تثير ظاهرة "الطلاق الإلكتروني" في الأردن جدلاً واسعاً بين أساتذة الشّرع والاجتماع، فالبعض يرى فيه استخفافاً بقدسيّة العلاقة الزّوجيّة، فيما يعدّه آخرون تماشياً مع التقنيّات الحديثة..
وظاهرة "الطلاق الإلكتروني" آخذة بالازدياد والتّنامي في المجتمع الأردنيّ، ما يبعث على الخوف والتوجّس من آثارها...
وفي هذا الإطار، يبيِّن الدّكتور "واصف البكري"، مفتّش المحاكم الشّرعيَّة في دائرة قاضي القضاة الأردنيَّة، أنّ الطّلاق الإلكترونيّ لا يقع إلا إذا تثبّت القاضي الشّرعيّ من أنّ الزّوج هو من أرسل الرّسالة القصيرة، إمّا بإقرار الزّوج، أو بالبيّنة الشّرعيّة، فقد يكون هاتف الزّوج قد وقع بيد أحد العابثين، فقام بتوجيه رسالة منه، فمثل هذا النّوع من العبث لا يقع به الطّلاق، كما أنَّ الطلاق الإلكترونيّ لا يقع إلا إذا كان الزّوج عند كتابته لهذا الطّلاق في الحالة المعتبرة شرعاً، بمعنى أن لا يكون مكرهاً أو خارجاً عن وعيه أو مخموراً، وأن تكون الكتابة مستبينة.
ويؤكّد الدّكتور "بكري" أنّه إذا أرسل شخص رسالة طلاق إلكترونية إلى زوجته بقصد المزاح أو اللّهو أو اللّعب أو بأيّ قصدٍ آخر، فإنّ الطلاق لا يقع، إلا إذا كانت النيّة موجودة لإنهاء العلاقة الزوجيّة. ولذلك، فلا مبرّر لتخوّف البعض من أنَّ المرأة أصبحت مهدّدة، وأنّه يمكن أن تأتي لها رسالة بالخطأ بحسب رأيه...
من جهته، يقول مدير عام المحاكم الشّرعيَّة في الأردن، القاضي عصام عربيات، إنَّ أسلوب الطّلاق عبر الوسائل الإلكترونيَّة منافٍ للقاعدة الشّرعيَّة، وهي المحافظة على قدسيّة العلاقة الزّوجيّة، فالزّوجة ليست سلعةً حتّى يطلّقها زوجها بالطّرق الإلكترونيّة عبر رسالة قصيرة أو عن طريق الإيميل، هذا أمر يعتبر انتقاصاً من كرامة الإنسان...
ويرى الدّكتور "دياب البداينة"، رئيس مركز "ابن خلدون للدّراسات والأبحاث"، أنّه مثلما نقبل أن نتزوّج عن بعد، ومن خلال مواقع الزّواج الإلكتروني، ومن خلال قنوات التّعارف، علينا أن نقبل الطّلاق الإلكتروني...
ويضيف الدّكتور "البداينة" أنَّ الأسرة ليست صفقةً تجاريّةً يمكن شطبها وإغلاقها كمؤسَّسة برسالة قصيرة، ولكنَّ استنفاد الحلول وزيادة الضّغوط قد توصل إلى الطلاق الإلكتروني، ويؤكّد وجود زيادة في معدّلات الطلاق عامّة. وتفيد بعض الإحصاءات غير الرّسمية، أنّ الأردن يشهد سنويّاً قرابة 450 حالة طلاق إلكتروني، معظمها يتمّ من خلال الاتّصالات الخلويّة والرّسائل النّصيّة (SMS)...
على الرَّغم من سيطرة وسائل الاتّصال الحديثة على كلّ مناحي حياتنا، إلا أنَّ هناك مواضيع حسَّاسة تتعلَّق بهويَّتنا الإيمانيّة والشّرعيّة، وأهمّها الزّواج والطّلاق والأسرة، يجب أن تجد لها الاهتمام الكافي من قِبَل المشرّعين لحمايتها، وإعطاء الحلول المناسبة لحماية المجتمع وتحصينه، ودراسة إيجابيّات الوسائل الإلكترونيّة وسلبيّاتها بالنّسبة إلى قضايانا الاجتماعيّة، ومن أهمّها أحكام الأسرة..
أمّا سماحة الفقيه المجدّد، السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، فيجيب عن سؤالٍ حول صحّة الطلاق إن حصل بواسطة البريد الإلكتروني، فيقول:
لا يصحّ الطلاق بالكتابة العاديّة أو الإلكترونيّة، بل لا بدَّ من توفّر شروط الطّلاق الشّرعيَّة، والّتي هي التلفّظ بصيغة الطّلاق أمام شاهدين عدلين... مع كون الزّوجة المدخول بها، والّتي يأتيها الحيض، في طهرٍ لم يواقعها فيه زوجها...
[المسائل الفقهيّة، المعاملات، ص:532].
مؤسسة سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (ره)
التاريخ: 23 صفر 1433 هـ الموافق: 17/01/2012 م