في منتصف شهر آب/أغسطس من العام الماضي، أطلق تجمّع "وعي" الشّبابيّ، عبر صفحته على موقع التّواصل الاجتماعيّ "الفايسبوك"، حملة تبرعات لمساعدة أطفال الصّومال من خطر المجاعة، تعبيراً عن الشّعور بالمسؤوليَّة والتّفاعل مع المسلمين ومع قضايا الإنسان في العالم، وقد بلغت قيمة التبرعات بعد أكثر من أربعة أشهر على إطلاق المبادرة 46,700 دولار أمريكي، أما حصيلتها على أرض الواقع، فمشروع آبار ارتوازيّة يروي عطش أطفال وفقراء هذا البلد الَّذي يعيش حروباً مستمرّة لا تنتهي، مخلّفةً المآسي والكوارث الإنسانيَّة والمعاناة بأبشع صورها.
مأساة إنسانيَّة:
من العنف والتّشريد والقتل، إلى المجاعة الّتي تكشِّر عن أنيابها غير مفرقةٍ بين صغيرٍ وكبير، يمر الصّومال بوضع إنسانيٍّ صعب، فالمجاعة الَّتي ضربته مؤخراً والَّتي تعدّ الأسوأ منذ عشرين عاماً، وموجة الجفاف الَّتي أصابته، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الناس، جلّهم من الأطفال، بينما يعاني مئات الآلاف خطر الموت نتيجة سوء التّغذية والجفاف، على مرأى من العالم الّذي يتجاهل هذه المأساة الإنسانيَّة.
فالمشاهد المؤلمة الَّتي تبيِّن حال النّازحين في مخيّمات الفقر والبؤس؛ هذه المخيّمات الّتي تحتضن الجياع في جنباتها، وتروي قصّة شعب يكافح من أجل البقاء، تحتّم على العالم كلّه، انطلاقاً من الواجب الأخلاقي والإنساني، قبل الواجب الديني، مدّ يد العون والمساعدة لإغاثة هذا الشّعب الملهوف والجريح، كما تقع على عاتق الهيئات والمنظّمات الإنسانيّة مسؤوليَّة مضاعفة الجهد في الاستمرار في تقديم المساعدات، والحرص على أن تصل إلى كلّ المحتاجين في هذا البلد المستضعف.
وقد كانت مبادرة تجمّع "وعي" الشّبابي رائدةً في هذا المجال، إذ انطلقت بشكلٍ عفوي تفاعلاً مع مأساة هذا الشّعب المسلم، لتضيء شمعةً في نفق مظلم، فكانت مسحةً حانيةً على جبين أطفال الصّومال، تعبيراً عن الشّعور بالمسؤوليّة الإنسانيّة الَّتي لا تقف عند حدود، ولا تكتفي بمتابعة مشاهد الموت المخيفة على شاشات التلفزة لأطفال في عمر الزهور، حيث إنَّ عزيمة الشّباب تأبى أن تعترف بالعجز، وتسعى إلى المبادرة انطلاقاً من الحديث الشريف: "لا تستحوا من إعطاء القليل فالحرمان أقل منه بكثير"، ومن الآية المباركة: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}[البقرة: 272].
وهذا ما عبّر عنه العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(ره)، عندما أشار إلى مأساة الجوع في العالم، فقال: "لن يحصل ملايين الجياع في العالم من القمم الدوليّة، ومهما علا صراخهم، إلا على بيانات استهلاكيّة ووعود وهميّة، والسّبب إمساك القوى المستكبرة بحركة الاقتصاد العالمي القائم على استغلال مقدرات شعوب العالم الثالث وثرواتها الطبيعيّة"..
حصيلة الحملة:
ومن أجل متابعة الحملة الَّتي أطلقها تجمع "وعي"، تحت عنوان "معاً لننقذ الإنسان في الصّومال"، اتصلنا بالدائرة الإداريّة لمؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(ره) الَّتي تولّت الإشراف العام على حملة إغاثة أطفال الصّومال وشعبه المسلم، وساهمت بها بشكلٍ كبير، حيث أفادتنا أنّ إجمالي قيمة التبرعات بلغت ستة وأربعين ألفاً وسبعمائة دولار أمريكي توزّعت على الشّكل التالي:
ـ سبعة عشر ألفاً وثلاثمائة وثمانية وثمانون دولاراً حصيلة حملة شباب تجمع "وعي".
ـ ستة آلاف وثلاثون دولاراً أمريكياً، ساهم بها عدد من الخيّرين ودفعت إلى المؤسَّسة.
ـ ثلاثة وعشرون ألفاً ومائتان واثنان وثمانون دولاراً أميركياً، مساعدات قدَّمها مكتب الخدمات الاجتماعيّة في مؤسَّسة المرجع فضل الله(ره).
وقد تمّ دفع المبلغ، كمساهمةٍ في مشروع بناء الآبار الارتوازيّة، الّذي تباشره جمعيَّة "مدرار"، والّذي يساهم بشكلٍ كبيرٍ في حلِّ مشكلة الجفاف الَّتي يعانيها أبناء شعب الصّومال، مع الإشارة إلى أنَّ اختيار مشروع الآبار الارتوازيّة جاء بعد دراسةٍ مستفيضةٍ، تؤكِّد أنَّ المشروع يساهم في إيجاد حلٍّ دائم لمشكلة مستعصية، كما يستفيد منه عدد كبير من النّاس لسنواتٍ طويلة.
بلغت قيمة التبرعات 46,700 دولار أمريكي، تم تقديمها لإنجاز مشروع آبار ارتوازيّة يروي عطش أطفال وفقراء هذا البلد الَّذي يعيش حروباً مستمرّة لا تنتهي

تجمّع وعي: حملة جديدة
وفي اتصال مع إدارة تجمّع "وعي"، أبدى مسؤولو التّجمّع رضاهم عن نتائج الحملة، حيث كان التفاعل كبيراً، ولم يقتصر على الميسورين مادياً فقط، بل شاركت فيه فئات مختلفة من النّاس من مناطق متعدّدة، إلى جانب مشاركة عدد من الشباب بمساهمةٍ رمزية، بحسب ما تسمح به ظروفهم المادية، وذلك تعبيراً عن التّفاعل الإنساني والأخلاقي الّذي تحتّمه المسؤوليّة الشرعيّة في الاهتمام بشؤون المسلمين في العالم، كما لفتوا إلى أنَّ انطلاقة الحملة كانت عفويّة، حيث كانت تصل رسائل بريديَّة تطالب بالمبادرة والقيام بخطوات عمليّة بدل الاكتفاء بالمشاهدة وإبداء الأسى..
وقد تلقى التجمّع تبرعات مختلفة من سوريا والعراق وعدد من دول المهجر، في إقبالٍ يشجّع على إطلاق المزيد من المبادرات التي تحثّ الناس على القيام بواجباتهم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة، وخصوصاً أنَّ الحماس لعمل الخير موجود في المجتمع.
ويشير شباب تجمع "وعي" إلى أنَّ "المأساة كبيرة جداً، بحيث تبدو كلّ التقديمات ضئيلة أمامها، لكنَّ الأهم أنّنا نجحنا في تعزيز شعور مجتمعنا بأهميّة هذه القضيّة الإنسانيّة، وساهمنا في الإضاءة على الواقع المأساوي لأخوة لنا في الدّين والإنسانيّة".
وفي سؤالٍ عن إمكانيَّة إطلاق مبادرات جديدة، أعلن مسؤولو التجمّع، عن استعدادهم لإطلاق حملة تبرعات جديدة، من أجل المساهمة في القيام بالمسؤوليّة الشرعيّة والإنسانيّة تجاه الفقراء والمستضعفين في القارة الأفريقيّة، حيث إنَّ مأساة الجوع والجفاف لم تنته، لذلك يجب إطلاق مبادرات جديدة في هذا المجال، انطلاقاً من الآية الكريمة: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: 32]، كما أشاروا إلى أنه ما زالت تصل حتى الآن تبرعات جديدة من الخيّرين والمهتمّين بالقضايا الإنسانية.
لكن ماذا عن مشكلة الفقر في لبنان وبلاد المنطقة، ألا تستحق جهوداً مشابهة؟
يعتبر شباب التجمّع أنّ هذه المشكلة أولويَّة كبرى، ويؤكدون أنهم سيقومون بما يسعهم من أجل إزاحة كاهل الفقر عن كتف الفقراء في مجتمعنا، وذلك بحسب إمكاناتهم وطاقاتهم، مؤكدين أنَّ الأمر لا يرتبط بقيمة المبالغ التي يتمّ جمعها، بل بأهمّية الشّعور بالمسؤولية والاهتمام بقضايا الناس، كما لفتوا إلى الدور الكبير الذي تقوم به مؤسَّسة المرجع فضل الله(ره) من خلال المساهمات الكبيرة التي تقدمها، سواء المادّية أو العينيّة، عبر مراكزها في لبنان والعراق وسوريا وإيران وباكستان وبلاد المهجر، إضافةً إلى المؤسَّسات الإسلاميّة الأخرى الَّتي تنشط في هذا المجال.
لكنَّهم يشيرون إلى أنّ الاهتمام بمشكلة الجوع والجفاف في قارة أفريقيا، يفتح العين في مجتمعاتنا على مأساة بلاد تغرق في المعاناة وتفتقر إلى كلّ أنواع المساعدات، كما أنّها تساهم في تعزيز الانتماء الإسلامي، والإحساس بالمسؤوليَّة تجاه المستضعفين والفقراء من المسلمين، وكذلك تحمّل المسؤوليّة الإنسانيّة العامة، وهذا ما عبّر عنه المرجع فضل الله(ره) حين دعا المؤمنين إلى القيام بدورهم ومسؤولياتهم فقال: "فلننطلق أيّها الأحبّة، من أجل أن نكون المسؤولين عن المجتمع وعن الإنسان والحياة كلّها، وهذا ما عبّر عنه رسول الله(ص) في حديثه: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسّهر"، بأن نكون مجتمع تكامل وتكافل، وأن ننفتح على المسؤوليّات العامّة تجاه المسلمين، لأنَّ الإسلام يمثّل حركة عقلك وقلبك وطاقاتك، من أجل سعادة المجتمع كلّه والحياة كلّها: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته".
يستعد تجمّع "وعي" لإطلاق حملة تبرعات جديدة، من أجل المساهمة في القيام بالمسؤوليّة الشرعيّة والإنسانيّة تجاه الفقراء والمستضعفين
مؤسسة سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (ره)
التاريخ: 10 صفر 1433 هـ الموافق: 04/01/2012 م