http://arabic.bayynat.org.lb/mokhtar...s/img_0800.jpg

اللّغة الشّعريَّة على مساحة شعر السيّد فضل الله، ليست مجرَّد سياقاتٍ للتّواصل المعرفيّ بقدر ما هي وعاء لا حدَّ له يتَّسع بسعة التَّجربة الرّوحيَّة الغنيّة الّتي تحيلك إلى تأويلات تنفتح بك على عوالم تهذِّب النّفس وتمدّها بالإحساس المرهف الشفّاف، ما ينعكس طمأنينةً وصفاءً يبرّد ما حوله من أحقاد دفينة...
خرج السيِّد من قوالب اللّغة التقليديَّة، أي التّعبير من داخل صيغها إلى فضاءاتها الواسعة، يطوف عبرها خارقاً كلّ الحجب والرّتابة في إثارة التّجربة وإثرائها، فاللّغة الشّعريّة لديه تخضع للتأمّل الإنساني الخالص، كذلك للاستسرار، أي البحث عن الأسرار الخفيّة وراء رموز اللّغة ودلالاتها...
يُتقن فنّ الدّخول إلى رحاب معانيها المشحونة بقدرة تعبيريّة فائقة، يستفيد منها على قدر تجربته في امتداداتها في الحياة، والنّابعة من عظيم المسؤوليّة، وليست المستغرقة في الغيب...
فالحالة الوجدانيَّة عنده ليست نتيجةً لظروفٍ مؤقَّتة تفرضها عليه، بل هي حالة ثابتة تنبع من أصالة النَّفس ونقائها، عندما تتَّسع هذه النَّفس بوجدانها الملتهب، ليتَّسع لهموم الإنسان ورؤيته للكون وللأشياء، فلم يعبّر الوجدان لديه عن حالةٍ فرديّة خاصّة للترف الذهني والفكريّ المقصود، بل جاء ليعبِّر عن شخصيَّةٍ رقيقة الطّبع والشّعور في وعيها العميق للهمّ الوجوديّ الكبير... بخاصَّة إذا كانت متبحّرةً في المعارف والحقائق الّتي تسهم بصياغة التَّجربة وشحذها بالكثير من العناصر الّتي تثريها، ولا سيَّما إذا كان قطب الرّحى لها حفظ الإنسان وصيانة كرامته، في عمليّةٍ تربويّةٍ متماسكةٍ تهدف لإخراج الخطاب من التقليديّة الخشبيّة، إلى توجيهه للتّأثير في صوغ التجربة البشريّة في مسيرتها الوجوديّة..
فالشاعريّة الفذّة تتجلّى بأبهى صورها في حملها همّ التّأصيل للمفاهيم المتّصلة بالتجربة الإنسانيّة والرّوحيّة، فتصبح ذات قيمة ومعنى، وفي الوقت عينه، تُبرز مقدرة الشّاعر التعبيريّة في كلّ هذا الغنى التأمّلي والوجدانيّ والإبداعيّ للمفاهيم الّتي تضبط عالم الأشياء وتفسّرها لإعطائها البعد الحقيقيّ في عالم الوجود...
فلا يعْبر عنده إلى عوالم المحبَّة والتَّسامح والسموّ الرّوحيّ والأخلاقيّ من لا يعْبر من خلال ما وهبه الله من قدراتٍ ذاتيّةٍ في سبيل التَّكامل مع كلّ التّجارب الإنسانيّة لإعمار الأرض إنسانيّاً وروحيّاً في دنيا الحجارة والعبيد...
فالشّعر لديه له قيمتان أساسيّتان لا بدّ من أن تتوافرا في الخطاب الشّعريّ: القيمة البلاغيّة (الجماليّة) والقيمة الإبلاغيّة، أي أن تكون للشّعر وظيفة رساليّة اجتماعيّة إصلاحيّة إنسانيّة، فالشّعر لديه إذا ابتعد عن مضمون الحياة يصبح شيئاً بلا معنى...
والإبداع لا يأخذ ميزة الكامل إذا لم يعش الشَّاعر آفاق الحريّة الواسعة في الانفتاح على التّجارب الأخرى من خلال القراءات المتنوّعة للمشاركة فيها وإغنائها لحركة الحياة بامتداد الإنسان في الزّمن، ما يعطيه الثّبات والعمق والامتداد...
هذا الذّوق الشّعريّ الرّقيق لا تجد بدّاً إلا الانحناء أمامه بإجلالٍ وتقدير، فأنت في حضرة قامةٍ شعريّةٍ مرموقةٍ قدّمت عُصارة تجربةٍ إنسانيّةٍ غنيّةٍ ومديدةٍ عنوانها صفاء الرّوح وطهر الإيمان محلّقة في فضاء السّلام والحريّة والحقّ:
أهوى الحياةَ انطلاقاً في ذرى حُلُمٍ يشُدّهُ لحياةِ الوحي إيمـانُ
عيْـشٌ بسيطٌ ودنيا غير طامعـةٍ وعالَمٌ بالشّعورِ الحُرِّ يزدانُ
محمد عبد الله فضل الله
التاريخ: 18صفر 1433 هـ الموافق: 12/01/2012 م