفها واقعنا، وهل كانت عاشوراء إلا لهدف الإصلاح؟
    الصّبر هو أهمّ الدّروس الأخلاقيّة الّتي نتعلّمها من السيّدة زينب(ع)، الصّبر الواعي والمثمر...

    *محاضرة عاشورائيّة
    التاريخ: 19 محرّم 1433 هـ الموافق: 14/12/2011 م
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    المشاركات
    40

    افتراضي

    لو لا زینب (س) لا یبقی ذکری من کربلاء

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني