لا زال السيد محمد حسين فضل الله يخدم لبنان

كتب: د. فرنكلين لامب

ترجمة: زينب عبدالله
ضاحية بيروت الجنوبية

فيما كنت مسرعا للذهاب إلى موعد نهار السبت الماضي، مررت بمسجد السيد محمد حسين فضل الله الذي يشكل للكثيرين من سكان الضاحية المؤسسة الدينية التي يرتبطون بها بشدة نظرا لتاريخها الطويل والمتواصل في العمل الاجتماعي والديني ضمن مجتمعنا.

وبعد مرور قرابة 18 شهرا على الرابع من تموز/ يوليو 2010، تاريخ وفاة العالم الإسلامي الجليل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، بدا المشهد وكأنه قد توفي منذ ثلاثة أشهر فقط. فلم يزل مسجد فضل الله نشيطا كخلية نحل تتوزع مهام أفرادها بين العمل الإجتماعي والبحوث الدينية والعمل الحقيقي في خدمة الناس.


وكانت إنجازات السيد والتزاماته بخدمة الجميع من أبناء مجتمعه واضحة جلية، ولم يكن ثمة من فرق سواء كانوا شيعة أم سنة أم مسيحيين أو حتى غير مؤمنين.


ولم أكن منتبها إلى أن ذلك اليوم كان يصادف 12 من شهر ربيع الأول الهجري، ذكرى ولادة الرسول محمد بن عبدالله (ص)، فأدهشني منظر الشوارع وهي تعج بالنشاطات، ومنظر مئات الأطفال يرتدون ملابس الإحتفال ويقومون بمختلف النشاطات محتفلين بالمناسبة مع عائلاتهم.


وفجأة ركضت نحوي مجموعة من الأصدقاء اليافعين من الحي الذي أسكنه ودفعوني نحو المسجد الكبير المزخرف حيث وضعت الطاولات وكان الأطفال يوزعون الحلوى محتفلين بالمناسبة. وعندما يحل المساء، الذي لا يتأخر في هذه الأيام، يمكن أن يعطي الأهل أبناءهم بعض الألعاب النارية كما كان شائعا في السابق. لكن إعطاء الأطفال الكثير من هذه الألعاب في لبنان والمنطقة، جعل أصوات المفرقعات الخفيفة نسبيا تحمل جيراني على إبعاد صغارهم عن الشرفات والنوافذ إلى أن يعرفوا حقيقة مصدر الصوت.


وإذ تأخرت كثيرا على موعدي، أجّلته إلى وقت آخر ودخلت المسجد ثم جلست على مقعد قريب من مقام آية الله فضل الله. ورحت أفكر في ما كان يعنيه في حديثه للمسلمين والمسيحيين في لبنان ولجميع أصحاب النوايا الحسنة حول العالم، وفي ما قاله لي شخصيا. فلقد نلت شرف اللقاء به لمرات عدة هو ونجله السيد علي، الذي سار على خطاه في الكثير من أعماله، والذي أعتبره صديقا لي. وإذ جلست بالقرب من المقام تفاجأت بعدد الزوار الذين ما زالوا يأتون إلى ضريحه ويركعون بالقرب منه ويتكلمون معه بشيء من الخصوصية ثم يعدونه بأنهم سائرون على خطاه ومكملون لتعاليمه وفتاواه وأمثلته المتواصلة. وكان بعض المتأثرين بحياته العملية قد نذروا أنفسهم ليصبحوا أناسا أفضل في التعامل مع الآخرين.


ولا زلت أتذكر بوضوح جنازته وآلاف الأشخاص الذين أتوا إلى المنطقة للمشاركة في تشييعه في 6 تموز/ يوليو 2010.


فقد حمل الرفاق جثمانه وطافوا به حول هذه المنطقة، ثم مشوا باتجاه البقعة التي نفذت فيها وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.أيه) والسعودية محاولة لاغتيال السيد عام 1985، التي ذهب ضحيتها 90 شخصا معظمهم من طلاب المدارس والنساء، وقد جرح فيها أكثر من 250 شخصا، ثم عاد الموكب إلى مسجد الإمام الرضا حيث وضع الجثمان. وقد اجتمع آلاف المعزين في المسجد للصلاة قبل بدء مراسم الدفن.


وحضرت الوفود من مختلف المناطق، كما وحضر جميع القادة السياسيون والدينيون باستثناء البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.. الذي امتعض من آراء السيد فضل الله الإيجابية حول أن ديمقراطية الفرد الواحد تعني صوتا واحدا. ولم يكن السيد فضل الله يفضل أن يحكم لبنان الإرث الإستعماري الفرنسي القديم حاليا ويقسم القوى السياسية بناء على معادلات طائفية غير ديمقراطية أساسها الميثاق الوطني الموضوع في باريس عام 1943.


لقد شكّلت وفاته صدمة وحزنا للمنطقة بأسرها، وكانت خسارة نصرته للحوار، والاحترام والوحدة بين جميع الأديان خسارة لا تعوّض. ولم تعرف حياته العملية التي كانت مناصرة للعدالة من أجل فلسطين وإنهاء الإحتلال الصهيوني أي تردّد. وفي بعض التسريبات الإعلامية التي نقلت قبل أيام قليلة على وفاته، سأله أحد الممرضين ما إذا كان يريد شيئا، فأجابه السيد: "لا أريد شيئا سوى انتهاء الإحتلال الصهيوني لفلسطين".


وقد تذكرت نهار الرابع من تموز/ يوليو عندما طلبت مني زينب، الممرضة المناوبة في وحدة التبرع بالدم في مستشفى بهمن، وهي تسكن على بعد مبنى من مكان سكني في حارة حريك، الجلوس لخمس دقائق وشرب العصير الذي قدمته لي قبل أن أمشي تحت شمس بيروت الحارقة.


كنت أن وصديقتي قد تبرعنا بالدم للتو استجابة لطلب من أصدقائنا في مكتب الترجمة التابع للسيد فضل الله الذي يحبه اللبنانيون كثيرا. كان قد دخل المستشفى منذ 12 يوما، لكن النزيف في معدته قد تزايد بشكل مأساوي نهار الجمعة بسبب مضاعفات من مشكلة في الكبد كان يعالجها على مر عدد من السنوات الماضية. وكان السيد فضل الله يعاني أيضا داء السكري وارتفاع ضغط الدم.


وخلال انتظارنا، عادت زينب والدموع تملأ عينيها، وقالت ببساطة: "لقد رحل السيد"، ثم اختفت. وكذلك فعلت صديقتي الشيعية التي ترتدي الحجاب، وكذلك كانت الحال بالنسبة لجميع من كان في ذلك الطابق. وحينذاك قررت أن أنزل على الدرج، وفي طريقي كنت أسمع نواح موظفي المستشفى وعويلهم في جميع الطوابق، وكان كل طابق يبدو أكثر غرابة من الطابق الذي قبله.


وإذ غادرت المدخل الرئيسي لمستشفى بهمن، كنت أفكر في اللقاءات التي فاق عددها العشرة عندما كنت أتشرف بلقاء آية الله العظمى السيد فضل الله وبعض موظفيه خلال السنوات الثلاث الماضية. ومن هذه الزيارات كانت تلك الزيارة التي نظمتها للرئيس السابق جيمي كارتر من مجلس المصلحة الوطنية ومقره في واشنطن العاصمة.


وفجأة، وضع حجرين كبيرين مقابل الشارع المؤدي إلى المستشفى التي عملت على إنشائه جمعية المبرات الخيرية التابعة للسيد. وقد كان المستشفى واحدا من مئات المباني المدنية في حارة حريك جنوبي بيروت التي قصفتها إسرائيل خلال عدوان تموز/ يوليو عام 2006. وكان من نصيب منزل آل فضل الله أن يتحول أيضا إلى ركام.


وسألت نفسي: "كيف حضر هؤلاء الشبان إلى هنا بهذه السرعة؟"، إذ لم يكن قد مر على وفاة مرجع الملايين في الشرق الأوسط سوى بضعة دقائق. فكان منهم أفراد من الوحدات الأمنية وقد ارتدوا القمصان السوداء والقبعات والسراويل، وقد حملوا الأجهزة بأيديهم اليمنى، أما الآخرون فكانوا باللباس المدني وقد وضعوا الحواجز المرورية في أنحاء المنطقة. وقد طلبوا بأدب إزاحة جميع المركبات ومنها الدراجات النارية المركونة على بعد مبنيين على الأقل.


وهؤلاء الشبان الذين أوحى مظهرهم أنهم مقاتلون أشداء كانوا يبكون ويعزون الرجال والنساء الذين بدأوا بالوصول إلى المستشفى لتقديم واجب العزاء، وكانوا يأتون فردا فردا في البداية، ثم أخذوا بالتزايد إلى أن أصبحوا يتدفقون كالأمواج.


وكان يصدر من مكبرات الصوت في المسجد، حيث كان السيد فضل الله منذ قرابة 20 عاما يلقي خطب الجمعة للمؤمنين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أناشيد دينية وآيات من القرآن الكريم لسكان المنطقة المفجوعين والمصدومين بالمصاب. وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعروفة بليلة القدر، ملأ المسجد والشوارع المؤدية إليه أكثر من 50 ألفا من المؤمنين.


وخلال ما سمّي على عجل بالمؤتمر الصحافي، قال آية الله السيد عبدالله الغريفي المعاون الأول للسيد فضل الله: "لقد رحل الأب والقائد والمرجع والإنسان، لقد توفي السيد فضل الله صباح هذا اليوم". وكان إلى جانب السيد الغريفي في المستشفى كل من أبناء السيد وهما السيد علي والسيد جعفر فضل الله اللذين لم يتمكنا من حبس الدموع، شأنهما شأن جميع الحاضرين آنذاك.


ومساء الخامس من تموز/ يوليو الحزين، نال وفد أميركي شرف رؤية جثمان المرجع الشيعي الكبير في لبنان داخل مسجده حيث تقرر دفنه قرابة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم التالي، وتجدر الإشارة إلى أن شرف اللقاء هذا نادر جدا وقد حصل عليه الوفد من كل من عائلة السيد والجهات الأمنية في حزب الله. وقد التقى أفراد المجموعة بطيف كبير من السياسيين اللبنانيين وقادة المقاومة ولكنهم لم يلتقوا أحدا من السفارة الأميركية ذلك أن حكومتهم ستقاطع اليوم الوطني اللبناني للحداد وتشييع "الإرهابي" بحسب معايير واشنطن. وكان أول من أطلق عليه هذه الصفة هو الرئيس الأميركي بيل كلينتون عام 1995 خلال حث اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك) وخلال مواجهة حملة إعادة إنتخابه. أما الرئيس السابق جيمي كارتر فقد وعد خلال زيارة له في حزيران/ يونيو 2009 أنه سيكلم الرئيس أوباما مباشرة حول هذه المهزلة، إلا أنه لم يتمكن من نزع هذه التسمية عن السيد قبل وفاته.


وكان ضمن الوفد الأميركي الذي قدم واجب العزاء سكان من ولايات نيويورك وماساشوستس ونيوجيرسي وكاليفورنيا وهاواي وأوريغون، بالإضافة إلى كاهن كاثوليكي وراهبتين، وكان بعضهم متواجدين في بيروت منذ تأجيل أسطول المساعدة في فك الحصار عن غزة. ولقد شعروا أنهم الممثلون الحقيقيون لبلدهم، وليس لسفارتهم، التي يعتقد بعض اللبنانيين أنها موجودة في لبنان لتعزيز الأجندة الإسرائيلية وليس المصالح الأميركية.
أما وسائل الإعلام الغربي المضلّلة دائما لجمهور الشرق الأوسط فبدأت بنشر آلاف التقارير التي تضمنت عبارات مثل "لقد مات ناقد عنيف للولايات المتحدة". ولكن ذلك بالطبع لم يكن بذي معنى. فلقد كان فضل الله مؤيدا جدا للأميركيين لجهة أنه كان يمجّد المبادئ الأساسية في أميركا، وكانت علاقته بالشعب الأميركي محل تقدير منه ومنهم. وقبل حوالى أسبوعين على وفاته، ترك سريره وهو مريض وقام للقاء مجموعة من الأميركيين القادمين من واشنطن، وكان فعله ذلك مخالفا لرأي الأطباء المعالجين. وفي ذلك اللقاء حث السيد فضل الله زائريه على العمل من أجل الحفاظ على مبادئهم الأساسية التي بني عليها بلدهم، بالإضافة إلى تشجيع الحوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود وإنهاء الإحتلال في المنطقة.


وفي مقلب مماثل لنقد الأميركيين السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، شجب الكثير من المصلّين وراء السيد فضل الله في صلوات الجمعة تسليح إسرائيل ودعم اعتداءاتها المتواصلة.

ولأكثر من خمسين عاما، عمل السيد على "تحديث" الشريعة وجعلها قريبة من شباب هذه الأيام، إذ تحاكي اهتماماتهم، وتوقعاتهم ومخاوفهم ضمن عالم سريعا ما تتقلب أحواله. لقد كان بصدق مفتي الشباب والمرأة، ومرجعهم الذي لم يكن عائقا أمام أحلامهم، بل لطالما بسّط أحكام الشريعة. وكان جاهزا للإجابة على الأسئلة حول أكثر المواضيع المحرمة إجتماعيا وسياسيا. وكان السيد أيضا عدوا للجمود ورافضا للتقاليد بمنحاها الجامد. وكان يصر على طرح جميع الأفكار ضمن النقاشات والمناظرات وإعادة التقديرات، وكان أكثر اهتماما بالإنسان من اهتمامه بالأعراف.
لقد وقّره أتباعه لرؤاه الإجتماعية المعتدلة، وانفتاحه واستشرافه العملي.


ولقد أصدر مراسيم دينية تمنع ختان الإناث، وتدين العنف الداخلي، وقد سمح للمرأة بوضع مساحيق التجميل وطلاء الأظافر الأمر الذي يرفضه بعض العلماء (لابد من الرجوع للرسالة الفقهية للنظر في شروط ذلك لدى السيد) ، كما وشدد على أن المرأة يمكن أن تقاوم زوجها إذا ما آذاها جسديا. وقد أيد المساواة بين الرجل والمرأة بشكل كبير. ورفض سفك الدم في عاشوراء، وكما حزب الله فقد حث أتباعه على التبرع بالدم لهيئة الهلال الأحمر بدلا من سفكه. وعارض الدعوة إلى "الجهاد" أو الحرب المقدسة التي كان يقودها بن لادن ودرس قضية حركة الطالبان الأفغانية فصورها على أنها طائفة خارجة عن الإسلام، وكان من أوائل المدينين لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر. وعارض السيد فضل الله "الهجمات الإنتحارية" ولكنه ميّزها عن حق الفرد الواحد في أن يضحي بنفسه كسلاح في حرب متنافرة ضد المعتدين.


ولقد أيد السيد فضل الله الثورة الإسلامية في إيران، كما وأيد المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وفي العام 2009، ومجددا خلال لقاء مع الأميركيين، وكان من بينهم يهود، كرّر فضل الله، الذي تتحدر عائلته من قرية عيناثا الجنوبية، الدعوة إلى حوار إسلامي يهودي كجزء من الجهود الهادفة إلى التقريب بين الأديان وردم الفجوة بين الأديان المختلفة، ورفض أي نوع من الإساءة لليهود والمسلمين في أي من الدول العربية والإسلامية. إلا أنه شدد أمام الوفد على أهمية الحوار الإسلامي اليهودي بعيدا عن التأثير الصهيوني، وأكد على أن اليهود بحاجة إلى أن يتحرروا من دائرة الصهيونية العالمية، بالإضافة إلى وجوب مواجهة إسرائيل بسبب احتلالها الأراضي العربية.
ورحب السيد فضل الله بانتخاب باراك أوباما في الولايات المتحدة، مصرحا لصحيفة "وول ستريت جورنال" عام 2009 أن "بعض عبارات أوباما تظهر إيمانه بأسلوب الحوار". وأضاف السيد: "ليس لدينا أي مشكلة مع أي رئيس أميركي، لكن المشكلة تكمن في السياسة التي يعتمدها والتي قد تؤثر على مصالحنا الإستراتيجية". وقد أخبر زواره فيما بعد عن خيبة أمله بسياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، متهما إياه بأنه كان "تحت ضغط" الداعمين لإسرائيل وأنه "ليس الرجل الذي يحمل خطة للسلام".
كان للسيد محمد حسين فضل الله شهرة واسعة الإنتشار حول تقواه ومعرفته من خلال تعاليمه والكتب والرسالات التي ألفها والتي فاق عددها الأربعين. وقد أسس مدارس دينية ومؤسسات وعيادات ومكتبات ضمن إطار عمل جمعية المبرات الخيرية.
وبالخلاصة، كان السيد محمد حسين فضل الله محدّثا كثير الإعتدال والتطور والتأثير، ومؤيدا للمحرومين إلى حد لم تتحمله الولايات المتحدة وإسرائيل.
فكلا هذين الطرفين يحتاج إلى علماء من الإسلام المقولب والمتطرف لتشويه سمعة المنطقة. لا ريب أن الموساد قد استهدف السيد عددا من المرات ومنها خلال العدوان الإسرائيلي في تموز/ يوليو عام 2006.

لقد تأثر جيل بأكمله بالسيد محمد حسين فضل الله واستمعوا إليه ودرسوا كتاباته الوافرة. والآن ثمة جيلين ممّن يشعرون بالفراغ عقب وفاته.
لقد كان السيد محمد حسين فضل الله رجلا نادرا ذا روح ملائكية مرحة وكانت تعاليمه فريدة من نوعها. كان مثالا رائعا للطف والتواضع والأنس.
وفي بعض الأحيان، في دفاعه عن حقوق المسلمين والمسيحيين واليهود وجميع المؤمنين وغير المؤمنين من أصحاب النوايا الحسنة، كانت تتغير ملامح وجهه فيغطيها الحزن وتذوب ابتسامة عينيه في دوامة مظلمة. كان في قلب السيد إيمان بحق مقاومة الظلم والإحتلال والمسؤولية تجاه تطبيقها. كان رجلا لكل الفصول، فلم يسمح له ضميره ولا ورعه بالتواني عن النضال ورفع الصوت من أجل نصرة الفقراء والمهانين والسكوت عن احتلال لبنان وفلسطين البلدين اللذين لطالما أحبهما. ولهذا السبب دونا عن غيره أصبح اسم السيد على لائحة الإرهاب الأميركية بصفة "إرهابي متخصص" الموجودة في مكتب وزارة الخزينة الأميركية للتحكم بالممتلكات الخارجية، وتمت مصادرة ممتلكاته الخيرية الأميركية.
وشأنه شأن "طوماس مور"، فقد رفض السيد فضل الله الإغراءات والرشاوى التي تضمنت حذف إسمه عن لائحة الإرهاب في واشنطن إذا ما انصاع لرغبات الملوك وأوقف تأيده للمقاومة الوطنية اللبنانية. إلا أنه جعل من ذلك الإتهام الباطل وسام شرف على صدره من خلال نشاطاته اليومية التي سخرت من أصحاب تلك اللائحة وجعلتهم يتسمون بالعار والجبن لتضييع القيم الأميركية الأساسية عبر تمويل المشروع الصهيوني الإستعماري الذي سلب أرض فلسطين فضلا عن تسليحه وتأمين الغطاء السياسي له.
ومع مرور الأشهر بعد رحيل السيد فضل الله، يتعمق فهم عظمة ذلك الخادم الشعبي وقيمة إنجازاته شيئا فشيئا. وبعد أربعين الإمام الحسين (ع)، قمت بزيارة برفقة إثنين من العاملين المقربين لدى آل فضل الله، وقد تساءلا عما إذا كان مستقبل وكالة الخدمة الإجتماعية التابعة للسيد، أي جمعية المبرات، سيتغير بغياب قائد هذه الجمعية، فيتقلص عدد المدارس وهو 30 حاليا، وتتراجع التسهيلات الطبية، ووكالات الخدمة الإجتماعية. كانا قلقين من أن تؤدي وفاته إلى تلاشي العمل الذي قام به طيلة مسيرة حياته وعدم القدرة على تلبية حاجات المجتمع المتزايدة.
أما هذا الصباح فقد أخبرني أحد المعاونين الكبار في مكتب الراحل السيد فضل الله أن خطة المبرات ورؤيتها، وبفضل براعة السيد فضل الله الإدارية، قوية وآخذة في التوسع وسوف تخدم المجتمع وقتا طويلا.
فليرحم الله روح السيد محمد حسين فضل الله إلى الأبد.
يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
[email protected]

المصدر: موقع المنار
14-02-2012 - 13:51 آخر تحديث 14-02-2012 - 14:22 | 3437 قراءة