الباحثة في الجامعة الأمريكية ـ الشارقة ـ "صوفي شماس" في مقال لها في مجلة "نظرة بديلة في العلوم الاجتماعية"
السيّد محمد حسين فضل الله: مرجع ديني ونصير إسلاميّ للمرأة..
تعرض الباحثة في الجامعة الأمريكية ـ الشارقة ـ "صوفي شماس" في مقال لها في مجلة "نظرة بديلة في العلوم الاجتماعية"، والّتي تصدر عن الجامعة، لمفهومي "النسوية" و"المساواة الجنسية" في الإسلام، فمفهوم "النسوية" يصعب تعريفه، نظراً إلى تأثير عوامل عدة فيه، من تاريخية وثقافية ودينية، مشيرةً إلى أنّ المقاربة العلمانيّة للمفهوم [النسوية]، سيطرت منذ مدة طويلة على الخطاب العالمي حول حقوق المرأة والمساواة الجنسيّة، إلا أنّه في السنوات الأخيرة، أضحى مفهوم النسوية من النظرة الإسلاميّة هو المهيمن في الشرق الأوسط، حيث إنّ الكثير من النساء يحدّدن حياتهنّ من خلفية إسلامية، إضافةً إلى أنّ هذه النظرة يتصالح النساء عبرها مع معتقداتهنّ الدينية ورغبتهنّ في المساواة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة...
ولقد واجهت النظرة الإسلامية لمفهوم النسوية انتقادات قاسية من الّذين يعتقدون أن نمط الحياة السياسية والاجتماعية الإسلامية جامد وغير قابل للتّغيير، بيد أنّ البحث في كتابات سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(ره)، والتأثير الذي خلّفته على النساء، يكشف عن حيوية الدين وانسجامه مع مقتضيات الحياة...
كما أجرت الباحثة "شمّاس" مقارنةً بين آراء سماحة السيد فضل الله(رض) بالنّسبة إلى المرأة وإصلاحيين إسلاميين آخرين، مثل حسن البنّا، عازيةً الاختلافات بينهما إلى الاختلافات في المنهج الاجتهاديّ عند كلّ من السنّة والشيعة...
وتمهِّد الباحثة "شمّاس" لدراستها بلمحة عن مفهومي "النسوية" و"المساواة بين الجنسين" وأنّ لهما أوجهاً متعددة، فالمساواة تفهم بشكل مختلف تبعاً لاختلاف ثقافة الناس، كما من المهم أن ندرس مدى صعوبة مفهوم "النسوية" والطبيعة غير الواضحة للمساواة الجنسية، ذلك أنّ ما تحتاج إليه النساء مرتبط بشكل أساسي بثقافتهنّ ودينهنّ وطبقتهن الاقتصاديّة، وهذه العوامل مجتمعة تنتج طبيعة فهمٍ مختلفة لما تعنيه المساواة ولكيفية تحققها عملياً...
من ثمّ تعتبر الباحثة "شماس" أنّه من المهمّ التخلّص من القول بأنّ الدّين، وتحديداً الإسلام، لا يتوافق مع مفهوم "النّسوية"، وبالتالي يجعله غير متوافق مع الحداثة، وترجع أهميّة ذلك إلى أنّ الكثير من النّساء في العالم المسلم يعشن حياتهنّ من منطلق إسلاميّ، ويحدّدن حقوقهنّ بالاستناد إليه، وبالتّالي، فإنّهن ينظرن إلى المساواة الجنسيّة والرّغبة في تحقيقها في إطار ما يحدّده الإسلام..
وتشير الباحثة إلى أنّها استخدمت في دراستها كتابات السيّد محمد حسين فضل الله(رض) لإظهار إمكانيّة عمل الأفراد عبر تفسيرهم العقلانيّ للنّصوص الدينيّة، من أجل تحسين ظروف المرأة والدّعوة إلى المساواة الجنسيّة، وبناءً عليه، يعدّ السيد فضل الله(رض) مدافعاً عن قضايا المرأة..
وترى الباحثة أنّ المناصرين الإسلاميّين لحقوق المرأة يبحثون في التّعاليم الدّينيّة التقليديّة عبر الاجتهاد والمنطق والتّأويل الديني، مانحين الشّرعيّة لحججهم بالآيات القرآنيّة، فلقد اعتبرت "نيرة توحيدي" أنّ الحركة النسوية الإسلامية هي حركة نسائية تحافظ على المعتقدات الدينية، في الوقت الّذي تنزع لنشر فكرة المساواة في الإسلام عبر استخدام الآيات القرآنية، وذلك في نضالها من أجل حرية النساء، وخصوصاً حق النساء في التعليم...
وبالانتقال إلى سماحة السيّد فضل الله(رض)، تعتبر الباحثة أنّ سماحته دعا وعمل على تعزيز حقوق المرأة من داخل الإطار الإسلاميّ، وأن طروحاته حول الموضوع أحدثت تغييراً في البيئة الاجتماعية الجامدة، فهو من أبرز الفقهاء الحركيّين الّذين أتقنوا قراءة النصوص الإسلامية وتأويلها بحسب الظّروف السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة السائدة، ودعا إلى عدم حصرية الاجتهاد بالرّجال، بل أن يشمل المرأة، وأنّ الزّواج ينبغي أن يقوم على المسؤوليات المشتركة والاحترام المتبادل، فالفروق الجنسيّة لا تمنع المرأة من تحقيق ذاتها، وأن تملك القدرة على اتخاذ الموقف الصّائب والموقف الصّحيح بعد دراسة كلّ الخيارات، وعندما تتوافر الظّروف المؤاتية للإبداع...
وتردف "شماس" أنّ السيّد فضل الله يرى أنّ للمرأة والرّجل في الإسلام حقاً متساوياً في طلب العلم، وأنّه يجب أن لا نمنع النساء، كما الرّجال، من طلب العلم غير الديني، ما لم يكن هذا العلم يؤدّي إلى الانحراف الأخلاقي، حيث يستشهد سماحته بالآية القرآنيّة: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].
وبحسب سماحته، فإنّ الإسلام لم يعطِ أدواراً منفصلة للرّجال والنّساء، ولا يوجد تمايز بينهما إلا فيما يتعلّق بالدّور الأسري، كما أنّ الإسلام لم يحصر النساء في الإطار المنزلي، فلهنّ أن يعملن في الحقل العام..
ولقد تميّز السيّد فضل الله، بحسب الباحثة، عن المفكّر المصري "حسن البنّا"، بأنّه على الرّغم من تشديده على دور المرأة في المنزل، إلا أنّه يشدّد أيضاً على عدم السماح لواجباتها المنزلية بأن تحول بينها وبين الأهداف الأخرى..
كما أنّ سماحته(رض) انفرد عن "البنّا" بطروحاته الدّاعية إلى التعديل الجوهري لحياة النساء، بعكس "البنّا"، على الرّغم من دعوته إلى تعليم النساء ومشاركتهنّ في المجتمع، إلا أنّه رفض تأويل الآيات القرآنية المتعلّقة بالنّساء بما يتناسب مع حقوقهنّ، بينما يرى سماحته(رض)، أنّ ظاهر الآيات التي تمنح النساء حقوقاً أقلّ من حقوق الرّجل، تتعارض مع الحسّ السليم، وتتطلّب تالياً أن يعاد تأويلها...
وفي الخلاصة، تشدّد الباحثة "صوفي شماس" على أهميّة الدّور الإرشاديّ والتّنويري لسماحته في موضوع حقوق النّساء، وإظهارها بشكلٍ حضاري يتّفق مع نظرة الإسلام ومفاهيمه الأصيلة، ما أحدث ثورةً فكريّةً واجتماعيّةً مميّزة، وتغييراً نوعياً في عقلية اعتادت على الجمود والتقوقع، كما أنّه استخدم المنهج الاجتهادي الحركي والمنفتح والأصيل الّذي أدّى الغاية المطلوبة في سبيل إبراز الأهداف الإسلاميّة الكبرى...
التاريخ: 13 صفر 1433 هـ الموافق: 07/01/2012 م