عند عرضنا لكثيرٍ من عقائدنا ومفرداتنا الإسلاميَّة، يجب التنبّه إلى واقع التّراث الّذي يجمع هذه العقائد وما يتَّصل بها من ممارسات، لأنَّه غير منزّه عن التّشويهات الّتي طالته عبر تقادم السّنين. ومن المسلَّم به أنَّ النّاس مسؤولون عن أعمالهم بموجب تكاليفهم وأعمالهم، ففكرة أنَّ أحداً من نبيٍّ أو إمامٍ يخلّصهم من نتائج أعمالهم، لا أساس علميّاً وموضوعيّاً له، إلا ما اعتاد النَّاس على التَّفاعل معه وتكريسه على أنّه مقدَّس لا يقبل الجدال، بحيث يستغرقون في الأشخاص ويذوبون فيهم، ويغفلون عن أنَّ خلاصهم هم من يبنونه بسعيهم وعملهم، ويُسألون عنه...
وكثيرة هي المناسبات التي نحي فيها ذكرى اهل البيت عليهم السلام ،فينبغي التنبه إلى أن التعلق بهم ومحبتهم تعني أن نحبَّ المبادئ والقيم الّتي حملوها، ولا معنى لتوجّهنا إليهم إن لم نأخذ بهذه القيم والمبادئ الّتي أخذوا بها ونسير على هديهم، ونتعاطى معهم كهادين ومرشدين لأحكام الله الحقَّة، لا أن تكون علاقتنا بهم استغراقاً عاطفياً فقط ، وكأنَّ المصلحة في النَّجاة تكمن في التعلّق بهم كأشخاص...
وقد يرى الكثيرون أن الإمام الحسين(ع) يستشهد في كلِّ لحظةٍ بسيوف الجهل والمبالغة والغلوّ، وهو الّذي ضحَّى من أجل الإنسان وعقلنة شخصيَّته وإعادة التَّوازن إليها، وإبعادها عن التخلّف والسطحيّة ، وإنقاذ النَّاس من طغيان المظاهر الّتي سيطرت على حياتهم، بعد أن أصبحوا لا يبصرون ولا يسمعون إلا بها؟
لذلك المطلوب العودة للحقائق القرآنية والتمسك بها وأهمها أنَّ الأنبياء والأئمَّة(ع) جميعاً بشرٌ مكرَّمون من الله برسالاتهم وعملهم في خدمة الإنسان وصيانة عقله وكرامته، ولقد عملوا على ذلك، وقدّموا الكثير من التَّضحيات لتخليص النَّاس من أوهامهم الّتي تبعدهم عن الحقّ، ومن استغراقهم في الشّكليَّات بعيداً عن التَّركيز على المضامين الّتي نحتاجها اليوم أكثر من ذي قبل، نتيجة التحدّيات والأزمات الكبيرة الّتي تتعرَّض لها ثقافتنا ومجتمعاتنا وأجيالنا الّذين هم أمانة سنُسأل عنها، عن تثقيفها وتربيتها وتوجيهها...
لقد استشهد الحسين(ع) من أجل إحياء السّنن الإلهيّة الّتي تدعو الإنسان إلى السّير على هداها، ومتى ما حصل التّلاؤم والتّناغم بين هذه السّنن، ومن يعمل بها، كانت فكرة الخلاص أقرب إلى التّطبيق والانتفاع، فالبشر هم الّذين يبنون خلاصهم ويعملون من أجله. فهل نسير على طريق السّنن الإلهيّة، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 11]، أم نبقى أسرى الاستغراق في الطّقوس والشكليّات؟!...
محمد فضل الله
التاريخ: 22 صفر 1433 هـ الموافق: 16/01/2012 م